شكّلت السهرة الغنائية للفنانة إليسا في مهرجان «أعياد بيروت» مسك الختام المُنتظر لحدث يُلوّن العاصمة في موعده من كل عام. حمل الحفل الرقم 9 بعد 8 سهرات متتالية نظَّمها المهرجان منذ 8 يوليو (تموز) وحتى 28 منه.

افتتحته إليسا بأغنيتها «بحبّك متل بيروت» بعدما أدّى الإعلامي نيشان ديرهاروتونيان مهمّة عرّاف الحفل، فذكّر بأنه هذه المرة رغب في تقديم إليسا بشكل مختلف. وعرَّف عنها بـ«ابنة زكريا الخوري» من بلدة دير الأحمر في شمال لبنان، فهي لطالما تحدّثت في حواراتها الإعلامية عن تأثّرها بوالدها وفخرها به، وبأنّ رحيله ترك فيها غصّة لن تنساها. فحاول ديرهاروتونيان تعزيتها على طريقته، مُستذكراً أحد أهم الأشخاص في حياتها.
وكانت الفرقة الموسيقية قد استهلَّت الحفل بعزف مقطوعة موسيقية لزياد الرحباني؛ وهي مقدّمة مسرحية «ميس الريم» التي ألّفها عام 1975.

ومن ثم طلب نيشان من الحضور التصفيق لدقيقة واحدة لروح الفنان الراحل، لتطلّ بعدها إليسا بالأبيض، مُحتفية بمدينة تنبض من جديد بالفنون والثقافة. وعلى شاشة عملاقة تتوسَّط المسرح، عُرض تقرير مُصوَّر عن أهم محطّاتها الفنّية.
رحّبت الفنانة بالحضور وألقت التحية على العاصمة: «أهلاً وسهلاً ببيروت مدينة الحياة، التي علّمنا الرحابنة بأنها نموذج لثقافة الحبّ. لقد خسرنا عبقرياً وقامة فنّية كبيرة من بلدي. واليوم، لنكرّمه ونعزّي والدته (ستّ الكلّ) فيروز، سأغنّي واحدة من أعظم ألحانه: (سألوني الناس)».

تميَّز الحفل عن سابقيه على مدى السنوات الماضية في «أعياد بيروت»؛ إذ سادت أجواء الفرح بين الحضور الذي لم يتوقّف لحظة عن التفاعل مع الفنانة الأحبّ إلى قلبه. أما إليسا، فبدت كأنها تشهد ولادة جديدة لمشوارها عبر تاريخ بيروت. فكانت مرتاحة ومعتزّة بجمهور احتشد بالآلاف لحضورها، كأنها تطير في سماء عاصمة نفضت للتوّ الغبار عن كاهلها، فانقشعت ملامح وجهها الحقيقي بصوتها العذب. وقدّمت مجموعة من أجمل ما غنّت منذ بدايتها حتى اليوم، ولوّنتها بأغنيات للراحلَيْن سلوى القطريب وملحم بركات، فكانت مثل مَن ينثر الياسمين في عزّ الصيف على مدينة اشتاقت إلى عطرها الحقيقي.
وكما أغنيتها «بدك تعرف لمّا بشوفك أنا شو بحسّ»، التي أدّتها بداية، كانت إليسا تشعر كأن الدنيا ملكٌ لها فقط، وهو تماماً ما تتألَّف منه كلمات هذه الأغنية.
وذكرت عبارة «أحبكم» أكثر من مرّة، مُتوجّهة إلى جمهورها في «أعياد بيروت»، كأنها كانت ترغب في بلسمة جراحه على طريقتها، وليكونوا «اتز أوكي»، وفق عبارتها الشهيرة. وكانت في كل مرّة يعلو التصفيق ويُردّد الحضور كلمات أغنياتها، تقول: «شو حلوة إنتِ يا بيروت».

لم يخلُ الحفل من مفاجآت متتالية، استهلّتها الفنانة بتقديم هدية رمزية للناس قبل دخولهم إلى المدرّجات، تمثّلت ببطاقة كُتب عليها «أينما أخذتكم الحياة، تذكّروا بأنكم كنتم جزءاً من لحظات خالدة»، وأرفقتها بصورة مغناطيسية لها كُتب عليها «حبّك متل بيروت».
أما المفاجأة الثانية فتألّفت من ديو غنائي ارتجالي قدّمته مع الفنانة كارول سماحة مباشرة على المسرح، إذ دعتها لتشاركها غناء «خدني معك» للراحلة سلوى القطريب، فشكّلتا معاً لوحة غنائية استثنائية لم يسبق أن شاهدها اللبنانيون.
وعندما صدح صوت إليسا بأغنية «سلِّم عليها يا هوا» للراحل ملحم بركات، حملت العلم اللبناني على كتفَيْها، ومن ثم عانقته وضمّته صارخة: «بيروت لبنان». وعلى وَقْع المفرقعات النارية التي ملأت سماء الواجهة البحرية، مكان الحفل، غنَّت إليسا: «حنغني كمان وكمان».


