من ذاكرة «مهرجان أفلام السعودية»، تعود أبرز «أفلام النخلة الذهبية» إلى الشاشة من جديد، ليس بوصفها أعمالاً فائزة فحسب، بل كذلك بوصفها شواهد على تحوّلات السينما السعودية في العقد الأخير، وذلك ضمن تعاون مشترك بين «مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)» و«جمعية السينما»، في برنامج «أفلام النخلة الذهبية»، الذي يأتي خلال الفترة من 26 إلى 28 يونيو (حزيران) الحالي؛ بهدف الاحتفاء بمجموعة من الأفلام التي نالت جوائز «النخلة الذهبية» في دورات المهرجان السابقة.

بين الكوميديا والدراما
ويُقام هذا البرنامج بوصفه امتداداً لنهج المهرجان في دعم صنّاع الأفلام بعد تتويجهم، من خلال إتاحة أعمالهم الفائزة للعرض مجدداً في سياقات ثقافية مختلفة، بما يثري فرص التلقي والتأمل النقدي. ويفتتح البرنامج يومه الأول مساء الخميس بعروض تجمع الكوميديا والدراما، حيث تنقسم إلى مجموعتين تعبّران عن تنوع الحس الفكاهي. تضم المجموعة الأولى 4 أفلام قصيرة هي: «بيضة تمردت» للمخرج سلطان ربيع، و«المدرسة القديمة» لعبد الله الخميس، و«قن» لمجتبى الحجي، و«يوم سعيد» لمحمد الزوعري، وتقدم هذه الأعمال رؤية ساخرة للحياة اليومية تتراوح بين العبث والمفارقة.
أما المجموعة الثانية، فتأخذ طابعاً درامياً اجتماعياً، وهي: فيلم «لسان» للمخرج محمد السلمان، الذي يواجه فيه فلاحٌ بسيطٌ أزمة وجودية بين العاطفة والإرث، وفيلم «وسطي» للمخرج علي الكلثمي، الذي يعيد تمثيل حادثة واقعية شهدتها جامعة سعودية، حين اصطدم عرض مسرحي بالاحتجاجات المناهضة للفن، في مفارقة بين التعبير الجمالي والنزعة المحافظة.

عروض وثائقية
وفي اليوم الثاني، يركّز البرنامج على الأفلام الوثائقية، حيث تُعرض 3 أفلام تنقل نبض الشارع، وتلامس تفاصيل الواقع السعودي من زوايا مختلفة. ويبدأ العرض بفيلم «جوي» للمخرجة فايزة أمبا، متتبعاً تجربة 3 فتيان مع مشروع «سينما الحارة» في جدة، يليه فيلم «دينمو السوق» لعلي باقر، الذي يرصد يوماً من حياة رجل ستيني يعمل دلالاً في سوق الحراج، ثم فيلم «أصفر» للمخرج محمد سلمان، الذي يستعيد مشهد سيارات الأجرة الصفراء بوصفها علامة زمنية منقرضة.
أما اليوم الثالث، فيشهد عروضاً روائية درامية تتخللها ندوة ثقافية موسعة. تبدأ العروض بفيلم «أجراس بافلوف» للمخرج خالد فهد، الذي يتناول فكرة الاستجابة النفسية ضمن معالجة تجريبية، ثم فيلم «ميرا ميرا ميرا» لخالد زيدان، حيث يفقد البطل صوته ولا ينطق إلا بكلمة واحدة تقوده نحو اكتشاف غامض في حيّ آيل للهدم.
وفي «أغنية البجعة» للمخرجة هناء العمير، يُعاد تقديم نص تشيخوف بأسلوب يحمل طيفاً من التأمل الذاتي والانكشاف المسرحي، بينما يرسم فيلم «قصة صالح» لزكي العبد الله ملامح كدّ يومي لفتى يعمل على توصيل الخضراوات لتأمين راحة والده المسن. ويُختتم اليوم بفيلم «هوبال» للمخرج عبد العزيز الشلاحي، الذي يعود إلى ما بعد حرب الخليج ليسرد حكاية عائلة بدوية تواجه شبح المرض وسط عزلة الصحراء.

ندوة سينمائية
وتُعقد في منتصف عروض اليوم الأخير ندوة بعنوان «السينما السعودية حتى 2025»، يقدّمها الباحث الدكتور محمد البشير، وتسلّط الضوء على التحولات البنيوية التي شهدتها الصناعة خلال السنوات الأخيرة، كما تناقش الندوة انتقال التجربة من المبادرات الفردية إلى الحضور المؤسساتي، ومن المعالجة التوثيقية إلى تأسيس لغة سردية ناضجة، كما تتأمل تفاعل الجمهور، وتبدلات الذائقة، والأثر الاجتماعي المتصاعد، مستندةً إلى كتاب الدكتور البشير الذي يحمل الاسم نفسه.
من ناحيتها، أكدت ندى اللحيدان، مديرة البرامج في «مهرجان أفلام السعودية»، أن البرنامج يندرج ضمن رؤية «مهرجان أفلام السعودية» لتوسيع فضاءات التلقي والاحتفاء بمخرجاته، بما يتجاوز الدورة السنوية نحو مبادرات عرض تمتد محلياً ودولياً. وأضافت أن هذا التوجّه أثمر تجارب متنوّعة، كان من أبرزها تقديم برنامج «أفلام النخلة الذهبية» في سينما «حي» بجدة وسينما «الجديدة» في العلا، فيما امتد الأثر دولياً عبر التعاون الأخير مع مهرجان «شورت شورتس» السينمائي في طوكيو، حيث عُرضت مجموعة من الأفلام السعودية الفائزة ضمن برنامجه الرسمي.







