متحف «اللوفر» مُعطَّل... والموناليزا «مُحاصَرة»

إضراب غير مسبوق يشلُّه... والضغوط تُهدِّد تراث فرنسا الفنّي

عالقون عند «بوابة الفنّ»... (أ.ب)
عالقون عند «بوابة الفنّ»... (أ.ب)
TT

متحف «اللوفر» مُعطَّل... والموناليزا «مُحاصَرة»

عالقون عند «بوابة الفنّ»... (أ.ب)
عالقون عند «بوابة الفنّ»... (أ.ب)

صمد متحف «اللوفر»، الأكثر زيارة في العالم والرمز العالمي للفن والجمال والديمومة، في وجه الحروب والإرهاب والوباء، لكنه توقّف عن العمل، الاثنين، بسبب إضراب موظفيه الذين يقولون إنّ المؤسسة تنهار تحت وطأة «السياحة الجماعية».

كان مشهداً لا يمكن تصوّره: موطن أعمال ليوناردو دافنشي وأعظم كنوز الحضارة على مدى آلاف السنين، بدا مشلولاً من قبل الأشخاص أنفسهم المكلَّفين الترحيب بالعالم في صالات العرض.

واحتشد آلاف الزوّار العالقين والمُربَكين، حاملين تذاكرهم، في طوابير لا تتحرَّك بجوار «الهرم الزجاجي» الذي صمّمه المعماري الأميركي من أصل صيني آي إم باي.

وفي هذا السياق، نقلت «أسوشييتد برس» عن كيفن وارد (62 عاماً) من ميلووكي بالولايات المتحدة، قوله: «إنه أنين (الموناليزا) هنا. آلاف الناس ينتظرون، بلا اتصال وبلا تفسير. أعتقد أنها حتى هي تحتاج إلى يوم عطلة».

وأصبح متحف «اللوفر» رمزاً للسياحة التي وصلت إلى أقصى حدودها. وفي الوقت الذي تسعى فيه الوجهات السياحية الشهيرة من البندقية إلى الأكروبوليس إلى الحدّ من الازدحام، يصل المتحف الأوسع شهرة في العالم، الذي يزوره الملايين، إلى نقطة الانهيار.

قبل يوم واحد فقط، اجتاحت احتجاجات منسّقة ضدّ السياحة جنوب أوروبا، فتجمَّع الآلاف في مايوركا والبندقية ولشبونة... وغيرها، مندّدين بنموذج اقتصادي يقولون إنه يُرهق السكان المحلّيين ويؤدّي إلى تآكل الحياة في المدن. وفي برشلونة، رشَّ النشطاءُ السياحَ بمسدسات مائية، في محاولة مسرحية تهدف إلى «تهدئة» السياحة الجامحة.

صراعات لا تُرى خلف الجدران (رويترز)

كما اندلع الإضراب العفوي في متحف «اللوفر» خلال اجتماع داخلي روتيني، حيث رفض موظّفو المعرض وموظّفو التذاكر وأفراد الأمن تولّي مَهامهم؛ احتجاجاً على الحشود التي لا يمكن السيطرة عليها، والنقص المزمن في الموظّفين، وما وصفته إحدى النقابات بظروف العمل «غير المُحتملة».

من النادر أن يُغلِق «اللوفر» أبوابه. وقد حدث ذلك خلال الحرب، وفي أثناء الجائحة، وعدد قليل من الإضرابات، بما فيها الإضرابات العفوية بسبب الازدحام عام 2019، والمخاوف الأمنية عام 2013. ولكن نادراً ما حدث ذلك بشكل مفاجئ، من دون سابق إنذار، وعلى مرأى من الحشود.

علاوة على ذلك، تأتي هذه الاضطرابات بعد أشهر قليلة من كشف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن خطّة شاملة مدّتها 10 سنوات لإنقاذ المتحف من المشكلات التي تتفاقم الآن؛ وهي تسرب المياه، والتقلّبات الخطيرة في درجات الحرارة، والبنية التحتية القديمة، وحركة المشاة التي تتجاوز بكثير ما يمكنه تحمّله.

لكن بالنسبة إلى العاملين في الميدان، «يبدو المستقبل الموعود بعيد المنال»؛ قالت موظّفة الاستقبال في المتحف ومسؤولة خدمة الزوّار، سارة سيفيان: «لا يمكننا الانتظار 6 أعوام للحصول على المساعدة. فرقنا تتعرَّض لضغوط الآن. الأمر لا يتعلَّق بالفن فحسب، وإنما بالناس الذين يحمونه».

حشود «الموناليزا» اليومية

رمز الجمال في مأزق (أ.ب)

تقع «الموناليزا» في قلب كل ذلك. لوحة من القرن الـ16 تجذب حشوداً معاصرة تُشبه حشود حفلات استقبال المشاهير أكثرَ منها تجربة فنّية.

يحتشد نحو 20 ألف شخص يومياً في قاعة «Salle des États» الكبرى في المتحف، فقط لالتقاط صورة «سيلفي» مع المرأة الغامضة التي رسمها ليوناردو دافنشي، والموجودة خلف زجاج واقٍ. غالباً ما يكون المشهد صاخباً ومزدحماً ومكتظّاً حدَّ أنّ كثيرين بالكاد يُلقون نظرة على التحف الفنّية المحيطة بها؛ منها أعمال «تيتيان» و«فيرونيز» التي تُتجاهل غالباً.

وقال جي هيون بارك (28 عاماً) الذي سافر من سيول إلى باريس: «أنت لا ترى لوحة. أنت ترى هواتف. أنت ترى أكتافاً. تشعر بالحرارة. ثم تُدفع إلى الخارج».

يَعِدُ مشروع ماكرون لتجديد المتحف، الذي أُطلق عليه اسم «نهضة اللوفر الجديدة»، بحلّ لهذه المشكلة. ستحصل «الموناليزا» أخيراً على غرفة مخصّصة لها، يمكن الوصول إليها من خلال تذكرة دخول محدّدة الوقت. ومن المقرَّر أيضاً إنشاء مدخل جديد بالقرب من نهر السين بحلول عام 2031 لتخفيف الضغط عن مركز «الهرم» المزدحم.

وقال ماكرون في يناير (كانون الثاني) الماضي: «ستكون ظروف العرض والشرح والتقديم على مستوى ما تستحقه (الموناليزا)».

لكن عمال «اللوفر» يصفون تصريحات ماكرون بالنفاق، ويقولون إنّ خطة التجديد التي تتراوح تكلفتها بين 700 و800 مليون يورو (730 إلى 834 مليون دولار) تُخفي أزمة أعمق. فبينما يستثمر ماكرون في مداخل جديدة ومساحات عرض، فقد تقلّصت الإعانات التشغيلية السنوية التي يتلقّاها «اللوفر» من الدولة الفرنسية بأكثر من 20 في المائة خلال العقد الماضي، رغم ارتفاع أعداد الزوّار.

وعلَّقت سيفيان: «إلقاء الرئيس خطاباته هنا في متحفنا أمر سيئ جداً... وعندما ننظر إلى ما وراء السطح، نجد أن الاستثمار المالي للدولة يزداد سوءاً عاماً بعد عام».

آلاف الزوّار ينتظرون تحت شمس باريس (أ.ب)

وبينما يخطّط عدد من الموظّفين المُضربين للبقاء خارج الخدمة طوال اليوم، قالت سيفيان إنّ بعض العمال قد يعودون مؤقتاً لفتح «مسار التحف الفنّية» المحدود لساعات؛ مما يسمح بالوصول إلى بعض المعالم البارزة، بما فيها «الموناليزا» و«فينوس دي ميلو». وربما يُعاد فتح المتحف بالكامل كالمعتاد، الأربعاء، وقد يُسمح لبعض السيّاح الذين لديهم تذاكر صالحة ليوم الاثنين بإعادة استخدامها في ذلك اليوم.

متحف في حالة من عدم اليقين

وقد استقبل متحف «اللوفر» 8.7 مليون زائر العام الماضي؛ وهو عدد أكثر من ضعف ما صُمِّمت بنيته التحتية لاستيعابه. حتى مع وجود حدّ أقصى يوميّ يبلغ 30 ألف زائر، فإن الموظفين يقولون إنّ التجربة أصبحت اختباراً يومياً للقدرة على التحمُّل، مع قلّة أماكن الراحة، ومحدودية الحمّامات، وحرارة الصيف التي تُضخّمها تأثيرات الاحتباس الحراري لـ«الهرم».

وفي مذكرة مسرَّبة، حذَّرت رئيسة المتحف، لورانس دي كار، بأنّ أجزاء من المبنى «لم تعُد مانعة لتسرُّب المياه... وتقلّبات درجات الحرارة تُعرّض الأعمال الفنّية التي لا تقدَّر بثمن للخطر، وحتى الحاجات الأساسية للزوار (الطعام والحمّامات واللافتات) أقل بكثير من المعايير الدولية». ووصفت التجربة ببساطة بأنها «محنة جسدية».

بدورها، علَّقت سيفيان: «ما بدأ جلسةً إعلاميةً شهريةً مجدولةً تحوَّل إلى تعبير جماعي عن السخط». بدأت المحادثات بين العمال والإدارة عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً واستمرَّت حتى بعد الظهر.

ومن المتوقَّع تمويل خطة التجديد الكاملة من خلال عائدات التذاكر، والتبرّعات الخاصة، والأموال الحكومية، ورسوم الترخيص من فرع متحف «اللوفر» في أبوظبي؛ وأيضاً أن ترتفع أسعار التذاكر للسيّاح من خارج «الاتحاد الأوروبي» في وقت لاحق من هذا العام.

لكن العمال يقولون إنّ حاجاتهم أشد إلحاحاً من أي خطة مدّتها 10 سنوات.

وعلى عكس المواقع الرئيسية الأخرى في باريس، مثل «كاتدرائية نوتردام» أو «متحف مركز بومبيدو»، اللذين يخضعان لعمليات ترميم مدعومة من الحكومة، لا يزال متحف «اللوفر» عالقاً في مأزق، فهو لا يتمتَّع بتمويل كامل ولا يعمل بكامل طاقته.

وقد وعد الرئيس ماكرون، الذي ألقى خطاب فوزه في انتخابات 2017 من المتحف وعرضه خلال «دورة الألعاب الأولمبية (باريس 2024)»، بمتحف أعلى أماناً وحداثة بحلول نهاية العقد.

وحتى ذلك الحين، يظلّ أعظم كنز ثقافي لفرنسا، بالملايين الذين يتدفّقون لرؤيته، عالقاً بين الأزمات.


مقالات ذات صلة

توجيه اتهامات إلى شخص رابع يُشتبه في مشاركته بسرقة متحف اللوفر

أوروبا جنود فرنسيون يقومون بدورية أمام متحف اللوفر (أ.ب) play-circle

توجيه اتهامات إلى شخص رابع يُشتبه في مشاركته بسرقة متحف اللوفر

وُجهت اتهامات في قضية سرقة متحف اللوفر إلى شخص رابع يُشتبه في مشاركته بعملية السطو، ومثُل أمام قاضٍ في باريس، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق استضاف حفل الافتتاح نخبة من جامعي الأعمال الفنية وخبراء الفن من مختلف أنحاء العالم (متاحف قطر)

إطلاق متحف الفنان الهندي مقبول فدا حسين في الدوحة

افتتح في الدوحة، أمس، «لوح وقلم: متحف مقبول فدا حسين»، وهو معلم ثقافي فريد يُخلّد الإرث الإبداعي لأحد أبرز أعمدة الفن الحديث في العالم، مقبول فدا حسين. …

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
يوميات الشرق المتحف المصري بالتحرير (صفحة المتحف على «فيسبوك»)

مصر لتطوير «متحف التحرير» ليعكس «روح الحضارة»

تسعى مصر لتطوير متحفها الأقدم «المتحف المصري بميدان التحرير»، لتعزيز دوره باعتباره أحد أهم المتاحف العالمية، ورمزاً لتاريخ الفن المصري القديم.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا أفراد من الشرطة الفرنسية يقفون بجوار مصعد استخدمه اللصوص لدخول متحف اللوفر على رصيف فرنسوا ميتران في باريس... 19 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

الادعاء الفرنسي يوقف 4 أشخاص على صلة بسرقة متحف اللوفر

أوقفت السلطات الفرنسية، الثلاثاء، 4 أشخاص آخرين، على خلفية التحقيق بشأن سرقة مجوهرات من التاج الملكي الفرنسي من متحف اللوفر الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تطوير العرض المتحفي لـ«قاعة الخبيئة» بمتحف الأقصر للفن المصري القديم (وزارة السياحة والآثار)

مصر لتطوير سيناريو العرض المتحفي لـ«خبيئة الأقصر»

تسعى مصر لإبراز «خبيئة الأقصر» في متحف الأقصر للفن المصري القديم؛ إذ أعلن المجلس الأعلى للآثار مواصلة أعمال تطوير سيناريو العرض المتحفي لها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
TT

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)

في «عيد الكاريكاتير المصري» الخامس، يحتفي فنانون من مصر والبلاد العربية وأوروبا بـ«المتحف المصري الكبير»، وبمرور مائة عام على ميلاد فنان الكاريكاتير أحمد طوغان، أحد رموز مدرسة الكاريكاتير المصرية.

المعرض الاستثنائي، الذي افتتحه الفنان محمد عبلة، الخميس، ويستمر حتى 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يضمُّ 150 لوحة، وتستضيفه قاعتا «نهضة مصر» و«إيزيس» في «مركز محمود مختار الثقافي» بالقاهرة، ضمن مبادرة «فرحانين بالمتحف الكبير ولسه متاحف مصر كتير» التي أطلقتها مصر بهدف تعزيز ارتباط المواطنين بتراثهم الثقافي والفني.

لوحة الفنان الأردني محمود الرفاعي (الشرق الأوسط)

وقال الفنان فوزي مرسي، قوميسير المعرض، إن الأعمال التي شاركت في الاحتفاء بمئوية طوغان اقتصرت على الفنانين المصريين، وجاءت بأساليب متعددة؛ فمنهم من رسمه وهو يحمل ريشته كسلاح لمواجهة الفساد ومشكلات المجتمع وعيوبه، مثل الفنان مصطفى الشيخ، في حين صوّره الفنان حسني عباس في لوحة معبّرة وهو يحمل ريشته كشعلة يضيء بها الظلام من حوله، في إشارة إلى ما قدّمه طوغان عبر مسيرته في فن الكاريكاتير. أما في لوحة لخضر حسن، فجاء تصويره لطوغان وهو يحمل قلماً تنطلق منه رصاصات ضد الفساد وأمراض المجتمع.

ويضيف مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «جاءت أبرز المشاركات العربية في (عيد الكاريكاتير) من الإمارات، من خلال عمل للفنانة آمنة الحمادي. ومن السعودية حيث شارك الفنان أمين الحبارة بلوحة رسم في قلبها هرماً كبيراً تتصدره راية مصر، وتظهر خلفه مجموعة من الأهرامات. ومن الأردن شارك الفنان محمود الرفاعي، وقد كرّمته جمعية الكاريكاتير وأهدته درعها تقديراً له. واحتفت لوحته بالمتحف المصري الكبير عبر رموز فرعونية وقبطية وإسلامية وفنية وثقافية، رآها عناصر أساسية في تشكيل الشخصية المصرية، وجعل الأهرامات وأبو الهول في قلبها بوصفهما العماد الذي تقوم عليه حضارة مصر».

طوغان يحمل شعلة مضيئة... لوحة الفنان حسني عباس (الشرق الأوسط)

لوحاتُ الفنانين الأجانب عبّرت عن سعادتهم بافتتاح المتحف، وقدّموا أعمالاً رسموها خصيصاً لـ«عيد الكاريكاتير». وجاءت بعض المشاركات من الصين وبولندا وإسبانيا، ومن أوروغواي التي شارك منها الفنان لويس هارو بلوحةٍ رسم في قلبها فارساً فرعونياً يرحّب بزيارة المتحف. كما ركّزت لوحات فناني أوكرانيا على إبراز عناصر مصرية خاصة، من بينها أبو الهول والأهرامات و«حورس» والكباش، فجاءت بمثابة رسالة سلام ترحِّب بافتتاح المتحف الكبير وتدعو إلى زيارته.

أمّا لوحات الفنانين المصريين التي شاركت في الاحتفال بالمتحف، فقد اتخذ بعضها منحًى اجتماعياً ساخراً، منها عملٌ للفنان سعيد أبو العينين صوَّر فيه زوجةً تهاتف والدتها مستنجدةً بها من زوجها وابنها، مشيرةً إلى أنهما بعد افتتاح المتحف «تفرعنا» عليها، في إشارة إلى استعراضهما القوة أمامها. وقد اتخذ الفنانان عمرو سليم ودعاء العدل المنحى الساخر نفسه في أعمالهما.

لوحة الفنان الأوكراني كازانيفسكي (الشرق الأوسط)

«تركّزت لوحات الرسامين الأجانب المشاركة على الصورة، بخلاف المصريين الذين كان لتعبيرهم بالكلمات دورٌ أساسي في تشكيل أعمالهم وتكويناتها»، وفق الفنان سمير عبد الغني، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «(عيد الكاريكاتير) في دورته الخامسة يتشكّل من موضوعين: الأول الاحتفال بافتتاح المتحف الكبير، والثاني مئوية ميلاد طوغان».

وأضاف عبد الغني: «في كل الدورات السابقة كانت المشاركة تقتصر على فناني مصر، لكن هذه السنة كانت متميّزة، خصوصاً بمناسبة افتتاح المتحف الكبير؛ لذا وجّهنا دعوات إلى فنانين من بلدان كثيرة للمشاركة. وتميّزت لوحاتهم بوعي بصري كبير اشتغلوا من خلاله على الصورة التي سيطرت على التكوين، بخلاف لوحات المصريين التي ينقسم تشكيلها بين الرسم والتعبير اللغوي. والفرق بيننا وبينهم، كما أرى، نابعٌ من أنهم يشتغلون على فكرة سبعة آلاف سنة حضارة، والمومياوات، والضوء الذي يخرج من قلب عالمنا الخاص الساحر الزاخر بالعظمة منذ آلاف السنين، ومن هنا جاءت رسوماتهم مختلفة، بخلاف أعمال المصريين التي اتسمت بالوضوح والمباشرة».

لوحة الفنان جورج رودريغيز من فنزويلا (الشرق الأوسط)

تعود الفروق بين مساهمات فناني مصر والمشاركات الأجنبية، حسب عبد الغني، إلى ما يمكن تسميته بـ«الوعي البصري» المرتبط بثقافة الفنانين الأجانب، التي تتغذّى على زيارة المتاحف وما تضمه من آثار وتحف مصرية قديمة، إضافة إلى الاهتمام المبكر بالصورة عبر التعليم في مراحله المختلفة. أمّا الفنانون المصريون، فيأتي تعبيرهم في رسوم الكاريكاتير متأثّراً بسيطرة التعبير اللغوي في كثير من فنوننا، منها الأغنية والنكتة. ولعل أعمال مصطفى حسين، وأحمد رجب، وصلاح جاهين، وحجازي، وبهجت عثمان، وغيرهم كثيرون، خير تمثيل لذلك.

ورحّبت وزارة الثقافة المصرية بالمعرض، مشيرةً في بيان إلى أن «عيد الكاريكاتير» يهدف إلى ترسيخ الشعور بالهوية المصرية، وإعادة تسليط الضوء على ما تمتلكه مصر من متاحف وقيمة حضارية فريدة، إضافةً إلى تشجيع المشاركة المجتمعية في الفعاليات الثقافية والفنية التي تنظمها المتاحف المصرية، وتعميق الوعي بدورها بوصفها جسوراً تربط المصريين بتاريخهم العريق، وتغرس الانتماء من خلال الاحتفاء بموروثهم الإنساني والحضاري.

وتعكس الأعمال المشاركة تنوّعاً بصرياً وفنياً لافتاً؛ إذ تجمع بين النقد المرح، والفلسفة الساخرة، والطرح الإنساني، بما يمنح الجمهور تجربةً غنية تُبرز قدرة الكاريكاتير على تناول القضايا الكبرى بلغة فنية جذابة وقريبة من الناس.


من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
TT

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)

هل تجد صعوبة في إبقاء عينيك مفتوحتين بعد الغداء؟ كثيراً ما يبدأ الناس يومهم بنشاط ثم تنهار طاقتهم بعد الغداء. هناك العديد من الأسباب التي تجعل الأشخاص يشعرون بانخفاض نشاطهم في فترة ما بعد الظهر، وخاصةً بين الساعة الواحدة ظهراً والرابعة عصراً.

كشف الدكتور أنتوني ريفي، اختصاصي النوم السلوكي في مركز هنري فورد الصحي: «الإيقاع اليومي الطبيعي لجسمنا، وهو الساعة الداخلية التي تعمل على مدار 24 ساعة وتساعد على تنظيم عملياتنا البيولوجية، يرسل إشارات إلى الدماغ خلال النهار ليبقينا متيقظين ونشيطين. مع حلول وقت الغداء، تنخفض هذه الإشارات مما قد يجعلنا نشعر بالنعاس».

إليك طرق تساعدك في التغلب على نعاس ما بعد الظهر دون احتساء رشفة من القهوة:

استمع إلى الموسيقى

أثبتت الدراسات أن الاستماع إلى موسيقى مُبهجة يُحسّن المزاج ومستوى الطاقة. للحفاظ على نشاطك خلال النهار بعد الغداء، أنشئ قائمة تشغيل لأغانٍ مُبهجة لتسلية نفسك. ولأن الموسيقى نشاط ممتع في كثير من الأحيان، فإنها تُحفز إفراز هرمون السعادة الذي يُبقيك نشيطاً.

استمر بالحركة

إذا شعرت بالنعاس بعد تناول الطعام بعد الظهر، يمكنك الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك. يعتقد الخبراء أن ممارسة الرياضة تُنشط عقلك وجسمك. كما أنها تُعرّضك للهواء النقي والإضاءة الطبيعية، مما يُحقق لك نتائج جيدة.

اخرج إلى الشمس

اخرج إلى الشمس لضبط ساعتك البيولوجية وتوفير فيتامين «دي» الضروري. يمكن لأشعة الشمس الطبيعية أن تمنع إنتاج هرمون النوم (الميلاتونين) في جسمك. إذا كنت في المكتب، ولا يسمح لك ذلك بالتعرض لأشعة الشمس، يمكنك تشغيل أضواء السقف الساطعة وتجنب الظلام، خاصةً بعد استراحة الغداء.

حافظ على رطوبة جسمك

يُعد الحفاظ على رطوبة الجسم أمراً بالغ الأهمية لأداء وظائفك اليومية. ويؤكد الباحثون أن الجفاف، حتى لو كان خفيفاً، قد يؤدي إلى التعب، مما قد يؤثر على قدرتك على التركيز. يقول الدكتور ريفي: «للأسف، يُصاب الكثير من الناس بالجفاف المزمن لمجرد أنهم لا يشربون كمية كافية من الماء لأداء أنشطتهم اليومية».

تناول غداءً متوازناً

احرص على تناول نظام غذائي متوازن غني بالبروتين والألياف والدهون الصحية خلال النهار. اتباع هذه النصيحة الواعية سيساعدك على التغلب على مشكلة النوم بعد الظهر، التي تأتي فجأةً بعد الغداء، خاصةً بين الساعة الأولى ظهراً والرابعة عصراً.

اتبع نمط نوم جيداً

النوم الجيد ليلاً أمرٌ لا غنى عنه، خاصةً إذا كنت تحاول إدارة انخفاض الطاقة بعد الغداء. يوصي الخبراء بأن ينام الشخص البالغ من 7 إلى 9 ساعات على الأقل ليلاً ليشعر بالنشاط خلال النهار. يوضح الدكتور ريفي: «كمية النوم التي يحتاج إليها كل شخص تختلف من فرد لآخر، وتتغير على مدار حياته».


«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
TT

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

لم يتخيّل المخرج البلجيكي جان فرانسوا رافانيان أن مقطعاً مصوَّراً عابراً على مواقع التواصل الاجتماعي سيقوده، بعد سنوات من البحث، إلى قلب أفريقيا، وتحديداً إلى قرية نائية في غامبيا، ليغوص عميقاً في مأساة إنسان يُدعى «باتيه سابالي».

الشاب الذي هزّ غرقُه في القناة الكبرى بالبندقية عام 2017 الرأيَ العام العالمي، حين اكتفى العشرات من المتفرجين بالصراخ وإطلاق الإهانات العنصرية بدلاً من مدّ يد العون له، كان مقطعُ الفيديو المصوَّرُ له الشرارةَ الأولى لفيلمه الوثائقي «الشاطئ الأخير»، الذي يحاول أن يعيد لهذا الشاب اسمه وصوته وحكايته.

قال رافانيان لـ«الشرق الأوسط»، إنه يتذكّر اللحظة الأولى جيداً؛ «كان الأمر صفعةً. رأيتُ الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، كما شاهده آلاف غيري في ذلك الوقت. صدمتني اللامبالاة، والكلمات العنصرية، والجمود الكامل أمام غرق شاب لا يحاول أحد مساعدته. في البداية لم أفكّر في فيلم؛ فكّرتُ بصفتي صحافياً: مَن هذا الشاب؟ ماذا حدث؟ ولماذا لم يتحرّك أحد؟».

وأضاف المخرج، الذي عُرض فيلمه للمرة الأولى عربياً في مهرجان «الدوحة السينمائي»، أن الأمر تحوّل إلى هاجس، بيد أنه اصطدم منذ اللحظة الأولى بحقيقة أن التحقيقات في إيطاليا كانت مغلقة بالكامل، مما جعل الوصول إلى أي معلومة أمراً معقّداً وصعباً.

المخرج البلجيكي (الشركة المنتجة)

ولأن الطريق إلى الحقيقة كان مسدوداً، اختار المخرج البلجيكي طريقاً آخر، وهو البحث عن عائلة باتيه. يقول: «استغرق الأمر عامين كاملين لأجد أثرهم في غامبيا، وعندما وصلت أخيراً إلى القرية، أدركت أن الغضب الذي اجتاحني أمام شاشة الكمبيوتر في أوروبا كان صورة مختلفة. فالعائلة دعتني إلى رؤية الأمور من زاوية أخرى: زاوية الفقد، والغياب، والبحث عن المعنى. عند تلك اللحظة تغيّر الفيلم تماماً».

يشير رافانيان إلى أن «أصعب ما واجهته في البداية لم يكن الطبيعة أو الظروف، بل بناء الثقة مع العائلة»، مضيفاً: «عندما تصل إلى قرية بعيدة، وتكون غريباً، عليك أن تدرك أن لكل عائلة سرديّتها الخاصة. كان عليّ أن أجد الطريقة المناسبة للوقوف بالكاميرا، وأن أتجنّب أي منظور قد يُشعِرهم بأننا نمسك بموقع قوة أو وصاية. الثقة كانت المفتاح، لا الأدوات ولا الموقع ولا التقنية».

وعن ظروف التصوير في القرية، يشرح رافانيان أن «الفريق كان صغيراً للغاية؛ كنت أنا، ومدير التصوير، ومساعدة تنتمي إلى مجتمع الفولا، تتحدث لغتهم وتفهم ثقافتهم. ولم تكن المسألة لغةً فقط، بل سلوكاً ومعتقدات ونظرة إلى الحياة. كنا نقيم في القرية أياماً طويلة بلا كهرباء، نصحو مع الفجر وننام مع المغيب؛ لا فنادق ولا راحة، فقط الحياة اليومية كما هي. وكل 8 أيام نعود إلى المدينة لشحن البطاريات وإحضار حاجات العائلة، ثم نعود من جديد. كان الوجود الدائم ضرورياً، لأن أقرب مدينة تبعد أربعين دقيقة بالسيارة، ولأن الحياة في القرية تبدأ وتنتهي مبكراً».

المخرج حاول تسليط الضوء على هوية العائلة في فيلمه (الشركة المنتجة)

اختار المخرج ألّا يُظهر باتيه، رغم امتلاكه صوراً عدّة له سواء من العائلة أو من الإنترنت، لكنه لم يرغب في استخدامها، وهو ما يفسّره قائلاً: «أردتُ أن يراه الجمهور من خلال غيابه، كما تعيشه عائلته. أردتُه غائباً، حاضراً بالصوت وبالأثر. فالصوَر قد تعيد تجسيده، لكنها قد تُسطّح ما تعرّض له، بينما الصوت، صوت العائلة وذاكرتها، يعيد إنسانيته كاملة».

وعن كيفية حماية العائلة في هذا النوع من الأفلام الحسّاسة، يقول رافانيان إن ما فعله يشبه عمل الصحافة أكثر منه عملاً سينمائياً؛ فالعائلة لم تكن تعرف تفاصيل ما حدث في القناة، ولم يرغب في أن يضع الفيديو أمامهم أو أن يعرّضهم لصدمة جديدة. وحين سألته الأم عمّا وقع لابنها، قال لها الحقيقة بالكلمات. ويضيف: «لم تشأ أن ترى الفيديو، واكتفت بأن تعرف. كان هناك أيضاً تقريرٌ من 200 صفحة صادر عن السلطات الإيطالية، لم يكن من حقّهم الحصول عليه، فساعدناهم على الوصول إليه. كان الفيلم أيضاً وسيلة لكشف الحقيقة لهم، ولإنصافهم أسرياً».

لم يُنكر المخرج البلجيكي وجود صعوبات عدّة أثناء التصوير في غامبيا، من الإجراءات الأمنية والبيروقراطية المعقّدة، إلى عدم اعتياد السكان على الكاميرا، فضلاً عن عزلة القرية نفسها وافتقارها إلى الكهرباء والمياه العامة، واعتماد حياتها اليومية على الزراعة وتربية النحل. لكنه، رغم ذلك، لا يُخفي سعادته بهذه التجربة التي وثّقت اسم «باتيه سابالي».