نداء أخير قبل ذوبان 76 % من الأنهر الجليدية

الباحثون يُلمحون إلى أمل مشروط بالتحرُّك المناخي

تذوب ببطء… وتُنذر بكارثة (أ.ف.ب)
تذوب ببطء… وتُنذر بكارثة (أ.ف.ب)
TT

نداء أخير قبل ذوبان 76 % من الأنهر الجليدية

تذوب ببطء… وتُنذر بكارثة (أ.ف.ب)
تذوب ببطء… وتُنذر بكارثة (أ.ف.ب)

أظهرت دراسة حديثة أنّ الأنهر الجليدية أكثر عرضة للتغيُّر المناخي مما كان يُعتقد سابقاً، مُحذِّرةً من احتمال اختفاء ثلاثة أرباع كتلتها خلال القرون المقبلة إذا لم يطرأ أي تغيير، وهو ذوبان ستكون له عواقب وخيمة.

وهذه الأنهر الجليدية العملاقة تكتسب أهمية كبرى في تنظيم المناخ، وتؤدّي دوراً محورياً في توفير المياه العذبة لمليارات البشر.

لكن ذوبانها، الذي يغذّيه ارتفاع درجات الحرارة العالمية الناجم عن الأنشطة البشرية، يُعرِّض هذه الموارد للخطر، ويزيد من ارتفاع مستوى سطح البحر، مهدّداً بذلك عدداً كبيراً من السكان.

وتُقدِّم الدراسة، التي أجراها نحو 20 عالماً دولياً، ونقلت نتائجها «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مجلة «ساينس» المرموقة، الرؤية الأكثر تفصيلاً حتى اليوم للمخاطر المرتبطة بذلك.

الأنهر الجليدية أكثر عرضة للتغيُّر المناخي (إ.ب.أ)

وبيَّن هذا التحليل، الذي أُجري باستخدام 8 نماذج مناخية، أنّ ذوبان الأنهر الجليدية حول العالم سيكون أكبر بكثير مما كان متوقَّعاً على المدى الطويل، لا سيما إذا واصل العالم مساره الحالي في الاحترار المناخي، مع خسارة تُقدَّر بنحو 76 في المائة من كميات الجليد الحالية.

مع ذلك، تترافق هذه التوقّعات القاتمة جداً مع «رسالة أمل»، وفق أحد المشاركين في إعداد الدراسة، عالم الجليد هاري زيكولاري من جامعة بروكسل الحرّة في بلجيكا.

وأوضح زيكولاري أنه إذا نجحت البشرية في حصر الاحترار المناخي عند عتبة درجة مئوية ونصف درجة مقارنة بمعدلات الحرارة في عصر ما قبل الصناعة، وهو ما تنصُّ عليه اتفاقية باريس للمناخ، فسيُحافَظ على أكثر من نصف الكتلة الحالية للأنهر الجليدية، وفق تقديرات معدّي الدراسة.

تفاوتات محلّية

تأتي هذه الدعوة إلى التحرُّك عشية افتتاح قمة الأمم المتحدة حول الأنهر الجليدية في دوشانبي، عاصمة طاجيكستان، الجمعة.

ووفق المجتمع العلمي، ارتفعت درجة حرارة الأرض بما لا يقلّ عن 1.2 درجة مئوية، وقد يصل الارتفاع إلى 2.7 درجة بحلول عام 2100 في ظلّ السياسات المناخية الحالية.

وينعكس هذا الارتفاع في درجات الحرارة بشكل غير متناسب على المرتفعات العالية؛ إذ إنّ معدل زيادة حرارة الهواء فوق الأنهر الجليدية أعلى بنسبة 80 في المائة من المعدل العالمي العام.

وتُحذِّر الدراسة من أنّ الآثار السلبية لهذا الارتفاع الحراري ستستمرّ على المدى البعيد جداً. فحتى في حال توقّفت الانبعاثات الملوّثة على الفور، ستُواصل الأنهر الجليدية الذوبان بشكل ملحوظ؛ إذ تُقدَّر نسبة فقدان الجليد العالمي في هذا السيناريو بنحو 39 في المائة.

توقّعات قاتمة تترافق مع «رسالة أمل» (أ.ف.ب)

وفقدت الأنهر الجليدية المنتشرة في أنحاء العالم نحو 5 في المائة من حجمها منذ بداية القرن، مع تفاوتات إقليمية كبيرة: من تراجع بنسبة 2 في المائة في أنتركتيكا إلى انحسار يصل إلى 40 في المائة في جبال الألب.

وفي هذه السلسلة الجبلية الأوروبية، كما في جبال روكي في الولايات المتحدة وكندا، تُعدّ الأنهار الجليدية أكثر عرضة للخطر، لا سيما بسبب موقعها وحجمها وارتفاعها. وقد انهار نهر جليدي في سويسرا، الأربعاء، بعد تساقط صخور دمَّرت قرية جزئياً. ولا تزال أسباب هذا الحدث اللافت غير معروفة، وقد تكون جيولوجية أو مناخية.

آثار ظاهرة حالياً

ووفق الدراسة، قد تفقد الأنهر الجليدية معظم جليدها، مع خسارة تقديرية في الحجم تتراوح بين 85 و90 في المائة حتى لو أُبقيت الزيادة في درجة الحرارة دون درجتين مئويتين، وهو أحد الأهداف الاحتياطية لاتفاقية باريس. ومن المتوقَّع أن تختفي الأنهار الجليدية في الدول الاسكندنافية بالكامل.

وستكون لهذه العتبة عواقب متفاوتة في أماكن أخرى، حتى داخل القارة نفسها. فعلى سبيل المثال، يُتوقَّع أن يكون التأثير شديداً جداً على الأنهر الجليدية في وسط شرق آسيا وجنوبها، التي قد تفقد 75 في المائة من جليدها الحالي، وبدرجة أقلّ على سلسلة جبال هندوكوش في أفغانستان وباكستان، التي قد تشهد خسارة تُقدّر بنحو 40 في المائة.

ومع ذلك، شدَّدت ليليان شوستر، المُشاركة في إعداد الدراسة والباحثة في جامعة إنسبروك النمساوية على أنّ «كل عُشر درجة إضافية من الاحترار له أهميته».

ويكتسب هذا الكلام وزنه خصوصاً أنّ آثار ذوبان الجليد، التي تمتد على نطاق واسع، بدأت تظهر بالفعل، وتتجلَّى بشكل خاص في اختلال النظم البيئية، وتهديد الأمن الغذائي، وإنتاج الطاقة الكهرومائية في مناطق كاملة، فضلاً عن إسهامها في ارتفاع مستوى سطح البحر.


مقالات ذات صلة

39 تريليون دولار خسائر اقتصادية متوقعة نتيجة فقد الأراضي الرطبة

الاقتصاد أرض بور بعد أن كانت بحيرة رئيسية بمقاطعة ميندوسينو في كاليفورنيا (رويترز)

39 تريليون دولار خسائر اقتصادية متوقعة نتيجة فقد الأراضي الرطبة

أظهر تقرير أن التدمير العالمي للأراضي الرطبة التي تُستخدَم مصايد للأسماك وفي الزراعة والسيطرة على الفيضانات، ينذر بخسائر اقتصادية بـ39 تريليون دولار بحلول 2050.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الخليج وزير الخارجية السعودي أعرب عن تطلع بلاده إلى بناء تعاون مثمر عبر المنصات متعددة الأطراف من أجل مستقبل يزخر بمزيد من الفرص والتنمية المشتركة (واس)

السعودية تشدد في قمة «بريكس» على ضرورة إنهاء معاناة غزة

وزير الخارجية السعودي يُشير إلى أهمية تعزيز التعاون في مجالَي المناخ والصحة، داعياً إلى اتباع نهج عملي ومتوازن، يأخذ في الحسبان الظروف المتباينة للدول المختلفة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو (البرازيل))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع على أوامر تنفيذية في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (أ.ب)

الأمم المتحدة تتلقى إشعاراً أميركياً بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ

أكدّت الأمم المتحدة اليوم (الثلاثاء) انها تلقّت إشعارا من واشنطن بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، تنفيذا لتعهّد قطعه الرئيس دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع على أوامر تنفيذية في مكتبه بالبيت الأبيض 20 يناير 2025 بالعاصمة واشنطن (أ.ب)

كيف غيّر ترمب السياسة الأميركية خلال أسبوع من توليه الرئاسة؟

من الهجرة إلى المناخ والطاقة ومن الصحة والطب إلى التكنولوجيا والتوظيف الفيدرالي كيف غيّر ترمب السياسة الأميركية خلال أسبوع من توليه الرئاسة؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مايكل بلومبرغ المبعوث الخاص للأمم المتحدة بشأن الطموح والحلول المناخية (رويترز)

بلومبرغ يتعهد بتمويل وكالة المناخ التابعة للأمم المتحدة بعد «انسحاب ترمب»

أعلن الملياردير وإمبراطور الإعلام الأميركي مايكل بلومبرغ، أن مؤسسته الخيرية ستقدم تمويلا للمساعدة في تغطية مساهمة أميركا في وكالة المناخ التابعة للأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

شراكة «صندوق الاستثمارات» و«فورمولا إي» تُعزز مستقبل النقل المستدام

جانب من ورشة العمل التي عُقدت في مدينة جدة غرب السعودية (الشرق الأوسط)
جانب من ورشة العمل التي عُقدت في مدينة جدة غرب السعودية (الشرق الأوسط)
TT

شراكة «صندوق الاستثمارات» و«فورمولا إي» تُعزز مستقبل النقل المستدام

جانب من ورشة العمل التي عُقدت في مدينة جدة غرب السعودية (الشرق الأوسط)
جانب من ورشة العمل التي عُقدت في مدينة جدة غرب السعودية (الشرق الأوسط)

أعلن «صندوق الاستثمارات العامة» السعودي، بالشراكة مع بطولة «فورمولا إي»، عن تجاوز البرنامج التعليمي الناتج عن الشراكة مستهدفه العالمي، بعد أن وصل إلى أكثر من 50 ألف طالب من مختلف دول العالم، قبل نهاية عام 2025، وهو الموعد الذي كان محدداً سابقاً لتحقيق هذا الإنجاز.

وجاء الإعلان خلال ورشة العمل المدرسية الأخيرة التي أقيمت في أكاديمية «هامرسميث» في العاصمة البريطانية لندن، أمس، لتختتم مرحلة أولى ناجحة من البرنامج، واستهدف تمكين الطلاب من الفئة العمرية بين 8 و18 عاماً في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، مع التركيز على مفاهيم الاستدامة ومجالات التنقل الكهربائي المستقبلي.

ويُعد برنامج «قوة الدفع» ثمرة التعاون بين «صندوق الاستثمارات العامة» و«فورمولا إي»، في إطار شراكة «E360» التي تجمع كذلك «إكستريم إي» و«إي 1»، بهدف دعم الابتكار في رياضة المحركات الكهربائية وتعزيز دورها في بناء مستقبل أكثر استدامة لقطاع النقل.

وشمل البرنامج ورش عمل حضورية وتجارب تفاعلية أُقيمت في مدارس السعودية، والولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، إلى جانب محتوى رقمي متقدم يتيح للطلاب والمعلمين التفاعل عن بُعد، من خلال منصة تعليمية رقمية تحتوي على نماذج عملية لموضوعات مثل الاقتصاد الدائري، وتلوث الهواء، وحماية المحيطات، والفرص المهنية في رياضة المحركات الكهربائية.

ويأتي تحقيق البرنامج هدفه الطموح بتعليم أكثر من 50 ألف طالب حول العالم، ليعكس التزام الصندوق بتطوير الكفاءات الوطنية ونقل وتوطين

الطلاب المشاركون في أكاديمية «هامرسميث» في العاصمة البريطانية لندن (الشرق الأوسط)

المعرفة في المملكة، من خلال الاستثمار في المهارات المستقبلية والقطاعات الواعدة، وعلى رأسها التنقل المستدام والطاقة المتجددة.

وكان محمد الصياد، مدير إدارة الهوية المؤسسية في «صندوق الاستثمارات العامة»، قال في وقت سابق إن «البرنامج يعكس رؤية الصندوق في تمكين الجيل الجديد وتحفيزه نحو الابتكار، عبر توفير بيئة تعليمية تفاعلية تصقل المهارات الفنية في مجالات مستقبلية حيوية». وأضاف: «نحن ملتزمون عبر شراكتنا مع (E360) بتحقيق أثر مستدام، يعزز ريادة المملكة في مجالات التنقل النظيف، ويواكب التحول العالمي نحو حلول ذكية ومستدامة».

من جهته، قال أليخاندرو أجاج، المؤسس ورئيس مجلس إدارة «فورمولا إي» و«إكستريم إي» و«إي 1»: «نجح البرنامج في تجسيد دور الشراكة بين (فورمولا إي) و(صندوق الاستثمارات العامة) في دعم التحول نحو مستقبل مستدام. ويسعدنا أن نرى هذا التأثير الإيجابي الملموس على مستوى آلاف الطلاب حول العالم».

ويعتمد البرنامج على منهجيات تعليمية حديثة تناسب مختلف الأعمار، بدءاً من إعداد العروض والأبحاث العلمية، وصولاً إلى تصميم حلول عملية للتحديات التي تواجه قطاع التنقل المستدام. ويركز على تطوير مهارات التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والابتكار التكنولوجي، بما يدعم توجهات الصندوق في تحفيز اقتصاد قائم على المعرفة.

وبحسب المعلومات الصادرة، فإن البرنامج يعد مثالاً على كيفية دمج التعليم بالترفيه والتقنية؛ إذ تم استثمار رياضة السيارات الكهربائية كمنصة لاختبار وتطوير تقنيات المحركات النظيفة، وتعزيز الوعي البيئي لدى الأجيال الجديدة، في وقت تتصدر فيه هذه الرياضة مشهد الابتكار العالمي في أنظمة النقل المستقبلية.

ويمثل تجاوز البرنامج مستهدفه العالمي الموعد المحدد، مؤشراً على نجاحه وتأثيره الواسع، وسط توقعات باستمرار توسعه ليشمل فئات جديدة ومناطق إضافية، مما يعزز مكانة المملكة بوصفها محوراً عالمياً لرياضات المستقبل، ووجهة رائدة في تطوير حلول التنقل المستدام.