«عالأربعين»... ضحك موجع من قلب الخيبة

ميراي بانوسيان وجوزيان بولس تتألقان بالعفوية

تناغم ملحوظ حضر بين بطلتي العمل (الشرق الأوسط)
تناغم ملحوظ حضر بين بطلتي العمل (الشرق الأوسط)
TT

«عالأربعين»... ضحك موجع من قلب الخيبة

تناغم ملحوظ حضر بين بطلتي العمل (الشرق الأوسط)
تناغم ملحوظ حضر بين بطلتي العمل (الشرق الأوسط)

بعد غياب عن المسرح دام أكثر من 15 عاماً، تعود الممثلة ميراي بانوسيان في مسرحية «عالأربعين» على خشبة مونو في بيروت، لتشكّل ثنائياً منسجماً مع جوزيان بولس، مديرة المسرح، وصاحبة تجارب تلفزيونية ومسرحية متراكمة. تقدّمان معاً موضوعاً يحاكي وجع المرأة بقالب كوميدي.

العمل من إخراج شادي الهبر، تدور أحداثه في صالة عزاء، بمناسبة مرور 40 يوماً على وفاة زوجيهما. الزمان: خلال «جائحة كورونا». والمكان: فارغ من المُعزّين بسبب الخوف من العدوى. وبعد مرحلة التعارف، بدأتا التحدّث عن زوجيهما الراحلين، إدوار ووديع.

وعلى إيقاع «الكريشندو» (تصاعد الصوت المتدرِّج)، تُكشف أسرار دفينة.

وعلى مدى ساعة من الزمن، يُتابع المشاهد قصة تلامس المشاعر بفضل عمق موضوعاتها، وفي الوقت نفسه، تحضر الضحكة المنبثقة من خفَّة ظلِّ بولس وأداء بانوسيان الممتع. وفي حين تُفتح الستارة على بكاء وعويل الزوجتين حزناً على شريكي العمر، تنتهي بمواجهة صريحة بينهما تكشف واقعاً مريراً كانتا تعيشانه، فتصل الرسالة المتوخاة إلى المشاهد، بنصٍّ حَبكَه ديمتري ملكي، يتناول فيه العنف والخيانة الزوجية.

«عالأربعين» مسرحية كوميدية تحمل رسائل اجتماعية (الشرق الأوسط)

وفي لعبة مسرحية احترافية تتبعها الثنائي بولس وبانوسيان، تأتي الحوارات تلقائية، ويتلقفانها بحرفية، بحيث تتبادلان قذف كرة التمثيل بينهما بسلاسة. فالممثلتان تبادلتا عملية ترك المساحة الخاصة لكل منهما، وفي الوقت عينه تشاركتا في تقديم أداء يُبرِز تفوُّقهما في فهم اللعبة المسرحية.

تُجسِّد بانوسيان دور «جانيت»، المرأة التي عاشت الأمرَّين مع زوج بخيل وعنيف في آنٍ واحد. تحاول في البداية تجميل حياتها الزوجية بسرد قصص وهمية. في المقابل تلعب بولس دور «ماري لويز»، سيدة ثرية عاشت في وهم الأناقة والفرنكوفونية متجاهلة خيانة زوجها.

تتشارك المرأتان في تجربة زوجية فاشلة. وكلُّ واحدة حاولت إخفاء ألمها؛ بيد أن الحوار بينهما يكشف تدريجياً هشاشة العلاقة مع الشريك، ويُعزِّي الزَّيف الذي غطَّى على خيبات كثيرة.

كان تفاعل الحضور مع أداء الممثلتين واضحاً منذ بداية المسرحية حتى نهايتها، وبلغت ذروة الضحك حيناً والتصفيق الحار حيناً آخر في مشاهد عدة، منها عندما راحت بولس تصف يوم زفافها وفستان العرس الذي ارتدته، فبالغت في الحديث عن تطريزاته وخياطته بأسلوبها الكوميدي، إلى حدٍّ جعل صالة المسرح تضج بالضحك المتواصل. ولكن، كل الثراء الذي عاشت في كنفه كان مجروحاً بخيانة زوجية صريحة. في حين رَوت بانوسيان قصة رحلة شهر العسل مع زوجها مُدَّعية أنها أجمل أيام حياتها، وحوّلتها إلى رحلة سياحية بين مناطق لبنان، ليتبيَّن فيما بعد أنَّ حقيقة مُرَّة صعقتها منذ أولى لحظات زواجها، تمثَّلت بضرب زوجها لها في ليلة الزفاف.

ركّز مخرج العمل، شادي الهبر، على لعبة الالتباس في الكلام، وأوكل إلى جوزيان بولس مهمَّة إبرازها بحسِّها الفكاهي المعروف، فكانت تمزج العربية بالفرنسية في حواراتها، لتُسطّرها عناوين مضحكة بامتياز.

بطلتا العمل جوزيان بولس وميراي بانوسيان (الشرق الأوسط)

أما المزايدات في وصف الحياة الرغيدة التي كانتا تسردانها، فقد آثر المخرج تضمينها مواقع مشهورة في لبنان، وهو ما زوَّد المسرحية بأبعاد سياحية ذكَّرت الحضور بجمالية طبيعة بلاد الأرز وحضاراتها المتعاقبة، ومن بينها قصر بيت الدين التاريخي، وفندق فينيسيا البيروتي العريق.

في النهاية، نكتشف أن جانيت تزوّجت المدعو وديع، هرباً من بيت أهلها المكتظ بالأشقاء، لتقع في فخ العنف طيلة زواجهما؛ أما ماري لويز التي وقعت في حب إدوار وتزوجته، فبقيت مخلصة له إلى أن اكتشفت خيانته لها مع أعزِّ صديقاتها، فتمنَّت له الموت، ورحل بسكتة قلبية.

تنتهي المسرحية بانتهاء العزاء وافتراق المرأتين، بعدما تكفَّلتا طيلة العمل بإيصال رسائل إنسانية مباشرة، وأخرى اجتماعية موجّهة للمرأة المعنفة.

وعلى وقع عبارة «البقية بحياتك»، تُسدَل الستارة على عمل مسرحي فكاهي، شكَّلت الضحكة فيه جسراً للعبور من الحزن إلى الفرح.


مقالات ذات صلة

«الأرتيست»... مسرحية عن حياة زينات صدقي تحصد إعجاباً بمصر

يوميات الشرق فريق مسرحية «الأرتيست» (صفحة العرض على «فيسبوك»)

«الأرتيست»... مسرحية عن حياة زينات صدقي تحصد إعجاباً بمصر

حصدت المسرحية المصرية «الأرتيست» إعجاباً لافتاً من جمهور ونقاد وفنانين أشادوا بها منذ انطلاقها منتصف العام الماضي.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرجة بيا خليل وبطلا العمل في تحية للجمهور (الشرق الأوسط)

«رقم 23» مسرحية تضع العنف والسلطة بمواجهة الانتماء

للمرّة الأولى، تتبدَّل مقاعد المسرح لتصبح الأساسية فيها ثانوية، ويكون مُشاهد العمل على بُعد سنتيمترات من الممثلين.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لقطة من العرض المسرحي «الطريق» (هيئة قصور الثقافة)

26 عرضاً مسرحياً مصرياً تتنافس في «السامر» و«روض الفرج»

يتنافس 26 عرضاً مسرحيّاً في الدورة الـ47 للمهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية بمصر، على مسرح السامر بالجيزة (غرب القاهرة)، ومسرح قصر ثقافة روض الفرج.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق في مسرحية جو الخوري تتحوّل الرحم إلى خشبة (مسرح المونو)

«بالسابع»: الرحم مرآة للعالم الخارجي وتاريخ مُبكر للأذى

الخيط السردي الذي يربط الداخل بالعالم الخارجي، شبيه بحبل السرّة: مرئيّ، لكنه هشّ... متين بما يكفي ليُغذّي، وضعيف بما يكفي ليخنق...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق عرض «كارمن» وفق رؤية إخراجية جديدة (وزارة الثقافة المصرية)

«كارمن» تعود مجدداً لخشبة المسرح المصري برؤية حداثية

تعود الفتاة الغجرية الإسبانية «كارمن»، بطلة رواية الكاتب الفرنسي بروسبير ميرميه، للظهور مجدداً على خشبة المسرح المصري، ولكن هذه المرة برؤية حداثية.

محمد عجم (القاهرة )

«كريستيز» تُقدّم معرضاً استعادياً للفنان مروان في لندن الشهر المقبل

اشتهر الفنان بتصوير الوجوه كتضاريس (مؤسسة بارجيل للفنون)
اشتهر الفنان بتصوير الوجوه كتضاريس (مؤسسة بارجيل للفنون)
TT

«كريستيز» تُقدّم معرضاً استعادياً للفنان مروان في لندن الشهر المقبل

اشتهر الفنان بتصوير الوجوه كتضاريس (مؤسسة بارجيل للفنون)
اشتهر الفنان بتصوير الوجوه كتضاريس (مؤسسة بارجيل للفنون)

فيما أصبح تقليداً سنوياً تستعد «دار كريستيز» في لندن لتحويل قاعاتها لمعرض فني عربي للمرة الثالثة، حيث ستفتتح في 16 من شهر يوليو (تموز) المقبل معرضاً مخصصاً للفنان مروان قصاب باشي، المعروف باسم «مروان». المعرض يحمل عنوان «مروان: روح في المنفى»، ويحتفي بالفنان السوري بوصفه واحداً من أكثر الفنانين العرب تأثيراً الذي أسهمت أعماله في تشكيل المشهد الفني المعاصر.

يشتهر مروان بلوحاته التي تركز على الوجوه بطريقة تتجاوز فن البورتريه التقليدي لتصبح، حسب البيان الصحافي للمعرض، «بوابات ميتافيزيقية للجوانب الكونية للحالة الإنسانية». يشمل العرض 150 عملاً مستعارة من متاحف ومؤسسات رائدة ومجموعات خاصة مرموقة في أوروبا والشرق الأوسط، ليقدم بذلك مسحاً شاملاً لمسيرة الفنان الفنية التي امتدت لستة عقود. يُشرف على تنظيم معرض «مروان: روح في المنفى» الدكتور رضا مومني، رئيس مجلس إدارة «كريستيز» الشرق الأوسط وأفريقيا.

من أعمال مروان (الصورة بإذن من المصورة كاي-أنيت بيكر/ معرض برلينيشه - متحف الفن الحديث والتصويري والعمارة - الفوتوغراف ملكية مروان)

يتتبع المعرض مسيرة مروان الاستثنائية، بدءاً من أعماله التشكيلية المبكرة في ستينيات القرن الماضي، وصولاً إلى سلسلة الدمى المتحركة الآسرة، ولوحاته الشخصية الأيقونية، حيث يصبح الوجه البشري مرآةً وأرضاً في آنٍ واحد. يجمع هذا المعرض الاستعادي أعمالاً تغطي ممارسات مروان الفنية منذ بداياته في سوريا، إلى جانب أعمال تُوثّق حياته في ألمانيا.

وُلِد مروان (1934 - 2016) في سوريا، وانتقل إلى ألمانيا أواخر خمسينيات القرن الماضي، فتوجه أولاً إلى برلين، ثم إلى دريسدن، وتأثر بالموجة بالتعبيرية الألمانية، محتفظاً في الوقت نفسه بهويته السورية من خلال تفاعله مع الصراعات السياسية العربية وقضايا حقوق الإنسان.

وبدقته الفنية، اشتهر مروان بلوحاته الشخصية والوجوه والرؤوس، التي تتحول إلى مناظر طبيعية متموجة - وهو موضوع استمر طوال مسيرته الفنية - حققه من خلال وضع طبقات من الطلاء، مستحضراً دقة الجلد، باستخدام أربعة أو خمسة ألوان فقط. باستكشافه المتكرر للرأس كتضاريس، شعر أنه «يُنقّب» في هذه المواقع، وعبّر في مناسبات عديدة عن أنه «يرسم الأرواح».

يُعد عمل مروان جزءاً من الحركة الوطنية السورية والصور القومية العربية، ويرتبط بالحوار الأوسع بين الأرض والهوية الذي ارتبط تاريخياً بالشعر الصوفي. يعلق منسق المعرض الدكتور رضا مومني قائلاً: «معرِض (مروان: روح في المنفى) مُخصص للرؤية الفريدة لمروان قصاب باشي. كان مروان فناناً أصيلاً بعمق، وقد أعاد عمله المؤثر والمتميز، الذي صاغه تراثه السوري ورحلته الفنية في ألمانيا، تعريف فن البورتريه مساحةً للاستكشاف النفسي والتجريب الجمالي.

يُعدُّ مروان على نطاق واسع أحد أهم الفنانين العرب، حيث أعاد ابتكار فن البورتريه من خلال ممارسة تأملية واستبطانية، ورسخ مكانته واحداً من أبرز فناني المشهد الفني الألماني المعاصر. ومن المقرر أن يكون هذا المعرض الاستعادي الأكثر شمولاً حتى الآن ولحظة حاسمة في تقدير إرث مروان.

توجد أعمال الفنان مروان في مجموعات عامة في كل أنحاء العالم، بما في ذلك «مؤسسة برجيل للفنون، الشارقة؛ مؤسسة دلول للفنون، بيروت؛ غاليري برلين، برلين؛ مركز بومبيدو، باريس؛ متحف شتادل، فرانكفورت أم ماين؛ جوجنهايم أبو ظبي، أبو ظبي؛ دارة الفنون، عمان؛ المتاحف الحكومية في برلين؛ المتحف الثقافي البروسي، برلين؛ المتحف الوطني بدمشق، دمشق؛ تيت مودرن، لندن؛ المتحف البريطاني، لندن؛ معهد العالم العربي، باريس؛ متحف كارنيجي للفنون، بيتسبرغ؛ مركز خليل السكاكيني الثقافي، رام الله؛ متحف الفن المعاصر، شيكاغو. متحف الفن الحديث، مدينة نيويورك؛ مؤسسة الشارقة للفنون، الشارقة؛ ومتحف: المتحف العربي للفن الحديث، الدوحة». معرض «مروان: روح في المنفى» من 16 يوليو إلى 22 أغسطس (آب).