الأسلوب الاستبدادي أو المتسلط... بأيهما يوصي الخبراء لتربية أطفال ناجحين؟

يمزج التسلط بين التعاطف ووضع الحدود (رويترز)
يمزج التسلط بين التعاطف ووضع الحدود (رويترز)
TT

الأسلوب الاستبدادي أو المتسلط... بأيهما يوصي الخبراء لتربية أطفال ناجحين؟

يمزج التسلط بين التعاطف ووضع الحدود (رويترز)
يمزج التسلط بين التعاطف ووضع الحدود (رويترز)

ارتفعت عمليات البحث عن «أساليب التربية» بنسبة 400 في المائة خلال الشهر الماضي، وفقاً لبيانات «غوغل».

وبينما تميل مصادر تربية الأطفال الحديثة إلى التركيز على الفرق بين التربية اللطيفة، والتربية الإيجابية، والتربية الهادئة، اتضح أن العديد من الأهل مهتمون بأسلوب تربية أكثر تقليدية: الأسلوب المتسلط.

في الواقع، كان الأسلوب «المتسلط» هو أسلوب التربية الأكثر بحثاً في مارس (آذار) 2025.

وقد يعود جزء من السبب إلى الخلط بينه وبين التربية الاستبدادية، كما قالت طبيبة الأطفال الدكتورة منى أمين لشبكة «سي إن بي سي»، موضحة أنه «من السهل الخلط بينهما».

لكن الفرق بين هذين الأسلوبين واضح، ولكل منهما آثار مختلفة جداً على الأطفال على المديين الطويل، والقصير.

أسلوب التربية الاستبدادية

وصفت الدكتورة منى أسلوب التربية الاستبدادي بأنه «نهج صارم من أعلى إلى أسفل»، حيث يحتاج الوالد إلى قدر كبير من التحكم، ويوفر مستوى منخفضاً من الدفء.

وقالت: «لا يوجد الكثير من النقاش، لا يوجد تعاون كبير. لذلك، هم الأهل الذين يقولون لأولادهم: افعل ذلك لأنني طلبت، قلت لك».

الأهل المستبدون لا يفرضون حدوداً على الطفل. بدلاً من ذلك، يعاقبونه عندما يتصرف بطريقة لا يوافقون عليها. وبحسب أمين: «غالباً ما يكون العقاب غير منطقي في هذا الموقف».

لنفترض أن طفلاً انفجر غضباً في متجر البقالة، لفتت الدكتورة منى إلى أن الأهل المستبدين سيقولون للطفل: «توقف عن البكاء. سنغادر الآن. لن نذهب إلى الحديقة غداً»، وبالتالي، لا يوجد اعتراف بالمشاعر، وهناك تهديد.

وفي حين أن هذا الأسلوب قد يُسفر عن نتائج قصيرة المدى من الطاعة، إلا أنه قد يكون ضاراً بالأطفال على المدى الطويل. فالبالغون الذين نشأوا في هذا النوع من الأسر لا يعرفون كيفية التعبير عن مشاعرهم، وهم أكثر عرضة للقلق، واضطرابات الصحة النفسية.

وأشارت الدكتورة منى إلى أن الخبراء يعتبرون أنه أسلوب قاسٍ للغاية، ولا يُؤدي إلى الكثير من النتائج الإيجابية.

وفي هذا المجال أشارت عليزة بريسمان، اختصاصية علم النفس التنموي والمؤلفة، إلى أن حتى الآثار المباشرة للتربية الاستبدادية ليست إيجابية. فالأطفال الذين نشأوا في أسرة استبدادية يشعرون بالخوف من والديهم أكثر من شعورهم بالارتباط بهم، مما قد يدفعهم إلى تعريض أنفسهم لمواقف خطيرة لتجنب الصدق. وكلما كبروا، ازدادت هذه العادة خطورة.

وقالت: «عندما يكونون مراهقين، يُخاطرون بتفضيلهم البقاء في سرير المستشفى، أو في مركز الشرطة على اكتشاف أنهم فعلوا شيئاً يخالف القواعد».

أسلوب التربية المتسلطة

من ناحية أخرى، يمزج التسلط بين التعاطف ووضع الحدود.

وقالت الدكتورة منى: «هناك توقعات عالية، ولكن هناك أيضاً دعم كبير لهذه التوقعات».

إذا توقع أحد الوالدين من طفله تنظيف غرفته ولم يفعل، فإن رد الفعل ليس عقاباً. بدلاً من ذلك، يُطلب منهم التحدث عن أهمية الترتيب، وإثبات أي مشاعر لديهم حول صعوبة أو إرهاق الأمر، ثم تكليفهم في النهاية بإنهاء المهمة.

قد يتطلب هذا النوع من تربية الأطفال مزيداً من الصبر على المدى القصير، لكن آثاره على المدى الطويل إيجابية.

وأشارت الدكتورة منى إلى أن الأبحاث تظهر «أن أسلوب التربية هو ما يُؤدي إلى أطفال وبالغين أكثر كفاءةً، وضبطاً عاطفياً، وأكثر قدرةً على التعامل مع ضغوط الحياة، أو المرونة».

أما عليزة فشرحت أن «الأطفال يميلون إلى الشعور بأمان أكبر مع آباء يتمتعون بالسلطة، ليس فقط بسبب وجود المزيد من التعاطف، ولكن أيضاً لأن القواعد تُنقل بوضوح».

وأضافت: «يسترشدون بالحواجز التي نشعر بأنها مناسبة، وآمنة، لأن لدينا حدوداً، وقيوداً، ولكن ضمن هذه الحدود والقيود، هناك حرية كافية تجعلهم يشعرون بالأمان للتعبير عن أنفسهم، وأن يكونوا على طبيعتهم».

وتابعت: «كبالغين، يصبح لديهم المزيد من الحرية، لأنهم يثقون في حكمهم الخاص. لقد تعلموا كيفية تنظيم مشاعرهم، وأصبحوا قادرين على بناء علاقات أفضل».

ومن المفارقات أن مساحة الحرية التي يمنحها الوالدان لأطفالهما عند نوبات الغضب أو الانفعال يمكن أن تجعل الطفل أكثر طاعة، وفقاً لعليزة التي قالت أيضاً: «عندما تشعر بالحب لشخصك، لا لسلوكك، فإنك تميل إلى التصرف بشكل أفضل على المدى الطويل».


مقالات ذات صلة

اضطراب وراثي نادر يؤرق بلدة برازيلية مشهورة بزواج الأقارب

صحتك «متلازمة Spoan» هي اضطراب وراثي نادر يتميز بمزيج من الشلل النصفي التشنجي وضمور العصب البصري والاعتلال العصبي المحيطي (أرشيفية)

اضطراب وراثي نادر يؤرق بلدة برازيلية مشهورة بزواج الأقارب

«متلازمة Spoan» أو متلازمة الشلل النصفي التشنجي وضمور العصب البصري، هي اضطراب وراثي نادر، إذ تتسبب طفرة جينية في إنتاج مفرط لبروتين رئيسي في خلايا المخ.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)
صحتك ترك الأطفال يلعبون في التراب له تأثير إيجابي عميق على صحتهم (رويترز)

النظافة المفرطة تهدد مناعة طفلك

أكدت طبيبة أميركية أن ترك الأطفال يلعبون بالتراب أو مع الحيوانات الأليفة، له تأثير إيجابي عميق على صحتهم، حيث يساعد التعرض المبكر للجراثيم في تعزيز المناعة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أعراض نقص الانتباه وفرط الحركة مرتبطة بجنس المراهق

أعراض نقص الانتباه وفرط الحركة مرتبطة بجنس المراهق

وجدت دراسة حديثة أن الأعراض المميزة لكل نوع من أنواع اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD) مرتبط بشكل وثيق، بجنس المراهق.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
يوميات الشرق شخص يتصفح هاتفه (رويترز)

إفراط الوالدين في استخدام التكنولوجيا... كيف يؤثر على أطفالهم؟

كشفت دراسة جديدة أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا من قِبل الآباء قد يؤثر بالسلب على أطفالهم.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الأطفال الذين يستغرقون وقتاً أطول في تعلم المشي قد يكونون أكثر تفوقاً في المدرسة (رويترز)

الأطفال الذين يتأخرون في المشي يكونون أكثر تفوقاً دراسياً

توصلت دراسة جديدة إلى أن الأطفال الصغار الذين يستغرقون وقتاً أطول في تعلم المشي قد يكونون أكثر تفوقاً في المدرسة مقارنة بأقرانهم الذين يتعلمون المشي في وقت مبكر

«الشرق الأوسط» (لندن)

زهور الربيع «تذبل» تحت عبء الغلاء في مصر

اتجاه حكومي نحو التوسُّع في تصدير نباتات الظلّ والزينة (الشرق الأوسط)
اتجاه حكومي نحو التوسُّع في تصدير نباتات الظلّ والزينة (الشرق الأوسط)
TT

زهور الربيع «تذبل» تحت عبء الغلاء في مصر

اتجاه حكومي نحو التوسُّع في تصدير نباتات الظلّ والزينة (الشرق الأوسط)
اتجاه حكومي نحو التوسُّع في تصدير نباتات الظلّ والزينة (الشرق الأوسط)

مع مطلع موسم الربيع، يتزايد الإقبال في مصر على اقتناء النباتات بكونها طَقْساً يُشيع البهجة على مدار العام. ويحرص عدد من الأسر على زيارة معرض «زهور الربيع» السنوي الذي يستضيفه حالياً المتحف الزراعي في الدقي (محافظة الجيزة)، ويبدو الإقبال على الشراء هذا العام أكثر حذراً، بفعل ارتفاع أسعار النباتات داخل أجنحة العارضين.

وتصدّرت نباتات الظلّ واجهة المعرض، بعدما خصّصها وزير الزراعة المصري، علاء فاروق، بالحديث خلال افتتاحه المعرض، وهو أحد أعرق المعارض النوعية المتخصّصة في عالم النباتات بمصر. وقال إنّ «الدولة تتّجه إلى التوسُّع في تصدير نباتات الظلّ والزينة»، مُعلناً السعي إلى تأسيس رابطة للمُصدّرين المصريين في هذا القطاع.

وتبرز في المعرض أجنحة مخصَّصة لنباتات الظلّ المنزلية التي لا تحتاج إلى ضوء شمس مباشر؛ مما يستلزم إعداد الأجنحة بحيث تكون أسطحها مغطّاة، أو كما يُعبّر المهندس الزراعي محمد عبد الواحد: «يجب أن تكون مغربلة؛ بحيث تسمح بمرور أشعة خفيفة وغير مباشرة من الشمس».

ارتفاع أسعار نباتات الظلّ مرتبط بالاتجاه إلى تصديرها (الشرق الأوسط)

يعرض عبد الواحد أنواعاً مختلفة من نباتات الظلّ لجمهور الدورة الـ92 من المعرض هذا العام، ويشير إلى نبتة ذات أوراق بتدرّجات من الأحمر والأخضر، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «اسمها أجلونيما، وسعرها 250 جنيهاً (الدولار يساوي 50.15 جنيه مصري)، وهو سعر مرتفع نسبياً وقد يصل إلى 400 جنيه وفق حجمها؛ لأنها نبتة مُستَوردة، لكن من المتوقع زراعتها محلياً».

ويشير أيضاً إلى نبتة البوتس، وهي من أكثر النباتات المنزلية شيوعاً: «تعيش في التربة والماء وسهلة الرعاية، ولعلَّ شعبيتها تعود إلى انخفاض سعرها النسبي، ووفرتها وسرعة تكاثرها»، مضيفاً أنّ سعرها اليوم يصل إلى نحو 80 جنيهاً، أي ما يقارب ضعف سعرها خلال العام الماضي.

تجهيز أجنحة نباتات الظلّ بصورة تحجب الإضاءة المباشرة (الشرق الأوسط)

ويُرجع عبد الواحد ارتفاع سعر البوتس إلى «طرحه للتصدير بكميات كبيرة، مما أثّر في توفّره محلّياً وتسبَّب في تراجع كمياته في المشاتل»، لافتاً إلى أنّ الإقبال على المعرض هذا العام «أضعف من الأعوام السابقة، ليس فقط بسبب الارتفاع النسبي في الأسعار الذي طال مختلف النباتات، وإنما أيضاً بسبب تغيير مكان انعقاده من حديقة الأورمان -التي تخضع للتطوير- إلى المتحف الزراعي، الذي لا يعرفه كثير من الزوار المعتادين».

يشاركه الرأي المهندس الزراعي عمر هلال، قائلاً إنّ «عدم اعتياد الجمهور على موقع المتحف الزراعي أثّر بشكل كبير في عدد الزوار»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنّ «تصدير نباتات الظلّ، ومنها البوتس، له جانب إيجابي؛ إذ يدفع السوق المحلّية إلى تطوير إنتاجها وتحسين جودتها، وهو هدف مطروح منذ سنوات. لكنه في المقابل، ينعكس على الكميات المطروحة في الداخل، ما يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار، كما هي الحال مع البوتس».

البوتس المُعلّق أحد أشهر أنواع النباتات المنزلية (الشرق الأوسط)

ويشير هلال إلى نبات البامبو، الذي طرحه تجار الاستيراد مؤخراً بكميات كبيرة، ويتراوح سعر العود الواحد منه بين 50 و120 جنيهاً وفق طوله. ويقول: «البامبو من نباتات الظلّ المحبَّبة، نظراً إلى سهولة الاعتناء به. ورغم أنّ أصوله الثقافية تعود إلى الصين وشرق آسيا، فإنه من أكثر النباتات المنزلية شراء. ويؤمن بعض الزبائن بأنه نبات يجلب الحظّ السعيد، خصوصاً المهتمّين بعلوم الطاقة؛ إذ يضعونه في زوايا محدّدة من المنزل، ويحيطونه أحياناً بنقود معدنية وأحجار، وفق المعتقدات الصينية».

المتحف الزراعي يستضيف المعرض (الشرق الأوسط)

وتوضح الدكتورة نادية عبد الله، من مركز البحوث الزراعية، أهمية نباتات الظلّ في تحسين المناخ الداخلي للمنازل. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «زراعة أنواع متعدّدة من النباتات، خصوصاً تلك المعروفة بقدرتها على امتصاص الحرارة والرطوبة، تُسهم بفاعلية في خفض درجات الحرارة داخل المنازل. بعض النباتات مثل السنسيفيريا، والفيكس، ونبات العنكبوت، تلعب دوراً بيئياً مهماً من خلال ترطيب الهواء وتنقيته من الملوّثات، فضلاً عن إضفاء لمسة جمالية».

ورصدت «الشرق الأوسط» حالات عدّة تحدَّثت عن تقليص ميزانية شراء النباتات هذا العام، بسبب الغلاء، رغم اعتيادها على شراء أصناف محدَّدة كل عام، في حين اكتفت بعض الأُسر هذا العام بزيارة المعرض بغرض التنزُّه فقط.

عاجل غارات على موانئ الصليف ورأس عيسى والحديدة في اليمن (إعلام إسرائيلي)