الربابة... رفيقة جلسات السمر في ليالي مضان

«حارسة السيرة الهلالية» تبرز بحفلات القاهرة والصعيد

فرقة «أولاد النيل» تعزف الربابة على مسرح البالون (الشرق الأوسط)
فرقة «أولاد النيل» تعزف الربابة على مسرح البالون (الشرق الأوسط)
TT
20

الربابة... رفيقة جلسات السمر في ليالي مضان

فرقة «أولاد النيل» تعزف الربابة على مسرح البالون (الشرق الأوسط)
فرقة «أولاد النيل» تعزف الربابة على مسرح البالون (الشرق الأوسط)

ارتبطت احتفالات رمضان في مصر على مر الأزمنة بألوان موسيقية ذات طابع خاص، ومن أبرزها موسيقى الفلكلور والحكي الشعبي على آلة الربابة العتيقة في مجالس السمر بالريف والمدن، سواء من جانب الأفراد، أو فرق الفنون الشعبية المستقلة والحكومية في المهرجانات التراثية والسياحية والخيام الرمضانية.

ولا تزال ليالي رمضان في القرى والأحياء القديمة في المدن على السواء تشهد اهتماماً خاصاً بهذه الآلة كما هي حاضرة دوماً في المناسبات السعيدة في شهور أخرى، وشهدت القاهرة موسيقاها والعزف المصاحب لها في الأحياء القديمة مثل السيدة زينب، والجمالية، فضلاً عن بعض المراكز الثقافية المستقلة مثل ساقية الصاوي في الزمالك.

وخلال الشهر الحالي، قُدمت على مسارح الدولة عبر حفلات فرقة «أولاد النيل» المستقلة في (مسرح البالون)، والتي اجتذبت الجمهور بشكل لافت. وداخل المسرح كان الرجل السبعيني ماهر عبد المنعم، يصغي للأغاني المصاحبة للربابة: «تعيدني هذه الموسيقى إلى نشأتي الريفية في جنوب مصر، حيث ارتبط الشهر الفضيل باحتفالات خاصة، تحتل فيها الربابة مساحة كبيرة».

عازف وصانع الربابة المصري إبراهيم القط (الشرق الأوسط)
عازف وصانع الربابة المصري إبراهيم القط (الشرق الأوسط)

ويتابع: «كانت المظاهر الاحتفالية تبدأ في الغالب بعد صلاة التراويح، وتستمر حتى السحور كل ليلة من ليالي الشهر الفضيل».

بينما يعتبر صديقه إبراهيم صلاح أن الاستماع للفلكلور الشعبي والأغاني الروحانية من الطقوس الأساسية التي اعتاد عليها منذ طفولته؛ حيث الحاجة لتهذيب الروح، ويقول: «إن شجن موسيقى الربابة هو نوع من تطهير النفس، والمساعدة على الرجوع إلى السلام الروحي المفقود وسط ضغوطات الحياة، التي نحاول التخفف منها خلال شهر رمضان».

وتُعد آلة الربابة من أقدم وأشهر الآلات التي عرفها المصريون، بحسب الدكتور محمد شبانة أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون المصرية، مشيراً إلى أنه «حتى في الدراسات العلمية المرتبطة بعلم الآلات يطلق عليها «الرباب المصري»؛ وذلك تمييزاً لها عن الرباب الموجود في منطقة الشام، أو الجزيرة العربية».

ويقول شبانة لـ«الشرق الأوسط»: «الرباب في مصر نوعان، الأول (رباب الشاعر) وهو يشبه رباب القدح ذي الوتر الواحد والموجود في الجزيرة العربية، والآخر هو (رباب المغني) وهو أعلى في إمكانياته؛ إذ يتمتع بوترين، ويصنع من جوز الهند».

و يتابع: «آلة الربابة هي في واقع الأمر (آلة كونية)؛ لأنها موجودة بأشكال كثيرة في مختلف أنحاء العالم، وإن كانت في مصر لها أهمية خاصة للغاية؛ إلى حد أن منشدي السيرة الشعبية كالسيرة الهلالية والسير الأخرى يعتبرونها آلة ذات قدسية، وهو ما يفسر سر أن شاعر السيرة وعازف الربابة على حسب أقوال الرواة كان ينبغي للواحد منهما أن يتوضأ قبل البدء في الغناء أو العزف عليها؛ من فرط احترامهما وتقديسهما لها».

آلة الربابة (الشرق الأوسط)
آلة الربابة (الشرق الأوسط)

ويوضح شبانة قائلاً: «الربابة آلة مهمة وحاضرة في الثقافة المصرية، وبشكل أساسي في الصعيد، وهي ذات امتدادات كبيرة في الجيزة، وبعض المحافظات الأخرى من مصر»، مشيراً إلى أنها «في رمضان تصبح أكثر انتشاراً؛ فهي موجودة بشكل مكثف دائماً سواء في القاهرة أو المحافظات».

وتصاحب الربابة الحكي الشعبي والسيرة الهلالية على وجه الخصوص، وذلك ما يبرره شبانة قائلاً: «يرجع ذلك إلى صوتها الناعم الشجي الحنون، وما يحمله من إحساس قوي بالأحزان والأفراح، فهي ليست صارخة الصوت، لكنها في الوقت نفسه تسمح بالألحان البطيئة والسريعة، وطويلة الوزن أو قصيرة الوزن؛ مما جعلها ملائمة لما تحمله السيرة والحكي من دروس وعبر ومواقف حزينة أو مفارقات الحياة».

وارتبط الحضور الطاغي للربابة في المناطق الريفية المصرية منذ القدم من خِلال المداحين، ورواة السِير الشعبية، وفِرق الفنون الفلكلورية، التي لها مستمعوها ومريدوها في الموالد، والاحتفالات الصوفية، والليالي الرمضانية؛ حيث تروى الحكايات والملاحم الشعبية، وفق إبراهيم القط عازف الربابة الصعيدي ومدير فرقة «أولاد النيل».

آلة الربابة المصرية تقاوم الاندثار (الشرق الأوسط)
آلة الربابة المصرية تقاوم الاندثار (الشرق الأوسط)

ويتابع القط: «تستطيع أن تستمع على موسيقاها إلى قصة عنترة بن شداد، وأسطورة الزير سالم، وبطولات أبو زيد الهلالي، كما تجدها حاضرة في كثير من الأفراح والأعراس الشعبية».

لكن القط يخشى على الربابة من الاندثار بسبب قلة عدد العازفين التقليديين الذين توارثوا العزف عليها وصناعتها عن آبائهم وأجدادهم، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نعتز بها كثيراً؛ فقد ترسخ داخلنا أنها آلة تعود إلى أجدادنا المصريين القدماء، حيث تعلو رسومات لها جدران بعض المقابر والمعابد، في المناطق الأثرية بميت رهينة وأبو سمبل ودهشور».

ويأمل القط أن يتم الاهتمام بها من جانب الدولة؛ باعتبارها آلة عريقة مرتبط بالذاكرة الموسيقية المصرية، ويقول: «من جهتي قمت بالعمل على تطويرها من حيث الشكل والصوت معاً؛ لتصبح أكثر عصرية وتجتذب شباب العازفين».

ويتابع: «زودتها بـ(مفتاح ترس)، كما قمت بإضافة الصدف والقشرة؛ من أجل مظهر أكثر أناقة وحداثة، وذلك من دون المساس بهويتها وشخصيتها الأصيلة»، وفق عازف الربابة الصعيدي.


مقالات ذات صلة

«بالدم»... مخاطرةٌ رابحة مع ملاحظات ضرورية

يوميات الشرق العمل أهلٌ بتصنيفه بين الأفضل (البوستر الرسمي)

«بالدم»... مخاطرةٌ رابحة مع ملاحظات ضرورية

العمل لم ينل التنويه لمجرّد عواطف وطنية، فذلك مُعرَّض لأنْ تفضحه ثغر ويدحضه افتعال. أهليته للإشادة به مردُّها أنه أقنع بكثير من أحداثه، ومنح شخصيات قدرة تأثير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق ياسمين صبري ونيكولا معوض في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

هل استطاعت ياسمين صبري الخروج من عباءة «الفتاة الأنيقة» درامياً؟

قدَّمت الفنانة المصرية من خلال العمل شخصية «زينب»، الفتاة التي تقع ضحية لزوجها النرجسي، المحامي «أسامة».

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق فؤاد المهندس في الإعلان المثير للجدل (يوتيوب)

مصر: أزمة إعلانية لاستعانة شركة حلويات بنجوم الزمن الجميل

الإعلان المثير للجدل صُمِّم بالذكاء الاصطناعي بشكل كامل، يُظهر مجموعة من نجوم الزمن الجميل كأنهم يعملون في المحل الشهير ويقدِّمون الحلوى للزبائن...

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق مليونان ونصف المليون مصلٍ شهدوا ختم القرآن بالمسجد الحرام في مكة المكرمة ليلة 29 رمضان (واس)

ملايين المصلين يشهدون ختم القرآن بـ«الحرمين الشريفين»

شهد ملايين المصلين في «الحرمين الشريفين»، ختم القرآن الكريم، مساء الجمعة، حيث أدوا صلاة العشاء والتراويح في ليلة 29 رمضان، وسط أجواء روحانية.

«الشرق الأوسط» (مكة المكرمة - المدينة المنورة)
يوميات الشرق في مسلسل «نفس» أدّت رانيا عيسى دور العمّة «سوسو» (صور الفنانة)

رانيا عيسى لـ«الشرق الأوسط»: الدراما اللبنانية لا بدَّ أن تبلغ القمة

في مسلسل «نفس»، عرفت الممثلة اللبنانية رانيا عيسى كيف تجذب الجمهور بلغة جسد وملامح أسهمت في صقل شخصية العمّة «سوسو» التي تؤدّيها.

فيفيان حداد (بيروت)

هل أخفق أحمد مكي بابتعاده عن الكوميديا؟

أحمد مكي في لقطة من مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)
أحمد مكي في لقطة من مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)
TT
20

هل أخفق أحمد مكي بابتعاده عن الكوميديا؟

أحمد مكي في لقطة من مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)
أحمد مكي في لقطة من مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)

شارك الفنان المصري أحمد مكي في موسم دراما رمضان هذا العام بمسلسل «الغاوي»، الذي نقله من عالم الكوميديا التي قدمها عبر شخصيات «الكبير»، و«جوني»، و«حزلقوم»، في مسلسل «الكبير أوي» خلال 8 مواسم، إلى الدراما الاجتماعية الشعبية.

وتباينت التعليقات «السوشيالية»، والآراء النقدية حول تحول مكي من الكوميديا إلى الدراما الاجتماعية؛ فبينما هناك مَن يرى البعض أن خروج مكي من لون واقتحامه لآخر يُحسَب له، قال آخرون إنها «مغامرة كبيرة»، وكان لا بد من التمعُّن في اختيار عناصر العمل، خصوصاً السيناريو؛ فهل «أخفق» أحمد مكي بابتعاده عن الكوميديا وتقديمه لدور شعبي؟

الفنان المصري أحمد مكي في لقطة من مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)
الفنان المصري أحمد مكي في لقطة من مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)

الناقد المصري محمد عبد الخالق يرى أن مكي لم يخفق بابتعاده عن الكوميديا، حتى ولو رأى البعض أن مسلسله «الغاوي» لم يحقق النجاح المتوقَّع، فقراره بالتغيير والابتعاد عن اللون الذي أحبه الجمهور صائب وجريء، بل وواجب على أي فنان حقيقي أن يبحث دائماً عن تحدٍّ جديد.

ويضيف عبد الخالق لـ«الشرق الأوسط»: «الممثل الحقيقي هو الذي يستطيع أن يقنع المشاهد بأي دور»، لافتاً أن «التصنيف يكبل الفنان ويحد من إبداعه ويتركه حبيس قالب محدد، وهو ما لا يقبل به أي فنان مجتهد».

ويشير عبد الخالق إلى أن مسلسل «الغاوي» نجح وقدم حالة مختلفة عن كل ما شاهدناه في رمضان 2025؛ فنحن لا نطلب الكمال في أي عمل إبداعي، بل نطلب التجديد والتجريب والمحاولة، على حد تعبيره.

الفنان المصري أحمد مكي في لقطة من مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)
الفنان المصري أحمد مكي في لقطة من مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)

ويجسد مكي في المسلسل شخصية «شمس»، الذي ينتمي لأحد الأحياء الشعبية، ويقرر الابتعاد عن نمط حياته المعتاد ويتحول من «بلطجي» إلى شخص آخر يساعد الناس، وذلك بعد تعرضه لأزمة كبيرة في حياته تتمثل في وفاة زوجته، محاولاً تقديم نموذج جديد من خلال دوره يبرز سمات الشخصية الشعبية النبيلة.

ويشارك مكي في بطولة «الغاوي»، عائشة بن أحمد، وأحمد بدير، وولاء الشريف، ومحمد لطفي، والمسلسل من تأليف محمود زهران، وطارق الكاشف، وإخراج محمد العدل الشهير بـ«ماندو العدل».

ويرى الناقد الفني المصري طارق الشناوي أن مكي لم يخفق في الابتعاد عن الكوميديا، ولكنه أخطأ في اختياره، فالفنان بإمكانه الابتعاد عن لون بعينه وتقديم آخر بشكل أفضل، وربما يظل في لونه ويكون رديئاً، ومكي قدم الكوميديا في الجزء الثامن من «الكبير أوي» ولم ينجح، على عكس الجزء السابع، لكن مكي، في «الغاوي»، أخفق في اختيار النص والإخراج، والأداء، بجانب «الاستظراف».

ويوضح الشناوي لـ«الشرق الأوسط» أن «الغاوي» من الأعمال التي جعلتنا نتوقع في البداية أننا أمام عمل عميق وجميل، لكننا اكتشفنا أنه متعثر على كل المستويات.

مكي قدم دور البطل الشعبي في مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)
مكي قدم دور البطل الشعبي في مسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)

وتصدَّر اسم مكي ومسلسل «الغاوي» الترند بمواقع التواصل، عقب طرح البرومو الترويجي للعمل قبيل عرضه في النصف الثاني من رمضان، وتوقع متابعون أن يحقق مكي حضوراً لافتاً عبر إطلالته الجديدة.

وتقول الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله إن «مسلسل (الغاوي) جيد، وبه تصوير وتمثيل مختلف لمكي، حيث قدم شخصية البطل الشعبي النبيل بشكل رائع»، لكنها أوضحت أن السيناريو ينقصه بعض التفاصيل، «مثل دور الشرير النمطي».

الفنان أحمد مكي (حسابه بموقع «فيسبوك»)
الفنان أحمد مكي (حسابه بموقع «فيسبوك»)

واستنكرت خير الله استبعاد الناس للمسلسل من الأعمال الأكثر أهمية هذا الموسم، موضحة أن به جهداً كبيراً بالمشاعر الإنسانية، بجانب ابتعاد العمل عن الاصطناع والألفاظ الفجة، ومن الإجحاف وضعه في خانة واحدة مع مسلسلات أخرى لم تجد رواجاً وقبولاً.

الفنان أحمد مكي يتصدر الملصق الترويجي لمسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)
الفنان أحمد مكي يتصدر الملصق الترويجي لمسلسل «الغاوي» (الشركة المنتجة)

وذكرت خير الله في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن جمهور مكي كان يعتقد أنه سيسير على نهج «الكبير» لسنوات أطول، لكن النقلة التي قدمها خالفت توقعاتهم، وأحدثت فجوة بينه وبينهم؛ خصوصاً أنهم كانوا ينتظرون منه تقديم دور «الكبير» مجدداً، أو عمل آخر كوميدي بشكل عام.

وكان متابعون قد قالوا إن «سقف طموحاتهم تجاه مكي كان أكبر مما قدمه في (الغاوي) من ناحية الأداء واختيار فريق العمل والنص، إلا أنهم أشادوا بصوت المبتهل التنزاني يحيى بيهقي الذي قدم شارة العمل. واعتاد مكي المنافسة في دراما رمضان منذ سنوات، إلا أنه في المقابل لم يقدم أعمالاً سينمائية منذ تقديمه لفيلم (سمير أبو النيل) قبل 12 عاماً».