«إفطار المطرية» في مصر... حضور عالمي على «موائد الطيبين»

يجذب الآلاف للعام 11 على التوالي بينهم وزراء وسفراء ومشاهير

إفطار مبهر في المطرية يجذب الأنظار (الشرق الأوسط)
إفطار مبهر في المطرية يجذب الأنظار (الشرق الأوسط)
TT
20

«إفطار المطرية» في مصر... حضور عالمي على «موائد الطيبين»

إفطار مبهر في المطرية يجذب الأنظار (الشرق الأوسط)
إفطار مبهر في المطرية يجذب الأنظار (الشرق الأوسط)

قطع الشاب العشريني عمرو عادل 148 كيلومتراً من محافظة بورسعيد (إحدى محافظات قناة السويس) إلى القاهرة للمشاركة في «إفطار المطرية» الذي يُعدُّ الحدث الرمضاني الأبرز في مصر.

عمرو الذي يحترف صناعة المحتوى، ويهتم بالدراجات الهوائية، وسافر إلى القاهرة مستقلاً واحدة منها للمشاركة في «إفطار المطرية» لأول مرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه قرَّر حضور الإفطار الجماعي بعدما شارك أصدقاؤه في نُسخٍ سابقة، وأشادوا بالتجربة، ووصفها بأنها «أصبحت من العلامات المميزة لرمضان».

المائدة احتشدت بآلاف الزائرين (الشرق الأوسط)
المائدة احتشدت بآلاف الزائرين (الشرق الأوسط)

مثل عمرو، قصد الآلاف «عزبة حمادة» وسط حي المطرية الشعبي (شرق القاهرة)، السبت 15 رمضان، للمشاركة في الحدث الذي يقام للعام الـ11، مرسِّخاً مكانته بوصفه واحداً من الأحداث العديدة المميزة لرمضان في مصر.

على ما يبدو فإن شُهرة «إفطار المطرية» تتجاوز المحلية، حيث رصدت «الشرق الأوسط» حضور أجانب وعرب من جنسيات مختلفة في الإفطار، كما شارك بعض السفراء الأجانب في مصر، حيث تحوَّل الاحتفال إلى كرنفال مصري سنوي، وفق بيان لوزارة التضامن الاجتماعي. وخطَّ الأهالي على جدران أحد المنازل عبارة «من المطرية إلى العالم».

وأرسل منظمو الإفطار رسالة دعم لفلسطين، فردَّدوا ومن خلفهم الجماهير المشاركة في الحدث هتاف «بالروح بالدم نفديكي يا فلسطين»، بمجرد حلول موعد الإفطار، وقبله رسموا علم فلسطين، في مشهد لافت.

دعم رسمي

وبالإضافة إلى الحشد الشعبي الذي يُعدُّ بالآلاف، تحرص الحكومة المصرية على حضور «إفطار المطرية» ومنحه الضوء الأخضر؛ حيث يشارك فيه وزراء ونواب وسياسيون، مروجاً للأجواء الرمضانية الخاصة في مصر، ومؤكداً على الأمن والأمان الذي يغلِّف أجواء الإفطار.

إفطار المطرية مارس 2025 (الشرق الأوسط)
إفطار المطرية مارس 2025 (الشرق الأوسط)

وشارك في النسخة الأحدث، السبت، وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري، ووزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي، كما ظهر في الإفطار، عصام العرجاني، أحد الأمناء المؤسسين لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد.

وأشاد محافظ القاهرة، إبراهيم صابر، بالإفطار، قائلاً في بيان: «مثل هذه الفعاليات تعكس قيم الترابط بين أفراد المجتمع المصري، وتعزِّز من دور المؤسسات الحكومية في دعم المبادرات الخيرية».

ورأى وزير الأوقاف أن الفاعلية «تُجسِّد معاني التكافل والتراحم بين أبناء الوطن، وتُعبِّر عن الروح الأصيلة للإنسان المصري»، وفق بيان للوزارة.

وأعربت وزيرة التضامن الاجتماعي عن سعادتها في المشاركة بـ«الحدث الذي بات يُمثِّل تقليداً سنوياً يحرص جموع المواطنين على المشاركة فيه، لأنه تأكيد على روح التكافل الاجتماعي التي يتِّسم بها الشعب المصري» حسب إفادة رسمية.

وزير الأوقاف الشيخ أسامة الأزهري حاملاً طفلة من المطرية خلال أكبر إفطار سنوي (وزارة الأوقاف المصرية)
وزير الأوقاف الشيخ أسامة الأزهري حاملاً طفلة من المطرية خلال أكبر إفطار سنوي (وزارة الأوقاف المصرية)

إفطار يتَّسِع

امتدت مائدة «إفطار المطرية» في 20 شارعاً حسب هاني عزت، أحد أفراد العائلة التي بدأت منها فكرة الإفطار، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «في البداية كانت هناك 10 طاولات فقط بين الأصدقاء، وتوسع الإفطار مع السنوات حتى وصل عدد المشاركين إلى نحو 100 ألف شخص خلال العام الحالي»، على حد تقديره.

وبدأ «إفطار المطرية» في عام 2013، وقامت فكرته على تنظيم مائدة إفطار سنوية يشارك فيها جميع الأهالي بجهود ذاتية، لتتحوَّل إلى أطول مائدة رمضانية في مصر، ولم تتوقف هذه المائدة سوى عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا، وفق بيان محافظة القاهرة.

وعبَّر عزت عن سعادته بنجاح الفاعلية، التي تطوَّرت خبراتهم في تنظيمها مع تتابع السنوات حتى خرجت بهذا الشكل «المشرف»، مشيراً أيضاً إلى «التَّنسيق مع الجهات الرسمية والأمنية منذ أول رمضان لتأمين الإفطار».

وانتشرت فرق الحماية المدنية وقوات الأمن وسيارات الإسعاف وفرق من الهلال الأحمر، خلال الإفطار. وتجوَّل كثيرٌ من المؤثرين على «السوشيال ميديا» بين الحضور، وكاميرات هواتفهم مفتوحة «لايف»، مستغلِّين «الترند» الذي يتصدَّر مواقع التواصل كل عام.

«السِّر في التفاصيل»

يفتح أهالي عزبة حمادة بيوتهم للوفود خلال إفطار رمضان، خصوصاً للصحافيين الذين يتكدَّسون في شرفات المنازل، في حين يُقدِّم أصحابها الطعام والعصائر للضيوف.

وحضرت بقوة في خلفية الإفطار أغنية حسين الجسمي عن «رمضان في مصر»، ودندنها الأطفال والمشاركون، كما اقتبس الأهالي عبارات منها وكتبوها على البيوت مثل «كل البيوت هنا عمرانة».

مقطع من إفطار المطرية (صفحة رئاسة الوزراء على «فيسبوك»)
مقطع من إفطار المطرية (صفحة رئاسة الوزراء على «فيسبوك»)

نزلت الفتاة العشرينية رضوى محمد من منزلها لتشاهد المائدة عن قرب، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنها تنتظر هذا الحدث كل عام وتُعدّه «عيداً»، يتجهزون له في إعداد الطعام قبل 4 أيام من بدايته، مشيرة إلى أن والدتها واحدة من المشاركات في تحضير الأطباق.

وإلى جانب سواعد أمهات المنطقة، يقام مطبخ كبير في أحد شوارع العزبة، يُشرف عليه طباخون محترفون. وتظهر هذه الجهود في وجبات متعدِّدة، بين أرز ولحم أو دجاج ومحشي، بخلاف التحلية مثل «الزلابية».

وتخلَّل اليوم احتفالات شعبية، مثل صخب الشباب بالدَّق على الطبول قبل الإفطار، أو الهتاف بشكل جماعي «مطرية مطرية»، وخلال الإفطار تأتي اللحظة الكرنفالية الأكبر، حيث تُطلق الألعاب النارية، وتتطاير «البالونات» في الهواء بألوان مبهجة ومتعددة.

رمضان يجمعنا غرافتي إفطار المطرية (الشرق الأوسط)
رمضان يجمعنا غرافتي إفطار المطرية (الشرق الأوسط)

وعقب الإفطار، يتحوَّل المشهد تدريجياً إلى «فرح شعبي»، ويحتفل شباب المنطقة بثمار مجهودهم، في الرقص على أغانٍ شعبية.

التمويل

في أحد شوارع العزبة نُصبت لافتة كبيرة بعنوان «شركاء النجاح» تشير إلى «وزارة التضامن الاجتماعي»، و«صندوق تحيا مصر»، و«وزارة الداخلية»، وعدد من الشركات الخاصة.

يقول يوسف حسان، أحد المنظمين، إنها النسخة الأولى التي يوجد فيها رعاة للحدث، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «كان يقتصر طيلة السنوات الماضية على جهود الأهالي». مرجعاً وجود الرُّعاة إلى معاونتهم لاستيعاب الزيادة الكبيرة في الأعداد. بيد أن هاني عزت يؤكد أنه «ومع وجود الرُّعاة، لا يزال الأهالي يقومون بالدور الأكبر في التمويل وإعداد الإفطار».


مقالات ذات صلة

مساجد مصر الأثرية تتصدر الوجهات السياحية خلال رمضان

يوميات الشرق مسجد الرفاعي حظي بتصميم معماري مميز (وزارة السياحة والآثار)

مساجد مصر الأثرية تتصدر الوجهات السياحية خلال رمضان

في ليالي رمضان، يصبح لمساجد مصر الأثرية طابعها الخاص المميز؛ تلك المساجد التي تشهد صلاة التراويح، والتفرغ للعبادة خصوصاً في العشر الأواخر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق يتناول المسلسل قصة حب تخرج عن المألوف (إنستغرام)

كاتبة مسلسل «نفس» إيمان السعيد: شخصياتي تعبُر من العتمة إلى الضوء

في «نفس»، يعبُر قلم إيمان السعيد إلى عالم الروحانيات والبُعد النفسي. تتحدّى وتواجه بمحتوى نص متمكّن يخرج عن المألوف، ويحمل التركيبة الرومانسية البسيطة. 

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق السيناريست المصري محمد هشام عبية (فيسبوك)

محمد هشام عبية: درستُ نفسية المُقامر لكتابة «مُنتهى الصلاحية»

يناقش المسلسل ظاهرة المراهنات الإلكترونية من خلال قصة تمزُج بين الحسّ الإنساني والطابع التشويقي لأب يخسر وظيفته وسمعته ويواجه خفايا عالم مليء بالمخاطر والتهديد.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق السيرة الهلالية في مقهى نجيب محفوظ بالسيدة زينب (هيئة قصور الثقافة المصرية)

السيرة الهلالية والفنون الشعبية تجدِّد ذكريات رمضان في القاهرة التاريخية

جددت رواية السيرة الهلالية وفرق الفنون الشعبية والتراثية ذكريات رمضان في الحديقة الثقافية بحي السيدة زينب بالقاهرة التاريخية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق فيلم «الدشاش» شهد عودة محمد سعد إلى السينما بعد سنوات (الشركة المنتجة)

إيرادات هزيلة للسينما المصرية خلال موسم رمضان

طقوس موسم رمضان واجتذاب المسلسلات للناس وراء هذا الانخفاض الملحوظ في الإيرادات السينمائية، والذي يُتوقّع استمراره حتى موسم عيد الفطر.

داليا ماهر (القاهرة )

التوزيع الجيّد للأشجار في المدن يُقلّل الوفيات

الأشجار تُعزِّز جودة الحياة في المدن (المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ)
الأشجار تُعزِّز جودة الحياة في المدن (المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ)
TT
20

التوزيع الجيّد للأشجار في المدن يُقلّل الوفيات

الأشجار تُعزِّز جودة الحياة في المدن (المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ)
الأشجار تُعزِّز جودة الحياة في المدن (المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ)

أفادت دراسة دولية بأنّ توزيع الأشجار في المدن لا يقلّ أهمية عن عددها، إذ يمكن لتخطيط المساحات الخضراء بشكل مترابط أن يُسهم في تقليل معدلات الوفيات الناجمة عن الأمراض المزمنة والشيخوخة.

وأوضح الباحثون من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ، بالتعاون مع الجامعة الوطنية في سنغافورة، أنّ زراعة الأشجار وحدها لا تكفي لتعزيز صحة السكان، وإنما يجب أن يكون توزيعها مدروساً لتحقيق أقصى فائدة؛ ونُشرت النتائج، الخميس، في دورية «The Lancet Planetary Health».

وتُعدّ الأشجار والمساحات الخضراء عناصر أساسية لتعزيز جودة الحياة في المدن، إذ تُسهم في تنقية الهواء، وتوفير الظلّ، وخفض درجات الحرارة، وتحفيز النشاط الخارجي.

لهذا، تبنّت حكومات عدّة خططاً طَموحة للتشجير لمواجهة تغيُّر المناخ وارتفاع الحرارة. غير أنّ المدن ذات الكثافة العمرانية العالية تعاني محدودية المساحات الخضراء، مما يجعل تحسين توزيع الأشجار أولوية لتحقيق أقصى فائدة.

وخلال الدراسة، حلّل الباحثون العلاقة بين توزيع الأشجار وصحة سكان المدن، معتمدين على بيانات دقيقة لغطاء الأشجار ضمن نطاق 500 متر من أماكن إقامة السكان.

ولم يقتصر التحليل على قياس المساحة المغطّاة بالأشجار، وإنما شمل مدى تقاربها وترابطها الهندسي. وربطوا هذه البيانات بمعدلات البقاء على قيد الحياة لأكثر من 6 ملايين شخص بالغ في سويسرا، مع التركيز على الوفيات الطبيعية الناتجة عن الأمراض أو الشيخوخة، مع مراعاة الخصوصية من خلال تقريب إحداثيات أماكن الإقامة لأقرب 50 متراً.

وأظهرت النتائج أنّ الأحياء ذات المساحات الخضراء المترابطة والكبيرة تتمتّع بمعدلات وفيات أقل مقارنة بالمناطق ذات الغطاء النباتي المجزّأ والموزَّع بطريقة غير منتظمة.

وكان هذا التأثير أكثر وضوحاً في المناطق الحضرية المكتظة، إذ يُفاقم التلوّث البيئي وارتفاع درجات الحرارة المشكلات الصحية المرتبطة بموجات الحرّ الشديدة، مثل الإجهاد الحراري وأمراض القلب.

وأسهمت الغابات الحضرية المتّصلة في تحسين جودة الهواء وتقليل التلوّث؛ ما انعكس إيجابياً على صحة الجهاز التنفسي. كما ساعد التخطيط الاستراتيجي للأشجار في خفض درجات الحرارة وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بموجات الحرّ.

وعزَّزت المساحات الخضراء المتّصلة الصحة النفسية والبدنية، إذ وفّرت بيئة طبيعية لممارسة النشاط البدني؛ مثل: المشي، والجري، وركوب الدراجات، مما أسهم في تقليل التوتر والقلق. كما أنّ التوزيع العادل للأشجار ضمن المدينة يضمن استفادة جميع السكان من الفوائد الصحية للمساحات الخضراء؛ مما يساعد في تقليل الفجوات الصحية بين الأحياء.

واستناداً إلى النتائج، اقترح الباحثون استراتيجيات عدّة لتعزيز دور الأشجار في التخطيط العمراني، منها إنشاء ممرات خضراء تربط بين المساحات المشجَّرة المعزولة لتعزيز التأثير الإيجابي في صحة السكان والبيئة، بالإضافة إلى تجنُّب التصميم العشوائي للغطاء النباتي، والحرص على أن تكون المناطق المشجَّرة متّصلة وذات أشكال هندسية بسيطة، مثل الدوائر والمستطيلات، لتعظيم فوائدها البيئية والصحية.