الدراما اللبنانية تُنافس رمضانياً بعد غياب... وتتخطّى «المُشترك»

«بالدم» يُثبت استحقاقها للفرصة و«نَفَس» بانطلاقة «باردة»

العودة إلى تقييم أكثر اكتمالاً مسألةُ وقت («بالدم» و«نَفَس»)
العودة إلى تقييم أكثر اكتمالاً مسألةُ وقت («بالدم» و«نَفَس»)
TT

الدراما اللبنانية تُنافس رمضانياً بعد غياب... وتتخطّى «المُشترك»

العودة إلى تقييم أكثر اكتمالاً مسألةُ وقت («بالدم» و«نَفَس»)
العودة إلى تقييم أكثر اكتمالاً مسألةُ وقت («بالدم» و«نَفَس»)

يُنافس مسلسل «بالدم» على مستويين: الأول لتصدُّر المراتب، والثاني لإثبات عودة مُستحَقّة للدراما اللبنانية بعد غياب. فالعمل المشغول لبنانياً تماماً، يشاء أن يُلقِّن درساً بأنه الأوان لاستعادة الثقة بالصناعة الدرامية المحلّية بعد انكسارات. أعوامٌ قضت على استبعادها كأنها لم تتألّق يوماً ولم تُحقّق ما يُبهج المستثمرين والصنَّاع. استُبعدت كما يحصل حين يتكاثر الجلّادون فوق ضحية ويحيلونها على العقاب ودفع الثمن. يُعلن «بالدم» أنّ المُرَّ بدأ يمرُّ، وهذه الصناعة جديرة بفرصة.

يُعلن «بالدم» أنّ الدراما اللبنانية جديرة بفرصة (ماغي بو غصن في المسلسل)

اعتدنا انتظار المُشتَرك في الموسم الرمضاني؛ وهذه التسمية درجت منذ تحوُّل الدراما اللبنانية - السورية واقعَ حال. والمُشتَرك كان عادةً بطلةً لبنانية مع بطل سوري، يتحابان وتحوم حولهما مشكلات تُشكِّل الأحداث. ولطالما كان مستغرباً تكوُّن العائلة من أفراد يتحدّثون لهجتين بذريعة أنّ الأم من بلد والأب من آخر. في العموم، طغى «الفايك». وهذه التركيبة المُعدَّة لتُسوَّق بما يتجاوز الخريطة الواحدة، انتُقدت لتعذُّر خلوّها من الثغر. حتى إنَّ وجوهاً من لبنان وسوريا، حين وُضعوا في سياق مختلف، وسُلَّموا أدواراً تُشبه بيئاتهم، برعوا. «الترقيع» أضرَّ بروح المشهد وكرَّس التصنُّع.

«بالدم».. بداية موفَّقة

في هذا الموسم الرمضاني، تقول الدراما اللبنانية كلمتها. حضورها ليس شكلياً؛ أي أنه يتجاوز التفاخُر المجاني بأنّ هناك مسلسلاً لبنانياً بين المسلسلات بصرف النظر عن نوعيته. تُبيّن الحلقات الأولى أنه نوعٌ أيضاً. لم يُقدَّم «زيادة عدد» ولا «رفع عتب».

حتى الآن جميع المَشاهد في محلِّها (رفيق علي أحمد وجوليا قصار في «بالدم»)

تتصاعد الأحداث على وَقْع تشويقي. وهو من الأعمال المُشاهَدة برغبة في متابعة الحلقة من الشارة إلى الجنيريك. حتى الآن، جميع المَشاهد في محلِّها. لا حشو، لا افتعال. وجميع الشخصيات تلمع بأدوارها. والحكاية، إن يؤخَذ على مؤلِّفتها نادين جابر اكتفاؤها بالإشارة إلى أنها مقتبسة عن قصة حقيقية، من دون ذِكر المصدر؛ فإنها مؤثّرة، مشوّقة، ممسوكة، لا تضيّع وقت المُشاهد بما لا يُقدِّم ولا يؤخّر ضمن السياق. جابر ماهرة، وباتت مُنتظَرة. نصوصها تلتقط الأنفاس.

مُبكر التقييم لكنَّ البداية مُبشِّرة (ماريلين نعمان في «بالدم»)

مُبكر التقييم، لكنَّ البداية مُبشِّرة. تكتشف «غالية» (ماغي بو غصن) بعد 45 عاماً بأنها مجهولة الأبوين بعدما تبيَّن أنَّ مَن ربّياها ليسا والديها. «بالدم» عما يبقى في الإنسان حين تغدره الجذور. وعن الهوية الضائعة وسؤال «مَن أنا؟». يؤدّي ممثلون الأدوار بإتقان أمام كاميرا المخرج فيليب أسمر: بو غصن وباسم مغنية وبديع أبو شقرا وجيسي عبده ورلى بقسماتي وماريلين نعمان وسعيد سرحان ووسام فارس وسنتيا كرم، مع آخرين أمام الأسماء المُكرَّسة: رفيق علي أحمد وجوليا قصار ونوال كامل وسمارة نهرا وكارول عبود... الإنتاج لـ«إيغل فيلمز» المُغامِرة والواثقة بالمُغامَرة.

ليس المسلسل «زيادة عدد» ولا «رفع عتب» (جيسي عبده ولرلى بقسماتي في «بالدم»)

«نَفَس»: انطلاقة «باردة»

كان الظنُّ أن تركيبةً ثلاثيةً مؤلَّفةً من دانييلا رحمة وعابد فهد ومعتصم النهار ستترك وَقْعاً أعمق. الحُكم مُبكر. الحلقات الثلاث الأولى تُبيّن أنّ الوَقْع هشّ. حتى الآن، القصة (إيمان السعيد) تحوم حول أحداثها ببطء. بانتظار الآتي، لا نزال نترقّب الحدث المفاجئ أو المنعطف المؤثّر على السياق. التشويق يتأخّر. تعبُر التطوّرات على مهل، مُقدّمةً، في عزّ الحماوة الدرامية، انطلاقةً «باردة».

دانييلا رحمة تجتهد ومع ذلك ثمة ما يفلتُ من يديها (لقطة من «نَفَس»)

عابد فهد أثبت مكانةً بين النجوم، لكنَّ بعض خياراته ليس من الأفضل. تَقدُّم حلقات «نَفَس» سيُبيِّن إن كان هذا المسلسل من الخيارات الصائبة أم الخاطئة. وإنما ما تشير إليه شخصية «أنسي الرمال» حتى الآن، لا يُبشِّر بأنها تتفوّق. ضحكاتٌ تفتقر الإقناع والدور ينطلق بلا لمعة. الوقت مُبكر لحسم الحُكم، وهذا مؤكد. لكنّ الانطباع الأول يصنع الفارق. والبداية تقول كثيراً عما ينتظرنا؛ بداية الأحداث أو ملامح الشخصيات، وإن كان يؤمَل من الانطلاقة المتواضعة شدّ الهِمَّة للَّحاق والتقدُّم.

عابد فهد أثبت مكانةً لكنَّ بعض خياراته ليس من الأفضل (لقطة من «نَفَس»)

الحلقات الثلاث الأولى بيَّنت دانييلا رحمة تجتهد من أجل شخصيتها، ومع ذلك ثمة ما يفلتُ من يديها. بأدائها شخصية «روح» الضريرة، تنتقل إلى جديد تعهده للمرة الأولى، وهذه جرأة تُحسَب لها، لكنها، لوهلة، تتسرَّب منها، ثم فجأة تلتقطها؛ وهكذا دواليك. لا يبقى هذا الإمساك التام طوال الوقت. ويغلُب أيضاً انطباع بأنها شخصية «ساذجة». «طفولية» جداً. وإن كان المقصود إظهار النقاء نقيضاً لقسوة العالم، فذلك غيره غلبة «البراءة». ننتظر الآتي لإزاحة هذه الانطباعات أو تأكيدها.

ومعتصم النهار، حتى الآن، بدورٍ عهده. شخصية «غيث السبع» لم تكشف أوراقها بعد، بانتظار تحوُّل المسلسل إلى ساحة صراع بين عاشقين على امرأة واحدة. تلمع إلسا زغيب بين الأدوار العادية، ويبدو أنها تُخبّئ إعصاراً. مشاعر فوّارة هي خليطُ الهوس والحبّ والانتقام والسعي إلى الاستحواذ. ومع غبريال يمّين بشخصية والدها، يقذفان كرة نار باتجاه الماضي والتسلُّط والأخطاء.

معتصم النهار حتى الآن بدورٍ عهده (لقطة من «نَفَس»)

يُحسب للمسلسل (إنتاج «الصبّاح أخوان» وإخراج إيلي السمعان) تناوله فكرة المسرح المُغيَّبة عادةً في الدراما اللبنانية والمشتركة، وجعله من البُعد الفنّي (رقص) خلفية لخطوط وسياقات. يطلّ إيلي متري بشخصية المُخرج، ويُبيّن حتى الآن أداء عفوياً. البطولة أيضاً لجوزيف بو نصار ونهلا داود بدور والدَي «روح»؛ الأب حاضن والأم مُهيمنة، مع رانيا عيسى ووسام صبّاغ (يبشِّران بثنائية عاطفية)، وحسين مقدّم وميا علّاوي وروزي الخولي، مع المكرَّسين: أحمد الزين ووفاء موصللي وختام اللحام. العودة إلى تقييم أكثر اكتمالاً، مسألةُ وقت.


مقالات ذات صلة

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

يوميات الشرق أتقن جوان رَسْم ملامح «فجر» وقدَّم مشهديات صامتة (مشهد من «تحت سابع أرض»)

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

أتقن الممثل السوري جوان خضر رَسْم ملامح «فجر» في مسلسل «تحت سابع أرض» الرمضاني وقدَّم مشهديات صامتة أغنت الحوار. نطق بعينيه. شخصية مُركَّبة حملت أكثر من تفسير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق في فيلم «نهاد الشامي» تُجسّد جوليا قصّار شخصية الحماة المتسلّطة (إنستغرام)

جوليا قصّار لـ«الشرق الأوسط»: الكيمياء بين ممثل وآخر منبعُها سخاء العطاء

ترى جوليا قصّار أنّ مشاركة باقة من الممثلين في المسلسل أغنت القصّة، ونجحت نادين جابر في إعطاء كل شخصية خطّاً يميّزها عن غيرها، مما ضاعف حماسة فريق العمل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حسن عسيري خلال استضافته المطرب إيهاب توفيق (الشرق الأوسط)

حسن عسيري يستحضر حسَّه الكوميدي في برنامجه «بروود كاست»

في حواره مع «الشرق الأوسط» تحدّث الفنان والمنتج السعودي حسن عسيري عن كواليس برنامجه «بروود كاست».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

من مصر إلى لبنان وسوريا مروراً بالخليج، جولة على أكثر أغاني المسلسلات جماهيريةً واستماعاً.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق العمل أهلٌ بتصنيفه بين الأفضل (البوستر الرسمي)

«بالدم»... مخاطرةٌ رابحة مع ملاحظات ضرورية

العمل لم ينل التنويه لمجرّد عواطف وطنية، فذلك مُعرَّض لأنْ تفضحه ثغر ويدحضه افتعال. أهليته للإشادة به مردُّها أنه أقنع بكثير من أحداثه، ومنح شخصيات قدرة تأثير.

فاطمة عبد الله (بيروت)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.