وائل شوقي يُبدِّد غموض العالم بجَمْعه المذهل بين الخرافة والحقيقة

الفنان المصري لـ«الشرق الأوسط»: أهتمّ بالتاريخ بوصفه نتاجاً إنسانياً

الشخصيات آسرة بأشكالها وتوظيفها تسرد جَمْعه المذهل بين الخرافة والحقيقة (فيسبوك)
الشخصيات آسرة بأشكالها وتوظيفها تسرد جَمْعه المذهل بين الخرافة والحقيقة (فيسبوك)
TT

وائل شوقي يُبدِّد غموض العالم بجَمْعه المذهل بين الخرافة والحقيقة

الشخصيات آسرة بأشكالها وتوظيفها تسرد جَمْعه المذهل بين الخرافة والحقيقة (فيسبوك)
الشخصيات آسرة بأشكالها وتوظيفها تسرد جَمْعه المذهل بين الخرافة والحقيقة (فيسبوك)

بتبنّيه الحكايات الأسطورية حول أصل الحياة، وسردها شِعرياً؛ تتداخل شخصيات الفنان المصري وائل شوقي، بين آلهة ورجال ونساء وحيوانات، لتُشكِّل ما يُشبه رقصة الكون الغامضة. ففيلمه «أنا تراتيل المعابد الجديدة»، المعروض في بينالي الشارقة حتى يونيو (حزيران) المقبل، يُكمل مساره الفنّي الباحث عن تفسيرات للعملية البطيئة والمتضاربة التي اتّبعها العالم لخَلْق توازنه الخاص في خضمّ تراكُم الحروب وغضب الطبيعة. نمطُ الخَلْق هذا يتكرّر إلى ما لا نهاية وسط حلقة مفرغة يسبرها الفنان الشهير بأفلامه المسرحية الثرية واستكشافاته للسرديات القديمة والمعاصرة حول الهوية والتقاليد والإبداع.

ملأ مشاهدون غرفة العرض في «حديقة بومبي» بالشارقة، ومنهم مَن ضاقت به فسحة الجلوس، فتابع فيلمه وقوفاً لنحو ساعة. الشخصيات آسرة بأشكالها وتوظيفها؛ تسرد جَمْعه المذهل بين الخرافة والحقيقة. يتحدّث وائل شوقي لـ«الشرق الأوسط» عن همِّه الفنّي مُمثَّلاً بمحاولة البحث عن أصل الأشياء. فأعماله، أكانت رسماً أو تشكيلاً ونحتاً وتركيباً وأداء وفنَّ عرائس، قوامُها مزج الصور بالتاريخ والأسطورة والخيال والحقيقة.

هذا فيلمه الأول حول تصوّرات مبنية على الأساطير الإغريقية؛ عبره يطرح مفهوم نشأة الكون من وجهة نظرها، حيث البداية من الصمت قبل تحوّله إلى فوضى. يقول: «بتحقُّق تدحرُج الأشياء، بعد حلول الفوضى، تُعلن الأسطورة الإغريقية ولادة السماء والأرض. بحدوث لقائهما، تبدأ مرحلة حكم الآلهة. فالكون مراحل مختلفة، تنتج نشأتُه عن تطوّرها، وجزءٌ منها يمثّله الصراع والسيطرة».

القصة والشخصيات يسيران بالموازاة لا يسبُق أحدهما الآخر (فيسبوك)

القصة والشخصيات يسيران بالموازاة، لا يسبُق أحدهما الآخر أو يحاول التغلُّب عليه. والمُشاهدة تتّخذ متعتها من عمق معانيها ومن تجانُس الجمال والغرابة في رسم الأشكال. المنحى الآسر للفيلم سرعان ما يفرض نفسه، كاشفاً عن امتلاكه السطوتَيْن: لفت النظر ومحاكاة العقل.

يُسيطر «زيوس»، أبو الآلهة والبشر في معتقدات الإغريق، على الكون لتتبع هذه السيطرة وجودَ الإنسان، مع وجودٍ حيواني أيضاً يشمل الطيور. إشكالية التطوّر تؤرق وائل شوقي، فيطاردها في بحوثه وقراءاته. وبعودته إلى الإغريق، ينقل حكايتهم من دون أن يتّخذ موقفاً منها. لا يُدين ولا يتبنّى. يُنقِّب ويغوص فقط.

مشهد من فيلمه «أنا تراتيل المعابد الجديدة» (بينالي الشارقة)

ولمّا اقتصر الحضور الأنثوي في الأسطورة الإغريقية على الآلهة، وحُصر أهل الأرض بالذكور، عرفت النساء مساراً نحو الوجود الدنيوي بتجسيد فكرة العقاب. يُخبر الفيلم أنّ «زيوس» عاقب الدنيويين بإسقاط أنثى عليهم، لتشقّ سيرورة الكون اتجاهها نحو التعدُّد.

قصة غريبة جداً، يقول وائل شوقي إنها تلتقي بمسارات مع الحكاية المصرية، وقد وقع على هذا التلاقي بالمصادفة: «ماذا أحاول أن أفعل؟ جوابي هو الوصول إلى أصل فكرة المفهوم البشريّ. نحن البشر، كيف استطعنا فلسفة وجود الحياة؟ تلك الخرافات وما قد نعدُّه هراء، ارتبطت بتكوين مفاهيم البشرية. لا يمكننا إنكار أنها شكَّلت آنذاك واقعاً مهماً. فما نُعامله باستهزاء ونسخر منه في الحاضر، لا بدَّ أنه يحمل تفسيراً للأصول والبدايات».

بالعودة إلى تلك الأصول، تتحقّق محاولته التوصّل إلى إمكان تحليل الإنسان المعاصر: «وسط كمية الخرافات والأساطير، سنجد أنّ جميع الأسباب تُفضي إلى نتيجة واحدة هي البحث عن العدل. فمسألة إبادة (زيوس) للبشرية بكونها ردَّ الفعل الحتميّ حيال فسادها ونفاق حكامها، تُشبه فكرة الطوفان الواردة في الأديان حيث النجاة قدر الجماعة الصالحة. العدالة نشيد البشرية منذ الأزل».

أقام في مدينة بومبي الإيطالية التي لم تبقَ منها سوى آثارها، ولعام استمرَّ يقرأ ويبحث ليقدّم فيلماً مشبَّعاً بالدلالة والرمزية. يراها مكاناً يرمز إلى الموت والبعث. وهو لم يذكُر مصيرها بعدما دمَّرها بركان، وإنما أبقى عليها خلفيةً سينوغرافيةً تُمثّل الموروث الروماني الإغريقي. فغياب الإشارة إلى مسألة البركان يعوّضه في الأذهان الحضور الساطع لحادثة الطوفان الشهيرة.

همُّه الفنّي يتمثّل بمحاولة البحث عن أصل الأشياء (حسابه في فيسبوك)

فنُّ وائل شوقي شديدُ الاهتمام بواقع المجتمعات الآيلة إلى التطوّر والتواقة إلى الارتقاء من منظومة إلى أخرى تتّسم بالعلوّ، وإن كان على هيئة وهم يجافي الحقيقة. يقول: «من الأمثلة، تحوُّل مجتمعات زراعية إلى مدنيّة. فالتحوّلات تحصُل بفعل الرغبة الإنسانية في الارتقاء والتطوّر. حتى فكرة الحروب الصليبية مثلاً، بجزء منها، كانت تنشد الارتقاء، لواقع أنّ الشرق كان المستوى الأعلى لأوروبا المُدمَّرة حينها. لستُ أطارد أيّة أجوبة. رحلتي بحثٌ آدمي تُحرّكه المعرفة، وأفلامي أكبر عملية تعليم أمنحها لنفسي».

حتى أعماله المنضوية على إشارات سياسية، مُغمَّسة بالخيال. يكاد يحضُر في جميع ممارسات وائل شوقي الفنّية بكونه جزءاً من التحليل. فإضافة بُعد خيالي إلى الأبعاد الواقعية يُسقط عن التاريخ صفة «القدسية»، ويحيله إلى المنطق الإنساني القابل للنقد والشكّ. لذا، يتعامل الفنان مع معطيات التاريخ من مُنطلق بديهية أن تكون قد أُخضعت للتحريف عبر تناقلها الزمني، فيُضيف الخيال ليس لغرضٍ تجميلي فحسب، وإنما ليُطمئن المتلقّي إلى أنه طعَّم احتمال عدم اليقين الكلّي بلمسة سوريالية تخصُّه، يواجه بها حقيقة أنّ الإرث التاريخي ليس موثوقاً به تماماً: «أهتم بالتاريخ بكونه نتاجاً إنسانياً. كيف أكتبه فنياً؟ هنا السؤال». أعماله سعيٌّ من أجل ألا يكفَّ عن طرحه.


مقالات ذات صلة

«البدايات»... معرض «بانورامي» لإبداعات 5 أجيال مصرية

يوميات الشرق لوحة تُعبِّر عن الحضارة المصرية القديمة في معرض «البدايات» (الشرق الأوسط)

«البدايات»... معرض «بانورامي» لإبداعات 5 أجيال مصرية

مراحل مختلفة مرَّ بها فنانون من 5 أجيال مصرية، بعضهم احترف الرسم والتصوير وآخرون تخصَّصوا في النحت أو الحفر.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق مدارس فنّية واتجاهات مختلفة تُعبِّر عن  المرأة (الشرق الأوسط)

«سرّ الحياة» يحتفي بصلابة المرأة العربية وحضورها الطاغي

تضمَّن المعرض عشرات الأعمال التي تحتفي بصلابة المرأة العربية ومسيرتها وإنجازاتها، وحضورها الطاغي عبر التاريخ والواقع المعاصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
لمسات الموضة شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

بدايات جديدة في «جيڤنشي» و«دريز فان نوتن» و«توم فورد» تُوقظ الأمل بولادة عهد جديد

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق مازن معضّم خلال افتتاح المعرض بمدينته صيدا (فيسبوك)

مازن معضّم لـ«الشرق الأوسط»: مدينتي صيدا لا تُشبه غيرها في الشهر الفضيل

في برنامج «ليالي رمضان» نشاطاتٌ متعدّدة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالشهر الفضيل؛ فتُقام العروض المسرحية الخاصة بالأطفال، تحضُر فيها شخصيات علاء الدين والفوانيس.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق صورة الشمس التي استوحى منها اسم معرضه في بيروت (الشرق الأوسط)

معرض «شمس» لماركو بالومبي تحية مشرقة من لبنان إلى إيطاليا

يحتار المرء كيف يحدد معاني كلمة «شمس»، فهي تحمل الدفء والأمل والضوء والحرية وغيرها. ولكن المصور الفوتوغرافي الإيطالي، ماركو بالومبي، جمع فيها كل هذه الصفات في…

فيفيان حداد (بيروت)

أكثر 3 أمور يتشاجر بشأنها الأزواج... وكيفية التعامل معها

هناك 3 أسباب رئيسية للمشكلات بين الأزواج (أرشيفية - رويترز)
هناك 3 أسباب رئيسية للمشكلات بين الأزواج (أرشيفية - رويترز)
TT

أكثر 3 أمور يتشاجر بشأنها الأزواج... وكيفية التعامل معها

هناك 3 أسباب رئيسية للمشكلات بين الأزواج (أرشيفية - رويترز)
هناك 3 أسباب رئيسية للمشكلات بين الأزواج (أرشيفية - رويترز)

بعد أن أمضى الدكتور جيفري بيرنشتاين، المُدرب النفسي، أكثر من 30 عاماً في تقديم الاستشارات والتدريب للأطفال والمراهقين والأزواج والأسرة ككل، وجد أنه ليست هناك علاقة مثالية.

ووفقاً لما نشره موقع «سيكولوجي توداي»، المعني بالصحة النفسية والعقلية والعلوم السلوكية، يقول بيرنشتاين إن الخلافات بين الأزواج واردة، لكن ما الأسباب الجذرية التي تُؤدي إلى خلافات متكررة بينهما؟

وبينما لكل زوجَيْن أسبابهما الخاصة، تبقى 3 مشكلات رئيسية في الكثير من العلاقات متعلقة بـ«المال، والأعمال المنزلية، واختلاف أهداف الحياة»؛ فكيف نتعامل معها؟ وكيف يمكن حلها؟

مشكلات متعلقة بالمال

ليس سراً أن المشكلات المالية تُسبّب توتراً في العلاقات. وتُظهر الأبحاث أن الضغوط المالية من أهم أسباب الخلاف بين الأزواج. فقد يشعر أحد الطرفَيْن بأنه مسؤول مالياً، في حين يُنفق الآخر بتهور، مما يُؤدي إلى توتر كبير، حيث يشعر أحدهما أن الآخر لا يأخذ مستقبلهما على محمل الجد، في حين يشعر الآخر بالضيق بسبب قلة الإنفاق.

والتعامل المثالي في هذا الوضع ليس تجنّب المشكلة، بل التواصل الصريح والصادق حولها؛ إذ لا بد للزوجَيْن أن يناقشا «قيمهما المالية» مُبكراً وبانتظام، ويتفاهما من أجل وضع «ميزانية تُناسب» الاثنين معاً.

مشكلات الأعمال المنزلية

تُعدّ الأعمال المنزلية من أكثر الأمور التي تُدمّر العلاقات بهدوء، فهي لا تقتصر على غسل الأطباق وترتيب الملابس، بل تشمل الاحترام والإنصاف والشعور بالتقدير. وعندما يشعر أحد الطرفَيْن بأنه يتحمّل العبء الأكبر، يتراكم الاستياء. وتُظهر الدراسات أن عدم المساواة في العمل المنزلي من أكبر أسباب الخلاف في العلاقات الحديثة.

والحل يكمن في عدم ترك الأعمال المنزلية تتراكم، وتحدُّث الطرفَيْن صراحة عن التوقعات والمسؤوليات، وتقاسم الأعباء، وألا ينسى الطرفان تقدير جهود بعضهما.

مشكلات «عدم توافق الأهداف»

مع مرور الوقت، غالباً ما يكتشف الأزواج اختلاف رغبات كل طرف في الحياة عن الطرف الآخر. وقد تؤدي هذه الاختلافات إلى صراعات حادة في الطموحات المهنية، أو الخطط العائلية، أو خيارات نمط الحياة. وقد تصبح العلاقة في مفترق طرق إذا لم يكن الطرفان على وفاق بشأن المستقبل.

ويتطلّب علاج هذا الأمر «نقاشات عميقة» حول ما يريده كل طرف في المستقبل. ولا يعني التنازل دائماً الالتقاء في منتصف الطريق، ولكنه يعني احترام أحلام كل من الزوجَيْن. وفي بعض الأحيان، يمكن للعلاج النفسي أن يساعد في سد الفجوة وتوجيه الحوار.

ومع أن هذه الخلافات السابقة كلها مشتركة، إلا أن كيفية التعامل معها تُحدث فرقاً كبيراً. فبدلاً من ترك التوتر يتفاقم، تعامل مع المشكلة بتعاطف وصدق واحترام. والعلاقات لا تقوم على تجنّب الخلاف، بل بتعلم كيفية تجاوزه معاً.