البحث عن «الفقع» وزراعته... من هواية إلى «ميزة نسبية» في السعودية

القصيم سجّلت 14 مليون دولار مداخيل... وشحّ الأمطار يؤخِّر ظهوره

صناديق من «الفقع» يعرضها باعة متجوّلون (الشرق الأوسط)
صناديق من «الفقع» يعرضها باعة متجوّلون (الشرق الأوسط)
TT
20

البحث عن «الفقع» وزراعته... من هواية إلى «ميزة نسبية» في السعودية

صناديق من «الفقع» يعرضها باعة متجوّلون (الشرق الأوسط)
صناديق من «الفقع» يعرضها باعة متجوّلون (الشرق الأوسط)

بعد أيام من دخول فصل الشتاء في السعودية منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهطول أمطار وُصفت بالمتوسّطة إلى الغزيرة، انطلق ناصر (43 عاماً) في رحلة من منزله بالرياض إلى عدد من المناطق التي شهدت هطولاً للأمطار مؤخراً في المملكة، بحثاً عن «الفقع»؛ وهو الزائر السنوي المفضّل لديه ولدى كثيرين من أقرانه، متمتّعاً بفسحة من الوقت في يومه الذي يبدأه بدوام روتيني لا يتجاوز ساعات، قبل أن يفرض «الفقع» نفسه على بقية ساعات يومه الشتوي.

تبدأ رحلته من ضواحي الرياض الشمالية والشرقية، وتدور في حلقة دائرية تحيط بالعاصمة السعودية حيث يشتهر بعض المناطق المحيطة بها بكثرة ظهور «الفقع»، وتحديداً بعد هطول الأمطار، خصوصاً تلك الموسمية التي تُثمر ظهور العشب في الأرض عند حلول الربيع، وذلك وفقاً لهواة ومهتمّين كشفوا لـ«الشرق الأوسط» عن جانب من معرفتهم التي تكوّنت بعد سنوات من مطاردة «الفقع» واستخراجه عبر نبش الأرض بعصا صغيرة.

أحد الهواة يستعرض حبّة من «الفقع» بحجم كبير (الشرق الأوسط)
أحد الهواة يستعرض حبّة من «الفقع» بحجم كبير (الشرق الأوسط)

بدوره، أكّد سحمي شلاش (55 عاماً) أنه لا يمكن تمييز منطقة بعينها بكونها رئيسيةً لظهور «الفقع»، إذ إنه «قد يظهر في فناء المنزل الترابي إذا توافرت ظروف الأمطار الموسمية وظهور النباتات».

وأضاف أنّ مناطق الرعي التي يتّجه إليها ملّاك الإبل والمواشي في فترات الشتاء، تمتدّ غالباً من وسط إلى أقصى شمال الجزيرة العربية، باتجاه الشرق؛ وهي تثمر ربيعاً في الأرض عقب الأمطار ويقصدها الباحثون عن «الفقع» الذي يظهر في تلك الظروف.

واعتاد هواة البحث عنه قَصْد مناطق اشتهرت بأنها منابت له، وليست حصراً، على غرار تلك البرّية القريبة من محافظة حفر الباطن والخفجي والنعيرية في المنطقة الشرقية من البلاد، ومناطق الحدود الشمالية إلى طريف ومنطقة سكاكا (الجوف)، وحائل والقصيم، بالإضافة إلى المناطق المحيطة بمحافظة الدوادمي التابعة للعاصمة.

الأمير فيصل بن مشعل أكّد أن المنطقة قادرة على تحويل «الفقع» علامةً تجاريةً مميّزة (إمارة القصيم)
الأمير فيصل بن مشعل أكّد أن المنطقة قادرة على تحويل «الفقع» علامةً تجاريةً مميّزة (إمارة القصيم)

أما أبو راكان (50 عاماً)، وهو دلّال في «سوق الفقع» بمنطقة حائل شمال السعودية، فقال إنّ أنواعه متعدّدة، منها «الزبيدي الخلاسي وفقع النفود والجباة، بالإضافة إلى الزبيدي الذي يظهر في مزارع ويتميّز بلونه الأبيض».

وأضاف أنّ «الفقع الطبيعي الذي يظهر في الصحراء وفي النفود، أفضل جودةً مما يظهر في المزارع نظراً إلى أن الزراعي يتأثّر بعدد من العوامل الطبيعية بشكل أسرع من (الفقع) الطبيعي».

من جهته، أمضى متعب بن عزام (38 عاماً)، من محافظة الدوادمي التابعة للعاصمة، سنوات في هواية البحث وراء مناطق ظهور «الفقع»، ومارس في أوقات متلاحقة زراعته في المزارع، وكشف عن جانب من عدم انتشار مزارعه مقارنةً بالبحث العشوائي؛ مفسّراً ذلك بأنّ الناس تهوى البحث عنه بما يترافق مع رحلات برّية، كـ«شتات»، والتنقّل بين عدد من المواقع التي تشهد نموّه.

«الفقع» على موائد السعوديين (الشرق الأوسط)
«الفقع» على موائد السعوديين (الشرق الأوسط)

ولفت ابن عزام، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنّ شح الأمطار في بعض المواسم يقلّل نسبة ظهور «الفقع» في المناطق البرّية المفتوحة، غير أنّ لذلك جانباً إيجابياً يتمثّل في التشجيع على زراعته. وتابع: «الزبيدي ذو اللون الأبيض هو الأغلى ثمناً في الأسواق، وبظهوره في المنطقة الوسطى، يكون عادةً في مناطق مثل الصمان وضواحي الزلفي والمناطق البرّية الواسعة المحيطة بمحافظة الدوادمي».

وفي السعودية التي تتميّز بمساحات شاسعة من الصحاري، تنتشر أسواق لـ«الفقع» في كل موسم شتاء، مثل «مهرجان الفقع» الذي نظمته «هيئة فنون الطهي» عام 2022، بالتعاون مع الهيئة الملكية لمدينة الرياض، في ساحة الكندي بحي السفارات في الرياض، إلى جانب سوق «الفقع»، «الكمأ»، بمحافظة طريف بمنطقة الحدود الشمالية، وسوق «الفقع» في شري بمنطقة القصيم، وأخرى في حائل.

زراعة «الفقع» أصبحت رائجة مؤخراً في الأوقات التي تقلّ فيها الأمطار (واس)
زراعة «الفقع» أصبحت رائجة مؤخراً في الأوقات التي تقلّ فيها الأمطار (واس)

ووفقاً لسلطان العصيمي (27 عاماً) الذي اعتاد بيع كرتون «الفقع» في أماكن متفرّقة دون دخول الأسواق، فإنّ أسعار الكيلوغرام غير الخاضعة لتسعيرة محدّدة، تبدأ غالباً من 300 ريال سعودي (80 دولاراً) فصاعداً، خصوصاً نوع الزبيدي؛ و«كلما كبر حجم (الفقع)، زادت قيمته»، فيما تتراوح الأسعار من دون حدود، خصوصاً على طرق السفر الرئيسية أو في بعض محطات البنزين، إذ يجهل أحياناً الباعة أو المشترين القيمة الحقيقية لـ«الفقع»، فيُسعّرونه وفقاً لتوقّعاتهم وللمجهود الذي بذلوه في عملية البحث.

وفي مناطق من البلاد، «أصبحت مزارع (الفقع) ميزة نسبيّة» للمنطقة، كما أكّد أمير منطقة القصيم الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز، بالنظر «لِما توفّره من فرص اقتصادية واعدة وإسهام فاعل في تنمية القطاع الزراعي»، لافتاً النظر إلى أنّ «الفقع» يُعدّ من المنتجات ذات العائد الاقتصادي الكبير، إذ تحقّق مزارعه مداخيل سنوية تفوق 55 مليون ريال (14 مليون دولار).

الزبيدي ذو اللون الأبيض من أجود أنواع «الفقع» (الشرق الأوسط)
الزبيدي ذو اللون الأبيض من أجود أنواع «الفقع» (الشرق الأوسط)

وتحتوي منطقة القصيم وحدها، وفقاً لإحصائية رسمية، على 25 مزرعة لإنتاجه، وأشار أميرها إلى أهمية التركيز على الصناعات التحويلية المرتبطة بـ«الفقع»، لتعظيم القيمة المضافة لهذا المنتج وتسويقه بطرق مبتكرة تعكس جودته العالية وتتناسب مع تطلّعات السوقَيْن المحلّية والدولية.

والعمل على تطوير المنتجات الزراعية من خلال تحويلها إلى منتجات نهائية قابلة للتصدير أو الاستهلاك المحلّي بشكل مميّز، يُعدّ خطوة أساسية لتعزيز استدامة القطاع الزراعي في المنطقة، لافتاً الانتباه إلى أنّ «الفقع» يتمتّع بإمكانات واسعة ليصبح عنصراً رئيسياً في الصناعات التحويلية.

يُقام في السعودية عدد من المهرجانات والأسواق الموسمية لـ«الفقع» (واس)
يُقام في السعودية عدد من المهرجانات والأسواق الموسمية لـ«الفقع» (واس)

ونوّهت «الهيئة العامة للغذاء والدواء» السعودية، إلى أفضلية استخدام «الفقع» خلال 10 أيام بعد استخراجه من الأرض، وعدم حفظه لفترات طويلة عبر السلق أو التجميد، حفاظاً على قوامه ونكهته.

وشدّدت على أهمية إزالة المناطق سوداء اللون، وتنظيفه من التربة جيداً عند التحضير، وشطفه بالماء الجاري وتجفيفه، مبيّنةً أنّ من فوائد «الفقع» احتواءه على جميع الأحماض الأمينية الأساسية، وعلى مستويات عالية من مضادات الأكسدة، بالإضافة إلى أنه غني بالبروتينات والدهون والألياف الغذائية والفوسفور.


مقالات ذات صلة

تنامي القطاع المالي في السعودية عبر مبادرات نوعية

الاقتصاد يزيد الحميد نائب محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي خلال مشاركته في المنتدى بمدينة ميامي الأميركية (الشرق الأوسط)

تنامي القطاع المالي في السعودية عبر مبادرات نوعية

شدد يزيد الحميد، نائب محافظ صندوق الاستثمارات العامة، على التزام السعودية بتطوير قطاعها المالي، وجذب الاستثمارات العالمية، وتعزيز نمو القطاع الخاص.

مساعد الزياني (ميامي)
يوميات الشرق الجلسة جرت ضمن المنتدى السعودي للإعلام (المنتدى)

محللون: الثقة بموقف وصدق السعودية أغلقت باب حرب عالمية ثالثة

أكد محللون أن السياسة السعودية تتمتع بثبات المواقف الذي أكسبها ثقة ومصداقية، وجعلها محطة لخفض التوترات وتعزيز حالة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
المشرق العربي ترمب متحدثاً أمام جمهور مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في ميامي (إكس) play-circle 01:11

ترمب: يتعين علينا أن نشكر الأمير محمد بن سلمان

شكر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي جعله المملكة مكاناً للمحادثات الأميركية الروسية.

علي بردى (واشنطن)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الخارجية السعودية)

بوتين يشكر محمد بن سلمان على استضافة المحادثات مع أميركا

قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شكره وتقديره لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على استضافة الرياض للمحادثات المثمرة بين موسكو وواشنطن.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الهند: مساعٍ لإطلاق مشروعات ترفيهية وفنية مع السعودية

الهند: مساعٍ لإطلاق مشروعات ترفيهية وفنية مع السعودية

أكد نائب وزير الإعلام الهندي، سانجاي جاجو، أن المملكة حققت إنجازات ملحوظة في قطاع الإعلام والترفيه خلال مدة قصيرة.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)

الجمعية السعودية - البريطانية تحتفي برواد التبادل الثقافي

فيصل عباس لدى تكريمه بالجائزة في لندن (عرب نيوز)
فيصل عباس لدى تكريمه بالجائزة في لندن (عرب نيوز)
TT
20

الجمعية السعودية - البريطانية تحتفي برواد التبادل الثقافي

فيصل عباس لدى تكريمه بالجائزة في لندن (عرب نيوز)
فيصل عباس لدى تكريمه بالجائزة في لندن (عرب نيوز)

احتفت الجمعية السعودية - البريطانية برواد التبادل الثقافي: الدكتور إدريس تريفاثان، والدكتورة سارة السيف، والدكتور محمد القحطاني، وفيصل عباس رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز»؛ تقديراً لجهودهم في تعزيز الصداقة والتفاهم، وترسيخ العلاقات الإيجابية بين البلدين.

ووصف آلان مونرو، السفير البريطاني السابق لدى السعودية، والعضو المؤسس للجمعية، هذه المناسبة بـ«الاستثنائية»، وقال إن جوائز «روابي القابضة» التي تحتفي بالسعوديين والبريطانيين الذين أسهموا في تعزيز الروابط الثقافية بين البلدين «تطوَّرت على مدار ما يقارب 30 عاماً، لترسّخ مكانتها كجائزة وطنية مرموقة».

جاء التكريم تقديراً لجهودهم في ترسيخ العلاقات الإيجابية بين السعودية وبريطانيا (عرب نيوز)
جاء التكريم تقديراً لجهودهم في ترسيخ العلاقات الإيجابية بين السعودية وبريطانيا (عرب نيوز)

وتحدَّث مونرو خلال كلمته عن التحول الكبير الذي شهدته الجمعية؛ إذ أصبحت منصة رائدة للتبادل الثقافي والأكاديمي، ووسّعت مؤخراً نطاق تكريمها الذي شمل الإنجازات بمجالَي البحث العلمي والأوساط الأكاديمية؛ إذ مُنحت جائزتان هذا العام لأفراد تقديراً لمساهماتهم البارزة في هذه المجالات.

وانطلقت الجوائز في 2007، وقدّمها هذا العام عبد العزيز التركي رئيس مجلس إدارة «روابي القابضة»، بحضور سايمون كوليس السفير البريطاني السابق لدى السعودية، والرئيس الحالي للجمعية.

وجاء تكريم الدكتور إدريس تريفاثان، المنحدر من أصول بريطانية والمتخصص في الفن الإسلامي، أمين الفن والثقافة الإسلامية بمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) في الظهران، تقديراً لدوره البارز في تعزيز التعاون بين المتاحف في البلدين.

د. إدريس تريفاثان تطرق إلى تجربته في تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين (عرب نيوز)
د. إدريس تريفاثان تطرق إلى تجربته في تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين (عرب نيوز)

ويُعد تريفاثان من أبرز أمناء المتاحف المتخصصين في الفن الإسلامي عبر أوروبا، وشمال أفريقيا، وجنوب شرقي آسيا، والشرق الأوسط. ولعب دوراً محورياً في تعزيز التبادل الثقافي. ومن أبرز مشاريعه الحديثة تنظيم معرض استعادي للمصوّر البريطاني بيتر ساندرز الذي يستعرض خمسة عقود من توثيقه للعالم الإسلامي.

وقال: «لقد كان الانفتاح على أديان وثقافات مختلفة تجربة غنيّة منحتني فهماً أعمق، وتقديراً أوسع لوجهات النظر المتنوعة»، واصفاً عمله بأنه «يسهم في بناء جسور التفاهم والتسامح والاحترام المتبادل بين العالم الإسلامي والغرب».

د. سارة السيف تتحدث عقب تكريمها من الجمعية (عرب نيوز)
د. سارة السيف تتحدث عقب تكريمها من الجمعية (عرب نيوز)

ونالت الدكتورة سارة السيف، والدكتور محمد القحطاني، التكريم تقديراً لإسهاماتهما البارزة في مجالات العلوم والأوساط الأكاديمية؛ إذ تركز أبحاث الأولى على تطوير مواد نانوية مستدامة، ومشتقة بيولوجياً من مصادر بحرية، استجابةً لدعوة منظمة الصحة العالمية لمكافحة البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة.

ويتخصص القحطاني في الهندسة الميكانيكية والتصنيعية، ويتمتع بخبرة واسعة في التصنيع الإضافي، والأجهزة الطبية الحيوية، والتصنيع البيولوجي، وهندسة الأنسجة، وتحليل الإجهاد وتحسينه.

د. محمد القحطاني وفيصل عباس خلال تكريمهما من قبل الجمعية (عرب نيوز)
د. محمد القحطاني وفيصل عباس خلال تكريمهما من قبل الجمعية (عرب نيوز)

ويأتي تكريم فيصل عباس تقديراً لإسهاماته في صناعة الإعلام وتعزيز الحوار بين الثقافات، بعد أن أمضى جزءاً من مسيرته المهنية في المملكة المتحدة. وكان قد أصدر مؤخراً كتابه «حكايا عربي أنجلوفوني» الذي وصفه بأنه «قصة مملكتين»؛ إذ يجسد تجاربه الشخصية، ويعكس عمق الروابط التاريخية بين البلدين.