مارك أبو ضاهر... لبناني يوثّق الفن الجميل في دفاتر الذكريات

يهوى جمع الملصقات والإعلانات التجارية القديمة

مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)
مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)
TT

مارك أبو ضاهر... لبناني يوثّق الفن الجميل في دفاتر الذكريات

مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)
مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)

تستوقفك هواية مارك أبو ضاهر وأنت تتجوّل في «سوق الطيب» في شارع مار مخايل. فهذه السوق المزدحمة بمنتجات محلية تُخصص أقساماً للفن والإبداع.

ومارك من اللبنانيين الذين يقفون يوم السبت من كل أسبوع في أحد أركان هذه السوق، مجبولاً بذكريات لبنان والفن الجميل يعرض أعماله المرتكزة على ملصقات أفلام قديمة، وكذلك على إعلانات تجارية لمنتجات لبنانية، ولعمارات تراثية تعود إلى الثلاثينات.

أما المهمّة التي أخذها على عاتقه، فهي إعادة رسم أو طبع تلك الملصقات على مجموعة دفاتر، بينها ما يصلح دفتر مذكرات أو لتدوين مناسبات الأفراح، في حين يشتريها بعضهم لكتابة الملحوظات اليومية.

يجمع أبو ضاهر ملصقات الأفلام منذ 10 سنوات (الشرق الأوسط)

هواية مارك الذي يعمل في مجال الهندسة الغرافيكية ترافقه منذ سنوات طويلة. فلا يوفّر زيارة متاحف ومكتبات ومراكز عروض سينمائية ليحصل عليها.

بعض مقتنياته يصفها بأنها كنوز قديمة كون الحصول عليها عملة نادرة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أجمع الملصقات والإعلانات التجارية القديمة منذ نحو 10 سنوات. لدي حبّ كبير لفترة لبنان الثقافة والفن في حقبات ماضية، فأبحث عنها في مكتبات قديمة. ومؤخراً دعاني (متحف سرسق) لزيارة مكتبته لأطلّع على مقتنياتها القديمة».

في متحف سرسق وجد إعلانات تجارية تعود إلى الثلاثينات والأربعينات. أما أقدم صور الإعلانات التي يملكها، فتعود إلى شركة «غندور» لصناعة البسكويت في لبنان. «تخيلي أن هذا الإعلان القديم للشركة المذكورة لا يملكها أصحابها. فعندما حظيت به شعرت وكأني ملكت جوهرة ثمينة. فهو مرسوم بالأبيض والأسود، ويتصدره رمز الشركة. كان كناية عن شخص يرتدي الأسود. فهذه الشركة تأسّست في عام 1857. هو التاريخ الذي يحمله الملصق في قسمه الأعلى».

ملصق لأحد أفلام الممثل صلاح تيزاني (أبو سليم) (الشرق الأوسط)

من بين الدفاتر المطبوع عليها رسوم وصور لأفلام قديمة، تلفتك مجموعة «الفيديو كاسيت». فمارك صمّمها واستوحاها من شكل شرائط «في إتش إس» المشهورة في عالم الفيديو كاسيت. يُخيّل لناظرها للوهلة الأولى أنها حقيقية وتعود بك إلى حقبة شهرتها في أواخر السبعينات. ويعلّق مارك أبو ضاهر: «رغبت في ربط هذه الصور القديمة بأدوات كنا نستخدمها قبل التطور الإلكتروني الشاسع الذي نعيشه اليوم. لها معزّة خاصة في قلوبنا، وتذكّرنا بفترة الشباب. يومها كان من يملك جهاز فيديو تسجيلي (في إتش إس) يفتخر به. فهو اختراع سمح لنا بتسجيل ذكرياتنا بالصورة والصوت، كما أتاح لنا نقل الشرائط السينمائية إلى بيوتنا. كنا نجتمع مع الأصدقاء أو أفراد العائلة الواحدة نستمتع بمشاهدتها».

يملك مارك أبو ضاهر مجموعة كبيرة من الملصقات القديمة، بينها ما يعود إلى ملصقات (بوستر أفلام)، وبطلها الممثل اللبناني صلاح تيزاني المشهور بـ«أبو سليم». تقرأ أسماء الممثلين المشاركين في الفيلم «أبو سليم في المدينة»، تجد من بينهم كوستي وكواكب وقوت القلوب. وعلى ملصق آخر نرى صورة لفيلم «بيّاع الخواتم» لفيروز من إخراج يوسف شاهين. وفي ملصق آخر تطالعك صورة الراحلة سعاد حسني في فيلمها «خلّي بالك من زوزو».

ملصق فيلم «خلي بالك من زوزو» على واحد من مطبوعات أبو ضاهر (الشرق الأوسط)

تتألف مجموعة أبو ضاهر أيضاً من صور فنادق ومراكز تجارية قديمة، فتستوقفك صورة غلاف لدفتر تحمل رسماً لفندق «الحمراء»، وأخرى لفندق «ريجينت». المبنيان صارا من الماضي، بعد أن هُدِما، وكذلك صورة مبنى «برج المرّ» وعمره من عمر الحرب اللبنانية.

ويشرح أبو ضاهر: «إنه من العمارات القديمة القليلة التي لا تزال تنتصب وسط العاصمة، بُنِيَ في أوائل السبعينات، فشكّل بهندسته وارتفاعه معلماً مختلفاً في لبنان. وهو يتألف من 34 طابقاً بٌنيت على عقار يملكه الوزير الراحل ميشال المر، فرغبتُ في إضافته إلى مجموعتي لقيمته الرفيعة في الهندسة المعمارية بلبنان في تلك الآونة».

تطول لائحة الفنادق وصالات السينما التي أعاد رسمها مارك أبو ضاهر. ويُعدُّها ذكرى تكريمية لحقبة لبنان الذهبية في عالمَي الثقافة والفن. وكما مبنى «الكابيتول» كذلك مبنى فندق «بالم بيتش». أما الصورة التي يعرضها باعتزاز فتعود إلى عمارة «صوفيل - أمبير» في أسواق بيروت القديمة. «إنها من الصور الأحب إلى قلبي لأني أهوى مشاهدة العمارات القديمة في بيروت. ومن خلال أبحاثي عن ملصقات وصور قديمة حظيت بصورة لمبنى سينما (أمبير) المشهورة بـ(صوفيل) وسط العاصمة. وهي تُعدّ نادرة حتى أن ورثتها لا يملكون هذه الصورة. وقد رسمت المبنى من جديد ليبدو متألقاً كما عهدناه سابقاً».

10 سنوات من البحث أمضاها مارك أبو ضاهر يلحق بهذه الصّور فجمع نحو 300 منها. بعضها كما يقول اقتطعها من مجلات قديمة، من بينها «الشبكة»، وبعضها الآخر لفتته في معارض تشكيلية، أو في صحف معروضة في «سوق الأحد». أعاد رسم نحو 70 صورة وهو يُجدّد رسوماته بين وقت وآخر كي يضمّ إليها جرعة ذكريات أخرى. ويختم لـ«الشرق الأوسط»: «هناك لبنانيون يهتمون كثيراً بهذه الذكريات، فيشترون هذه الدفاتر ويقدمونها هدية لمن يحبّون. أفرح عندما يسألني أحد الزبائن عن صورة لعمارة أو ملصق فيلم معين ويجده عندي. وأرغب في أن أوسّع هذه الذاكرة لأوثّق أكبر قدر منها على دفاتري».


مقالات ذات صلة

معرض «نسيج الشتاء»... تحيكه أنامل دافئة تعانق الشاعرية

يوميات الشرق الفنان أحمد مناويشي ولوحاته (إنستغرام «آرت ديستريكت»)

معرض «نسيج الشتاء»... تحيكه أنامل دافئة تعانق الشاعرية

يتمتع شتاء لبنان بخصوصية تميّزه عن غيره من المواسم، تنبع من مشهدية طبيعة مغطاة بالثلوج على جباله، ومن بيوت متراصة في المدينة مضاءة بجلسات عائلية دافئة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق المخبز دفع الثمن (مواقع التواصل)

12 ألف «إسترليني» لكفيف جُرحت مشاعره بطرده من عمله

نال رجلٌ كفيف كان قد أُقيل خلال مدة الاختبار في مخبز، وسط مزاعم بأنه ارتكب أخطاء، مبلغَ 18 ألفاً و500 جنيه إسترليني؛ 12 ألفاً منها بسبب جرح مشاعره.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الأعذار لم تعُد مقبولة (د.ب.أ)

5 يوروات «عقاب» مدرسة ألمانية لكل تلميذ متأخر

قلَّة لم تتأخر عن موعد بدء الدراسة في الصباح، لأسباب مختلفة. لكنَّ اعتياد التلاميذ التأخر بجميع الأوقات يُحوّل المسألة إلى مشكلة فعلية.

«الشرق الأوسط» (نورمبرغ (ألمانيا))
يوميات الشرق سهى نعيمة تستقبل الزوار وتروي الذكريات (الشرق الأوسط)

الأديب ميخائيل نعيمة استقبل زواره وكأنه لا يزال حياً

تعنى سهى حداد بإرث ميخائيل نعيمة، برموش العين. تعيش مع أغراضه كأنه لا يزال حياً، تحيط نفسها بلوحاته وصوره وكتبه ومخطوطاته ورسومه وأقلامه، وتستقبل زواره وتحدثهم.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق امتهانُ التحكُّم من اللحظة الأولى (غيتي)

الأجنَّة تتحكَّم في الأمهات بـ«الريموت كونترول»

آلية مدهشة يستطيع الجنين من خلالها التحكُّم في طبيعة المغذّيات التي يحصل عليها من الأم خلال فترة الحمل اعتماداً على جين معيَّن ينتقل إليه عن طريق الأب.

«الشرق الأوسط» (لندن)

حكيم جمعة لـ«الشرق الأوسط»: مسلسل «طراد» يثير تساؤلات عميقة

المخرج حكيم جمعة أثناء تصوير مسلسل طراد (الشرق الأوسط)
المخرج حكيم جمعة أثناء تصوير مسلسل طراد (الشرق الأوسط)
TT

حكيم جمعة لـ«الشرق الأوسط»: مسلسل «طراد» يثير تساؤلات عميقة

المخرج حكيم جمعة أثناء تصوير مسلسل طراد (الشرق الأوسط)
المخرج حكيم جمعة أثناء تصوير مسلسل طراد (الشرق الأوسط)

هل هناك لصوص أبطال؟ سؤال عميق يطرحه المسلسل السعودي «طراد»، المقتبس عن قصة الأسطورة الإنجليزية «روبن هود»، الذي أخذ على عاتقه سرقة أموال الأغنياء وتقديمها إلى الفقراء، وعلى هذا النمط نفسه تدور أحداث «طراد»، الذي يتفق فيه 3 أصدقاء على تشكيل عصابة تعمل على سرقة الأشرار وإنصاف المتضررين منهم.

يصف الممثل السعودي حكيم جمعة تجربته الأولى هذه في إخراج المسلسلات لـ«الشرق الأوسط» بأنها صعبة نوعاً ما، مضيفاً: «كانت أشبه بمعسكر للإخراج، ضمت الكثير من التحديات اللوجيستية والفنية، ومن بينها أني ولأول مرة أصوّر في مدينة الرياض، وبشكل خاص في حي العود، الذي تدور فيه الكثير من أحداث المسلسل».

الممثلة فاطمة الشريف في مشهد من العمل (إنستغرام)

تساؤلات عميقة

قصة العمل قد تثير الكثير من الجدل بين المشاهدين، وهذا ما يعتقد حكيم أنه من الضروريات التي يجب أن يشارك الفن في إثارتها، وذلك من خلال مناقشة الجمهور في الاحتمالات والدوافع لكل فعل، وهل كانت مبررة أم لا، وأضاف: «حاولت أن أستطلع رأي الممثلين الشباب في ذلك، وقد تباينت الآراء فيما بينهم حيال ذلك، فلكل منهم رؤيته الخاصة تجاه الشخصيات والأحداث، وهو ما أتمنى أن يشد الجمهور تجاه العمل».

ويتابع حكيم: «جميعنا مررنا بمواقف صعبة، وحينها ربما تسوّل أنفس البعض منا لفعل ما يخالف قناعاتنا، ولكن حين نفكر بأثر ذلك على المدى البعيد، نتساءل: هل سيعيش الشخص مرتاح الضمير في حال ارتكابه لتلك الأفعال أم لا؟».

أبطال المسلسل الذي يضم عدداً كبيراً من الوجوه السعودية الشابة (إنستغرام)

ويضم مسلسل «طراد» الذي سيتم بدء عرضه على منصة «شاهد» يوم الجمعة المقبل الكثير من الممثلين السعوديين الذين ما زالوا في بداياتهم، مثل: نايف البحر، وعبد الله متعب، وهاشم هوساوي، وسعيد صالح، وسعيد القحطاني، وليلى مالك، وعبد الرحمن نافع، وسارة الحربي وآخرين، وهم ممثلون يراهن حكيم جمعة عليهم، مبيناً أنه اجتمع معهم في نهاية التصوير، وأكد لهم ضرورة أن يستفيدوا من هذه التجربة وكل تجاربهم المقبلة، لتكون زاداً لهم في التعلّم والتقدم.

يصف جمعة تجربته الإخراجية في المسلسل بأنها أشبه بالمعسكر (الشرق الأوسط)

نضوج الحلم

حكيم الذي خاض في عدة أعمال سابقة تجربة الإخراج السينمائي إلى جانب التمثيل، تحدث عن نفسه، قائلاً: «في بداية مسيرتي كنت أتمنى أن أكون جزءاً من الحراك الفني السعودي، أما الآن حلمي صار أكبر، حيث أتطلع لأن أكون أحد الوجوه المعروفة في هذا المجال، وأقرب مثال على ذلك حين جاء الممثل الأميركي العالمي ويل سميث إلى الرياض للمشاركة في منتدى الأفلام السعودي (أكتوبر «تشرين الأول» الماضي)، حرصت حينها أن يظهر حواري معه بالشكل المناسب، فأنا لا أرغب في أن أكون ممثلاً فقط، بل أرغب بأن أكون كذلك أحد المشاركين في هذا الحراك الكبير، وأعتبر ذلك مسؤولية كل الفنانين السعوديين».

وفي ختام حديثه، أشاد حكيم بالمشهد السينمائي السعودي، وخص بذلك فيلم «هوبال» للمخرج عبد العزيز الشلاحي، الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية، قائلاً: «علينا أن نفرّق بين الأفلام السعودية والأفلام التي تعبر عن السعودية، فلقد كنا مهووسين بالنوع الثاني لأننا نحب أن نقدم أفلامنا للجمهور العالمي، بينما (هوبال) يأتي من النوع الأول، فهو فيلم عظيم حقاً!».