«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

رولا دخيل الله تتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن دخولها السينما عبر بطولة هذا الفيلم

‎⁨رولا دخيل الله ومصطفى شحاته خلال الحديث لـ«الشرق الأوسط»⁩
‎⁨رولا دخيل الله ومصطفى شحاته خلال الحديث لـ«الشرق الأوسط»⁩
TT

«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

‎⁨رولا دخيل الله ومصطفى شحاته خلال الحديث لـ«الشرق الأوسط»⁩
‎⁨رولا دخيل الله ومصطفى شحاته خلال الحديث لـ«الشرق الأوسط»⁩

ليس سهلاً أن يدخل الممثلُ إلى عالم السينما من بوابة البطولة، خصوصاً لدى الحديث عن فيلم روائيٍ طويل يُشارك في مهرجان عالمي؛ بيد أن الشابة السعودية رولا دخيل الله حازت على هذه الفرصة في فيلم «سلمى وقمر» للمخرجة والكاتبة عهد كامل.

يتطرق الفيلم لزاوية جديدة، عن وضع السائق في المجتمع السعودي وكيف بإمكانه أن يتحوّل إلى فردٍ من العائلة، يتفاعل معها ويُدافع عنها بحرارة، تحديداً حين تمتد علاقة العمل هذه لسنواتٍ طوال، فينغمس ويذوب مع الأسرة، وكأنه فرد من أفرادها.

المفاجأة جاءت مع نهاية الفيلم، ليكتشف الجمهور أن «سلمى وقمر» مستلهمٌ من قصة حقيقية. وأهدت المخرجة عهد كامل الفيلم إلى سائقها السوداني محيي الدين، الذي تجمعُها معه ذكريات من الطفولة. كما صفّق الجمهور بحرارة لبطلة الفيلم وقصّته المليئة بالمشاعر، خلال عرضه في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، الذي يقام حالياً في مدينة جدة السعودية.

 

بوستر الفيلم

 

قصة الفيلم

بابتسامة عريضة، ونظرة مفعمةٍ بالحماس، قدمت رولا دور «سلمى»، وهي فتاة صغيرة تتميّز بالذكاء والعزيمة، تعرف تماماً ما تريده من الحياة، وتعكس شخصيتها قوة الطّموح والإرادة، لكنها تعاني من غياب والدها (قصي خضر)، ما زاد من تعقيد علاقتها مع والدتها (رنا علم الدين). وهذه الديناميكية العائلية أسهمت في تشكيل شخصيتها وقراراتها، لتجد سلمى في سائقها السوداني «قمر» (مصطفى شحاته) صورة الأب الذي تبحث عنه، ومن هنا يعزّز «قمر» تجربتها الحياتية ويمنحها الشّعور بالأمان.

تتحدث رولا لـ«الشرق الأوسط» عن هذه التجربة بالقول: «أختلف عن سلمى، فهي من طبقة ثرية ومرفّهة بينما أنا أنتمي إلى الطبقة الوسطى، وعلى الرغم من ذلك لامستني القصة كثيراً، وربما جودةُ النَّص هي أكثر ما ساعدني على التّفاعل معه، فكتابة عهد أجبرتني على الإمساك بالقصة بحماسة، فهي تحمل درجة عالية من المصداقية، وكانت تحكي لنا تفاصيل القصة والشخصيات، مما جعل العمل يخرج من أعماق قلبها». وتتابع: «أعتقد أن نجاحنا مبنيُّ على نجاحِ عهد كامل في إخراج كلِّ ما لديها على الورق». وترى رولا نفسها محظوظة بأن تفتتح مسيرتها السينمائية بهذا الفيلم، الذي أعطاها مساحةً كبيرة لتقديم موهبتها.

 

⁨⁩رولا دخيل الله (البحر الأحمر)

 

ذكريات جدة

يعود «سلمى وقمر» إلى جدة في عام 1987، ومن ثَمّ يتقدّم بالزمن إلى منتصف التسعينات، حيث يعرض الأغنيات والتّعابير التي راجت آنذاك ضمن سياقِ العمل، مما أشعر بعضهم بالحنين إلى جدة القديمة. بسؤال رولا عن ذلك تجيب: «جدة مدينة جميلة دائماً، وحتى الأعمى بإمكانه تلمُّس جمالها». وتكشف أن بيت سلمى في الفيلم هو متحفُ عبد الرؤوف خليل بجدة، الذي تأسّس أيضاً في عام 1987 ويمتاز بطرازٍ معماريٍ مميّزٍ، وكان هذا المتحف مقرّ التصوير الرئيس، ومن بعده كان التركيز على التصوير في الكورنيش، لذا فإن مدينة جدة كانت عنصراً رئيساً حاضراً في الفيلم.

 

منتصف التسعينات

يستحضر «سلمى وقمر» شكل الحياة الاجتماعية في منتصف التسعينات، حين كان التواصل عبر أجهزة الهواتف الأرضية، وعلاقات الأولاد والبنات ممّن كانوا في مرحلة الثانوية في تلك الفترة، ولأن والدة سلمى كانت خريجة جامعةٍ في بريطانيا، فقد أظهر الفيلم رؤيةً تقدُّمية لم تكن رائجة آنذاك عن أهمية ابتعاث الفتاة لإكمال تعليمها في الخارج. كما أن عائلة سلمى كانت ثرية، ولديها أكثرُ من سائقٍ وعاملةٍ في البيت، ممّا جعل الفيلمَ يُصوِّر نمط حياة هذه الفئة في تلك الفترة.

ويتمحور الفيلم حول علاقة الفتاة بسائقها السوداني الذي تعرّفت عليه وهي طفلة لم تتجاوز بعد السادسة من عمرها. وتعهّد السائق لوالديها بأن يحميها طيلة الوقت، خصوصاً أنّه يفتقد زوجته وابنته، ما جعل من سلمى وقمر يعوضان نقصهما ببعضهما، فهي تعاني من غياب الأب، وهو متأثر من الاغتراب عن ابنته، إلّا أن تقمّصهما الشّديد لدوريهما يوقعهما في ورطات متتالية.

سعادة اللحظة

ظلّ الجمهور طيلة عرض الفيلم يضحكُ ما بين مشهدٍ وآخرَ، إذ حمل كثيراً من المشاهد الطريفة بين سلمى وسائِقها. تجيب رولا عن ذلك وتقول: «هو ليس عملاً كوميدياً، لكن ربما لأننا كنا سعيدَين أنا ومصطفى في الأدوار التي قدّمناها لذا شعر الجمهور بذلك، كما أننا تدرّبنا سوياً، وكان هو حاضراً معي طيلة الوقت». وتشير رولا إلى أن كثيراً من المواقف الطريفة في الفيلم لم تكن مكتوبة في النص، منها مشهد السيارة الذي جمع بين سلمى وقمر، وكان يسألُها فيه عن نكهتها المفضلة للآيس كريم (المثلّجات)، فاختارت نكهة قمر الدين، مضيفة «خرَجَت هذه النّكتة بشكلٍ ظريف، فأضحكت الجمهور، فيما يمكن تسميته بسعادة اللحظة».

ويمكن اعتبار «سلمى وقمر» سيرة ذاتية عُولجت سينمائياً لتَظهر مليئة بالدراما، وهي فئةٌ غير رائجة كثيراً في الأفلام السعودية، فهو يُعرض في المهرجان ضمن قسم «روائع عربية»، الذي يُسلّط الضوء على أبرزِ القصص الملهمة في العالم العربي ويحتفلُ بالمواهب الرّائدة في المنطقة. وتختتم رولا دخيل الله حديثها بالتّطرق إلى طموحاتها في مجال السينما، «أتمنى أن أحكي قِصصنا السعودية والعربية، كي لا نترك أحداً من الخارج يُبادر بالحديث نيابةً عنّا».


مقالات ذات صلة

«الأقصر للسينما الأفريقية» في مرمى الأزمات المالية

يوميات الشرق مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية شهد حضور فنانين مصريين ومن دول أفريقية (صفحة المهرجان على «فيسبوك»)

«الأقصر للسينما الأفريقية» في مرمى الأزمات المالية

شهد معبد الأقصر، مساء الخميس، انطلاق فعاليات الدورة 14 من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وسط تحديات عدة أبرزها الأزمة المالية نتيجة تقليص ميزانية المهرجانات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

نحو 35 فيلماً وثائقياً طويلاً وشرائط سينمائية قصيرة، يتألف منها برنامج عروض المهرجان الذي يتميز هذه السنة بحضور كثيف لصنّاع السينما اللبنانيين.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لوحة ألوان زاهية (أ.ف.ب)

مناطيد الهواء الساخن تُزيِّن سماء النيبال

أطلقت بوخارا أول مهرجان لمناطيد الهواء الساخن يُقام في النيبال، إذ تحوّلت سماء المدينة لوحةً من الألوان الزاهية ضمن مشهد شكّلت ثلوج قمم «هملايا» خلفيته.

«الشرق الأوسط» (بوخارا (النيبال))
يوميات الشرق حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي (وزارة الثقافة)

«بين ثقافتين» التقاء الثقافتين السعودية والعراقية في الرياض

يقدم مهرجان «بين ثقافتين» الذي أطلقته وزارة الثقافة في مدينة الرياض، رحلة ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة.

عمر البدوي (الرياض)

قصة جرّاح دماغ «محارب» أنقذ شارعه من الحرائق واللصوص في لوس أنجليس

تشيستر غريفيث وابنه أثناء محاولات إخماد الحرائق التي اجتاحت شارعهما (التلغراف)
تشيستر غريفيث وابنه أثناء محاولات إخماد الحرائق التي اجتاحت شارعهما (التلغراف)
TT

قصة جرّاح دماغ «محارب» أنقذ شارعه من الحرائق واللصوص في لوس أنجليس

تشيستر غريفيث وابنه أثناء محاولات إخماد الحرائق التي اجتاحت شارعهما (التلغراف)
تشيستر غريفيث وابنه أثناء محاولات إخماد الحرائق التي اجتاحت شارعهما (التلغراف)

أنهى الطبيب تشيستر غريفيث إجراء عملية جراحية في الدماغ، ثم ركب سيارته وسافر إلى لوس أنجليس لإنقاذ منزله الواقع على شاطئ البحر في ماليبو من حرائق الغابات المستعرة في جميع أنحاء المدينة.

لقد كان هذا سيناريو يعدّه الجرّاح البالغ من العمر 62 عاماً لسنوات، فقد أجرى التدريبات اللازمة لذلك، وزوّد منزله بخراطيم إطفاء الحرائق، وأطلع ابنه وجاره على مسار العمل. و«الآن حان الوقت لوضع السيناريو موضع التنفيذ»، وفق ما ذكرته صحيفة «التلغراف» البريطانية.

ما تلا ذلك كان مهمة جريئة شهدت مواجهة الرجال الثلاثة لـ«أسوأ جحيم» في تاريخ المدينة لينجحوا في حماية 6 منازل أخرى في شارعهم، بينما انهارت المنازل من حولهم وتحولت إلى فوضى من الرماد والأنقاض.

«لن أترك منزلي يحترق مهما حدث»

ومع تفاقم الحريق الذي ابتلع آلاف المنازل وترك آثاراً مشتعلة عبر آلاف الأفدنة، رفض الرجال الثلاثة التراجع، وحتى عندما جلبت الرياح التي تبلغ سرعتها 80 ميلاً في الساعة صفائح من الجمر بحجم كرات القدم، واصلوا القتال.

واتّسع نطاق الحرائق الكثيرة المستعرة في لوس أنجليس منذ 5 أيام، التي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 16 قتيلاً، السبت، لتطول مناطق كانت بمنأى من النيران. وأتت هذه الحرائق على أجزاء كاملة من ثاني كبرى المدن الأميركية، مدمّرة أكثر من 12 ألف مبنى و15 ألف هكتار من الأراضي. ووصف الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال اجتماع في البيت الأبيض، المشهد بـ«ساحة حرب».

وقال كلايتون كولبيرت، جار غريفيث، لصحيفة «التلغراف»: «في مرحلة ما، بدأت بتجهيز سيارتي للرحيل، ثم قررت أنني لن أترك منزلي يحترق، مهما حدث». وأضاف: «بلا شك، لو لم نكن هنا، لما كان أي من منازلنا موجوداً». وتمكن الثلاثي، المسلحين بأقنعة الوجه وخراطيم إطفاء الحرائق والمجارف، من إبقاء الجحيم بعيداً لمدة أربعة أيام وخمس ليال.

كلايتون كولبيرت يعرض لجارته التي أنقذ منزلها فيديو يوضح مدى اقتراب الحريق من ممتلكاتها (التلغراف)

اللحظة الأكثر خطورة

جاءت اللحظة الأكثر خطورة بالنسبة للرجال، ليلة الأربعاء، عندما انطلقت النيران نحوهم من الغرب، واجتاحت اثنين من المنازل الخشبية لجيرانهم وأشعلت النيران فيهما في غضون 20 دقيقة. وقال كولبيرت: «لم نكن نعرف متى سينتهي الأمر. وربما كان هذا هو الشيء الأكثر رعباً». وقام الرجال الثلاثة بالقفز على الأسطح المجاورة ورش النيران بالمياه، واستخدموا التراب والرمل لإخماد أي حرائق على الأرض، وتمكنت المجموعة من إخماد النيران ومنعها من الانتشار نحو المنازل الأخرى.

وأكد الطبيب غريفيث، وهو أب لطفلين، أنه لم يكن خائفاً. وقال: «أنا جراح... أنت تتدرب وتستعد، وبعد ذلك عندما تكون في خضم الأمر، فإنك تعتمد على تدريبك واستعدادك». وأضاف ابنه، الطالب البالغ من العمر 24 عاماً، الذي يُدعى أيضاً تشيستر غريفيث: «لقد كان كل هذا، بصراحة، تحت قيادة والدي... لقد كان يستعد لهذا لفترة طويلة. إنه بطل، ويتمتع بعقلية المحارب».

جراح الدماغ تشيستر غريفيث يقف مع ابنه أمام أحد المنازل التي أنقذاها (التلغراف)

بدوره، لم ينم كولبيرت لعدة أيام. وفي حديثه لصحيفة «التلغراف»، الجمعة، اعترف بأنه لا يعرف ما هو اليوم الذي يعيشه. وأنه يتذكر أنه كان من المفترض أن يخضع لجراحة في الكلى في 10 يناير (كانون الثاني)، وأنه تفاجأ أنه يوافق يوم الجمعة! وفي مرحلة ما خلال المهمة الجريئة، اشتعلت النيران في شعر كولبيرت، لكنه ليس مستاءً، حيث قال مازحاً: «أبدو وكأن رأسي ممتلئ بالشعر الآن، أليس كذلك؟ إنه لشيء رائع، لكن كل ذلك رماد».

مطاردة اللصوص

واضطرت المجموعة أيضاً لمطاردة اللصوص الذين جاءوا لمداهمة المنازل الخالية من سكانها، الخميس. وقال كولبيرت: «بدأت بالصراخ عليهم فهربوا. ثم نزلت إلى سيارتي، وقمت بتشغيل سيارتي والأضواء، حتى يعلموا أننا هنا».

وقال غريفيث إنه إذا كان هناك شيء واحد يمكن تعلمه من هذه المأساة المُدمِّرة، فهو يريد أن يتعرف الناس على جيرانهم. وشدد: «لم نتمكن من القيام بذلك إلا لأننا مجتمع متماسك».

وختم كولبيرت حديثه قائلاً: «عندما يكون لدي الوقت، أعتقد أنني سأكون عاطفياً». أما بالنسبة لغريفيث، فيمضي عطلة نهاية الأسبوع «في الخدمة» مرتدياً مشدات رجل الإطفاء حامياً منزله ومنازل جيرانه، وسيعود يوم الاثنين إلى وظيفته اليومية جراح دماغ.