أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يمثّل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 من 13 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ردوداً واسعة عقب العرض الأول له الذي أقيم، مساء الاثنين، حيث استُقبل بحفاوة كبيرة وسط ضحكات وتصفيق تواصل داخل صالة العرض.
«دخل الربيع يضحك» هو أول الأفلام الطويلة لمخرجته نهى عادل، ويروي 4 قصص قصيرة تنطلق في موسم الربيع، ويتّخذ من رباعية الشاعر الراحل صلاح جاهين «دخل الربيع يضحك لقاني حزين» عنواناً ومنطلقاً لأحداثه.
بطلات الفيلم اللواتي اصطففن على المسرح بوصفهنّ أكبر فريق عمل لفيلم بالمهرجان، اختارتهن المخرجة من غير المحترفات لكنهن تمتعن بـ«تلقائية ومصداقية مدهشة في الأداء»، وفق نقاد.
تقدّم المخرجة 4 حكايات بين الغضب والأحزان والدّموع المخفيّة وسط ضحكات بطلاته الظاهرة خلال فصل الربيع، لكن مع بداية ذبول الأزهار يأتي الخريف ليختتم القصص بشكل غير متوقع.
ترصد الحكايات قصصاً عن النساء، لتكشف عن علاقات تبدأ وردية ضاحكة مفعمة بالثقة والأمل، ومن ثَمّ تنقلب لمعركة مفاجئة بين أطرافها، يكشف فيها كلّ طرف أسرارَ الآخر المخفية، كما في الحكاية الأولى التي تجمع بين أم وابنتها وفي ضيافتهما جارهما المُسن ونجله، وفي الخلفية ينطلق صوت عبد الحليم حافظ في حفل الربيع، وتسود أحاديث ودّية بينهم، وما أن يُعلن الابن عن رغبة والده الكهل في الزواج من الأم، حتى تنطلق الابنة في هجوم حاد عليهم، وتعلو الأصوات، وتتبادل الاتهامات المخزية.
وبينما تحتفل مجموعة من الصديقات بعيد ميلاد إحداهن، تنقلب الحكاية الثانية نتيجة سوء فهم يكشف زيف الصداقة بينهن، ويفضح رأي كل واحدة منهن في الأخرى، وتتحول السعادة إلى حزن، وهكذا تتكرر النهايات الحزينة بصورٍ مختلفة في قصة تجري أحداثها خلال حفل زفاف، ورابعة تدور أحداثها داخل صالون تجميل.
تعتمد كل قصة على التصوير داخل «لوكيشن» واحدٍ، عبر لقطات مقرّبة تكشف كثيراً مما أخفته الوجوه.
ويرى الناقد رامي المتولي أن الفيلم يواجه خيارات صعبة وتفاصيل كثيرة ركّزت عليها المخرجة بأسلوب خاص بها حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مؤكداً أن اللقطات القريبة تكون مصدر اهتمام كبيراً لأنها تتطلب تعبيرات في الوجه.
وعَدّ المتولي لجوء المخرجة للاستعانة بممثلات غير محترفات خياراً مهماً أسهم في خلق حالة تواصل مع الجمهور وفي تصديقه لهنّ، مشيداً بالمستوى الفني للفيلم والسيناريو الذي كتبته المخرجة بإحكام بوصفه فيلماً طويلاً يطرح 4 قصص، وكان لترتيب وضعهم دلالات مهمة، لتؤكد أن الإنسان عندما يتأزم ومهما كانت ثقافته سيتصرف بطريقة أبطالها نفسها.
واستعانت المخرجة بأغنيات عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وليلى مراد في خلفية مشاهد القصص الأربع، وأهدت لهم الفيلم كما أهدته لسعاد حسني وصلاح جاهين.
وأثبتت نهى عادل مخرجة الفيلم التي سبق أن قدّمت فيلمين قصيرين «مارشيدير»، و«حدث ذات مرة على القهوة» قدرتها على إدارة هذا العدد الكبير من الممثلين غير المحترفين بفيلمها الجديد «دخل الربيع يضحك»، وكشفت في تصريحات صحافية أن هذه القصص ظلت تطاردها منذ عام 2019 .
وأكدت تأثير الربيع العميق على رؤيتها؛ إذ تعدّه موسماً من التناقضات القاسية والحقائق والأسرار الخفية، وأنه كان وراء إلهامها في كتابة الفيلم، مشيرة إلى أنها تُقدّم حكايات فريدة شهدتها، وسمعت ببعضها، وربما كانت جزءاً من نفسها، عبر قصص النساء اللاتي التُقطت من منظور معقّد ومربكٍ.
الفيلم من إنتاج المخرجة كوثر يونس وأحمد يوسف، وذكرت يونس عبر تصريحات لها سعيها لتوفير منصة للأصوات النسائية وعدم تهميش أصواتهن في عالم غالباً ما يتجاهلهن، مؤكدة أن الفيلم يُزيل التّوقعات المجتمعية ليكشف عن التعقيدات الخفيّة، متحدياً مفاهيمنا عن السعادة، ويلتقط خيطاً مشتركاً من الضّعف والتناقض يوحدنا جميعاً، متطلّعة لمساهمة الفيلم في خلق مجتمع أكثر تعاطفاً وشمولاً.
وعَدّ الناقد طارق الشناوي الفيلم اختياراً موفقاً من المهرجان في ظل ندرة الأفلام الجيدة، مؤكداً أنه عرضٌ جديرٌ بتمثيل مصر، وقد وصفه بـ«آخر مرحلة في الحداثة» حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن بصدد مخرجة قرّرت أن تقدّم الصّعب فنياً، باختيار أبطالها من هواة التمثيل حتى لو كان لبعضهم تجارب مسبقة، لا ينفي كونهم هواة، لذا منحتهن هامشاً مقنناً من العفوية».
ويشير الشناوي إلى أن القصص القصيرة يضمّها عنوان واحد يُعطي خطاً عاماً للمخرجة لتلتزم به، لكنه في النهاية يُعدّ فيلماً طويلاً؛ لأن الحكايات لها عمق واحد، وقد نجحت المخرجة المؤلفة في الحفاظ عليه كما الحفاظ على إطار خاص لكل قصة.
ويلفت الشناوي إلى أن «الفيلم قد يواجه مشكلة عند عرضه حيث اعتاد المشاهد المصري أن يذهب للنجوم الذين يعرفهم، وإذا تغاضى عن ذلك فسينتظر لكل حكاية نهاية محدّدة، وهو ما لا يحققه الفيلم».