مهنة «جديدة» في مصر تصنع ثروة وتثير امتعاضاً... «البروكر»

قادت السماسرة من أبواب البنايات إلى تأسيس الشركات

حي جاردن سيتي الجديد في العاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء المصري على فيسبوك)
حي جاردن سيتي الجديد في العاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء المصري على فيسبوك)
TT

مهنة «جديدة» في مصر تصنع ثروة وتثير امتعاضاً... «البروكر»

حي جاردن سيتي الجديد في العاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء المصري على فيسبوك)
حي جاردن سيتي الجديد في العاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء المصري على فيسبوك)

لم تكن بريهان الفحام، الشابة الثلاثينية، تتخيل وهي تسافر من مصر إلى الإمارات في عام 2022 بحثاً عن فرصة عمل في الصحافة، أنها ستصبح في غضون عامين فقط، صاحبة شركة خاصة بها في التسويق العقاري، أو وفق الاسم الدارج للمهنة «بروكر».

تقول الفحام لـ«الشرق الأوسط» إن السمسرة التي عملت فيها بالصدفة، ليست مهنة سهلة، ولا تختلف سماتها عن السمات التي كانت تحتاج إليها بصفتها صحافية: «كل من البروكر والصحافي يعرف كيف يتواصل مع الناس».

فشلت بريهان في الحصول على وظيفة ذات صلة بالإعلام، فقدمت في شركة «بروكر» على وظيفة في قسم العلاقات العامة. خلال المقابلة عرض عليها صاحب الشركة العمل في قسم المبيعات، مشيراً إلى أن سماتها تؤهلها لذلك. وافقت بريهان، معتبرة أنه من أفضل القرارات التي غيرت مسار حياتها.

تقول: «بفضل البروكر أصبح لدي مشروعي الخاص الذي أخطط لتوسعته العام المقبل، بفتح مكتب لشركتي في مصر وآخر في تركيا».

ولم تغير مهنة البروكر حياة بريهان فقط، بل أيضاً نيرة محمد (اسم مستعار بناءً على طلبها) والتي تسوق مشاريع شركات كبرى مثل «ماونتن فيو» وشركة «أورا» لسميح ساويرس، وغيرهما.

بدأت نيرة العمل في السمسرة منذ كانت طالبة في كلية الآداب بقسم علم الاجتماع، وأنجزت صفقتين أدرَّتا عليها دخلاً لم تكن تحلم به، تجاوز الـ30 ألف جنيه، عام 2017 (الدولار كان يساوي وقتها ما بين 17 و19 جنيهاً مصرياً)، ووقتها قررت أن تستمر في المهنة التي أكملت فيها عامها السابع.

غيّرت مهنة السمسرة أيضاً حياة علاء الشيخ الذي يملك الآن شركة «اسيت تاب» للتسويق العقاري. وقد بدأ حياته المهنية في عام 2011 في قسم التسويق بشركة «عامر جروب»، ثم انتقل للعمل في شركة سمسرة لثلاثة أعوام أخرى، وبعدها فتح شركته التي تخصصت في العمل غرب القاهرة «شركتي من أكبر شركات البروكر هناك».

بريهان الفحام امتهنت «البروكر» وأصبح لديها شركتها الخاصة (الشرق الأوسط)

كيف تصبح «بروكر»؟

لا يرى كل من الشيخ وبريهان أن البروكر مهنة سهلة، على عكس نيرة التي تراها من أسهل الأعمال ولا تتطلب خبرة في أي شيء؛ ما يجعلها مجال جذب للكثير من الشباب الخريجين.

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أي أحد يستطيع أن يكون بروكر، ما دام كان لديه المهارات اللازمة لذلك، فلا تحتاج إلى أن تكون خريج جامعة معينة، على عكس العاملين في أقسام التسويق في الشركات المطورة - المعمارية - ممن يفضلون خريجي الجامعات (ذوات الـ3 حروف)». في إشارة إلى الجامعات الأجنبية مثل الجامعة الأمريكية AUC، والكندية ACU.

وأضافت أنهم يكونون عبارة عن «صورة» للشركة، لكن في الواقع تعتمد هذه الشركات بالأساس على البروكرز لجلب العملاء.

ولا يُعدّ العاملون في أقسام التسويق بالشركات المطورة «بروكر»؛ إذ إن البروكر هو وسيط بين العميل والشركة المطورة، لذا فهو يستطيع توفير أفضل عرض للعميل في إطار إمكاناته، من بين مشاريع عدة يعمل على تسويقها في آن لشركات مختلفة، على عكس العاملين في أقسام التسويق بالشركات المطورة الذين يعملون فقط على مشاريع شركتهم، حسب الرئيس التنفيذي للقطاع التجاري في شركة «جذور» الدكتور معتز شلبي.

ويتفق الشيخ مع نيرة في أن البروكر لا يحتاج إلى كليات بعينها، وأن القدرة على التواصل والإقناع مفتاحان أساسيان للعمل في هذا المجال، لكنه لا يراها مع ذلك مهنة سهلة «تحتاج دائماً إلى دراسة توجهات السوق العقارية، ومشاريع المطورين، والسوق المالية واتجاهات السوق، وحفظ كم هائل من المعلومات، وقدرة على عرضها على العميل، وهي تحتاج إلى اطلاع دائم».

حُسن المظهر جزء من عمل «البروكر» الآن (بيكسيباي)

البواب البروكر

قبل عقود، لم يكن البروكرز بالوجاهة ذاتها، لا يعتنون كثيراً بملابسهم، أو في حاجة إلى سمات شخصية لإقناع العميل. فقط يجلسون أمام العقارات، يحرسونها خلال عملهم الاعتيادي، وإلى جانبه يمارسون السمسرة؛ وذلك «لعلمهم بالمنطقة والشقق والمباني الخالية فيها»، حسب الشيخ.

ويضيف صاحب شركة «اسيت تاب» أن مهنة البروكر بدأت تكتسب هذا التعقيد، ومعه العائد المُجزي، منذ أوائل الألفينات، حين افتتحت شركة «كولدويل بانكر» فرعاً لها في مصر، بالتزامن مع اتساع السوق العقارية وظهور شركات مثل طلعت مصطفى، و«دريم» لصاحبها أحمد بهجت، و«بالم هيلز»، و«سوديك» التي تعاقدت مع هذه الشركة لترويج مشاريعها.

وبعد نحو عقد آخر، بدأ الكثير ممن كانوا يعملون في الشركة الأولى، تأسيس شركاتهم الخاصة؛ ما مهّد السوق للتحول الأكبر خلال الفترة من عام 2015 إلى 2017، مع الإعلان عن إنشاء العاصمة الإدارية وبدء البيع فيها.

ويرى الرئيس التنفيذي للقطاع التجاري في شركة «جذور» الدكتور معتز شلبي، أن البروكر هو التطور الطبيعي لـ«السمسار» بشكله التقليدي؛ إذ بفضل شركات البروكر باتت المهنة تتم في إطار تنظيمي، تحكمه أسس ومعايير، وتملك الشركة موظفين، وتدفع ضرائب، وتعمل من خلال حملات إعلانية.

دخل مُجزٍ

تتذكر الفحام راتبها في الصحافة وتصفه بـ«غير المجزي»، على عكس ما جنته في أول صفقة لها من البروكر 24 ألف درهم (الدولار حالياً يساوي 3.6 درهم إماراتي)

وفي مصر، قد يجني البروكر من 25 إلى 35 ألف جنيه في الشهر (الدولار حالياً يساوي 49.27 جنيه مصري) ذلك حال استطاع «تحقيق التارجت»، وفق الشيخ. ويتمثل التارجت في إتمام صفقات بملايين عدة من الجنيهات كل شهر، قائلاً: «على كل مليون يأخذ البروكر عمولة 5 آلاف جنيه».

وتشير نيرة إلى أن ذلك ليس دائماً سهلاً «ممكن في شهر تنجز صفقتين، وشهور أخرى دون شيء»، موضحة أن مرتبات البروكرز تتراوح بين 3 آلاف جنيه للمبتدئ و10 آلاف جنيه لقائد الفريق، بخلاف العمولة التي تصل في مشاريع العاصمة الإدارية إلى 7 وأحياناً 9 آلاف جنيه على كل مليون جنيه».

وتبدأ أسعار الشقق في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، ذات الغرفة الواحدة من 3 ملايين و700 ألف جنيه، في حين تبدأ في منطقة مثل الشيخ زايد غرب العاصمة بـ5 ملايين و200 ألف جنيه، وفق تقرير «ماركت ووتش» للسوق العقارية المصرية خلال الربع الأول من العام الحالي.

وزير الإسكان المصري خلال تفقده الحي الخامس في مدينة جاردن سيتي الجديدة بالعاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء على فيسبوك)

سوق تتسع

وتشهد السوق العقارية في مصر اتساعاً لافتاً؛ إذ يقدر حجمها خلال العام الحالي بنحو 20.02 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 33.67 مليار دولار أميركي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.96 في المائة خلال الفترة المتوقعة 2024 - 2029، وفق «موردور إنتليجنس».

وربط أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية الدكتور سعيد صادق، ظهور مهنة البروكر باعتماد «الاقتصاد المصري على بيع العقارات والمدن والمصايف بسبب سرعة الحصول على النقد السريع»، موضحاً: «إذا بُنيت عمارة يمكن أن تنتهي في سنة وتحقق أرباحاً طائلة، وتركز هذه السوق إما على الخليجيين أو المصريين الذين يعملون في الخليج أو المصريين القلقين من التدهور غير المسبوق في قيمة الجنيه المصري فيسعون لشراء الذهب أو العقارات».

الإزعاج

وعلى خلاف الوجاهة الممتدة إلى المكسب السريع، فإن مهنة البروكر مرتبطة بالإزعاج لدى صادق، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» اقتصاد العقارات قائم على توظيف الشباب الساعي لربحٍ سريع وعمولة البيع فيقوم على توظيف عدد هائل من الشباب في تلك المشاريع، ممن يقومون باستخدام الموبايلات في طلب أسماء يحصلون عليها من مصادر عدة لعرض شراء عقارات عليهم بصورة مزعجة متكررة.

ويضيف أستاذ علم الاجتماع: «يطلبون (البروكرز) الزبون المحتمل ويشرحون العرض لعله يقبله فيحصلون على عمولة. ولا يوجد وسيلة لوقف إزعاج سماسرة العقارات حتى الآن. البعض لا يرد على تليفونات مجهولة أو يستخدم برامج تحذرك من تليفونات تجارية».

وكان الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر أعلن في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدء اتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد شركة «ماونتن فيو» للتطوير العقاري وإحالتها للنيابة، بعدما تلقى الكثير من الشكاوى من المواطنين الذين استقبلوا مكالمات من هذه الشركة باستمرار.

أقر البروكرز الثلاثة الذين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» بانتشار هذه التقنية وتسمى «كولد كول» أي «نداء عبر الاتصال»، لكنهم نفوا استخدامهم لها، واتهموا آخرين.

يقول الشيخ إن شركته تستخدم الحملات الترويجية وليس «الكولد كول» التي توجد عند الشركات التي تعتمد على توظيف 1500 بروكر.

أما نيرة فقالت إن «(الكولد كول) مهمة في البداية لإكساب البروكر خبرة وجرأة في الحديث مع العملاء»، مشيرة إلى أنها تستخدمها فقط مع «العملاء السابقين»، ومقرّة بأن مثل هذه المكالمات مستفزة ومزعجة «لسيدة بسيطة ربة منزل أو رجل لا يعرف كيف يغطي مصاريف أسرته، فكيف أعرض عليه شراء شاليه في الساحل بـ5 ملايين جنيه!».

وكشف البنك الدولي عن أن آخر إحصائية للفقر في مصر في عام 2022 سجلت ارتفاعاً ليصل معدله إلى 32.5 في المائة.

ولا يقتصر إزعاج البروكر على مصر، وفق الفحام التي تؤكد انتشار هذه التقنية في دبي أيضاً. لكن الإمارات وضعت في أغسطس (آب) الماضي، ضوابط للتسويق عبر الهاتف، تبدأ بضرورة حصول الشركة على ترخيص لإجرائه، مروراً بمنع الاتصال أكثر من مرة في اليوم، والشركة المخالفة تتعرض لغرامة تزيد على 150 ألف درهم.

وبخلاف الإزعاج يشعر أستاذ علم الاجتماع بالأسف لتحول انجذاب الأجيال الصاعدة بمهن الكسب السريع مثل البروكرز أو التأثير عبر السوشيال ميديا «الأنفلونسرز»، على حساب مهن مثل الطب والهندسة.

لكن الشيخ يعتز بمهنته، لافتاً إلى أنها عكس الشائع، مهنة عريقة تمتد جذورها إلى العصر الفاطمي. وهو ما أكدته دراسة أعدتها أستاذة التاريخ الإسلامي في جامعة الأزهر الدكتورة فاطمة حسب، تحت عنوان «السماسرة والأدّلاء في مصر الإسلامية».


مقالات ذات صلة

خاص وزير البلديات والإسكان السعودي ماجد الحقيل متحدثاً إلى «الشرق الأوسط»... (الشرق الأوسط)

خاص الحقيل لـ«الشرق الأوسط»: السعودية لديها بيئة تنافسية شفافة تجذب المستثمرين

قال وزير البلديات والإسكان السعودي ماجد الحقيل، لـ«الشرق الأوسط» إن قوة السوق العقارية الوطنية تعد من العوامل الأساسية التي تجذب المستثمرين.

آيات نور (الرياض)
الاقتصاد وزير البلديات والإسكان متحدثاً للحضور في كلمته الافتتاحية بمعرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط) play-circle 00:44

السعودية... انطلاق «سيتي سكيب العالمي» بمشاريع تتجاوز 48 مليار دولار

انطلقت فعاليات النسخة الثانية من المعرض العقاري الأكبر في العالم «سيتي سكيب العالمي» بمركز الرياض للمعارض والمؤتمرات بملهم شمال العاصمة السعودية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مشروع تابع لـ«روشن» السعودية (موقع الشركة)

«روشن» السعودية تطلق هويتها الجديدة

أطلقت مجموعة «روشن» السعودية، إحدى شركات «صندوق الاستثمارات العامة»، هويتها الجديدة واستراتيجيتها المُطورة التي تشمل فئات حديثة من الأصول العقارية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (الموقع الإلكتروني للهيئة الملكية لمدينة الرياض)

رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع في الرياض... واعتماد مخططات جديدة

أعلنت «الهيئة الملكية لمدينة الرياض» رفع الإيقاف عن التصرف بالبيع والشراء والتقسيم والتجزئة لـ50 مليون متر مربع من الأراضي شمال العاصمة السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«مهرجان البحر الأحمر» بانوراما للسينما العربية والعالمية

الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)
الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)
TT

«مهرجان البحر الأحمر» بانوراما للسينما العربية والعالمية

الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)
الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)

تشهد الدورة المقبلة لـ«مهرجان البحر الأحمر» في جدة، بالمملكة العربية السعودية، تطوّراً إيجابياً مهمّاً في عداد تحويل المهرجان إلى بيت للسينما العربية ومحطة أساسية لسواها في المنطقة.

الدورة الرابعة التي ستُقام ما بين الخامس والرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) هذا العام تحتوي على عشرات الأفلام العربية أو ذات الإنتاجات العالمية التي قام سينمائيون عرب بتحقيقها.

هذا ما يجعل المهرجان ثرياً بتلك الإنجازات العربية (أو العربية المشتركة فيما بينها أو مع دول غربية) التي باتت تهدف لأن تشترك في المهرجان السعودي سواء داخل المسابقة أو خارجها.

نافذة عريضة

في المسابقة الأولى وحدها هناك تسعة أفلام عربية الإخراج من أصل 20 فيلماً يتنافسون على الجوائز الأولى. لجانبها أفلام من الهند ومنغوليا والولايات المتحدة وهولندا والنمسا وفرنسا وسويسرا وكثير منها، بدوره، إنتاجات أوروبية مشتركة بات من الصعب التفرقة بينها على أساس الحصص المالية التي وفّرتها كل دولة، مما يحد من جدوى التصنيف.

أفلام المسابقة نافذة بانورامية على ما قامت لجنة الاختيار بانتخابه ليدخل هذا القسم المهم من أقسام المهرجان (كلها في الواقع ذات أهمية لكن يبقى لهذا القسم رونقه الخاص).

يتطرق الفيلم السعودي «صيفي» للمخرج وائل أبو منصور إلى أحداث تقع في عام 2000 حول رجل تثقل عليه الديون فيعتمد للحيلة لسدّها دون نجاح.

من الفيلم السعودي الطويل «صيفي» (البحر الأحمر)

اللبناني مهدي فليفل يشترك في فيلمه «إلى عالم مجهول»، الذي يتناول مصائر لبنانيين وسوريين في المهجر يخططون للوصول، بأي طريقة ممكنة، إلى ألمانيا.

فيلمان مصريان لافتان هما «سنو وايت» لتغريد أبو الحسن و«البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور. فيلم جزائري مضاف إلى هذه التشكيلة بعنوان «بين وبين» لمحمد لخضر تاتي وفيلمان تونسيان هما «عائشة» لمهدي م. برصاوي و«الذراري الحمر» للطفي عاشور.

المخرج عدي رشيد يقدّم باسم العراق فيلمه الجديد «أناشيد آدم» وهو من الأفلام التي شاركت السعودية المتعددة في إنتاجها هذا العام.

من الفيلم المصري «سنو وايت» (البحر الأحمر)

أفلام قصيرة ملهمة

لا يجب أن تلهينا كل هذه الأفلام الطويلة (والعديد سواها) عما رصفه مهرجان «البحر الأحمر» في مجال مسابقة الفيلم القصير الذي يحتوي على 26 فيلماً متنوّعاً آتية من مضارب مختلفة.

فمن المبكر جداً معرفة ما يكفي حولها وعما قد يكون أفضلها، فإن التنويعة الواردة في ملخصات تلك الأفلام تشي باختيارات لمواضيع حرّة ومنفتحة توظف الفيلم القصير لاكتشاف الهوية الفنية الطموحة كما تتبدّى كتمهيد للنقلة الموعودة صوب الفيلم الطويل، بالنسبة لكثيرين على الأقل.

فيلم «ملكة» فيلم سعودي عن العلاقة الخاصة بين فتاة صغيرة اسمها سلمى وجدتها التي تقوم بسرد حكايات تأخذ الفتاة إلى عالم خيالي رحب. أحد تلك الحكايات ستؤدي لانطلاق الفتاة بحثاً عن دواء شافٍ لجدتها.

فيلمان لبنانيان في هذا البرنامج هما «فزر» لراني نصر. هنا رجلان صديقان لكن كل منهما لديه وجهة نظر سياسية مختلفة. أولهما عصام الذي غضب أهل القرية عليه عندما قام بمهاجمة محافظ البلدة لأن هذا قتل قطته. الآخر يشاركه الشعور لكنه لن يتخلى عن موقفه الخاص.

الفيلم الثاني من مخرج برهن عن موهبته هو كريم الرحباني. الفيلم بعنوان «آخر واحد» والموضوع يطرق باب وحدة رجل حزين يحاول اكتشاف لذّة الحياة من جديد ويفشل.

في «القرية» للتونسي أنيس بن دالي موضوع صعب نأمل إن يكون اجتاز صعوبته بسلام: قرية لا يسكنها إلا الأولاد اليتامى أو الذين تخلى عنهم أولياؤهم وكيف أن أحدهم يكتشف في شخصه مشاعر الأبوّة.

وهناك موضوع آخر يميل إلى الغرابة آت من الكويت وعنوانه «الإشارة» حول ذلك الرجل الواقف عند الإشارة الكهربائية وعيناه تتطلعان إلى السماء. تمر الدقائق ثم الساعات وهو ما زال في مكانه بلا حراك، مما يثير الجدل ليس من حوله فقط، بل المتاعب من قِبل من لم يتعود أن يرى شخصاً يبحلق في السماء طويلاً.

تطوّر مشهود

خارج هذا السرب... من الأفلام هناك فيلم مصري ثالث في قسم «اختيارات عالمية» بعنوان «الفستان الأزرق» لجيلان عوف (من إنتاج محمد حفظي الذي يكاد أن يكون فارس السينما المستقلة الوحيد في مصر منذ سنوات).

في برنامج «روائع عربية» هناك مزيد من الأفلام السعودية من بينها «هوبال» لعبد العزيز الشلاحي و«ليل نهار» لعبد العزيز المزيني و«سلمى وقمر» لعهد كامل (إنتاج سعودي - بريطاني مشترك). إلى ذلك يوجد فيلم سعودي - جزائري (التعاون الثاني في عامين بعد فيلم «الملكة الأخيرة» لعديلة بن ديمراد وداميان عنواري).

عنوانه «الصف الأول» وهو الفيلم الجديد من المخرج الجزائري مرزاق علواش الذي يصوّر أفلامه ما بين فرنسا والجزائر في وقت ازدادت فيه هجرة السينمائيين المغاربة إلى الدول الأوروبية كما اتضح من خلال الإنتاجات الكثيرة التي غمرت المهرجانات العربية والدولية.

هذا واحد من بضعة أمور يضعها المهرجان السعودي موضع بحث لمن يرغب في المزيد عن معرفة اتجاهات السوق العربية. من الأمور الأخرى، اختيارات المخرجين من المواضيع التي كثيراً ما تتنوّع، وكثيراً ما تصب في الغاية ذاتها، وهي خطف جوائز أولى في أي من المهرجانات التي تعرض فيها.

مسألة تقييم هذه الإنتاجات بميزان واحد فيه نوع من التعسّف ولو أن هناك منها عدداً لا بأس به من تلك التي تجاري سياسات السوق التجارية التي يطلبها الشريك الأوروبي.

الأمر الأهم في كل ذلك، أن السعودية تمد يدها للمشاركة في تمويل أفلام عربية (مصرية، عراقية، أردنية، لبنانية ومغاربية... إلخ) في الوقت الذي تنجح في بناء سينماها الخاصّة، وهو ما يؤكد أن السينما السعودية كسبت معركتها مع السوق المحلية فقط، بل في المهرجانات الدولية («مندوب الليل» للمخرج السعودي علي كلثمي المعروض حالياً في مهرجان Asia World Film Festival في لوس أنجليس) أيضاً.

إلى ذلك، أكّدت أن هناك من المواهب من سيواصل النهوض بهذه السينما إلى مصافات أعلى في هذه البيئة الفنية الملائمة التي تشهدها المملكة.