تعلّم أن تسيطر على التوتّر... مجّاناً

دورة تدريبية تطمح لمساعدة اللبنانيين في إدارة توتّرهم المزداد بسبب الحرب

تجهد مؤسسات عدة لمؤازرة اللبنانيين على المستوى النفسي وسط ظروف الحرب (رويترز)
تجهد مؤسسات عدة لمؤازرة اللبنانيين على المستوى النفسي وسط ظروف الحرب (رويترز)
TT

تعلّم أن تسيطر على التوتّر... مجّاناً

تجهد مؤسسات عدة لمؤازرة اللبنانيين على المستوى النفسي وسط ظروف الحرب (رويترز)
تجهد مؤسسات عدة لمؤازرة اللبنانيين على المستوى النفسي وسط ظروف الحرب (رويترز)

ليست إدارة التوتّر الذي بات خبزاً يومياً بالنسبة للبشر، مهمةً سهلة. فكيف إذا حاول المرء أن ينجز تلك المهمة تحت وطأة ظروفٍ قاسية وخارجة عن إرادته، كالحرب على سبيل المثال؟

انطلاقاً من هذا التحدّي ومن كل الثقل المُلقى على عاتق اللبنانيين في هذه الآونة التي يتعرّض فيها البلد للقصف والتدمير، بادرت مؤسسة «SPI» إلى تقديم دورة في إدارة التوتّر (stress management). يقول وائل جابر، مدير التطوير في المؤسسة، إن «نحو 300 شخص أبدوا اهتمامهم بالمشاركة في الدورة»، وليس هذا العدد سوى دليل على تعطّش النفوس إلى محاولة الشفاء ممّا يُتعبها.

300 شخص تقدّموا حتى الساعة إلى الدورة التي تُقام عن بُعد (معهد SPI)

يُعنى المعهد الكنديّ ذات الفروع المنتشرة حول العالم العربي، بتطوير القدرات الرياضية، البدنيّة منها والذهنيّة، وهي ليست المرة الأولى التي ينظّم فيها دورة كهذه. «الفرق هذه المرة أنها مجانية»، يلفت جابر في حديثه مع «الشرق الأوسط». باستثناء الشهادة، سيحصل المتدرّبون على المعلومات والنصائح والمتابعة من دون مقابل مادي، أما الدافع خلف مجّانيّة الدورة فيشرحه جابر قائلاً: «أردنا أن نساعد، على طريقتنا، مَن هم بحاجة للمساعدة في هذه المرحلة الصعبة. تعمّدنا أن تكون الدورة مجانية حتى نزيل كل مسبّبات التردّد أمام المشاركة فيها، لا سيّما أننا الآن في حرب والأولويات المادية هي لأمور أخرى».

جانب من الدورات الخاصة بتطوير الجسد والروح (معهد SPI)

دورة عابرة للحدود والموضوعات

رغم أن ما أوحى بإطلاقها كان الظرف اللبناني القاهر، فإن دورة إدارة التوتّر مفتوحة أمام الجميع، أينما وجدوا حول العالم. فهي ستُنظَّم عن بُعد وستُقسَم إلى جزأين: حصص مسجّلة يدخلها المتدرّبون عبر رابط حيث يتلقّون المعلومات، تليها لقاءاتٌ مباشرة مع جابر عبر تقنية «زوم» لمراجعة تلك المعلومات والإجابة عن أسئلتهم وتقديم مزيد من النصائح العمليّة.

تنطلق الدورة في 1 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتُختتم مع نهاية السنة، ليكون المتدرّب قد شارك بذلك في 14 جلسة تعليم ذاتي؛ مدة كل واحدة منها ساعة، و5 جلسات تدريب مباشر. أما أبرز الموضوعات والمهارات التي تغطّيها فهي: الاطّلاع على تركيبة الدماغ وكيفية عمله خلال اليوم وأثر التوتّر عليه، والتعمّق في مفهوم الامتنان (gratitude) والتمييز بين الامتنان الحقيقي والمزيّف، ومدخل إلى مهارات الحضور الواعي (mindfulness) وإدراك الفرق بينه وبين التأمل (meditation)، وأهمية تدوين اليوميات (journaling) أي الكتابة اليومية للاختبارات السلبية والإيجابية التي يمر بها المتدرّب خلال نهاره، وتمارين التنفّس، والتعرّف على مراتب تقدير الذات (self esteem)، والتعمّق في مفهوم التعاطف (compassion)، وإدارة تعدد المهام (multitasking).

تشمل الدورة مهارات عدة كتمارين التنفس والتأمل (معهد SPI)

توقّعات واقعية

يدعو جابر إلى التعامل بواقعيّةٍ مع هذه الدورة و«عدم التوقّع أن تشكّل حلاً سحرياً للتوتّر الناجم عن الحرب، لكنها في المقابل قد تكون مدخلاً للتركيز على أمور مختلفة ومفيدة، بعيداً عن الأخبار»، وفق تعبيره. يؤكّد أن العودة إلى تعاليم الدورة ومهارات إدارة التوتّر «في كل مرة نواجه فيها ظروفاً عصيبة، تساعد على تحفيز التفكير الإيجابي وعلى حَرف الانتباه عن كل ما هو سلبي».

أما الأشخاص المتضررون مباشرةً من الحرب، كالذين خسروا قريباً أو منزلاً أو تعرّضوا للنزوح، فيكون التركيز معهم خلال الدورة على التعاطف، الذي يلعب دوراً أساسياً في أوضاع كهذه. ويشدد جابر هنا على ضرورة التمييز بين التعاطف والشفقة. ثم يوضح أن ذلك لا يكفي، إذ يجب أن يترافق ما هو نظري مع الشق التطبيقي؛ أي تمارين التنفس، والمشي، والتأمّل وغيرها. ووفق جابر، فإنّ مَن ليسوا جاهزين فكرياً للتعامل مع توتّرهم، عليهم أن يبدأوا بالأنشطة الجسمانية.

في السياق الواقعي ذاته، يحرص جابر على إيضاح أن «إدارة التوتر ليست تمريناً على النكران، إذ ليس بالإمكان أن نحيد الطرف عمّا يدور حولنا من قتل وقصف ودمار وعنف، لكن بالإمكان تخفيف التعرّض لما يثير التوتّر، أي بدل مشاهدة الأخبار لـ5 ساعات، يُكتفى بساعة واحدة خلال اليوم». أما الهدف الأساسي من ذلك فهو التخفيف من الألم النفسي، ليَليَه لاحقاً التفكير في إمكانات تطوير الذات وتنمية الروح.

مدير التطوير في مؤسسة «SPI» وائل جابر

حكاية ريتا

أمضت ريتا خاطر الجزء الأكبر من حياتها رهينة «الفيبروميالجيا» أو الألم العضلي التليّفي، كما أرهقها التقرّح الحاد في المعدة. أدركت متأخرةً أن تلك العوارض كانت ناجمة عن أزمات نفسية تسببت بها مشكلاتٌ عائلية.

تخبر «الشرق الأوسط» بأنها شاركت للمرة الأولى في دورة إدارة التوتر من باب الفضول. «كنت حينها مستسلمة أمام أوجاعي وعجزي عن تحقيق شغفي في العمل، وهناك اكتشفت تطوير الجسد بالتوازي مع تطوير النفس». بعد تلك الدورة، لم تختفِ المشكلات من حياة ريتا، إلا أن كل ما تعلّمته شكّل دافعاً بالنسبة إليها كي تؤسس عملها الخاص وتبدأ في تحقيق أهدافها.

راكمت الدورات وهي ملتزمة منذ 4 سنوات بتمارين التنفس والتأمل. تقول إنها تعلمت التواصل مع المحيطين بها، وألّا تكبت الغضب في داخلها، وأن تستسلم لمشاعرها الإنسانية من دون صدّها. «آلامي خفّت كثيراً، وتقبّلت نفسي كما أنا، وركّزت على اكتشاف شغفي وتحقيقه».

الالتزام بتمارين دورة «إدارة التوتر» يساعد في التخفيف من آلام الجسد الناجمة عن مسببات نفسية (رويترز)

نصائح لإدارة التوتّر

- المواظبة على تمارين المشي.

- الالتزام بتمارين التنفس العميق.

- تخصيص وقت قبل النوم لقراءة كتب خاصة بتطوير الذات.

- الحرص على عدم الاطّلاع على الأخبار قبل الخلود إلى النوم.

- الامتناع عن متابعة وسائل التواصل الاجتماعي عند الاستيقاظ من النوم، لمدة ساعة على الأقل.

- تدوين 10 أمور إيجابية حصلت خلال اليوم، وتحويل هذا الأمر إلى تمرين مسائي يوميّ.


مقالات ذات صلة

عبارة «سحرية» لتهدئة طفلك الغاضب على الفور

يوميات الشرق يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال (سيكولوجي توداي)

عبارة «سحرية» لتهدئة طفلك الغاضب على الفور

يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال. وقد يكون من الصعب تعامل الوالد مع طفل مُحبط أو غاضب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك متابعة الأخبار السلبية قد تضر بدماغك (رويترز)

«مرهَق» و«منزعج»... 5 نصائح لتقليل توتر «الأوقات السياسية المضطربة»

قال موقع «سايكولوجي توداي» إن الصراعات السياسية والأخبار المثيرة للانقسام قد تؤثر على الصحة العقلية؛ مما يؤدي إلى زيادة التوتر والقلق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق التلاعب بالعقول يسبب ضرراً نفسياً بالغاً (أرشيفية)

4 عبارات يستخدمها المتلاعبون النفسيون لهزيمتك... احذر منها

يعمد المتلاعبون النفسيون إلى إقناع ضحيتهم بأنه موهوم أو مجنون، عبر التشكيك في علاقاته بالآخرين، ويستخدمون عبارات محددة في ذلك... فما هي؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق علماء بريطانيون يرصدون جوانب مدهشة عن السعادة

علماء بريطانيون يرصدون جوانب مدهشة عن السعادة

أجرى باحثون بريطانيون في مجال السعادة دراسة على 50 ألف شخص... وإليكم الأمر المدهش الذي تعلموه. وأفاد الباحثون في جامعة كلية لندن بأنهم راجعوا مليون استجابة…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تعرف على أنماط الشخصيات التي تتعامل معها بنطاق العمل أو الحياة اليومية للوصول إلى نتائج أفضل في تواصلك معهم (رويترز)

«منافس» أم «متعاون»؟... تعرف على أنواع الشخصيات وكيفية التعامل معها

ينصح خبراء التفاوض وحل النزاعات بالتعرف على أنماط الشخصيات التي تتعامل معها في نطاق العمل أو الحياة اليومية للوصول إلى نتائج أفضل في تواصلك معهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

نموذج لتشجير مدارس العاصمة السعودية.. زراعة 6 آلاف شجرة في مدرستين

جانب من الأعمال. (واس)
جانب من الأعمال. (واس)
TT

نموذج لتشجير مدارس العاصمة السعودية.. زراعة 6 آلاف شجرة في مدرستين

جانب من الأعمال. (واس)
جانب من الأعمال. (واس)

ضمن جهودٍ يبذلها برنامج «الرياض الخضراء» أحد المشاريع الكبرى في العاصمة السعودية الرياض، في سبيل تحسين وتطوير المرافق المدرسية وتشجيرها، أنهت «وزارة التعليم» بالشراكة مع «الرياض الخضراء»، الأحد، أعمال تأهيل وتشجير في مدرستين نموذجيتين، بزراعة أكثر من 6 آلاف شجرة وشجيرة.

ومن شأن هذه الخطوة التي أجرتها وزارة التعليم ممثّلةً بالإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض، و «الرياض الخضراء»، في مدرستين نموذجيتين في حي العزيزية جنوبي العاصمة السعودية، أن تساهم وفقاً للقائمين عليها، في رفع المستوى العلمي للطلاب والطالبات وتحسين البيئة المدرسية.

تأهيل نموذجي

وجرت أعمال التأهيل في المدرستين وتحسينهما داخل وخارج الفناء المدرسي وفي الفصول الدراسية بشكل نموذجي، بالإضافة إلى تشجير الساحات الخارجية وتطوير الملاعب والجلسات الخارجية ومنطقة الانتظار في المداخل ومواقف السيارات وغيرها من أعمال التأهيل التي تتمثل في تحسين المظهر الخارجي للمباني المدرسية باستخدام مواد محلية منسجمة مع الطابع المعماري لمدينة الرياض، بالإضافة إلى اختيار الأشجار المناسبة والملائمة لبيئة المدينة، مما يساهم بحسب للقائمين عليها، في «توفير الظلال وخفض وهج الحرارة في الساحات الخارجية وحول محيط المدرسة».

سيتم تطبيق النماذج على بقية مدارس العاصمة السعودية. (واس)

الدكتور نايف الزارع المدير العام للتعليم بمنطقة الرياض، أجرى برفقة المهندس بدر الحارثي مدير عام الإدارة العامة للأمن والسلامة والمرافق بوزارة التعليم، والمهندس عبدالعزيز المقبل المدير التنفيذي للرياض الخضراء، جولة في أرجاء المدرستين مع الحضور، وذلك للاطلاع على الأعمال المنجزة، التي جاءت وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (واس)، ضمن جهود وزارة التعليم و«الرياض الخضراء» في تحسين وتطوير المرافق المدرسية وتشجيرها بمدينة الرياض.

نموذج سيتم تطبيقه على بقية المدارس

وتعد أعمال التشجير والتأهيل في المدرستين، نموذجاً سيتم تطبيقه على بقية المدارس الحكومية للبنين والبنات في العاصمة السعودية، ضمن مسعى «الرياض الخضراء» في تحقيق أحد مستهدفات «مبادرة السعودية الخضراء» و «رؤية السعودية 2030»، بزراعة 10 مليارات شجرة داخل البلاد.

ويستهدف البرنامج الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بمبادرة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي في مارس (آذار) 2019، في زراعة 7.5 ملايين شجرة في العاصمة السعودية، وزيادة الغطاء النباتي إلى 9 في المائة من مساحة المدينة، إلى جانب رفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء من 1.7 متر مربع إلى 28 متر مربع، والمساهمة في خفض درجة الحرارة وتحسين جودة الهواء بتقليل التلوث والغبار.