نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر

وفاة ليام باين تعيد التذكير بمخاطر الشهرة المبكرة

نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر
TT

نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر

نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر

كان ليام باين صبياً يتأرجح بين الطفولة والمراهقة عندما تَقدّم إلى تجارب الأداء في برنامج المواهب «إكس فاكتور». وفي غضون أقل من سنتَين، تحوّل من تلميذٍ لا يعرفه أحد إلى نجمٍ يلفّ الكرة الأرضية مع فريق One Direction (وان دايركشن)، وينهار أمامه المعجبون باكين ومتوسّلين صورة معه.

على المسرح كان باين محبوب الجماهير الضاحك، والراقص، الذي يغنّي ملء حنجرته. لكن خلف الأبواب المغلقة والستائر المنسدلة، أطفأ نار المجد المستجدّ بالكحول. كان في الـ16 من عمره عندما بدأ يُكثر من شرب الخمور. أخبرَ لاحقاً كيف أنه بين الحفل والحفل وجد نفسه أسيرَ غرفة في فندق، حيث الثلّاجة مليئة بقناني المشروب.

يُحكى أنّ إحدى آخر عبارات ليام باين (31 سنة) قبل سقوطه من على شرفة فندقٍ في الأرجنتين ووفاته منذ أيام، كانت: «أنا عضو سابق في فريقٍ غنائيّ، لذلك فإنّي ملعونٌ لهذه الدرجة».

ليام باين على يسار الصورة مع أعضاء فريق «One Direction» البريطاني (أ.ب)

«لقد فقدتُ السيطرة...»

لم يحسم القضاء بعد ما إذا كان باين قد انتحر أم إذا كانت الوفاة حادثاً من نوع آخر، لكنّ المؤكّد هو أنه عُثر على موادّ مخدّرة في غرفته وفي دمه. ومن المعروف أن المغنّي أمضى سنواته الأخيرة في مراكز التأهيل محاولاً التعافي من إدمانه بلا جدوى، مستسلماً للاكتئاب والأفكار الانتحاريّة.

دفع ليام باين ثمن شهرة أتته في سنٍّ صغيرة، ليطبّق بالفعل قولاً له في مقابلة عام 2019: «هذه الشهرة المبكرة تسلبك السيطرة على حياتك. لقد فقدتُ السيطرة على كل شيء».

أعادت وفاته المأساويّة التذكير بوحشيّة ما قد يتعرّض له النجوم الأطفال والمراهقون، إن لم يُحصَّنوا بما يكفي من رعاية نفسيّة. فأحمالُ الشهرة المبكرة، مهما بدت مغرية، ثقيلة على أكتافهم؛ من هوَس المعجبين، إلى أسلوب العيش المسرف، وليس انتهاءً بأضواء المسارح وعدسات الصحافة، وغياب الخصوصيّة.

أمضى ليام باين جزءاً كبيراً من عمره القصير في مراكز التأهيل من الإدمان (رويترز)

أظهرَ بحثٌ أجرته جامعة جون موريس في ليفربول وشمل ألف موسيقي أوروبي وأميركي حصد شهرة عالمية منذ أغنيته الأولى، أن احتمالات الوفاة تتضاعف 3 مرات لدى هؤلاء مقارنة مع أترابهم من غير المشاهير. وفي صدارة مسببات الوفاة الجرعات الزائدة من المخدّرات، والأمراض المزمنة التي يتسبب بها الإدمان، إضافة إلى حوادث السير.

مايكل جاكسون و«ثمن الشهرة»

تشهدُ هوليوود على حكايات مأساوية لفنانين عرفوا الشهرة في الصغر، وتحوّلوا إلى ضحايا لها في الكبر. عام 1986 قدّم مايكل جاكسون أغنية حملت عنوان «The Price of Fame» (ثمن الشهرة)، ومما قال فيها: «أشعر بالضغط لأني لا أعيش سوى لأفوز... تعبت من الألم... أنا غلاف مجلّة... يعرفون كل ما أقوم به ولا يريدون سوى توقيعي... هذا يزعجني».

بدأ جاكسون الغناء في سنّ السادسة. وتعرّض للتعنيف والاستغلال من قِبَل والده الذي كان يتولّى تدريبه وإدارة أعماله وأشقّاءه، وهو قال مرة: «غالباً ما يفشل الأطفال النجوم في مسيرتهم لأنهم يدمّرون أنفسهم بسبب الضغوط التي تُلقى عليهم».

بعد 44 عاماً لم يعرف خلالها جاكسون سوى حياة الأضواء، توفّي بجرعة زائدة من الأدوية المهدّئة. جاء ذلك بعد غرقه في أزماتٍ نفسية كثيرة أدّت به إلى اضطراب فقدان الشهية العصبي، وإلى الخضوع لجراحات تجميليّة مبالغٍ فيها، ليدمن لاحقاً على مسكّنات الألم ويتورّط في قضايا أخلاقيّة أدخلته المحاكم.

لطالما اشتكى من أنه حُرم من طفولته فأمضاها في التمرينات والحفلات، لذلك أنفق مبلغاً ضخماً على إنشاء متنزه Neverland (نيفرلاند) حيث أقام ما بين 1988 و2005. ولعب لسنوات محاولاً الاستعاضة عن طفولة سُلبت منه.

أمضى مايكل جاكسون حياته محاولاً التعويض عن طفولةٍ سلبتها منه الشهرة (أ.ب)

نهاية في حوض الاستحمام

قبل سنتَين، توفّي المغنّي الأميركي آرون كارتر عن سنّ 34 عاماً في حوض الاستحمام، بعد استنشاقه غازاً مخدّراً وابتلاعه حبوباً مهدّئة. كارتر الذي عُرف كشقيق أحد أعضاء فريق «Backstreet Boys» (باكستريت بويز)، بدأ مسيرة غنائية منفردة في السابعة من عمره، وأصدر ألبومه الأول في التاسعة. أما ألبومه الأخير فجاء بعد 6 أعوام ليبتعد لاحقاً عن الأضواء، غارقاً في أزمات عائلية وفي معاناة نفسية وإدمان على مضادات الاكتئاب دخل على أثرها مصحاتٍ عدة.

بدأ آرون كارتر مسيرته الفنية في السابعة من عمره وتوفّي في الرابعة والثلاثين (أ.ب)

مراهقٌ أدمنَ الكحول

انطلقت مسيرة ماثيو بيري التمثيلية في سن العاشرة فراكمَ الأدوار التلفزيونية خلال مراهقته، قبل أن يتحوّل إلى نجم عبر مسلسل «Friends» (فريندز). ووفق ما يكتب في مذكّراته، فإنّ إدمانه على الكحول بدأ وهو في الرابعة عشرة من عمره. لم يتمكّن من التغلّب على نقطة ضعفه تلك. وما زاد الوضع سوءاً إدمانه على الأدوية المهدّئة ومسكّنات الألم، وهي كانت السبب في وفاته غرقاً بمسبحه عام 2023، بعد تعاطيه كميات كبيرة من مادة الكيتامين.

دخل ماثيو بيري مجال التمثيل في سن العاشرة من خلال أدوار تلفزيونية (أ.ب)

عريضة معترضة

لم يلقَ كل النجوم الذين نالوا الشهرة صغاراً المصير ذاته الذي انتهى إليه مايكل جاكسون، وويليام باين، وماثيو بيري، وآرون كارتر. إلّا أن ذلك لا يعني أنهم نجَوا من ندوب النجوميّة المبكرة. أبرز نموذجٍ عن هؤلاء الممثل ماكولاي كالكن الذي تحوّل ظاهرة عالمية في سن العاشرة مع فيلم «Home Alone» عام 1990.

غير أنّ نجاح كالكن اقتصر على تلك السلسلة، وبدا نجمه بالأفول عندما كان بعدُ في الـ14 من عمره. اعتزل التمثيل مستبدلاً به المخدرات وتصرّفات خارجة على القانون.

نجم أفلام «Home Alone» الممثل الأميركي ماكولاي كالكن (رويترز)

من بين النجوم الذين دخلوا عالم الشهرة صغاراً وسدّدوا الثمن من صحّتهم النفسية لاحقاً، المغنّون جاستن بيبر، وبريتني سبيرز، وروبي ويليامز، وسيلينا غوميز، ومايلي سايرس، وكريستينا أغيليرا، وديمي لوفاتو، وليندسي لوهان.

وإذا كان التعامل مع الصحة النفسية أمراً ثانوياً خلال الفترة التي كان فيها هؤلاء مواهبَ صغيرة تحت الضوء، فإنّ ناقوس الخطر يُدقّ اليوم. في هوليوود، أشعلت وفاة ليام باين موجة غضب من استغلال المواهب اليافعة بهدف جني الملايين. كما انطلقت عريضة وقّع عليها 30 ألف شخص حتى الآن، تدعو إلى سَنّ قانون يضمن المتابعة النفسية لكل طفلٍ ومراهقٍ يدخل عالم الشهرة.

جاستن بيبر وبريتني سبيرز ومايلي سايرس وسيلينا غوميز... نجوم عرفوا الشهرة في سن صغيرة

تعليقاً على وفاة باين، اختصر الموسيقي الأميركي المخضرم بروس سبرينغستين المأساة قائلاً إن صغار السن لا يملكون ما يكفي من صلابة داخلية كي يتمكّنوا من حماية أنفسهم من مخاطر النجاح والشهرة، وعلى رأسها الإدمان على المخدرات والكحول.


مقالات ذات صلة

سيدة تتهم روبوت دردشة بدفع ابنها إلى الانتحار

تكنولوجيا السيدة اتهمت روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار (رويترز)

سيدة تتهم روبوت دردشة بدفع ابنها إلى الانتحار

اتهمت سيدة أميركية روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار بعد أن أصبح «مهووساً به».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق السلامة أولاً وأخيراً (أ.ب)

«وعاء» نيويورك الشبيه بخلية يُرحِّب مجدّداً بالزوار... و«سلامتهم»

صعد السياح مجدّداً درجات منحوتة «الوعاء» في مانهاتن التي تتّخذ شكل خلية نحل، وذلك بعد إعادة إتاحة زيارتها أمام الجمهور للمرة الأولى منذ 3 سنوات.

«الشرق الأوسط» (مانهاتن (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق وفق علم النفس فإنّ مَن ينتحرون من أماكن مرتفعة يرغبون في تحويل موتهم إلى فعلٍ عام (رويترز)

ليام باين ليس أوّل ضحاياها... الشرفةُ كوسيلة انتحارٍ حتميّ

أعادت حادثة سقوط المغني ليام باين من على شرفة الفندق وفياتٍ كثيرة مشابهة إلى الأذهان. فلماذا يختار بعض المشاهير الانتحار من أماكن مرتفعة؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الكبسولة الانتحارية (أ.ف.ب)

للتخلص من معاناة المرض... وفاة أول امرأة داخل «كبسولة انتحارية»

قالت الشرطة في سويسرا إنها اعتقلت عدة أشخاص بسبب وفاة امرأة أميركية تبلغ من العمر 64 عاماً داخل «كبسولة انتحار».

«الشرق الأوسط» (برن)
صحتك المعاناة من كوابيس يومية ارتبطت بارتفاع خطر السلوكيات الانتحارية لدى الأطفال بمقدار 5 مرات (أ.ف.ب)

دراسة تربط مشاكل النوم في الطفولة بخطر الانتحار

الإصابة باضطرابات نوم شديدة في سن العاشرة كانت مرتبطة بارتفاع خطر الإصابة بالأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار بمقدار 2.7 مرة بعد عامين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

معرض يحتفي بأماكن تصوير أفلام مصرية

لقطة من فيلم «المومياء» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «المومياء» (أرشيفية)
TT

معرض يحتفي بأماكن تصوير أفلام مصرية

لقطة من فيلم «المومياء» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «المومياء» (أرشيفية)

ضمن دورته السابعة، يحتفي مهرجان «الجونة السينمائي» بأماكن تصوير أفلام مصرية عبر معرض «مدن مصرية احتضنت السينما» للباحث السينمائي إبراهيم مسيحة بوصفه معرضاً مرئياً مبتكراً يوثّق المدن التي شهدت تصوير الأفلام المصرية، وقد اختار 10 محافظات كانت صاحبة النصيب الأكبر في تصوير الأفلام، من بينها القاهرة والإسكندرية والفيوم وسيناء والبحر الأحمر.

الباحث السينمائي إبراهيم مسيحة وابنته مارينا أمام شاشة تعرض لقطات الأفلام وأماكن تصويرها (الشرق الأوسط)

ويُتاح لزائر المعرض عبر أجهزة عرض مشاهدة لقطات الأفلام والمواقع التي صُورت بها في كل محافظة مثل فيلم «دعاء الكروان» الذي صُورت مشاهده بالفيوم، ويروي مسيحة لـ«الشرق الأوسط» أن الفكرة بدأت حينما كان يفكر في إقامة مهرجان في بلده الفيوم (جنوب غربي القاهرة) وأراد أن يحصر عدد الأفلام التي صورت في المحافظة، وفكّر في بقية المحافظات، ليخوض رحلة بدأها منذ عام 2003 لعدم توافر معلومات موثقة وقتها.

لقطة من «عرق البلح» (أرشيفية)

لكن مسيحة أكمل الفكرة مع ابنته مارينا وهي صيدلانية وفنانة شاركت العام الماضي بـ«سيني جونة للمواهب الناشئة»، التي روت لماريان خوري المديرة الفنية للمهرجان، ما حققه والدها في هذا الشأن، ووجدت فيها ماريان خوري معرضاً يؤرخ للسينما وللأماكن التي صورت بها.

يلفت مسيحة إلى أنه «رغم تاريخ السينما المصرية الطويل ووجود أكثر من 5 آلاف فيلم فإنه ليس هناك سوى 300 أو 400 فيلم استطاع أن يجد نُسخاً لها، ووجد أن الفيوم صور بها وحدها 80 فيلماً، بينما الإسكندرية قد يكون بها أضعاف هذا العدد، والأقصر وأسوان فوق الـ30 فيلماً، وقد امتدت رحلته لهذا التوثيق لأكثر من 20 عاماً وتواصل لأجلها مع فنانين على غرار مديحة يسري ومنتجين ومخرجين من بينهم رمسيس مرزوق وسمير عوف وخالد يوسف.

لقطة من فيلم «زوجة من باريس» (أرشيفية)

ووفق مارينا مسيحة، فإن أفلاماً كثيرة صُوّرت في واحات مصرية على غرار فيلم «زوجة من باريس» لنبيلة عبيد الذي صُوّر بواحة باريس في محافظة الوادي الجديد بالصحراء الغربية المصرية، وفيلم «كنوز» بواحة الخارجة وهو أيضاً من بطولة نبيلة عبيد، في حين صُوّر فيلما «عرق البلح» و«أبو علي» لكريم عبد العزيز بواحة الداخلة. كما صُوّر فيلم «تمر حنة» في الفيوم، وفيلم «المومياء» في الأقصر في المواقع الحقيقية لأحداثه.

وكان لمحافظات البحر الأحمر وسيناء نصيب في اختيارها بوصفها مواقع تصوير أفلام عدة؛ من بينها «جزيرة الشيطان» و«إستاكوزا» و«شورت وفانلة وكاب»، بينما صُوّر فيلم «المشبوه» في مدينة بورسعيد وفيلم «شاطئ المرح» في الإسماعيلية، وصُورت في القاهرة، وفق مارينا، أفلام عدة من بينها «حياة أو موت» و«باب الحديد». كما استقبلت الإسكندرية تصوير أفلام على غرار «أبي فوق الشجرة»، و«رصيف نمرة 5»، و«صراع في الميناء»، و«آيس كريم في جليم»، و«صايع بحر»، و«إسكندرية ليه».

وفي سياق مشابه، يستضيف المهرجان معرضاً ثانياً للمصوّر محمد بكر (87 عاماً) الملقب بـ«شيخ المصورين الفوتوغرافيين» الذي بدأ مسيرته مصوراً فوتوغرافياً للأفلام منذ صباه، مصاحباً لوالده الراحل الفنان حسين بكر الذي ارتبط اسمه بتصوير أجمل اللقطات، ليسير الابن على درب الأب ويصوّر أول أفلامه عام 1956 وهو فيلم «سمارة» لتحية كاريوكا.

صورة تجمع عبد الحليم حافظ وشادية من فيلم «معبودة الجماهير» (أرشيفية)

ويقول بكر لـ«الشرق الأوسط»: «تحية كاريوكا كانت (جدعة) مع الجميع وقد تمسّكت بي مصوراً في فيلم (سمارة) رغم أن المخرج حسن الصيفي كان معترضاً عليّ لصغر سني، فقد كنت تلميذاً في الثانوي، ومع أول لقطات صورتها اقتنع بكفاءتي لتنطلق رحلتي».

يُفسّر بكر أسباب نقاء ووضوح صور معرضه قائلاً: «كنا نصوّر بتقنية عالية لتعيش الصورة، وخلال التصوير كان والدي يقول لا بدّ أن تعيش للأجيال القادمة، وقد حافظت عليها وصنعت أرشيفاً يتضمّن سنوات إنتاجها وفريق عمل كل طاقم الفيلم، بمساعدة نجلي مدير التصوير والأستاذ في معهد السينما ومدير المركز القومي للسينما حسين بكر».