محاسن الخطيب... القصف الإسرائيلي يقضي على «ريشة جباليا»

الفنانة التشكيلية تنبأت بموتها... وقدمت «صدقة جارية» على روحها

صورة نشرتها محاسن الخطيب وذيلتها بتعليق: «عشان بس أموت تلاقوا صورة لي» وعلى اليسار آخر صورة رسمتها قبل موتها (فيسبوك - إنستغرام)
صورة نشرتها محاسن الخطيب وذيلتها بتعليق: «عشان بس أموت تلاقوا صورة لي» وعلى اليسار آخر صورة رسمتها قبل موتها (فيسبوك - إنستغرام)
TT

محاسن الخطيب... القصف الإسرائيلي يقضي على «ريشة جباليا»

صورة نشرتها محاسن الخطيب وذيلتها بتعليق: «عشان بس أموت تلاقوا صورة لي» وعلى اليسار آخر صورة رسمتها قبل موتها (فيسبوك - إنستغرام)
صورة نشرتها محاسن الخطيب وذيلتها بتعليق: «عشان بس أموت تلاقوا صورة لي» وعلى اليسار آخر صورة رسمتها قبل موتها (فيسبوك - إنستغرام)

بابتسامة تخفي وراءها كل أهوال الحرب وتنتصر لمعركة البقاء، نشرت الرسامة الفلسطينية محاسن الخطيب صورة لها في يناير (كانون الثاني)، وكتبت تعليقاً عليها: «عشان بس أموت تلاقوا صورة لي»، وكأنها كانت تتوقّع وفاتها التي وقعت أول من أمس (الجمعة).

واشتهرت محاسن الخطيب منذ بداية الحرب برسوماتها التي تُجسِّد واقع الحرب المؤلم، وكانت تندِّد، بريشتها، بفظائع القتل والتهجير، والظروف المعيشية القاسية التي استمرّت لأكثر من عام. قُتلت محاسن الخطيب في قصف إسرائيلي في مخيم جباليا الذي نشأت فيه.

كانت تحلم بأن تنتهي الحرب، وأن ترتقي بفنها إلى سماء العالمية، لكن صواريخ الحرب أنهت أحلامها، ورغم الظروف القاسية، فإن ابنة مخيم جباليا كانت تداوم على الرسم، إيماناً بالفسيلة التي تزرعها ولو في آخر يوم في حياتها، وكانت تعدّ الفن نافذتها على العالم، تبوح من خلاله بما تراه وتعايشه من أهوال.

«مرحباً أنا محاسن من غزة. بحاول أضل على قيد الحياة»... بهذه الكلمات عبَّرت محاسن عن حالها في الصمود في أحد مقاطع الفيديوهات، التي انتشرت أيضاً بعد وفاتها. كانت تنشر فيديوهات خلال رسمها، تحت أصوات القصف أحياناً.

محاسن الخطيب خلال تنفيذ إحدى لوحاتها (فيسبوك)

وتداول متابعون لوحتها الأخيرة التي نشرتها عبر حسابها على «إنستغرام»، التي كانت لطفل يصرخ ويصد بيديه الصغيرتين ألسنة النيران المشتعلة حوله جراء القصف، تنديداً بالمشاهد القاسية التي ارتكبها الاحتلال في مجازر عدة، آخرها في «مخيم شهداء الأقصى» منذ قرابة أسبوع.

كما اشتهرت صور محاسن الخطيب طوال الحرب، إذ رسمت صورة لوائل الدحدوح مدير مكتب «الجزيرة» في غزة، وصورة لطفل اشتهر بفرحته بعد أن وصلته دجاجة بعد أشهر من الحرب، كما رسمت محاسن صورة لسيدة اشتهرت ببيع الخشب وسط ظروف الحرب القاسية.

وقدَّمت محاسن الخطيب «صدقة جارية» على روحها حال توفيت في الحرب، من خلال دورة تدريبية لإتقان فنون الرسم عبر الإنترنت، تساعد الهواة على أن يكونوا على أول طريق الاحتراف، إذ أعلنت، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أنها تتبرع بهذا المحتوى التدريبي صدقةً جاريةً على روحها إذا قُتلت في الحرب. كما لاقى هذا المنشور انتشاراً بعد إعلان عائلتها وفاتها.

صورة لإعلان الدورة التدريبية على الرسم التي أعلنت عنها محاسن الخطيب (إكس)

ونعى محاسن الخطيب عددٌ من متابعيها عبر «إنستغرام»، وعبر منصات التواصل الاجتماعي المتعددة، التي يتابعها من خلالها أكثر من 124 ألف متابع. وكتب تعليق لحساب باسم سليمان الصقر: «الآن أصبح لكِ جناحان لونهما أبيض، مرصعان بالذهب. تحلقين بهما في الكون والمجرة وتصعدين على درب التبانة. هناك ترسمين الجنة والمجرات والسبع سماوات ومَن فيهم. سوف ترسمين القمر والنجوم والشمس بنورها الصافي. ولكن لا ترسمين الأرض».

صورة لمحاسن الخطيب رُسمت بعد وفاتها (Sadeel Media Production)

وبجانب تعليقات تنعى الفنانة التشكيلية، تداول متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي آخر ما كتبته محاسن الخطيب عبر «فيسبوك»، الذي يخص مقتل زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار: «أمي بتقولكم (ما) تفرحوش ع (على) موت السنوار لأنه معركة إسرائيل مش معه، معركتها مع شعب كامل وصحاب أرض».

صورة لآخر منشور كتبته محاسن الخطيب (فيسبوك)

وتعاني منطقة شمال قطاع غزة منذ 15 يوماً من حصار مشدد، لم يسمح خلالها بإدخال أي مساعدات غذائية سوى لمدينة غزة. ووفقاً لمصادر طبية فلسطينية، فإن هناك مئات الضحايا داخل مخيم جباليا ومحيطه، كما أن هناك آخرين تحت الأنقاض؛ نتيجة قصف المنازل ومراكز الإيواء وغيرها، وسط مجازر كبيرة يشهدها المخيم.

وكان مدير عام وزارة الصحة في غزة، منير البرش، قد أعلن أمس (السبت) أنه «بسبب القصف الإسرائيلي المستمر، قُتل أكثر من 450 فلسطينياً حتى هذه اللحظة منذ بدء العملية العسكرية».

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، (اليوم الأحد)، ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 42 ألفاً و603 قتلى، إلى جانب أكثر من 99 ألفاً و795 إصابة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.


مقالات ذات صلة

إعلام عبري: رئيس «الشاباك» زار مصر لبحث اتفاق بخصوص الرهائن

شؤون إقليمية أفراد من عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس» يتظاهرون للمطالبة بالعمل على إطلاقهم فوراً في تل أبيب الخميس (رويترز)

إعلام عبري: رئيس «الشاباك» زار مصر لبحث اتفاق بخصوص الرهائن

صعّد منتدى عائلات الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس» مطالباته للحكومة بإبرام صفقة لتبادل المحتجزين، بينما زار رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) القاهرة لبحث الملف.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي طفلان فلسطينيان في مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة وسط القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

87 قتيلاً في مجزرة بيت لاهيا... والأمم المتحدة تندد بـ«مشاهد مروعة»

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، الأحد، مقتل وفقدان 87 شخصاً جراء القصف الإسرائيلي لبيت لاهيا في شمال غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صورة نشرها الجيش الإسرائيلي لما وصفه بأنه نفق كان يقيم فيه يحيى السنوار في منطقة تل السلطان برفح

الجيش الإسرائيلي ينشر فيديو وصوراً للسنوار داخل أنفاق غزة

نشر الجيش الإسرائيلي، السبت، مقطع فيديو يظهر فيه يحيى السنوار داخل نفق، وعلى الفيديو تاريخ السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. 

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال مؤتمر صحافي في مقر حلف «ناتو» ببروكسل (إ.ب.أ)

وزير الدفاع الأميركي: نريد من إسرائيل تقليل ضرباتها في بيروت ومحيطها

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن الولايات المتحدة تريد أن تقلل إسرائيل ضرباتها في العاصمة اللبنانية بيروت ومحيطها.

المشرق العربي فلسطينيون يبحثون عن جثث وناجين بين أنقاض منزل عائلة التلباني المدمر في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على مخيم المغازي للاجئين في قطاع غزة (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يحاصر المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا

واصل الجيش الإسرائيلي لليوم الـ13 على التوالي عمليته العسكرية على شمال قطاع غزة، مخلّفاً عشرات القتلى والجرحى الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

سودانيات يعبّرن عن معاناتهن في ظل الحرب عبر «سينمات بنات»

تسابيح حسين تصور مشهداً بالهاتف المحمول (الشرق الأوسط)
تسابيح حسين تصور مشهداً بالهاتف المحمول (الشرق الأوسط)
TT

سودانيات يعبّرن عن معاناتهن في ظل الحرب عبر «سينمات بنات»

تسابيح حسين تصور مشهداً بالهاتف المحمول (الشرق الأوسط)
تسابيح حسين تصور مشهداً بالهاتف المحمول (الشرق الأوسط)

في مدينة «بورتسودان» الواقعة شرق السودان، تبدو الحياة مختلفة نسبياً بعيداً عن أجواء الصراع والحرب التي تشهدها العاصمة الخرطوم، لكنها تضم نازحين من مناطق الصراع، ومنها انطلق مشروع «سينمات بنات» الذي يعمل على إتاحة الفرصة للسودانيات للتعبير عن أزماتهن وهمومهن عبر أفلام هدفها تغيير المجتمع للأفضل.

الفكرة نبتت في عقل المخرج محمد فاوي الذي آثر البقاء في بلاده وانتقل من الخرطوم إلى بورتسودان، ليؤسس هذا المشروع الذي بدأ حصاده في شكل أفلام وثائقية قصيرة، من بينها «أنا هنا»، و«توكنان»، و«المسيد»، حملت توقيع شابات سودانيات قمن بكتابتها وتصويرها وإخراجها ومونتاجها عبر كاميرات الموبايل.

قبل اندلاع الحرب أخرج محمد فاوي أفلاماً وثائقية لقناتي «الجزيرة» و«العربي»، وشارك بأول أفلامه الروائية «طنين» في مهرجان القاهرة السينمائي قبل 3 أعوام، وهو فيلم قصير من إنتاج المخرج أمجد أبو العلا، ومع تدهور الأوضاع في الخرطوم رفض النزوح عن بلاده وانتقل إلى بورتسودان ليؤسس شركته الإنتاجية «فاوي فيلمز».

فريق فيلم «أم الفقراء» (الشرق الأوسط)

يؤمن فاوي بنظرية «التأثير» المجتمعي للأفلام التي تعود لمؤسسة «دوك سوسايتي» البريطانية، وقد تبنتها مؤسسة «بيروت دي سي»، والتحق المخرج السوداني بإحدى ورشاتها، فأتاح له ذلك دراسة النظرية لعمل أفلام للتغيير في مجتمعه، وكان قبل الحرب قد عرض مجموعة من الوثائقيات بالخرطوم وجدت قبولاً لدى الناس وبدأوا يتناقشون حولها، مما أكد لديه ضرورة عمل أفلام قادرة على إحداث تغيير بات ضرورياً.

ويقول المخرج محمد فاوي لـ«الشرق الأوسط»: «في بورتسودان، وهي من المدن التي ظلت خارج إطار الحرب، وجدت مجموعة من المانحين، وأقمنا ورشاً عن تأثير الفنون في بناء المجتمعات، ووجدنا أن أغلب المتقدمين من البنات وأغلب الموضوعات التي طرحناها كانت عن المرأة؛ كونها تعاني ظلماً مجتمعياً قديماً، وهنا تولدت فكرة مشروع (سينما بنات) الذي يهدف لإعطاء الفرصة لهن ليقدمن أفلامهن بأفكارهن، وأقمنا ورشاً لتدريبهن على صناعة الأفلام ليقمن بكتابتها وتصويرها ومونتاجها قبل عرضها أونلاين للجمهور، لعدم وجود دور عرض بالسودان، ولرغبتنا في الوصول للجمهور بكل الطرق».

وأضاف: «ولأن الحرب تسببت في تدمير وسرقة الكثير من استوديوهات الخرطوم والكاميرات الاحترافية، فإنه تم الاعتماد على كاميرات الهواتف المحمولة عالية الجودة».

لوغو المشروع (الشرق الأوسط)

وعن مدى سعيهم لعرض أفلامهم خارج السودان بالمهرجانات يقول فاوي: «لا نرفض فكرة المهرجانات لأنها تتيح انتشاراً أفضل، وتقدم منحاً للمشروعات، لكن المهم أولاً أن تصل أفلامنا للجمهور الذي نصنع من أجله الأفلام، لنحقق الحوار الثقافي المجتمعي الذي يوقف الحروب ويدعم السلام ويطور المجتمع لتحقيق طريقة أفضل للعيش، فالسجادة الحمراء ليست الأهم لدينا، كما أننا نعرض أفلامنا عبر مواقع التواصل للجمهور أولاً».

إيثار خيري طبيبة امتياز ومخرجة فيلم «أنا هنا» (الشرق الأوسط)

قدمت إيثار خيري، وهي طبيبة امتياز مهتمة بالسينما، فيلم «أنا هنا» بأبطاله من الصم والبكم بعد انضمامها لمشروع «سينمات بنات»، الذي تمكنت عبره من التدريب على صناعة الأفلام من كتابة السيناريو للتصوير والإخراج والمونتاج، وكانت قد خاضت ورشة عن التأثير المجتمعي للأفلام.

تقول إيثار إن «الهدف من الأفلام التي نقدمها أن يكون لها علاقة بقضايا المجتمع المدني، وقد اخترت بطلتي فيلمي من ضمن ورشة (سينمات بنات) وهما بخيتة عبد الله المترجمة للغة الإشارة، وراندا وهي من الصم، وهما تقدمان مبادرة (أيادي ناطقة) التي تهتم بالأطفال الناطقين لآباء وأمهات من الصم، الذين يقيمون هنا في معسكر للنازحين، والفيلم يتتبع رحلة أبطاله من الصم والبكم، كما يتطرق لقضايا أخرى تمسهم».

أريج حسين أخرجت فيلم «توكنان» (الشرق الأوسط)

أما أريج حسين التي تدرس الإعلام ومؤسسة لمجموعة نسوية «8 مارس» هدفها رفع وعي المرأة في مختلف النواحي، فقد كتبت وأخرجت فيلمها «توكنان» الذي يعني «المعرفة»، ويتتبع «رحلة مجتمع من النساء يعتمدن على أنفسهن ويديرن حياتهن ويعملن في الوقت ذاته، واختارت جميع بطلاته من النساء لتسلط الضوء على التمكين الاقتصادي للمرأة؛ كون المجتمع السوداني لديه عقدة من عمل النساء»، حسبما تقول لـ«الشرق الأوسط».

تسابيح حسين تصور مشهداً بالهاتف المحمول (الشرق الأوسط)

فيما أكدت تسابيح حجازي، مديرة مشروع «سينمات بنات»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه يتم حالياً تدريب 11 امرأة من المقيمات في مدينة بورتسودان مع نازحات من الخرطوم، وكلهن ذوات خلفيات إعلامية أو ناشطات وطالبات بالجامعة في العمل العام، وهو مشروع ثقافي بحت ليست له علاقة بالسياسة، وتتولاه شركة «فاوي فيلمز»، وهي الشركة المنسقة للمشروع والقائمة عليه، لكن التمويل من الوكالة الأميركية USAID.