«ليالي بيروت الصعبة»... كيف تتحدى الأرق الذي يسببه اشتداد القصف ليلاً؟

اللبنانيون يعانون مشاكل النوم وسط القلق الدائم من الغارات الإسرائيلية

الدخان يتصاعد جراء غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
الدخان يتصاعد جراء غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
TT

«ليالي بيروت الصعبة»... كيف تتحدى الأرق الذي يسببه اشتداد القصف ليلاً؟

الدخان يتصاعد جراء غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
الدخان يتصاعد جراء غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

دخل التصعيد الإسرائيلي في لبنان أسبوعه الرابع، مع امتداد القصف إلى مناطق متعددة في البلاد، من قرى الجنوب إلى البقاع وجبل لبنان، وصولاً إلى بلدات في الشمال أيضاً، حيث إن فكرة «المناطق الآمنة» لم تعد تُقنع الكثير من المواطنين.

ويقبع السكان تحت ضغط نفسي هائل، ليس فقط بسبب توسع نطاق الاستهدافات الإسرائيلية، بل جراء القصف الكثيف الذي تتعرض له بعض الأماكن، خصوصاً ضاحية بيروت الجنوبية، حيث تشتد الغارات عادة في ساعات الليل المتأخرة.

ففي الأسابيع الأخيرة الماضية، عبّر الكثير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي عن قلقهم الكبير من القصف الليلي، والإنذارات التي يُصدرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في أوقات متأخرة من الليل، لسكان المباني لإخلائها، وأحياناً ضمن ساعات الفجر الأولى أيضاً.

ولهذه الأسباب؛ يعاني الكثير من اللبنانيين صعوبة في الدخول بنوم عميق، وسط التفكير المستمر باحتمالية اشتداد القصف، واقترابه منهم.

تصاعد ألسنة اللهب والدخان في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

«أخاف الموت وأنا نائمة»

تقول الشابة العشرينية لينا جمال، التي تعيش في منطقة الشويفات بالضاحية الجنوبية لبيروت، وتعمل مدرسة، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ بداية التصعيد والقصف في ضاحية بيروت الجنوبية، أعيش برعب دائم من الليل، خصوصاً أن القصف يشتد في ساعات ما بعد منتصف الليل».

وتتابع: «لا يمكننا التنبؤ للأسف بالأماكن التي قد تستهدفها إسرائيل؛ ولذلك أخاف أن أنام وألا أكون على اطلاع حال أصدر أدرعي إنذارات بالإخلاء... أخاف من الموت وأنا نائمة».

وتصف جمال «ليلية دامية صعبة»، على حد تعبيرها، عندما قصف الجيش الإسرائيلي أحد شوارع الضاحية الجنوبية بشكل متكرر خلال ساعات الليل، في الأسبوع الثاني ما بعد التصعيد، وتقول: «كنت قد غفوت بعد ليالٍ متعددة من الأرق المستمر، وعند الساعة الثانية ما بعد منتصف الليل، بدأت إسرائيل قصف الضاحية بشكل كثيف، فشعرت من شدة خوفي بأن منزلنا ينهار، مع أن الغارات كانت بعيدة عنّا بضعة كيلومترات».

وتشير إلى أن والدتها أُجبرت على الصراخ في وجهها كي تستيقظ من حالة الذعر والهلع التي تعيشها، وتشرح «أعتقد أنني عشت ما يُسمى نوبة هلع، ومنذ ذلك الحين، لا يمكنني النوم بشكل عميق في الليل... أحاول تعويض النوم في ساعات النهار بعد الانتهاء من عملي».

الدخان يتصاعد جراء حريق سببته غارة إسرائيلية على منطقة الشويفات (إ.ب.أ)

وفي هذا السياق، تشرح الاختصاصية والمعالجة النفسية جين نصر، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أنه وسط الوضع النفسي الصعب الذي يعيشه اللبنانيون أجمعون، تبقى هنالك خطوات لمحاربة الأرق، ومحاولة السيطرة على أفكارنا قدر الإمكان، وهي:

الحدّ من متابعة الأخبار

تشرح نصر أنه من المهم متابعة ما يجري من حولنا، لكن «الأهم هو وضع حد لذلك، ومحاولة إلهاء أنفسنا عبر القيام بأنشطة أخرى... قد تكون أموراً عادية مثل تحضير وجباتنا المفضلة أو تنظيف المنزل أو ترتيب الأغراض، أو الالتزام بمهام عملنا المهنية والتركيز عليها».

العودة إلى «الروتين»

تقول الاختصاصية النفسية أنه من الضروري تحقيق بعض الروتين، خصوصاً لدى العائلات التي تضم أطفالاً، وتوضح: «من الطرق الأساسية لترتيب أفكارنا هي خلق روتين لاتباعه معاً بصفتنا عائلة... فيجب تنظيم أوقات تناول الوجبات، ووضع جدول يومي لقراءة الكتب واللعب معاً ولو لنصف ساعة، وسماع الموسيقى، وهي كلها أنشطة ترفيهية مهدئة للدماغ، تساعده في العودة للعمل بشكل طبيعي بعد الصدمات».

الاهتمام بالنظام الغذائي

قد لا يربط البعض بين أهمية ما نتناوله من أطعمة خلال النهار، وجودة النوم. لكن، تؤكد نصر على أن الاهتمام بنظامنا الغذائي يعدّ أمراً ضرورياً لمساعدة أنفسنا على النوم بطريقة أفضل خلال الظروف الصعبة الراهنة. وتقول: «يجب الابتعاد قدر الإمكان عن الأطعمة التي تحتوي على السكر، والوجبات المصنعة والسريعة؛ لأنها تساهم في زيادة القلق، وليس العكس».

وتشدد أيضاً الخبيرة على أهمية القيام بحركة جسدية يومية، مثل المشي أو اللعب مع الأطفال أو ممارسة بعض التمارين الرياضية ولو في المنزل؛ بهدف محاربة الغضب والمشاعر السلبية؛ مما يساعد على نوم أفضل خلال الليل.

تعويض النوم... وتقديم الدعم

تشير نصر إلى أهمية تعويض النوم خلال النهار، وتقول: «من المهم بعد الليالي التي يسودها الأرق، أن نأخذ بعض القيلولات خلال النهار؛ للحفاظ على توازن عمل جسمنا وعقلنا».

وتتحدث أيضاً المعالجة النفسية عن أهمية تقديم الدعم للآخرين بعد ليلة من انعدام النوم، وتقول: «من الضروري أن نتحدث بطريقة إيجابية مع أفراد العائلة من حولنا... عند الاستيقاظ في الصباح يمكننا استخدام تعابير مثل (غداً أجمل)، أو (أزمة وستمر)، للتأكيد على أن الوضع الراهن لن يرافقنا طوال حياتنا».

التطلع لتحقيق الأهداف... والتعبير عن الذات

في السياق نفسه، تشرح نصر أهمية التطلع إلى تحقيق أحلامنا عند انتهاء الحرب، وتقول: «من المهم أن نستمر في القيام بالأمور التي تخدم أهدافنا – ولو بخطوات بسيطة نظراً للظروف، والتطلع إلى تحقيق أحلامنا عبر التمسك بها والتفكير بها يومياً».

وتؤكد على أن ذلك يساعد الدماغ في تحقيق بعض الاستقرار والتعافي؛ مما قد يحارب الأرق ليلاً.

وتشدد على أهمية التعبير عن الذات، وتتابع نصر: «عند الإحساس بالخوف، تحدّث عن ذلك، وعبّر بأي طريقة ترغب فيها... إما عبر الكتابة، أو الرقص، أو إجراء محادثة مع صديق، أو حتى البكاء بشدة... فالتعبير عن المشاعر يساعدنا على التعافي من الأحاسيس السلبية بشكل أسرع».

دخان يتصاعد من منطقة استهدفتها غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

كيف نساعد الأطفال على تحدي الخوف؟

البالغون ليسوا الوحيدين المتأثرين بأصوات القصف الصاخبة، حيث إن الأطفال أيضاً يعانون الخوف ويشعرون بالأجواء السلبية المحيطة بهم، وفقاً لنصر. لذلك؛ تقدم المعالجة النفسية نصائح يجب اتباعها معهم، لمساعدتهم على النوم بشكل طبيعي خلال الليل:

منعهم من مشاهدة الأخبار

تشرح نصر: «يجب أن نحاول شرح ما يجري للأطفال، لكن بطريقة سطحية، ومن الضروري إبعادهم عن مشاهدة نشرات الأخبار والفيديوهات العنيفة التي تحتوي على مناظر دموية؛ لأنها تعلق في الأذهان، وقد ترافقهم في أحلامهم ليلاً».

روتين ما قبل النوم

توضح الخبيرة النفسية: «يجب على الأهل اتباع روتين ليلي محدد مع الأطفال، مثل تناول العشاء معاً بصفتنا أسرة، والاستماع إلى موسيقى هادئة مباشرة قبل النوم، وتنظيف الأسنان، والاستحمام، والخلود إلى الفراش في وقت محدد، وقراءة قصة أو كتاب معاً».

وتؤكد نصر على أهمية الجلوس مع الطفل في الفراش قليلاً قبل النوم لتحقيق الاستقرار الفكري والحماية العاطفية، وتضيف: «إذا أراد الطفل من الأهل الجلوس إلى جانبه للنوم، يجب تحقيق رغبته في هذه الأوضاع وإعطاؤه كل الدعم النفسي الممكن».

تمارين التنفس

تشرح نصر أنه من الضروري ممارسة تمارين التنفس البطيئة مع الطفل وسط حالات القلق، وتقول: «من المهم تحديد وقت في اليوم للجلوس مع الطفل في مكان هادئ، وتعليمه طرق التنفس بشكل بطيء، حيث نأخذ النفس من الأنف بشكل قوي، ونشعر به يغادر فمنا ببطء... ويساعد ذلك على تفريغ التوتر والتحسين من جودة النوم».


مقالات ذات صلة

لبنان يبدأ إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات

تحليل إخباري آليات الجيش تدخل مركزاً للتنظيمات الفلسطينية (مديرية التوجيه)

لبنان يبدأ إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات

بدأ لبنان عملية إزالة السلاح الفلسطيني المنتشر خارج مخيمات اللاجئين، والذي يتركز بيد فصائل متحالفة مع النظام السوري السابق.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير
المشرق العربي أمّ سورية مع أطفالها عند معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا (د.ب.أ)

«الإنتربول» الأميركي يطالب بيروت بتوقيف مدير المخابرات الجوية في نظام الأسد

في خطوة هي الأولى من نوعها منذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، باشرت الإجراءات القضائية الدولية بملاحقة رموز هذا النظام؛ إذ تلقّى النائب العام التمييزي في…

يوسف دياب
المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي رجل ينصب شجرة عيد الميلاد وسط أنقاض كنيسة ضربتها غارة إسرائيلية في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: لبنان بدأت «رحلة التعافي الشاقة» وإعادة البناء

قالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، الجمعة، إن رحلة التعافي الشاقة وإعادة البناء في لبنان قد بدأت، مشيرة إلى استمرار وقوف الأمم المتحدة إلى جانب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
TT

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)

بعض التصريحات التي تدلي بها الفنانات المصريات لا تتوقف عن تجديد الجدل حولهن، وإثارة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بتفاصيل حياتهن الشخصية والنصائح التي يوجهنها للجمهور بناء على تجاربهن، وهو أمر برز خلال لقاءات إعلامية عدة في الأسابيع الماضية.

أحدث هذه التصريحات كانت من نصيب الفنانة المصرية رانيا يوسف، في برنامج «ع الرايق»، بعدما تطرقت لتعرضها للضرب من زوجيها الأول والثاني، مع نصيحتها للفتيات بألا تقل فترة الخطوبة قبل الزواج عن 3 أو 4 سنوات، فضلاً عن نصيحتها لبناتها بعدم الزواج قبل سن الـ30 عاماً.

وقالت رانيا إن «طبيعة العلاقات في الوقت الحالي أصبحت تتطلب مزيداً من العمق والتفاهم بين الطرفين، بعيداً عن السطحية والانجذاب المؤقت»، محذرة من تعامل النساء بمشاعرهن عند البحث عن الشراكات العاطفية التي تحقق لهن السعادة والاستقرار.

وجاءت تصريحات رانيا بعد وقت قصير من تصريحات للفنانة زينة عن حياتها الشخصية وإنجابها طفليها التوأم بمفردها في الولايات المتحدة وصعوبة الأيام الأولى لهما مع مرضهما، بالإضافة إلى الفترة التي قضتها بمفردها في الغربة. وكذلك تطرقت إلى تفاصيل كثيرة عن حياتها، خصوصاً في ظل تحملها مسؤولية دور الأم والأب ووجودها مع نجليها بمفردها.

الفنانة المصرية زينة (فيسبوك)

وكانت الفنانة لبلبة قد أثارت جدلاً مشابهاً عندما تحدثت عن طفولتها الصعبة التي عاشتها واضطرارها للعمل من أجل الإنفاق على عائلتها بجانب انشغالها بمسؤوليات الأسرة وأشقائها، الأمر الذي جعلها تحاول أن تعوض ما لم تعشه في طفولتها.

من جهتها، تؤكد الناقدة المصرية ماجدة موريس أن «بعض الفنانين لا يكون قصدهم دائماً إثارة الجدل بالحديث عن حياتهم الشخصية أو مواقف سابقة مروا بها»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض التصريحات تخرج بشكل عفوي، لكن التفاعل يحدث معها نتيجة اهتمام الجمهور بمتابعتهم».

وأضافت أن «رانيا يوسف على سبيل المثال مرّت بتجارب مختلفة، وبالتالي عندما تتحدث عن صعوبة ثقتها في الرجال، بالإضافة إلى نصيحتها بتأجيل خطوة الزواج للفتيات؛ فهي تحاول إبداء رأي تعتقد أنه صواب»، لافتة إلى أهمية التعامل مع الفنانين باعتبارهم بشراً من حقهم الإدلاء بآرائهم، لكن ليس بالضرورة أن تكون جميع آرائهم صحيحة أو غير قابلة للتغير مع مرور الوقت.

الفنانة المصرية لبلبة (فيسبوك)

وهنا يشير مدرس علم الاجتماع بجامعة بني سويف، محمد ناصف، إلى «ضرورة التفرقة بين المواقف الشخصية والخبرات التي يتحدث بها الأشخاص العاديون، وبين المشاهير الذين تكون لديهم قاعدة جماهيرية ومصداقية ربما أكثر من غيرهم وإمكانية وصول لأعداد أكبر من الجمهور عبر البرامج والمنصات»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «جزءاً من الجدل يكون مجتمعياً في الأساس، لكن بدايته تكون من تصريحات المشاهير».

وأضاف أن «هناك تبايناً في الآراء قد يصل لدرجة التناقض بين الأفراد داخل المجتمع، وهو أمر يتوجب فهمه في إطار الخلفيات الاجتماعية والعادات والخبرات التي يمر بها كل فرد، وبالتالي ستجد من يقتنع بكل رأي يقال حتى لو لم يكن صحيحاً من الناحية العلمية»، لافتاً إلى ضرورة فتح نقاشات أعمق حول بعض الآراء عبر وسائل الإعلام.

وهو الرأي الذي تدعمه الناقدة المصرية، موضحة أن «آراء الفنانين تسلط الضوء على موضوعات قد تكون محل جدل مجتمعي، لكن تبرز لوسائل الإعلام مع إعلانها من المشاهير»، لافتة إلى أن «بعض الآراء قد تعرض أصحابها لانتقادات من شرائح أكبر عبر مواقع التواصل، لكن على الأرجح يكون لدى الفنان القدرة على تحمل تبعات موقفه وشرح وجهة نظره التي ليس بالضرورة أن تتسق مع رأي الغالبية».