«يوميات ممثل مهزوم»... مسرحية النهايات الحزينة للمواهب الواعدة

إنتاج سعودي - مصري ضمن «القاهرة للمونودراما»

العرض المونودرامي «يوميات ممثل مهزوم» (إدارة المهرجان)
العرض المونودرامي «يوميات ممثل مهزوم» (إدارة المهرجان)
TT

«يوميات ممثل مهزوم»... مسرحية النهايات الحزينة للمواهب الواعدة

العرض المونودرامي «يوميات ممثل مهزوم» (إدارة المهرجان)
العرض المونودرامي «يوميات ممثل مهزوم» (إدارة المهرجان)

استطاع العرض المسرحي «يوميات ممثل مهزوم» أن يلفت الانتباه ضمن فعاليات المهرجان الدولي «أيام القاهرة للمونودراما»؛ لعدة أسباب منها موضوع العمل الذي اتسم بـ«الجرأة والاختلاف»، وفق نقاد، رغم طابعه الذي قد يبدو «متشائماً» في نظر البعض، ويتعلق بالنهايات الحزينة لأصحاب المواهب الذين يفشلون في تحقيق أحلامهم.

ويغرد العمل الذي جاء إنتاجه مشتركاً بين السعودية ومصر خارج سرب «التقليدي» و«المتوقع»؛ إذ يراهن على النهايات المأساوية في الفن، وهو خيار محفوف دائماً بالمخاطر، فغالباً ما يبحث الجمهور عن بارقة أمل وينفر سريعاً من الأعمال التي يبدو - ولو ظاهرياً - أنها تبعث برسالة لا تدعو للتفاؤل.

يروي العمل قصة ممثل لم يتقدم في العمر كثيراً، لكن حجم الأسى والحزن الذي يسيطر على ملامحه يجعله طاعناً في السن؛ إذ يظهر بملابس رثة مهلهلة، وذقن غير حليق، وصوت غادرته البهجة منذ سنوات، وهو يستعيد شريط ذكرياته المؤلم الذي بدأ بحلم الشهرة وانتهى بدموع الفشل.

والعمل من إنتاج المعهد العالي للفنون المسرحية، التابع لأكاديمية الفنون بالقاهرة، وهو من إخراج السعودي مطر زايد، وبطولة مطلقة للممثل المصري إبراهيم عمرو. وينتمي العمل بطبيعة الحال إلى مسرح «المونودراما» الذي يعتمد على الأداء المنفرد لشخصية واحدة مطلوب منها أن تعبر عن كافة التحولات الدرامية.

التخلي عن أحلام الماضي في لحظة يأس (إدارة المهرجان)

وعدّ الكاتب السعودي فهد ردة الحارثي، الملقب بـ«عرّاب المسرح السعودي»، العمل بمثابة «حدث مبهج للغاية؛ كونه نتاج تعاون مصري - سعودي على نحو يقدم نموذجاً ملهماً لتبادل الخبرات وتلاقح الأفكار في بلداننا العربية من المحيط إلى الخليج».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يتفق مع من يرون العمل غارقاً في الطابع المأساوي أو يروج لليأس أو الاستسلام، وإنما هو ببساطة يرصد حالات لا يمكن إنكارها تحدث أمامنا في الواقع بين الحين والآخر».

وأضاف: «صنّاع العمل ليسوا دعاة انهزامية أو تراجع، وإنما هم ينطلقون من مبدأ أن كل إخفاق يمكن أن يكون سبباً لانطلاقة جديدة»، لافتاً إلى أن «المسرحية ككل توجه إدانة إلى عوامل الإحباط التي تعوق النجاح في بعض مجتمعاتنا العربية».

جانب من العمل المسرحي تتضح فيه الديكورات والأجواء المأساوية (إدارة المهرجان)

وتابع: «العرض بشكل عام متميز للغاية، ونجح الممثل إبراهيم عمرو في التعبير عن جوهر المسرحية بشكل سلس وتلقائي دون تكلف، مما يؤكد أننا أمام موهبة واعدة»، مؤكداً أن «مخرج العرض تعامل ببراعة مع الفضاء العام للعمل ومفرداته المختلفة من ديكور وإضاءة وملابس، فضلاً عن حركة الممثل ذاته».

ولفت إلى أن «عروض مسرح (المونودراما) تمثل دوماً تحدياً لكل صنّاع العرض؛ لأنها تتسم بالحساسية وتنطوي على تحديات مختلفة، ولا بد أن تكون مشحونة بالمشاعر والصدق والذكاء الفني حتى تخرج من القلب وتصل إلى القلب».

ورغم الطابع الحزين لقصة مسرحية «يوميات ممثل مهزوم»، فإنها لا تخلو من مشاهد البهجة والكوميديا حين يداعب الممثل الذي يستعرض ذكرياته الجمهور في القاعة، ويشركهم في بعض القصص والنوادر التي تنطوي على مفارقات ونوادر ساخرة.

ويبدأ العرض بظهور الممثل ممدداً فوق صندوق خشبي ضخم كأنه فراش وسط غرفة تعمها الفوضى على نحو يعكس حالته النفسية، وينتهي العمل بأن يزيح الممثل الغطاء عن الصندوق لينام بداخله، كأنه ينسحب من الحياة نهائياً ويعلن هزيمته وتخلّيه عن كل أحلامه.


مقالات ذات صلة

مهرجان مصري يستعيد تاريخ نجمة الرقص الشعبي فريدة فهمي

يوميات الشرق تكريم فريدة فهمي في مهرجان الإسماعيلية (وزارة الثقافة المصرية)

مهرجان مصري يستعيد تاريخ نجمة الرقص الشعبي فريدة فهمي

استعاد مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية تاريخ نجمة الرقص الشعبي فريدة فهمي التي عدّها نقاد «أيقونة» لفرقة رضا للفنون الشعبية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق صورة تذكارية لفريق عمل مهرجان «الجونة» (إدارة المهرجان)

فنانون ونقاد لا يرون تعارضاً بين الأنشطة الفنية ومتابعة الاضطرابات الإقليمية

في حين طالب بعضهم بإلغاء المهرجانات الفنية لإظهار الشعور القومي والإنساني، فإن فنانين ونقاد رأوا أهمية استمرار هذه الأنشطة وعدم توقفها كدليل على استمرار الحياة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق تكريم إلهام شاهين في حفل افتتاح مهرجان ظفار للمسرح (إدارة المهرجان)

حضور مصري لافت في مهرجان ظفار المسرحي بعمان

يشهد مهرجان ظفار الدولي للمسرح بسلطنة عمان، حضوراً مصرياً لافتاً في نسخته الأولى، المقامة حتى التاسع من شهر أكتوبر الحالي، بمسرح المروج.

«الشرق الأوسط» (ظفار (عمان))
يوميات الشرق الفنان لطفي لبيب يعبر عن سعادته بالتكريم خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

«الإسكندرية السينمائي» يتحدى «ضعف الميزانية»... ويراهن على التنوع

يواجه مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته الأربعين (1-5 أكتوبر) الجاري، أزمة متكررة تتمثل في ضعف الميزانية المخصصة له.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق تكريم الفنان الفلسطيني غنام غنام (إدارة مهرجان أيام القاهرة للمونودراما)

«أيام القاهرة للمونودراما» يواجه الاكتئاب ويحتفي بقضايا حواء

هيمنت مساندة لبنان وفلسطين في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على أجواء افتتاح الدورة السابعة من المهرجان الدولي «أيام القاهرة للمونودراما» الذي انطلق الثلاثاء.

رشا أحمد (القاهرة )

فنانون حضنوا لبنان المشتعل وإنسانه

الأوطان لا تموت (من صفحة فيفي عبده في «إنستغرام»)
الأوطان لا تموت (من صفحة فيفي عبده في «إنستغرام»)
TT

فنانون حضنوا لبنان المشتعل وإنسانه

الأوطان لا تموت (من صفحة فيفي عبده في «إنستغرام»)
الأوطان لا تموت (من صفحة فيفي عبده في «إنستغرام»)

حين اعتذر الممثل السوري أيمن زيدان عن عدم تلقّيه وسام التكريم في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسّط تضامناً مع النزف اللبناني، لفح جراحنا بعليل النسيم. اختار الرسالة الصوتية للقول إنه لن يحضر دورته المقبلة. «التحدّيات كبيرة والتوقيت حساس»، أكمل. ثم أكد أنّ الموقف لا يمسّ بهيبة الحدث ومكانته، لكنه مطلوب. مثله، لمح فنانون في المصاب الإنساني هولاً يستدعي لفتة، فتضامنوا. المقيمون في النار يدركون معنى هذا التضامن. فالكلمة تصبح عزاء في الشدائد وحضناً للباكين.

نداء غسان مسعود (فيسبوك)

ولم يكترث الفنان السوري غسان مسعود بما يُباعد بين البشر مثل الانتماءات بأشكالها، فالهمُّ إنساني. توجّه إلى اللبنانيين بإعلان فتح 3 منازل تؤوي التشرُّد. أخبرهم بأنهم مُحتضَنون وليس العراء قدراً. حوَّل داره إلى لفتة مُقدَّرة، وذكَّر بوحدة شعبين في المِحن. «نحن أهل بلد واحد»، قال، ورائحة الـ«أهلاً وسهلاً» تتصاعد من كلماته.

وشاء معتصم النهار ردَّ الفضل بالفضل. فالممثل السوري أعلن فتح الأبواب للبناني المُلقى في اللهب. ذكَّر بأيام دار فيها الدولاب الطاحن، فشكَّل دوسه ندوباً سورية غائرة. حينها، احتضن لبنان ولمَّ. يُحكى كثيراً عما يفرّق بيروت ودمشق، لكنهما في الفواجع رحمة واحدة. إعلانه فتح المنازل واستعادته الماضي المشترك بين البلدين، بجانبه المشرق، يهدّئ نفوساً تحتاج إلى رأفة البشر، ويضمّد شيئاً من الرواسب المسمومة المدعَّمة بوقائع التاريخ الأليمة.

تبنّت شكران مرتجى موقف زميلها ومواقف أخرى تتضامن وتحتضن. فالممثلة السورية المُحمَّلة بجذور فلسطينية، لا تتردَّد في إثبات إنسانيتها. حسابها في «إكس» حقل للأيادي الممدودة. بإعادة عرضها المنشور، يكبُر وتكتمل ألوانه. بين الألوان، كلمات الممثلة المصرية شريهان المُعلِنة حبّها للعاصمة اللبنانية. اختارت صورة مُلتَقطة من نافذة طائرة، تُظهر المدينة من فوق، حيث الأحجام تتضاءل وتبقى المحبة كبيرة. بجانب بحرها وصخرتها الأسطورية، تركت الكلمة الحلوة: «برداً وسلاماً لبيروت».

وهاني شاكر أرجأ حفلاته في أميركا لأنّ المنطقة العربية تشتعل. أطلّ بالفيديو ليعلن الخبر. فالفنان المصري أمضى صيفاً صاخباً في المدن اللبنانية، يُحيي الحفلات ويُطرب المُلوَّعين بالحبّ. ولمّا قست الأحوال، لم تهُن عليه القسوة. تحت علم لبنان على صفحته في «إنستغرام»، سأل الله اللطف بالشعب والأرض، وحصد تعليقات لا تقلّ دفئاً.

بدفء الصوت أيضاً، أهدت شيرين عبد الوهاب لبنان أغنية. قالت إنه في القلب وشدَّت على الأيادي: «مش حبكي يا ناس ولا أبني ضريح/ ولا حاستسلم للأحزان». تعلم أنّ رفض اليأس قدرٌ لبناني، فغنَّت لهذا القدر. في مصر، فنانون من وفاء، يُغلّبون الفكرة الراسخة عن لبنان وإنسانه: بلد فرح وحياة. أرض إرادة وولادة من العدم.

وفيفي عبده تُساند. تساءلت ماذا يُصنَّف هذا «الابتلاء»، ودعت الله حلول النجاة: «ربنا معاكو، إنتو جدعان»؛ شاءت رفع المعنويات. وصفت الشعب اللبناني بـ«الجميل والطيب»، وكرّرت المناجاة: «يا رب تبعد الابتلاء ده عننا». أحياناً، تُرفَع أيدٍ إلى السماء وهي في موضعها. تُرفَع لمجرّد سماعها أحداً يُناجي. تُرفَع بأعصاب القلب.

الأحبة كثر. هم أفئدة ورحمة. في لبنان، غاب بعضٌ ومُستَغربٌ غيابه. لكنّ الحاضرين في حساباتهم ومع الناس في تشرّدهم الأليم، هم العوض. ماغي بو غصن، كارول سماحة، سيرين عبد النور، رابعة الزيات، ورد الخال... وأسماء تشبه الجسور الممدودة. يُعذر الذهن الشارد إن أغفل مَن وَجَب ذكره تقديراً لجهده. وإنما الصورة جلية لمَن يرفض أن تقتصر رؤيته على الزوايا الضيّقة.

لمّا غنّى جوزيف عطية «لبنان رح يرجع والحق ما بموت»، صدحت حناجر المصدّقين بأنّ الأوطان لا تُقتَل. بتلك الأنشودة البديعة، تحوّل الأمل فراشات عصيّة على الانطفاء؛ تتحلّى بقوة التحليق بعد هزيمة شرنقتها. أمام النزف الوطني والإقامة القاسية في العراء، اختار إلغاء حفله في المغرب. إسكات الأنغام فوق الأرض اليباب يُقرأ صلاةً. كما في أغنية «صلّوا لبيروت» بصوته.

ماجدة الرومي صوت لبنان الهادر في عواصفه وسطوع الشمس. أضاءت شمعة وتساءلت، هل العدالة بهدم البيوت فوق الرؤوس؟ ضمَّت حزنها للأحزان الكبيرة، وتركت للدموع أن تلتقي على مصير واحد: «ارحمنا يا رب ودعنا نرَ لبنان الحلم، سيداً حراً مستقلاً، مُصانَة حدوده».

حسين الجسمي ممَّن يحملون لبنان في أغلى ما يملك: قلبه وحنجرته. قلّما يفوته الغناء لفيروز في حفلاته. أمام الهول، اختصر بما يعني كل شيء: «بحبك». وترك للصوت أن يُكمل ما نردّده في عزّ عتماتنا: «كيف ما كنت بحبك، بجنونك بحبك».