لماذا لم تردع الأحكام المشدّدة مخالفات «البلوغرز» المتكررة في مصر؟

حبس «سوزي الأردنية» سنتين

وزارة الداخلية المصرية (فيسبوك)
وزارة الداخلية المصرية (فيسبوك)
TT
20

لماذا لم تردع الأحكام المشدّدة مخالفات «البلوغرز» المتكررة في مصر؟

وزارة الداخلية المصرية (فيسبوك)
وزارة الداخلية المصرية (فيسبوك)

تكرّرت الأحكام القضائية الصادرة بحبس «بلوغرز» مصريين بعد اتهامهم وإدانتهم بـ«خدش الحياء العام»، و«التعدي على القيم الأسرية»، و«التحريض على الفسق والفجور»، إلا أن هذه الأحكام لم تردع آخرين عن ارتكاب المخالفات.

وكان أحدث الأحكام الصادرة بهذا الصدد، الثلاثاء، هو حبس البلوغر الشهيرة بـ«سوزي الأردنية» سنتين، وتغريمها 300 ألف جنيه (الدولار يساوي 48.35 جنيه مصري)، وكفالة 100 ألف جنيه، وفق وسائل إعلام محلية.

وسبق أن تعرضت البلوغر هدير عبد الرازق للحبس في مايو (أيار) الماضي على ذمة التحقيق، في اتهامها بـ«نشر فيديوهات تحرّض على الفسق والفجور».

وفي وقت سابق حصلت عدة فتيات استخدمن «السوشيال ميديا» في نشر محتوى «غير لائق» على أحكام بالحبس عامين، وغرامة 300 ألف جنيه، من بينهن مودة الأدهم وحنين حسام، بتهم متعددة، منها «التعدي على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري».

بينما ادّعت سيدة تم التحقيق معها في قضية مماثلة تُدعى «أم زياد»، وجود ممارسات غير لائقة بين أبنائها، بهدف الحصول أموال عبر «التيك توك» نظير عدد المشاهدات، وهو السبب نفسه الذي يدّعيه أكثر من «بلوغر» خضع للمحاكمة.

ويرى الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، أن «العقوبات القانونية لهؤلاء البلوغرز بسيطة وغير مغلّظة، ومن ثم تُعدّ غير رادعة»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حين تم وضع قانون الاتصالات لم يتضمن هذه الجزئيات، فيحاكمون بتُهم خدش الحياء، كأنهم اثنان في الشارع يرتكبان ما يخدش الحياء، في حين أن هذه الوسائل يشاهدها ملايين، لذلك من المهم إصدار قوانين أخرى مناسبة ورادعة تناسب الجرم الذي يرتكبه هؤلاء».

ودعا قناوي إلى «رقابة مجتمعية على هذه الوسائل، بالإضافة لرقابة الجهات الشرطية والنيابة العامة، بوضع أرقام للتبليغ عن المخالفات التي يرتكبها الآلاف، فما تم ضبطه ومحاكمته أعداد قليلة جداً بالنسبة للظاهرة الممتدة عبر (التيك توك)، فالكل يريد أن يكسب أموالاً ويتصدر التريند، حتى على حساب الأعراض والأخلاق»، وذكر أن «الحل الأمثل لهذه الأزمة والرادع فعلاً لن يكون سوى بإغلاق (التيك توك)، فنِسب الطلاق ومظاهر الانفلات والتفكك المجتمعي أصبحت كبيرة جداً، بسبب أسرار البيوت والمخالفات الكثيرة المنتشرة على (السوشيال ميديا)».

البلوغر المعروفة باسم سوزي الأردنية في إحدى لقطاتها (فيسبوك)
البلوغر المعروفة باسم سوزي الأردنية في إحدى لقطاتها (فيسبوك)

وبرغم الأحكام المتكررة ضد «البلوغرز» في مصر، شهدت الأيام الأخيرة عدة وقائع للقبض على «بلوغرز» تحت أسماء مستعارة، مثل «كائن النوتيلا» و«صوفيا لورين»، بالإضافة إلى ما أعلنته وزارة الداخلية المصرية من ضبط سيدة بمحافظة الجيزة قامت بتصوير مقاطع فيديو خادشة للحياء العام، وبثّها عبر تطبيق «تيك توك»؛ لزيادة نسبة المشاهدة وتحقيق أرباح مادية.

وأعلنت شركة «Google»، الأربعاء، أنها ستغيّر عملة العائدات إلى الجنيه المصري، بدلًا من الدولار الأميركي، وذلك بدءاً من 1 مايو (أيار) 2025.

وقالت «Google» في بيان «إنها ستبدأ بإرسال الدفعات للمقيمين في مصر بالعملة المحلية، أي بالجنيه المصري، ولن تدفع العائدات بالدولار الأميركي في مصر بعد الآن، اعتباراً من 1 مايو 2025».

وعدّ المختص في الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور عثمان فكري، أن «إغراء المال أكبر من تهديد الحبس»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «الحاجة إلى ضوابط واضحة في استخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام، تحدّد بدقة ما يعاقب عليه القانون من عدمه».

وأضاف: «البعض يندفع لارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون تحت إغراء المال، حتى أننا بِتْنا نجد ممثّلين وشخصيات معروفة دخلوا إلى هذا المجال، وهو ما يُغري آخرين بالتجربة، ومع جني المال وتأخّر العقاب، يندفع الكثيرون نحو ارتكاب أفعال تقع تحت طائلة القانون».

وتنص مواد القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات على عقوبات تصل إلى «الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعمّد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه».

ويتضمن القانون نفسه عقوبات أخرى مشابهة ضد «كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعاً أو حساباً خاصاً على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقَب عليها قانوناً».

ويعتقد المختص في «السوشيال ميديا» خالد البرماوي أن «الأحكام لن تكون رادعة؛ لأن الجريمة ليست واضحة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «المسألة تختلف بحسب شهرة الأشخاص، فمن الممكن القبض على فتاة (بلوغر) وفق ما يطلقون عليه جرائم مخلّة، لكن في الوقت نفسه هناك شباب كثيرون يرتكبون أفعالاً مشابهة لكن لا توجد لهم شعبية، ومن ثم لا يعاقَبون».

وأوضح أن «هذه الأمور لا تتضمن جرائم واضحة، مثل المخدرات أو تسهيل الدعارة أو السب والقذف، فالجرائم الأخلاقية بشكل عام هي جرائم نسبية بحسب الثقافة والوعي، فالبعض قد يرى الرقص أو التمايل أو الأغاني إخلالاً بالقيم، وبشكل شخصي أنتقد هذه الممارسات، لكن تظل الاتهامات التي يتعرض لها البلوغرز فضفاضة، لذلك فهي – في رأيي – غير رادعة»، وفق تعبيره.


مقالات ذات صلة

مصر: إغلاق فروع لشركة حلويات «شهيرة» يثير تساؤلات

يوميات الشرق إغلاق فروع لمحلات حلويات بالجيزة (محافظة الجيزة)

مصر: إغلاق فروع لشركة حلويات «شهيرة» يثير تساؤلات

أثار إغلاق عدد من الفروع التابعة لشركة حلويات شهيرة في مصر حالة من الجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأربعاء، وسط تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار

رشا أحمد (القاهرة )
الولايات المتحدة​ المنتج السينمائي السابق الواسع النفوذ هارفي واينستين يظهر داخل قاعة محكمة (أ.ب)

بعد حملة «مي تو»... انطلاق إعادة محاكمة المنتج واينستين في نيويورك

عاد المنتج السينمائي السابق الواسع النفوذ هارفي واينستين الذي شكّلت شهادات نساء ضده عام 2017 شرارة الانطلاق لحركة «مي تو» في العالم، إلى قفص الاتهام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق علَّ الصرخة تصل (أ.ب)

قرود وغوريلا وفهود «ورقية» من أفريقيا إلى القطب الشمالي

هذه الحيوانات ستُجبر على مغادرة موائلها الطبيعية بسبب الاحتباس الحراري، وستنزح نحو الشمال، حيث تمرُّ عبر مدن عدّة في طريقها وتنضم إليها حيوانات أخرى.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
شمال افريقيا شهدت المواقف إجراءات تفتيش مكثفة (محافظة أسوان)

زيادة أسعار الوقود تفاقم تكلفة المواصلات في مصر

في رحلتها الأسبوعية من المنصورة في دلتا مصر إلى العاصمة القاهرة، تستقل هالة مصطفى، السيارة الأجرة بسعر 60 جنيها قبل الزيادة الأخيرة.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق حادث السيرك في طنطا بدلتا مصر (فيسبوك)

دعوات برلمانية وإعلامية مصرية لمنع مشاركة «الوحوش» في عروض السيرك

تواصلت تداعيات حادث السيرك في مدينة طنطا (دلتا مصر) الذي شهد هجوم نمر على مساعد للمدرب مما أدى إلى بتر ذراعه.

محمد الكفراوي (القاهرة )

فكّ رموز رسائل سرية على مسلة الأقصر في باريس

مسلة الأقصر في ساحة الكونكورد بوسط باريس (أرشيفية - أ.ب)
مسلة الأقصر في ساحة الكونكورد بوسط باريس (أرشيفية - أ.ب)
TT
20

فكّ رموز رسائل سرية على مسلة الأقصر في باريس

مسلة الأقصر في ساحة الكونكورد بوسط باريس (أرشيفية - أ.ب)
مسلة الأقصر في ساحة الكونكورد بوسط باريس (أرشيفية - أ.ب)

كشف عالم مصريات فرنسي ما وصفه بسبع رسائل سرية في النقوش الهيروغليفية على مسلة الأقصر، ذلك النصب التذكاري المصري الذي يعود تاريخه إلى 3000 عام ويقبع في ساحة الكونكورد بوسط باريس.

وفكّ جان غيوم أوليت-بيليتييه، المتخصص في علم التشفير الهيروغليفي بجامعة السوربون، رموز نقوش وصور على صخرة الغرانيت الأحمر التي يبلغ ارتفاعها 22.5 متر، والتي يمكن قراءتها معاً كرسائل تُبرز قوة الملك رمسيس الثاني.

وقال الباحث البالغ من العمر 37 عاماً إن إحدى هذه الرسائل، الموجودة على الواجهة الغربية، والمصممة خصيصاً ليراها الأرستقراطيون الذين يمرون على متن قوارب في نهر النيل، هي «رسالة دعائية حقيقية حول السيادة المطلقة لرمسيس»، حسبما نقلت صحيفة «ذا تايمز» البريطانية. وكانت المسلة واحدة من مسلتين رغب نابليون بونابرت في اقتنائهما عام 1798 بعد غزوه مصر، وقد أهداها محمد علي باشا إلى فرنسا عام 1830.

مسلة الأقصر في ساحة الكونكورد بوسط باريس (موقع أركيولوجي ترافيل)
مسلة الأقصر في ساحة الكونكورد بوسط باريس (موقع أركيولوجي ترافيل)

ونُصبت المسلة عام 1836 في الساحة التي كانت مقر المقصلة الرئيسية خلال الثورة الفرنسية. تُرجمت الهيروغليفية المصرية - وهي صور ورموز منحوتة تُمثل أساس أنظمة الكتابة الحديثة - في عشرينات القرن التاسع عشر بالاستفادة من الإنجازات التي حققها جان فرنسوا شامبليون، عالم المصريات، في عمله على فك رموز حجر رشيد - لوحة اللغتين اليونانية والمصرية التي استولى عليها البريطانيون من الفرنسيين في مصر عام 1801 ونُقلت إلى المتحف البريطاني عام 1802.

ومع ذلك، اعتقد أوليت-بيليتييه بوجود رسائل خفية في النقوش، وبدأ بفحصها بدقة في جولاته اليومية حول المسلة خلال فترة الجائحة. وقد مكّنته السقالات التي وُضعت على النصب التذكاري أثناء أعمال التجديد قبل دورة الألعاب الأولمبية في باريس عام 2024 من دراسة أدلة حيوية قرب قمته. وقال إنه من خلال تجميع العلامات والأشكال، اكتشف ألغازاً وتلاعباً بالألفاظ، مثل قراءة الرموز أفقياً بدلاً من الاتجاه الرأسي للنقوش الهيروغليفية. وصرح لمجلة «أفنير» الفرنسية: «فهمت أن المسلة تحتوي على العديد من الرموز الهيروغليفية المشفرة». وأردف: «ولم يكن بإمكان سوى النبلاء المثقفين فهم الرسائل الخفية».

وكان الهدف من هذه الشفرة هو تعزيز الرسالة القائلة إن رمسيس الثاني قد اختارته الآلهة، وإنه من سلالة إلهية، وإنه سليل مباشر للإلهين آمون رع وماعت، وفقاً لأوليت-بيليتييه.

النقوش على الجوانب الأربعة لمسلة الأقصر في باريس (موقع أركيولوجي ترافيل)
النقوش على الجوانب الأربعة لمسلة الأقصر في باريس (موقع أركيولوجي ترافيل)

ويعود تاريخ مسلة الأقصر إلى نحو 1300 قبل الميلاد، وهي واحدة من مسلّتين نُحتتا في عهد رمسيس الثاني لتقفا على جانبَي بوابة معبد الأقصر. وتم نحتهما من قطعة واحدة من الغرانيت استُخرجت من أسوان، وجُلبت عبر النيل على متن زوارق. أُهديت المسلة اليسرى أيضاً إلى فرنسا، لكنها لا تزال في مكانها الأصلي. وكان الحاكم العثماني ينوي إهداءها لبريطانيا، لكن دبلوماسياً فرنسياً أقنعه بتفضيل فرنسا.

وستُنشر نتائج أوليت-بيليتييه التي أوردتها وسائل الإعلام الفرنسية، بالتفصيل في مجلة «ENiM» (مصر النيل والبحر الأبيض المتوسط)، وهي مجلة فرنسية متخصصة في علم المصريات، مقرها مونبلييه.