جدّدت واقعة «سحر اللاعب مؤمن زكريا»، لاعب النادي الأهلي المصري السابق، وما أعلنته الجهات الأمنية من قيام عامل مدافن باختلاقها بهدف تحقيق أعلى نسبة مشاهدة للتربح مادياً، الحديث حول «هوس التريند»، خصوصاً مع وقوع حوادث مماثلة في وقت سابق.
كان الحديث عن وجود «سحر» للاعب مؤمن زكريا، الذي يعاني من مرض نادر، قد شغل المصريين خلال الساعات الماضية، بعد قيام أحد اللحادين (يعمل في مجال دفن الموتى داخل المقابر) ببث مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، يزعم فيه أنه عثر على «عمل سفلي» ضد اللاعب. إلا أن وزارة الداخلية أعلنت في بيان، الأحد، أن «التُّربي - اللحاد» اعترف باختلاقه الواقعة بالاشتراك مع نجله وشخصين آخرين وسيدة، عبر إحضار صورة للاعب لعلمهم بتعرُّضه لوعكة صحية، وكتابة طلاسم وعبارات غير مفهومة عليها، كما أحضروا عروسة من القماش بها مجموعة من الدبابيس، وقاموا بدفن الصورة والطلاسم أمام مقبرة خاصة بعائلة اللاعب السابق مجدى عبد الغني، لإلصاق الواقعة به، لكونهما شخصيات رياضية مشهورة، وادعائهم بعثورهم عليها حال قيامهم بزراعة شجرة صبّار أمام المقبرة.
كما اعترف اللحاد، وفق البيان، بتصوير مقطع الفيديو المتداول ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي «بهدف تحقيق أعلى نسبة مشاهدة للتربح مادياً». وأشار البيان إلى أن المتهمين قاموا بتسليم اللاعب الصورة والعروسة تحت زعم كونها أعمال سحر، الذي قام بدوره بالتخلص منها، وأوضحت الوزارة أنه بمواجهة باقي المتهمين أيّدوا ذلك.
فى إطار جهود أجهزة وزارة الداخلية لكشف حقيقة تداول مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الإجتماعى تناقلته عدد من القنوات ، متضمناً عثور أحد الأشخاص على أعمال سحر أثناء قيامه بزراعة صبار أمام مقبرة خاصة بعائلة اللاعب/ مجدى عبدالغنى - الكائنة بدائرة قسم شرطة #الخليفة #بالقاهرة ، عبارة عن... pic.twitter.com/xQgaoP7c0L
— وزارة الداخلية (@moiegy) September 29, 2024
وأثارت الواقعة تفاعلاً واسعاً خصوصاً مع كشف الحقيقة، وأعادت الحديث حول الهوس بتحقيق نسب المشاهدة للتربُّح، خصوصاً أن مصر شهدت وقائع مماثلة خلال الأشهر الماضية؛ لتصدر «التريند»، منها انتشار مقطع فيديو «اختطاف عريس» يوم زفافه داخل سيارة بمحافظة الدقهلية، حيث ترجّل منها شخص ليخطف العريس ويفر هارباً، ثم تبيّن اتفاق القائم على النشر (العريس الظاهر بمقطع الفيديو) مع زوجته وشقيقته، و3 أشخاص، بتصوير مقطع الفيديو المشار إليه بشكل تمثيلي لتحقيق نسبة مشاهدات عالية والحصول على أرباح مادية.
يستغلوا مرض الراجل عشان يتشهروا و يكسبواأعوذ بالله من بنى أدم https://t.co/yp5t0SuWtV
— Morticia ♒ (@nosatoof) September 29, 2024
وقبل أيام، أثار مقطع فيديو متداول على نطاق واسع في مصر موجة من الجدل، بعد أن ظهر فيه عروسان من محافظة المنيا (صعيد البلاد) وهما يمارسان رياضة الملاكمة خلال حفل زفافهما؛ حيث ظهرا في الفيديو وهما يرتديان قفازات الملاكمة ويتبادلان اللكمات داخل العرس الذي تحوّل إلى مباراة ملاكمة حقيقية.
وشهد العام الماضي امتداد هوس «التريند» إلى زعم «بلوغر» تُدعى «أم زياد» في مقطع فيديو أن «نجلها أقام علاقة جنسية مع شقيقته»، وبعد التحقيق معها تبيّن زيف الواقعة، لتوجّه لها سلطات التحقيق ارتكاب جرائم الاتّجار بالبشر باستغلال أطفالها وإظهارهم في مقاطع مرئية ونشرها على حساباتها بقصد الحصول على ربحٍ مادي.
ضيعوا مستقبلهم علشان نسب المشاهده. https://t.co/L9wiCSaQgh
— حارس مصر (السلم و التعبان) (@guardsofegypt) September 29, 2024
عن تلك الوقائع، والسعي نحو «التريند»، يعلّق الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي في مصر، قائلاً إن «وجود الهاتف المحمول في يد كل الناس، وانتشار منصات التواصل الاجتماعي لا سيما تطبيق (تيك توك)، الذي أتاح التربّح من المشاهدات، جعل كثيرين يسعون إلى ركوب موجة تحقيق الثراء، وفي سبيل ذلك يمكن التنازل عن أي شيء لأجل جمع المال».
وأضاف فرويز لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الاتجاه يأتي مدفوعاً بزيادة الانحدار في الأخلاق، ووجود انهيار قيمي وسلوكي، وهو الأمر الذي يجعلنا نصفه بزمن المسخ الثقافي».
ويطالب فرويز مع انتشار المحتوى غير الأخلاقي والمفبرك بـ«اتخاذ قرارات حاسمة مع تطبيق (تيك توك) في مصر، تصل إلى إمكانية منعه، لافتاً إلى أنه «إذا تحايل بعض المستخدمين على ذلك المنع والدخول على التطبيق، فلن يكونوا مؤثرين مع قلة عددهم وقتها، مقارنة بالعدد الحالي».
وتبيّن أرقام شركة «بايت دانس»، مالكة «تيك توك»، أن التطبيق كان لديه 32.94 مليون مستخدم تبلغ أعمارهم 18 عاماً أو أكثر في مصر في أوائل عام 2024، حسب وسائل إعلام محلية.
من جانبه، قال الدكتور رامي عطا، أستاذ الصحافة بالمعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق، إن «هوس التريند يأتي من بين عادات جديدة وممارسات إعلامية غريبة فرضتها شبكات التواصل الاجتماعي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الظاهرة قديمة ترتبط بالشائعات والأخبار الكاذبة أو الزائفة، كما أنها ترتبط بغياب المسؤولية الاجتماعية، وظهور اتجاه البحث عن تكوين ثروة بطريقة سهلة، فأصبح اللجوء إلى تقديم المحتوى وظيفة سهلة لجمع المال وتكوين ثروة».
ويرى عطا أن «تقديم محتوى زائف وافتعال الأحداث سعياً وراء تحقيق نسب مشاهدات مرتفعة، هو تطور لجانب سلبي من ظاهرة (المواطن الصحافي) التي لها إيجابيات كثيرة، والتي ظهرت قبل عدة سنوات بفعل انتشار منصات التواصل والتطور التكنولوجي، وهذا الجانب نجده يتمثل في البحث عن الصيت والشهرة والنجومية، وزيادة عدد المتابعين وزيادة المرور على المواد المنشورة لتحقيق (التريند)، وهو ما قد يتطور لاحقاً عبر محتوى يتطرق إلى أمور لا أخلاقية وغير مسؤولة».
وهو الأمر الذي يتفق معه استشاري الطب النفسي، مبيناً أن «الحل أيضاً لمواجهة هوس (التريند) الزائف يكون بتطبيق وتفعيل القوانين»، محذراً من أن «عدم المواجهة يمكنها أن تدفع الأمور إلى أسوأ مما نتخيل، بوجود محتوى إباحي، وترويج للانحرافات السلوكية والجنسية»، على حد وصفه.