معرض طرق الحرير... أوسع من طريق وأكثر من الحرير

يقيمه المتحف البريطاني في لندن ويتناول تبادل البضائع والثقافات والأفكار عبر التاريخ

مصحف بالخط الكوفي من العراق أو إيران في الفترة ما بين 1000 و1100 ميلادياً (المكتبة البريطانية)
مصحف بالخط الكوفي من العراق أو إيران في الفترة ما بين 1000 و1100 ميلادياً (المكتبة البريطانية)
TT

معرض طرق الحرير... أوسع من طريق وأكثر من الحرير

مصحف بالخط الكوفي من العراق أو إيران في الفترة ما بين 1000 و1100 ميلادياً (المكتبة البريطانية)
مصحف بالخط الكوفي من العراق أو إيران في الفترة ما بين 1000 و1100 ميلادياً (المكتبة البريطانية)

«ماذا تتخيَّل عندما تفكر في طريق الحرير؟ توابل، قوافل الجمال التي تعبر الكثبان الصحراوية ورحلات التجار حاملة البضائع النفيسة بين الشرق والغرب عبر طريق واحد أُطلق عليه اسم (طريق الحرير)؟ الواقع يحمل أكثر من ذلك بكثير». جملة تفتتح المعرض الضخم الذي يقيمه المتحف البريطاني بلندن، ويحمل عنوان «طرق الحرير»، ليحاول توسيع المعنى المتعارف لطرق التجارة المتشابكة التي كانت تسلكها القوافل والسفن، وتمرّ عبر جنوب آسيا. يقدم المعرض رؤية أوسع لطرق التجارة والتبادل ما بين الشرق والغرب، كثير من الطرق المتشعبة والمتشابكة تتضمن الرحلات بين المراكز التجارية في الصين ودول قريبة، مثل اليابان وكوريا، إلى بلاد ما بين النهرين وأنطاطية وسوريا وغيرها من الدول. نأتي إلى الحرير، ونجد أن البضائع والتبادلات تضمنت ما هو أكثر من الحرير الذي كان إحدى البضائع التي نقلت عبر طرق التجارة قديماً التي كانت تتكون من شبكات متداخلة تربط المجتمعات عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا، من اليابان إلى بريطانيا، ومن الدول الإسكندنافية إلى مدغشقر.

مجسم حجري لأسد يعود لعهد الدولة الأموية في معرض «طرق الحرير» (الشرق الأوسط)

المعرض الجديد، الطموح في نطاقه والواسع في تغطيته الجغرافية، يمكن اعتباره مختلفاً في تركيزه على الطريقة التي شكلت الرحلات الملحمية للأشخاص والأشياء والأفكار على طول طرق الحرير. يتبنى المعرض فكرة أن طرق الحرير ظلت مُستخدَمة لآلاف السنين، ولكن التركيز انصب على فترة حاسمة في تاريخها، من نحو 500 - 1000 بعد الميلاد، وهي فترة شهدت قفزات كبيرة في الاتصال بين الدول والشعوب عبر القارات. يتحدى المعرض المفاهيم السائدة، ويفتح خزائن التاريخ ليثبت بالقطع النادرة والمنسوجات والمخطوطات علاقات متشابكة بين دول العالم القديم.

بداية الرحلة

تنطلق رحلة الزائر من خزانة وحيدة تضم تمثالاً صغيراً لبوذا، على بطاقة التعريف المرفقة نقرأ أن التمثال صُنِع في باكستان، وتم العثور عليه في مكان يبعد 5000 كلم في قرية بالسويد. التمثال هنا مقدمة للموضوع المثير، ومثال لما سنجده في باقي القاعات.

مجسم لامرأة تعزف العود تعود لعهد سلالة تانغ الصينية (متحف أشموليان بجامعة أكسفورد)

يبدأ المعرض من اليابان وكوريا وعلاقاتهما مع الصين خلال القرن السابع، وحتى القرن التاسع ميلادي، يتحدث هذا القسم عن انتقال الديانات والأفكار والبضائع، يستخدم لضرب الأمثلة القطع المختلفة التي تتراوح من المنحوتات الضخمة حتى أصغر القطع الزجاجية المتكسرة التي عثر عليها في اليابان في القرن السادس، وتعود أصولها لمنطقة الشرق الأوسط. في خزانة أخرى نجد كأساً من الزجاج باللون الأزرق عُثِر عليه في قبر أحد النبلاء في كوريا، ونعرف أنه صُنِع في مصر. وبحسب وصف بطاقة العرض، فإن وجود قطع من الزجاج التي تعود أصولها لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط في المقابر بأماكن بعيدة، مثل كوريا، إنما يعكس أهمية تلك القطع بوصفها انعكاسات للثراء والمكانة في العالم القديم.

الحرير أهميته وقيمته

نأتي للحرير بطل العنوان والسلعة المنشودة وحكايات استخداماته المختلفة، لا يكتفي العرض بالحديث عن الحقائق، وإنما أيضاً يقدم الأمثلة عليها، وهو ما نجده في إحدى خزانات العرض، حيث نرى لفافة من الحرير عثر عليها في شمال غربي الصين، ويبدو عليها آثار الزمن، حيث تحولت لقطعة متماسكة مثل لوح من الحجر. يعتقد الخبراء أن سبب وجودها في هذه البقعة كان، بسبب أنها استخدمت في وقت ما لدفع رسوم لجنود إحدى الحاميات في المنطقة.

تأخذنا هذه اللفافة العتيقة لعالم كان فيه الحرير يتربع على عرش التجارة بوصفه سلعة ثمينة، وأيضاً عملة مالية خاصة في فترة حكم سلالة تانغ بالصين، حيث كان المواطنون يستخدمون الحرير لدفع ضرائبهم وللشراء، وهنا نرى مثلاً لذلك متجسداً في تمثال لحصان يعود لبلاط سلالة تانغ التي كانت تستورد الجياد من أواسط آسيا، وتدفع ثمنها بالحرير.

تمثال لحصان عثر عليه في لولان شمال غربي الصين (الشرق الأوسط)

بما أن التجارة هي صلب الموضوع فنرى هنا أيضاً إشارات لتجارة البخور والمسك وأهميتهم في العالم الإسلامي. هنا يضيف المعرض لتجربة الزائر عبر وضع صناديق بها ثقوب بغطاء يستطيع الزائر رفعه ليستنشق رائحة البخور والمسك، وهي لمسة تضيف حاسة جديدة للاستمتاع بالعرض.

العالم الإسلامي

يصل المعرض إلى قسم حول العالم الإسلامي، وهنا نجد معروضات متنوعة تعود لفترات مختلفة من التاريخ الإسلامي. يشير العرض عبر القطع وعبر الكتابة إلى أن التبادلات والصلات بين بلدان الشرق والغرب حملت إلى جانب البضائع أفكاراً وثقافات وأديان، وهنا يستكشف انتشار الدين الإسلامي. نرى في العرض عدداً من المصاحف الأثرية، ومن الطبيعي أن نجد الإشارة إلى الانتقال للورق في كتابة المصاحف. الورق الذي طورت صناعته في الصين انتقل عبر طرق الحرير لدول العالم الإسلامي، واستخدم بديلاً لرقع الجلد، وهو ما سمح بتطوير أساليب الكتابة والزخارف الجمالية.

خريطة العالم للإدريسي (مكتبة بودليان بجامعة أكسفورد)

إلى جانب المصاحف، نرى أمثلة أخرى على التبادل مع دول العالم الإسلامي. نرى أيضاً نسخاً من كتب علمية وجغرافية مثل كتاب «النجوم الثابتة» لعالم الفلك الفارسي عبد الرحمن الصوفي يعود لعام 969، وأيضاً خريطة الإدريسي التي رسمها لأمر ملك صقلية روجر الثاني. في رحلتنا من خلال التشابكات والعلاقات المتبادلة نرى القطع على نحو جديد فكل قطعة هنا لها قصة وأصل ومكان نشأت فيه، ومكان آخر انتقلت إليه، وأشخاص امتلكوها، وليسوا بالضرورة من مكان واحد؛ هذا ما يُحدِثه التواصل الإنساني الذي يلغي الحدود والجغرافيا. من الأمثلة في القاعات التالية، وفي قسم مخصص لمدينة القدس، قوارير من الزجاج صغيرة الحجم، نقرأ أن الزجاجات تنقلت مع الحجاج، ومع زوار مدينة القدس من المسيحيين والمسلمين، تحمل إشارات ونقوشاً تدل على صاحبها. من القطع المؤثرة هنا لوح من الرخام منقوش عليه توجيه ببناء الطريق ما بين القدس ومدينة الرملة لأمر الخليفة عبد الملك. ونعرف أن القطعة كانت موضوعة على بداية الطريق.

لوح من الرخام منقوش عليه أمر بناء الطريق ما بين القدس ومدينة الرملة من الخليفة عبد الملك (الشرق الأوسط)

يضم المعرض، الذي قُسِّم لخمس مناطق جغرافية تأخذ الزوار في رحلتهم الخاصة على طرق الحرير، أكثر من 300 قطعة (بما في ذلك القروض من 29 مقرضاً من مؤسسات وطنية ودولية)؛ من العقيق الهندي الموجود في سوفولك إلى الزجاج الإيراني المكتشَف في اليابان، تكشف هذه القطع عن النطاق المذهل لهذه الشبكات. تُعرَض بعض هذه القطع للمرة الأولى في بريطانيا، ويرجع الفضل في ذلك للتبادل بين المؤسسات الثقافية، وهو تبادل خرج من رحم طرق الحرير ليستقر في أرجاء العالم الحديث، ليربط بين الناس في جميع أنحاء العالم. مثال لذلك يقدم العرض أقدم مجموعة من قطع الشطرنج التي تم العثور عليها على الإطلاق، ولوحة جدارية ضخمة بطول ستة أمتار من «قاعة السفراء» في أفراسياب (سمرقند) بأوزبكستان. تستحضر اللوحة الطابع العالمي لأهل آسيا الوسطى الذين كانوا من كبار التجار خلال هذه الفترة.

جدارية «قاعة السفراء» في أفراسياب (سمرقند) بأوزبكستان (تصوير أندرية أراكليان - ACDF of Uzbekistan)

المعرض يتميز بتعدد القيمين (أمر منطقي بالنظر إلى المساحة الواسعة التي يتعامل معها) وفي أرجائه يلتقي الزوار بشخصيات تتشابك قصصها مع طرق الحرير، بما في ذلك ويليبالد، مهرب البلسم المبتكر من إنجلترا، وأميرة صينية أسطورية شاركت أسرار زراعة الحرير مع مملكتها الجديدة. المعرض يفتح أبواباً كثيرة من التاريخ الإنساني، ويثبت أن ما يجمع الناس أكثر بكثير مما يفرِّقهم، وأن الحضارات ترتكز دائماً وأبداً على التبادل والتنوُّع.

- طرق الحرير في المتحف البريطاني بلندن من 26 سبتمبر (أيلول) 2024 وحتى 23 فبراير (شباط) 2025.


مقالات ذات صلة

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق ملالا مع لوحاتها (دليل باريس للمعارض)

جدارية بعرض 60 متراً تعكس تحولات البشرية نحو العولمة

في أكبر صالات «قصر طوكيو» في باريس، تعرض حالياً وحتى 5 يناير (كانون الثاني) المقبل، جدارية استثنائية للفنانة ملالا أندريالافيدرازانا.

«الشرق الأوسط» (باريس)

تركي آل الشيخ يتوج بجائزة الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير

تركي آل الشيخ يتوج بجائزة الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير
TT

تركي آل الشيخ يتوج بجائزة الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير

تركي آل الشيخ يتوج بجائزة الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير

في إنجاز عالمي جديد، تُوّج تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير» خلال حفل جوائز «MENA Effie Awards 2024»، تقديراً لإسهاماته البارزة في دعم وتطوير قطاع الترفيه في المملكة.

وتعد جائزة «MENA Effie Awards» من أبرز الجوائز في مجال تقييم التأثير والإنجازات الإبداعية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تسلط الضوء على الشخصيات التي قدمت مساهمات استثنائية وذات تأثير عميق خلال العقد الأخير.

وقال آل الشيخ عبر حسابه الشخصي على منصة «إكس»: «هذه جائزة الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير خلال حفل (MENA Effie Awards 2024)، في موسم الرياض بدعم القائد الملهم حفظه الله وكل الشكر والتقدير لأبناء وطني الغالي على دعمهم للوصول إلى هذه الجائزة العالمية... هم سر النجاح».

ويُعد فوز آل الشيخ بالجائزة تأكيداً لمكانته بوصفه واحداً من أبرز القيادات المؤثرة عالمياً في قطاع الترفيه، وشهادة على نجاح السعودية في وضع بصمتها في المجالات الثقافية والترفيهية على الساحة الدولية.

وسبق لتركي آل الشيخ أن حقق المركز الأول في تصنيف «ESPN» العالمي، وذلك في إطار تأثيره اللافت في فنون الملاكمة وفنون القتال المختلطة ومصارعة المحترفين، بعدما جعل السعودية مكاناً يحتضن البطولات الرياضية الكبرى، ويستقطبها مثل مباريات المصارعة الحرة (WWE)، بشراكة طويلة الأمد تمتد 10 سنوات مع الاتحاد الدولي للمصارعة.

وجاء نيل آل الشيخ لجائزة الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير خلال حفل النسخة الـ15 من الجائزة الذي أُقيم ضمن فعاليات موسم الرياض 2024، وهي المرة الأولى التي يقام فيها الحفل في السعودية للجائزة التي تحتفي بالابتكار والتميز في قطاع التسويق والإعلان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وشهد قطاع الترفيه في السعودية تحت قيادة آل الشيخ، إطلاق مبادرات رائدة، منها موسم الرياض الترفيهي الأكبر عالمياً، الذي استقطب ملايين الزوار من داخل السعودية وخارجها، وحقق أرقاماً قياسية في حجم الفعاليات والعوائد الاقتصادية. كما نجح في استقطاب أبرز الأحداث الفنية والرياضية والثقافية العالمية، مما عزز من صورة السعودية بوصفها عاصمة للترفيه في المنطقة.

وبفضل الجهود التي قادها آل الشيخ في هيئة الترفيه، ساهمت الهيئة في تعزيز جودة الحياة في البلاد، بما يتماشى مع مستهدفات «رؤية السعودية 2030»، من خلال خلق بيئة ترفيهية عالمية المستوى تدعم الاقتصاد الوطني وتساهم في تحقيق التنمية المستدامة.

ومنذ أن بدأت أعمال موسم الرياض 2024 الذي أطلقه تركي آل الشيخ في أكتوبر (تشرين الأول)، شهد الموسم الترفيهي حضوراً لافتاً من الزوار من مختلف أنحاء العالم، إذ نجح في جذب نحو 6 ملايين زائر في أقل من شهر من انطلاقته، محققاً بذلك رقماً قياسياً يدلل على حجم إقبال الجمهور المحلي والدولي.

وشهد الموسم الترفيهي، تنظيم آلاف الفعاليات المتنوعة، بما في ذلك الحفلات الموسيقية، والمعارض الفنية، والعروض المسرحية، والأنشطة الترفيهية المناسبة لجميع الفئات العمرية في الوقت الذي يضم الموسم 5 مناطق رئيسية، هي: بوليفارد وورلد، والمملكة أرينا، وبوليفارد سيتي، وThe Venue، وحديقة السويدي. وتقدم كل منطقة تجربة فريدة للزوار، في الوقت الذي حقق الموسم رقماً قياسياً في أسبوعه الأول، حيث بلغ عدد الزوار مليونين، مما يعكس الشغف الكبير بالموسم الذي ينتظره الجمهور سنوياً.

ويستمر موسم الرياض 2024 في تقديم المزيد من الفعاليات والأنشطة المميزة، مع توقعات بزيادة أعداد الزوار في الأسابيع المقبلة، مما يعزز مكانة الرياض بوصفها وجهة ترفيهية عالمية.