معرض قاهري يرصد تأثير ألعاب الكومبيوتر في الفنون البصرية

لوحات محمد صبري ومنحوتاته تأرجحت بين الواقع والخيال

يُمكن لألعاب الفيديو أن تتحدّى المنطق المكاني والجاذبية (الشرق الأوسط)
يُمكن لألعاب الفيديو أن تتحدّى المنطق المكاني والجاذبية (الشرق الأوسط)
TT

معرض قاهري يرصد تأثير ألعاب الكومبيوتر في الفنون البصرية

يُمكن لألعاب الفيديو أن تتحدّى المنطق المكاني والجاذبية (الشرق الأوسط)
يُمكن لألعاب الفيديو أن تتحدّى المنطق المكاني والجاذبية (الشرق الأوسط)

تجاوز النحات المصري الشاب محمد صبري عزلة النحت عن محيطه من خلال بناء مَشاهد تصويرية سريالية تتأرجح بين عوالم الذاكرة والخيال والواقع، في أحدث معارضه بقاعة «أوبونتو» تحت عنوان «صالات انتظار جامحة»، مؤكداً في الوقت عينه، عبر لوحاته، تأثير ألعاب الفيديو في الفنون البصرية.

لقاء الفنّ والألعاب ليس جديداً تماماً؛ ومن أبرز الأمثلة احتواء لعبة «إيف»؛ وهي قرص مدمج صدرت عام 1997 للموسيقي بيترغابرييل، على بيئات افتراضية مبنية على أعمال 4 فنانين معاصرين، ولا يسع المرء أمامها سوى التساؤل عما إذا كان كثير من المشروعات الفنّية الحديثة في مجالات العمارة والتصميم والتصوير مدفوعاً بعقلية اللاعب المهووس بالمتاهات والألعاب الرقمية أم لا.

المعرض يستكشف حجم تأثير الألعاب الرقمية في الفنون البصرية (الشرق الأوسط)

وفي أعماله، يبني صبري عوالم هجينة باستخدام عناصر بصرية بقيت في لا وعيه منذ طفولته؛ إذ كان منغمساً إلى حدّ كبير في ألعاب الفيديو أسوةً بأبناء جيله. ومن خلال هذه العوالم، وباهتمام شديد بإمكانات العالم المفتوح في الرسومات الرقمية، استمر في استكشاف ذاكرته البصرية، وفحص مدى تأثير هذا العالم الرقمي في لغته الفنّية.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لوحاتي نتاجٌ طبيعي لارتباطي بممارسة ألعاب الكومبيوتر وتعلّقي بها في طفولتي ومراهقتي. حياة أجيال من الفنانين قبلي كانت مختلفة؛ ارتبطوا بالطبيعة والناس والحقول الممتدة واللعب في الهواء الطلق، وزيارة المعالم الأثرية والمتاحف، لكنّ جيلي عاش تجربة مغايرة».

ويتابع: «كان الجلوس طويلاً أمام الكومبيوتر و(البلاي ستيشن) داخل منزلي أو غيرها من الأماكن المغلقة مثل النوادي المتخصّصة في هذه الألعاب؛ ومن هنا تشكَّل ذلك المخزون البصري الخاص بي، وأصبح مصدر إلهام. والتأثّر الأكبر بكوني تشكيلياً هو العالم الافتراضي بما يحويه من تفاصيل رقمية».

عمل نحتي للفنان (الشرق الأوسط)

انعكاس هذا التأثّر يبدو واضحاً في اختياره لعناصر وشخوص أعماله، فضلاً عن المَشاهد نفسها التي يُقدّمها والتي جاءت سيريالية، مركَّبة، وغير منطقية، لا تمت إلى الواقع بصلة؛ لكنها موجودة ومُتاحة في عالمه الافتراضي.

يوضح: «لا يعنيني أن توجد في الواقع، بالنسبة إليّ، الأمر ممتع جداً أن أقدّم عوالم لا حدود للخيال فيها. صحيح أنّ الفن منذ القدم لا يعرف نهاية للخيال، لكن في العالم الافتراضي يزداد الأمر بشكل لا يُصدق».

ويرى الفنان الشاب أنه على عكس البنى المادية، يُمكن لألعاب الفيديو أن تتحدّى المنطق المكاني والجاذبية، وتُقدّم تجارب جديدة تماماً مثل الانتقال الآني، والوجود في كل مكان. يُكمل: «أكاد أجزم بأنّ سلفادور دالي لو كان على قيد الحياة لتأثّرت أعماله السيريالية بهذه الألعاب».

لا يقتصر تأثُّر الفن المعاصر بألعاب الفيديو على فنانين شباب مثل محمد صبري، لكنه شغل عدداً من النقاد والمؤسّسات والمتاحف الفنية المرموقة. على سبيل المثال، استضاف متحف «فيكتوريا وألبرت» في لندن معرضاً لافتاً بعنوان «التصميم/اللعب/التعطيل»، في محاولة لاستكشاف التأثير الثقافي والأفكار المستقبلية لهذه الوسيلة التفاعلية، مع تركيز خاص على مبتكريها.

لقاء الفنّ والألعاب ليس جديداً تماماً (الشرق الأوسط)

كما قدَّم معرض «العالم المفتوح» في متحف «أكرون للفنون» بالولايات المتحدة، أخيراً، دراسة شاملة للأعمال الفنّية المتأثّرة بألعاب الفيديو وثقافة الألعاب؛ شملت اللوحات والمنحوتات والمنسوجات والمطبوعات والرسومات والرسوم المتحرّكة، وفيها أشار فنانون مثل تيم بورتلوك، وأنغيلا واشكو، وكوري أركانجيل، وفينغ مينغبو إلى عدد من أعمالهم المستوحاة من بعض أشهر سلاسل ألعاب الفيديو وأكثرها شهرة، بما فيها «سوبر ماريو براذرز»، وأسطورة «زيلدا»، و«ذا سيمز»، و«فاينل فانتسي».

يُعقّب صبري: «الأعمال الفنّية في ألعاب الفيديو أصبحت أكثر من مجرّد ترفيه. ومع نمو صناعة الألعاب، تطوَّرت إلى أشكال فنّية معقَّدة تجمع بين سرد القصص والموسيقى والتصميم والتجارب التفاعلية».

يبني صبري عوالم هجينة باستخدام عناصر بصرية رسخت في لا وعيه (الشرق الأوسط)

ويتابع: «فيها يستكشف اللاعبون عوالم شاسعة مُصمَّمة بدقة فنّية، وغنية بعناصرها البصرية المذهلة التي تتيح الانغماس الكامل في التجربة، لا سيما أنه تُستَخدم فيها عناصر مثل لوحات الألوان، والمناظر الصوتية، والتصاميم المعمارية لخلق أجواء تنقلهم إلى واقع جديد كلياً يُلهم الملايين حول العالم».

لا يهدف صبري من خلال أعماله العشرين (منها قطعتا نحت) التي يضمّها معرضه إلى تناول أي قضايا أو مضامين عميقة أو غير عميقة، وفق قوله، إنما كل ما يعنيه هو استكشاف الأشياء والأشكال التي تُلهمه في العالم الافتراضي.

مشهد من معرض «صالات انتظار جامحة» (الشرق الأوسط)

على سبيل المثال، جعل شخوصه ترتدي بدلة مقاوِمة للحريق تحديداً؛ لأنّ شكلها في النحت والرسم استحوذ على إعجابه، و«تجذب الانتباه، تلمع، ومليئة بالانعكاسات». يقول: «الجانب البصري وحده يعنيني. إنها هذه النظرة للعالم التي تتشكّل عندما تُفرط في لعب تلك الألعاب، وتخوض مغامرة جمالية ملحمية، وإثارة مفاهيمية نابضة بالحياة».

ويؤكد أنّ «ذلك ما يفسر، بالنسبة إليّ، لماذا يلجأ عدد من الفنانين والموسيقيين الرقميين إلى ألعاب الفيديو بحثاً عن الإلهام الإبداعي؛ فلستُ وحدي مَن يفعل ذلك».


مقالات ذات صلة

الرياض تحتضن معرض «جواهر العالم»

عالم الاعمال الرياض تحتضن معرض «جواهر العالم»

الرياض تحتضن معرض «جواهر العالم»

افتُتح رسمياً معرض «جواهر العالم» في فندق ماندارين أورينتال الفيصلية بالعاصمة السعودية.

يوميات الشرق «قمصان فارغة... طفولة ضائعة» (جامعة بريستول)

القميص المدرسي يتحوَّل صرخة فنّية في بريستول

يُقام معرض فنّي يضم قمصاناً مدرسية تحمل رسائل مناهضة لجرائم السكاكين، وذلك ضمن فعاليات أسبوع التوعية بجرائم السكاكين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة قطع تاريخية من حقبة الآرت ديكو ولا تزال تُلهم لحد الآن (خاص)

«GemGenève»... من التهميش إلى العالمية

رغم أنها صُممت في حقب قديمة بتقنيات تقليدية فإن الزمن لم ينل من بريقها، بل بالعكس لا تزال تُلهم الحاضر والمستقبل.

جميلة حلفيشي (جنيف)
يوميات الشرق نبيل نحاس (تصوير: فرزاد أورانغ)

لبنان يشارك في «بينالي البندقية 2026» مع الفنان نبيل نحّاس

يمثّل الفنانُ اللبناني - الأميركي نبيل نحّاس لبنانَ في الدورة الـ61 من «بينالي البندقية 2026»، بإشراف ندى غندور، في مشاركة ثالثة على التوالي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق يُحمِّل الأشجار رمزية ويمنحها صوتاً لتقول ما يشاء قوله (محمد شرف)

محمد شرف في «ذكريات أشجار بعلبك»: الفنّ ضد الأسمنت واليباس

في لوحات محمد شرف، لا تنمو الأشجار فقط على الوسيط الفنّي، فهي تمتدّ مثل جذور في ضمير المكان، كأنها تحاول أن تستعيد هواءها، وأن تنهض من ركام الذاكرة.

فاطمة عبد الله (بيروت)

للمرة الأولى... اكتشاف فيروس غرب النيل في بعوض المملكة المتحدة

تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ (رويترز)
تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ (رويترز)
TT

للمرة الأولى... اكتشاف فيروس غرب النيل في بعوض المملكة المتحدة

تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ (رويترز)
تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ (رويترز)

أفادت وكالة الأمن الصحي البريطانية باكتشاف فيروس غرب النيل لأول مرة، في المادة الوراثية للبعوض الذي جُمِع في بريطانيا، وفق تقرير لصحيفة «الغارديان».

وقيّدت الوكالة خطر الفيروس على عامة الناس بأنه «منخفض جداً»، وأكدت عدم وجود دليل على انتقاله إلى البشر أو توطنه.

يأتي اكتشاف الفيروس في البعوض الذي جُمِع في نوتنغهامشاير عقب تحذيرات من أن الحدود الجغرافية للأمراض الخطيرة المنقولة بالنواقل، بما في ذلك فيروس غرب النيل وحمى الضنك والحمى الصفراء، تتجه شمالاً بثبات بسبب تغير المناخ.

وقال الدكتور أران فولي، عالم الفيروسات المنقولة بالأشجار في وكالة صحة الحيوان والنبات (APHA) ورئيس برنامج المراقبة الذي أجرى اختبارات على البعوض: «يُعد اكتشاف فيروس غرب النيل في المملكة المتحدة جزءاً من مشهد أوسع نطاقاً متغيراً؛ حيث تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ».

ويُوجد فيروس غرب النيل عادة في الطيور، وينتقل عادة عبر بعوض الزاعجة المصرية، الذي يُفضل لدغ الطيور، ولكنه في حالات نادرة يُمكن أن ينقل الفيروس إلى البشر أو الخيول.

ومعظم حالات العدوى البشرية لا تظهر عليها أعراض؛ حيث يُصاب واحد من كل 5 أشخاص تقريباً بالحمى والصداع وآلام الجسم وأعراض أخرى تشبه أعراض الإنفلونزا، بينما تُصاب نسبة ضئيلة جداً بأمراض عصبية حادة مثل التهاب الدماغ أو التهاب السحايا.

وبعوض الزاعجة المكسيكية (Aedes vexans) موطنه الأصلي المملكة المتحدة، ورغم ندرته، فإن أعداده قد تتزايد بشكل كبير في الصيف في مناطق الأنهار المغمورة.

ولكي يصبح المرض متوطناً، يُعد المناخ عاملاً حاسماً، لأن الفيروس يتكاثر بسرعة أكبر بكثير في درجات الحرارة المرتفعة. عند درجة حرارة 15 درجة مئوية، يستغرق الفيروس عدة أشهر - وهي مدة أطول من متوسط ​​عمر البعوض - ليصل إلى الحد الأقصى للعدوى.

وعند درجة حرارة 30 درجة مئوية، تستغرق العملية نفسها من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، ما يعني أن الفيروس يمكن أن يتجذر في مجموعات البعوض.

وتم الكشف عن الفيروس من خلال برنامج الرادار المنقول بالنواقل (الكشف عن الفيروسات المفصلية والاستجابة لها في الوقت الفعلي) التابع لوكالة الصحة الحيوانية الأميركية (APHA) في بعوض الزاعجة الذي جمعته هيئة الصحة الحيوانية في المملكة المتحدة (UKHSA) من الأراضي الرطبة على نهر إيدل بالقرب من غامستون في نوتنغهامشاير، في يوليو (تموز) 2023.

ووُزّع البعوض في 10 مجموعات للاختبار، وتم تحديد أجزاء من المادة الوراثية لفيروس غرب النيل في مجموعتين. وكانت نتائج المجموعات الـ198 الأخرى سلبية. ويُعد هذا أول دليل على اكتشاف فيروس غرب النيل في بعوضة في المملكة المتحدة.

ويُعد فيروس غرب النيل مستوطناً في مناطق مختلفة حول العالم، بما في ذلك جنوب أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية وأستراليا.

وقد اتسع النطاق الجغرافي لفيروس غرب النيل في السنوات الأخيرة ليشمل مناطق أكثر شمالاً وغرباً من أوروبا القارية مع ازدياد وتيرة فصول الصيف الطويلة والحارة.

ولم تُكتشف أي حالات إصابة بفيروس غرب النيل لدى البشر أو الخيول في المملكة المتحدة حتى الآن، ولا يوجد دليل يشير إلى استمرار انتشار الفيروس بين الطيور أو البعوض.

ويجري تعزيز أنشطة مراقبة الأمراض ومكافحتها في ضوء هذه النتائج، وقد صدرت نصائح لمقدمي الرعاية الصحية لإجراء فحص للمرضى المصابين بالتهاب الدماغ مجهول السبب كإجراء احترازي.

وفي هذا المجال، قالت الدكتورة ميرا تشاند، نائبة مدير هيئة الخدمات الصحية في المملكة المتحدة لشؤون صحة السفر والأمراض الحيوانية المنشأ والالتهابات الناشئة والجهاز التنفسي والسل: «على الرغم من أن هذا هو أول اكتشاف لفيروس غرب النيل لدى البعوض في المملكة المتحدة حتى الآن، فإنه ليس مفاجئاً؛ حيث إن الفيروس منتشر بالفعل في أوروبا.

ويُقدر خطره على عامة الناس حالياً بأنه منخفض جداً».

وأوضح بول هانتر، أستاذ الطب في جامعة إيست أنجليا، أنه «من المرجح ألا يكون الخطر المباشر كبيراً على صحة الإنسان. ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة وطول فصل الصيف، سيتحرك الحد الشمالي لفيروس غرب النيل شمالاً، ومن المرجح أن نبدأ في رؤية حالات عدوى متوطنة، بداية في جنوب البلاد».