من باريس إلى بيروت بالدراجة... مرضى السرطان لن يُتركوا لأقدارهم

اللبنانيان رالف الخوري وليا كلاسي يقودان «المغامرة المجنونة»

أمل الموجوعين ومَن أنهكهم مسار علاجهم (رالف الخوري وليا كلاسي)
أمل الموجوعين ومَن أنهكهم مسار علاجهم (رالف الخوري وليا كلاسي)
TT

من باريس إلى بيروت بالدراجة... مرضى السرطان لن يُتركوا لأقدارهم

أمل الموجوعين ومَن أنهكهم مسار علاجهم (رالف الخوري وليا كلاسي)
أمل الموجوعين ومَن أنهكهم مسار علاجهم (رالف الخوري وليا كلاسي)

انهمك اللبنانيان رالف الخوري وليا كلاسي في توضيب الحقائب والحرص على تذكُّر جميع الأشياء. الساعات الأخيرة قبل المغامرة تشحن الحماسة بأضعافها، وتُجمِّل الاستعداد. الأحد، 22 سبتمبر (أيلول) الحالي، هو الموعد. التحدّي نبيل، يُراد منه جَمْع التبرّعات لمرضى السرطان في لبنان؛ بلد الدواء المفقود وسعره المُشتعل. يركبان دراجتيهما الهوائيتَيْن من العاصمة الفرنسية إلى بيروت التي يعودان إليها في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل باستقبال احتفالي.

التحدّي نبيل ويُراد منه جَمْع التبرّعات لمرضى السرطان في لبنان (رالف الخوري وليا كلاسي)

رالف الخوري رياضي، يهوى الطيران الشراعي ومراقبة المدن من مسافة قريبة من الغيوم. وليا كلاسي طبيبة أسرة، اعتادا معاً ركوب دراجتيهما الهوائيتين وعبور الكيلومترات. يواصلان التمارين منذ أشهر ويتطلّعان إلى جَمْع المال. من السفارة اللبنانية في باريس، تنطلق رحلتهما الأحد بإرادة عالية لمجابهة ما قد يطرأ. يشاءان تأمين ثمن دواء واحد في كل كيلومتر يتحقّق. إنهما أمل الموجوعين ومَن أنهكهم مسار علاجهم.

يتعمَّدان الحياد عن أحزان لبنان وغلبة الموت المتنقّل. يقولان لـ«الشرق الأوسط»: «لا خيار سوى التطلُّع نحو الهدف وتجنُّب ما يُشوِّش». تطول التمارين إلى 10 ساعات يومياً. أحياناً، يتمرّد العقل... يصوِّر لهما تضاؤل الجدوى من الإنهاك البدني وملامح الإحباط النفسي، ويهمس لهما بضبط الحماسة. بالنسبة إليهما؛ «الهدف يُسكت هذه الثرثرات. وجوده يُسرِّع وصولنا ويُهوِّن الطريق. كل كيلومتر ليس رقماً؛ بل احتمال شفاء. الهدف الإنساني دافع مذهل».

يشاءان تأمين ثمن دواء واحد في كل كيلومتر يتحقّق (بوستر المبادرة)

آلم اللبناني هاني نصار رحيل زوجةٍ أحبَّها بالسرطان الخبيث، ومن أجل ذكراها أسَّس جمعية «بربارة نصار» لإنقاذ الأرواح المُعذَّبة. لعلّها الوحيدة في لبنان حاملة آهات المرضى ونداء تأمين دوائهم. رحلة رالف الخوري وليا كلاسي بالدراجة الهوائية من باريس إلى بيروت، هي لدعم جهد الجمعية البديع وأملها العنيد رغم ما يُحطِّم.

لـ7 أو 8 ساعات، بدءاً من الأحد، سيقودان دراجتيهما بمعدّل 100 كيلومتر يومياً. الفطور في الصباح، ثم الانطلاقة. وفي موعد الغداء يأكلان القليل لئلا تتعرقل الخفّة. يُكملان جَوْب المسافات حتى تسلُّل الليل، فيستريحان في خيمتين ينقلانهما طوال الرحلة. ولضرورات الاستحمام، هوَّن راكبو دراجات هوائية المَهمّة بإتاحة منازلهم لرائدَي المغامرة اللبنانية. يُكملان: «احتمال التقلّبات الجوّية وارد. فقد نقود الدراجة تحت المطر. التحدّي اللوجيستي صعب، لكنّ الجاهزية قصوى».

يركبان دراجتيهما الهوائيتَيْن من العاصمة الفرنسية إلى بيروت (رالف الخوري وليا كلاسي)

سبق أن قادا دراجتيهما طوال يومين، ويتطلّعان إلى توسيع الحلم: «هذه المرة، سنقود لـ40 يوماً. إنها قفزة هائلة، تستدعي الاستعداد الاستثنائي. في 3 نوفمبر، سنبلغ ميناء طرابلس الشمالية بالعبّارة. ثم نُكمل القيادة بالدراجة نحو (ساحة الشهداء) في بيروت. اللبنانيون مدعوون لاحتفالية كبرى بإنجازنا الإنساني. سنغنّي ونملأ ذلك الأحد بالصخب. نقول لراكبي الدراجات الهوائية في لبنان، هيّا شاركونا يوم العودة. بإمكانكم اختيار نقطة الانطلاق: من طرابلس أو البترون أو جبيل أو شكا مثلاً... هذا التكاتف حلاوة جهدنا. سيُشعرنا بأنّ الهدف جماعي».

من السفارة اللبنانية في باريس تنطلق رحلتهما الأحد بإرادة عالية (رالف الخوري وليا كلاسي)

أشهُرُ الاستعداد آلمت وأتعبت. الأبدان تُحرّكها الإرادات الصلبة، وتُلهمها الأهدافُ الوصولَ بعيداً. وقد تُنهَك لفرط ما تُكابد، لكن ثمة ما يمدّ بالتحمُّل. يرى رالف الخوري وليا كلاسي التحمُّل على شكل مريض ينال علاجه، فيشدَّان الحيل. يعلمان أنّ لبنان مُتعِب لمرضاه. يُحمِّلهم هَمّ الشفاء لارتباط العلاج بسلسلة مأساوية من الإهمال والفساد وغياب المراعاة. يخاطران ليُشفى إنسانه وتهدأ أوجاعه.

كل كيلومتر ليس رقماً... بل احتمال شفاء (بوستر المبادرة)

في صيف 2011، نظَّمت جمعية «بربارة نصار» رحلة «العَلَم اللبناني» الذي جاب جميع القرى خلال 80 يوماً. بربارة نصار هي زوجة هاني نصار، التي آمنت بالحياة حتى أنفاسها الأخيرة، لكنّ السرطان خدّاع. أرادت بالمغامرة القول: «إننا أقوياء والمرض لن يوقفنا». يستعيد هاني نصار هذه المحطّة ليصف مغامرة رالف الخوري وليا كلاسي بـ«المجنونة». من جنيف، حيث يُعقد «المؤتمر العالمي للسرطان» بحضور 1200 مؤسّسة معنيّة، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» نُبل المبادرة: «لا يهابان المخاطر والعذاب والتعب. تبنّيهما القضية يهزم العوائق».

يأمل التضامن الجماعي، وأن يحقّقا الهدف بتأمين ثمن دواء واحد بعبور كل كيلومتر. يلفته في جنيف تحدُّث الجميع عن المتابعة النفسية خلال العلاج وبعد الشفاء، وعن التوعية والوقاية، من دون أن يأتي أحد على ذِكْر ثمن الدواء. يؤلمه أنّ المعضلة لبنانية، تُحصَر بوطن ليس المواطن أولويته. «لن نسكت»، يشدّد كما في كل مرة يُتاح له إعلاء الصوت. يُحيِّد هاني نصار نفسه عما يتراكم من فظائع: «أُبقي تركيزي كاملاً على قضية هؤلاء المرضى. أرفض التنحّي بذريعة أنَّ الهمّ اللبناني في مكان آخر. الطقس الجميل لا يعني أنّ المريض شُفي. كذلك توالي الفواجع. السرطان يقهر عائلات، ولن نكفَّ عن محاربته».


مقالات ذات صلة

دفاع فنّي عن ناشطتَيْن لطّختا لوحة فان غوخ بحساء الطماطم

يوميات الشرق تتعدّد أشكال رفع الصوت (غيتي)

دفاع فنّي عن ناشطتَيْن لطّختا لوحة فان غوخ بحساء الطماطم

لم يحدُث أي تلف أو ضرر للوحة، التي تُعدّ إحدى أشهر لوحات الرسام الهولندي، وتُقدَّر بملايين الجنيهات الإسترلينية، بل مجرّد ضرر بسيط أصاب إطارها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق محمد رمضان ونجله علي والفنان الكويتي نبيل شعيل (صفحة محمد رمضان على إنستغرام)

اتهامات لنجل الفنان محمد رمضان بضرب طفل

لفت اسم الفنان المصري محمد رمضان الاهتمام بعد واقعة الاشتباك بين نجله علي وطفل آخر داخل أحد النوادي الشهيرة في مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة).

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق اتّهمت 37 امرأة «من مختلف أنحاء العالم» الفايد بالاعتداء عليهنّ (أ.ف.ب)

قضية محمد الفايد «تجمع العناصر الأكثر رعباً» من مثيلاتها... «كان وحشاً»

قال محامو ضحايا محمد الفايد المزعومين، إنّ القضية «تجمع بعضاً من العناصر الأكثر رعباً في القضايا التي تتضمّن جيمي سافيل، وجيفري إبستين، وهارفي واينستين».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الشرطة المصرية تلقي القبض على صانعات محتوى (فيسبوك)

مقاطع «غير لائقة» تقود «تيك توكرز» جدداً للمحاكمة في مصر

تواصلت عملية توقيف صانعات محتوى «تيك توكرز» بتهمة نشر مقاطع «غير لائقة» في مصر؛ لتقودهم للمحاكمة، وأحدثهم فتاة أطلقت على نفسها «كائن النوتيلا».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق خالد الصاوي مع كلبيه (صفحته على «فيسبوك»)

سجال بين دعاة مصريين بعد نعي خالد الصاوي لكلبته

تحول نعي نشره الفنان المصري خالد الصاوي لكلبته بعد نقوقها إلى سجال فقهي بين عدد من الدعاة المعروفين إعلامياً.

عصام فضل (القاهرة )

استخدمت الأموال لجلسات التدليك والفنادق الفخمة... منع ناعومي كامبل من إدارة مؤسسة خيرية

عارضة الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومي كامبل تبكي متأثرة بعد منحها لقباً رفيعاً في باريس (أ.ف.ب)
عارضة الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومي كامبل تبكي متأثرة بعد منحها لقباً رفيعاً في باريس (أ.ف.ب)
TT

استخدمت الأموال لجلسات التدليك والفنادق الفخمة... منع ناعومي كامبل من إدارة مؤسسة خيرية

عارضة الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومي كامبل تبكي متأثرة بعد منحها لقباً رفيعاً في باريس (أ.ف.ب)
عارضة الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومي كامبل تبكي متأثرة بعد منحها لقباً رفيعاً في باريس (أ.ف.ب)

مُنعت عارضت الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومي كامبل، من أن تكون أمينة مؤسسة خيرية لمدة 5 سنوات بعد أن وجدت هيئة رقابية سوء إدارة خطيراً في الجمعية التي أسستها، وفقاً لصحيفة «التلغراف».

كانت العارضة البالغة من العمر 54 عاماً، واحدة من 3 أمناء تم استبعادهم من قبل لجنة المؤسسات الخيرية؛ بسبب سوء إدارة الأموال في «Fashion for Relief»، التي أسستها عام 2005 لدمج الموضة والعمل الخيري.

وجد تحقيق أجرته هيئة الرقابة أن المؤسسة الخيرية لم تستخدم سوى جزء صغير من الملايين التي جمعتها من الأحداث الضخمة في قضايا خيرية.

على موقعها على الإنترنت، تزعم «Fashion for Relief» أنها جمعت أكثر من 15 مليون دولار (11 مليون جنيه إسترليني) لقضايا في جميع أنحاء العالم؛ لمساعدة المتضررين من الإيبولا، وزلزال هايتي عام 2010، وإعصار «كاترينا» والصراع في سوريا.

ومع ذلك، وجد التحقيق أن أموال المؤسسة الخيرية استُخدمت لدفع تكاليف جلسات التدليك (السبا) لعارضة الأزياء، والأمن الشخصي، وخدمة الغرف، والسجائر، والإقامة في الفنادق الفخمة في كان، بفرنسا.

كشفت اللجنة الرقابية عن أنه على مدى فترة 6 سنوات من أبريل (نيسان) 2016 إلى يوليو (تموز) 2022، كان 8.5 في المائة فقط من إجمالي إنفاق الجمعية الخيرية يذهب إلى المنح الخيرية.

عارضت الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومي كامبل (أ.ب)

جُمعت غالبية التبرعات للجمعية الخيرية من خلال عروض الأزياء والحفلات التي يتم بيع التذاكر فيها مع مزادات لجمع التبرعات. وشمل الحضور أسماء مألوفة مثل بيرس بروسنان، وجاستن بيبر، وأوما ثورمان.

يقول الموقع الإلكتروني للمؤسسة إن «Fashion for Relief» مكرسة «لتحسين حياة أولئك الذين يعيشون في محنة، من خلال توحيد صناعة الأزياء بوصفها قوةً من أجل الخير».

إلى جانب كامبل، تم استبعاد بيانكا هيلميش بصفتها وصيةً لمدة 9 سنوات، وفيرونيكا تشو لمدة 4 سنوات. وقالت الهيئة الرقابية إن مدفوعات غير مصرح بها تصل إلى مئات الآلاف تم تقديمها لهيلميش.

يأتي ذلك بعد حل المؤسسة الخيرية وإزالتها من سجل الجمعيات الخيرية في المملكة المتحدة في وقت سابق من هذا العام.

في أثناء مراسم تقليد الوسام (أ.ف.ب)

في سياق آخر، ذرفت العارضة البريطانية بضع دموع وهي تتسلّم وسام الشرف الفرنسي من يد وزيرة الثقافة رشيدة داتي. وحصلت كامبل على الوسام من رتبة فارس في الفنون والآداب خلال مشاركتها في أسبوع باريس للموضة، بحضور عدد من الصحافيين والمصمّمين ومعارفها؛ من بينهم العارضة الفرنسية فريدة خلفة، ومصمّم الأحذية برتران أوبوتان، والممثل فنسان بيريز، وزوجته منظِّمة الحفلات كارين سيلا، وسيدني توليدانو رئيس مجموعة «LVMH» للموضة. وتراوحت أزياء الحاضرين ما بين أحذية الرياضة البيضاء والكعوب العالية. وارتدت بعض المدعوّات فساتين السهرة في عزّ النهار.

واستعرضت الوزيرة في خطاب مطوَّل مسيرة كامبل الاستثنائية في حقل الأزياء، واصفة العارضة بـ«الملكة» والمرأة التي تتمتّع بشخصية فتحت لها المنصات وأغلفة المجلات. ولفتت داتي الانتباه إلى أنّ عارضة الأزياء السوداء بقيت مُستَبعدة من الحملات الإعلانية للثياب والعطور، وقالت: «لهذا الاستبعاد اسم واحد هو العنصرية». كما أشادت الوزيرة بنشاط كامبل في مجال مكافحة التمييز العرقي والترويج للتعدّدية والمساواة. ووجهت الكلام للمحتفى بها قائلةً: «مسيرتك تُشكِّل لوحدها برنامجاً سياسياً».