الإبل في الأزياء المعاصرة... رؤية فنيّة بمنظور جديد

معرض بـ«إثراء» يُبرز قطعتين للمصمم السعودي يحيى البشري... ويدعو للاستلهام من الجمل

لباس الفارس على الجمل... قطعة للمصمم السعودي يحيى البشري (الشرق الأوسط)
لباس الفارس على الجمل... قطعة للمصمم السعودي يحيى البشري (الشرق الأوسط)
TT

الإبل في الأزياء المعاصرة... رؤية فنيّة بمنظور جديد

لباس الفارس على الجمل... قطعة للمصمم السعودي يحيى البشري (الشرق الأوسط)
لباس الفارس على الجمل... قطعة للمصمم السعودي يحيى البشري (الشرق الأوسط)

لطالما استلهمت دور الأزياء العالمية من فِراء الحيوانات والجلود بأنواعها، مثل جلد التماسيح والسحالي والثعابين، إلا أن معرض «الجمل عبر العصور» الذي افتُتح مساء الأحد، بمركز «إثراء» (شرق السعودية)، يُقدم الإبل بوصفها أيقونة ملهمة في عالم صناعة الأزياء، من خلال قطعتين لافتتين للمصمم السعودي يحيى البشري، لملابس فاخرة حاكها من الإبل وتكويناتها الفنية الفريدة.

تناولت القطعة الأولى لباس الفارس على الجمل، وهي مستوحاة من الدقلة السعودية المطعّمة بوبر الإبل إلى جانب رسومات من حضارات مختلفة جاءت بابتكار البشري، وزُينت بأشكال الإبل وبأبيات من الشعر. أما القطعة الثانية فهي «فروة الجمل» (2024)، وهي عبارة عن معطف طويل من الصوف باللون الجملي، مُستلهم من الفرو، وكلتا القطعتين ينقلان الإبل إلى منطقة جديدة في الأزياء، لم يعتد عليها المتلقي.

قطعة فروة الجمل (2024) عبارة عن معطف طويل من الفرو (الشرق الأوسط)

الأزياء المعاصرة

وكانت هيئة الأزياء السعودية قد أبرزت ذلك قبل نحو أسبوع، في ورقة بحثية أصدرتها بعنوان «الإبل... الأزياء المعاصرة»، تناولت البعد الثقافي والموروث الوطني المتصل بمنتجات الإبل ومدى الاستفادة منها في عالم الأزياء المعاصرة، وذلك ضمن مبادرة «مستقبل الأزياء» بالتزامن مع «عام الإبل 2024». ووفقاً للورقة البحثية، فإن السعودية تمتلك خامس أكبر عدد من الإبل على مستوى العالم، بنحو مليونين. كما تبلغ الإمكانات الحالية لسوق جلود الإبل في المملكة نحو 98.7 مليون دولار أميركي سنوياً، واستناداً إلى أعداد الإبل الحالية في المملكة، يمكن إنتاج 2800 طن من شعر الجمال سنوياً، بقيمة تصل إلى مليوني دولار أميركي.

يركز المعرض على إظهار إلهامات الجمل في الفنون بمختلف أنواعها (الشرق الأوسط)

ولا يبدو الاستلهام من الإبل في حد ذاته أمراً جديداً على قطاع الأزياء السعودي، لكن اللافت فيما قدمته أعمال يحيى البشري المشاركة في المعرض؛ هو استخدام وبر الجِمال وفرائها، بحيث تكون الإبل جزءاً حقيقياً وأصيلاً في القطعة وليس مجرد تطريز أو رسم بالألوان على غرار ما يقدمه الكثير من المصممين السعوديين، ويزداد رواجاً في المناسبات والأعياد الوطنية.

وفي جولة «الشرق الأوسط» داخل المعرض الذي يأتي بالتعاون بين مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) ومؤسسة «ليان» الثقافية، تبدو تكوينات الإبل حاضرة ليس في الأزياء فحسب، بل أيضاً في قطع الأواني المنزلية والمنحوتات الخشبية، إلى جانب الصور الفوتوغرافية واللوحات التشكيلية، في دلالة على قوة الإلهام الفني المستمد من الإبل، من خلال 54 عملاً يقدمها هذا المعرض لـ38 فناناً محلياً وعالمياً.

فرح أبو شليح رئيسة متحف «إثراء»

رمز ثقافي

تتحدث فرح أبو شليح، رئيسة متحف «إثراء»، لـ«الشرق الأوسط»، عن الاهتمام بتقديم الإبل برؤية فنية، قائلة: «جاء الاهتمام بإقامة مثل هذه المعارض من منطلق رسالة المركز في تعزيز الجانب الثقافي؛ لما له من تأثير على المشهد العام الذي يصب في جهود المملكة؛ لذا انبثق هذا التعاون مع (ليان) الثقافية، لا سيما أن وزارة الثقافة أسمت عام 2024 بـ(عام الإبل)». وتضيف: «يأتي هذا المعرض تأكيداً على الإبل كرمز للثقافة العربية، ويسهم في تعاظم أثرها التاريخي. كما يشكل المعرض حالة فنية فريدة تحفز الزوار على استكشاف فضاء رحب يقوده نتاج ثقافي واعد، نسعى به إلى محاكاة الأبعاد التاريخية للجمل بصورة عصرية وروح مستقبلية».

من جهة ثانية، يضم المعرض مجموعة لوحات تشكيلية لكل من الفنان عبد الرحمن السليمان، والفنان عبد الرحمن العقيل، والدكتورة منى صلاح الدين المنجد، والفنان فهد النعيمة، إلى جانب مجموعة أخرى من كبار الفنانين، في حين تتخذ الصور الفوتوغرافية نهجاً مغايراً في تناول دلالات الإبل، ومنها أعمال فنّية مصوّرة للأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود.

لوحة «الزوبعة» (نسخة طبق الأصل) للفنان ضياء عزيز ضياء تعود لعام 1985 (الشرق الأوسط)

كتاب موسوعي

ويُعرض على هامش المعرض كتاب «الجمل عبر العصور»، وهو مشروع علمي يهدف إلى إثراء المعرفة في جوانب مهمة من التراث الحضاري الإنساني الذي شهدته البشرية من عصور بعيدة. هذا الإرث والموروث يتركز على العلاقة الحميمة بين الإنسان والجمل؛ إذ يُظهر أن لجزيرة العرب نصيباً وافراً من هذه الحضارة الثرية التي قامت ونهضت وانتشرت إلى أرجاء الأرض بسبب هذه العلاقة.

هذا، ويعد العمل الموسوعي نتاجاً لتعاون علمي وثقافي مشترك بين مؤسسة «ليان» الثقافية، ومكتبة الملك عبد العزيز العامة، يقدمانه للباحثين والدارسين والمهتمين بالتراث العربي الخالد المرتبط بالجمل والإنسان، ويصدر في مجلدين باللغة العربية، وآخر بالإنجليزية، متضمناً مقالات علمية متنوعة، كتبها علماء متخصصون من السعودية وخارجها، ويتضمن كذلك صوراً نفيسة عن المكتشفات الأثرية، والتحف الفنية - من عدد من متاحف العالم، والمؤسسات العلمية المتخصصة - التي تصور تاريخ الجمل على مر العصور، وعلى وجه الخصوص الاكتشافات الأثرية الحديثة عن الجمل في الجزيرة العربية.


مقالات ذات صلة

تأكيد خليجي – برازيلي على تعزيز التنسيق والتشاور في جميع المجالات

الخليج جانب من اجتماع المجلس الوزاري الخليجي مع وزير خارجية البرازيل في الرياض (مجلس التعاون)

تأكيد خليجي – برازيلي على تعزيز التنسيق والتشاور في جميع المجالات

شهد الاجتماع الوزاري المشترك للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي والبرازيل الاثنين التوقيع على مذكرة للتفاهم وخطة عمل مشترك لتعزيز التنسيق والتشاور.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان يلقي كلمته خلال الحفل (وزارة الثقافة)

«الثقافة السعودية» تتوّج الروّاد والمبدعين في 16 قطاعاً ثقافياً

احتفت وزارة الثقافة السعودية بالمبدعين من الأفراد والمؤسسات في الدورة الرابعة من مبادرة «الجوائز الثقافية الوطنية»، وتوّجت الدكتور سعد الصويان شخصية العام.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان لدى زيارته مركز الملك فهد الثقافي بالرياض (واس)

بدر بن عبد الله بن فرحان يتفقّد مراكز ومشاريع ثقافية بالرياض

تفقدّ الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي، مراكز ومواقع ثقافية في الرياض، حيث تجوّل بين أرجائها، واطّلع على برامجها، وتقدُّم سير أعمالها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي خلال لقائه وزير الخارجية الروسي في الرياض الاثنين (واس)

روسيا تقدم الدعوة لولي العهد السعودي لحضور قمة «بريكس»

قدمت روسيا الدعوة للأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، لحضور قمة مجموعة «بريكس» التي ستعقد في مدينة قازان من 22 وحتى 24 أكتوبر المقبل.

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق وصول الطائرات من جدة للرياض لن يتجاوز أسبوعين (خاص لـ«الشرق الأوسط»)

«السعودية» تعلن النداء الأخير لطائرات B777 المتجهة للبوليفارد

في سياق التعاون بين «موسم الرياض» والخطوط الجوية السعودية، لإقامة منطقة بوليفارد رنواي (Boulevard Runway)، حيث ستقدم تجارب فريدة وجديدة بمجال السياحة والترفيه.

أسماء الغابري (جدة)

جوزيف عازار يرسم عمالقة الفن في لوحة «لقاء الأحد اللبناني»

لوحة «لقاء الأحد اللبناني» وتجمع 15 نجماً لبنانياً (جوزيف عازار)
لوحة «لقاء الأحد اللبناني» وتجمع 15 نجماً لبنانياً (جوزيف عازار)
TT

جوزيف عازار يرسم عمالقة الفن في لوحة «لقاء الأحد اللبناني»

لوحة «لقاء الأحد اللبناني» وتجمع 15 نجماً لبنانياً (جوزيف عازار)
لوحة «لقاء الأحد اللبناني» وتجمع 15 نجماً لبنانياً (جوزيف عازار)

يسبق اسمه شهرته كونه يذكّرك بفنان عريق من لبنان، فالمهندس جوزيف عازار رأى في فن الرسم مساحة تعبير مختلفة، وعَدّها نافذة يطلّ منها على الأمل والرجاء. وتُحدِث عنده توازناً يخلّصه من مشاهد نافرة تطالعه على الساحة الفنية.

يقول في هذا الصدد: «يولّد الفن التوازن النفسي والعاطفي. كما يولّد الأمل والتفاؤل فيسهّل علينا الحياة. إنه بمثابة علاج يشفينا من تشوّهات عدة وبينها ما يصيب الساحة الفنية اليوم من فوضى ونشاز».

في لوحته «لقاء الأحد اللبناني» يجمع حولها 14 من عمالقة الفن في لبنان. يختصر من خلالها حقبة فنية ذهبية. وكذلك تمثّل نافذة أمل نحو رؤية مستقبلية زاهية.

رسمها في عام 2012 وانتظر حتى عام 2024 ليضيف إليها اسماً جديداً. فاختار الفنان المتعدد المواهب جورج خبّاز ليصبح عدد ضيوفها 15 شخصاً.

يخطّط عازار لضم أسماء جديدة للوحة في الوقت المناسب (جوزيف عازار)

تجمع اللوحة كلاً من الراحلين صباح، وسعيد عقل، ووديع الصافي، وزكي ناصيف، وعاصي ومنصور الرحباني، وشوشو وغيرهم. ومن المبدعين الآخرين يصوّر فيها فيروز، وزياد الرحباني، وعبد الحليم كركلا، ونادين لبكي، وأمين معلوف، وجورج خباز.

اللوحة نفسها تزين اليوم أحد شوارع البترون في حي الميناء. وتشكّل جدارية مطبوعة تتأهل بزوّار هذه المدينة التي تضج بالحياة.

ويوضح جوزيف عازار لـ«الشرق الأوسط»: «في زحمة الحياة التي نعيشها أردت فسحة هدوء وأمل. عدت إلى زمن الفن الجميل وحقبة لبنان الذهبية، ليس من باب الحنين لعمالقة لن يتكرروا، فرؤيتي في هذه اللوحة أخذتني نحو مستقبل مشع، وأنا على اقتناع بأن لبنان لا يزال يولّد المبدعين».

تُعد لوحته بمثابة ذاكرة موثقة بلوحة، وتكريم للفنانين أيام الزمن الجميل، ولكنه يُعدّها في الوقت نفسه استمرارية لمستقبل يشهد ولادة عباقرة في الفن.

عندما رسم لوحته «لقاء الأحد اللبناني» انطلق عازار من تقليد اجتماعي لبناني أصيل. ففي هذا اليوم من نهاية الأسبوع تحلو إقامة هذا النوع من الجلسات. إنها عادة لا تستغني عنها العائلات. تضمّ أفرادها وضيوفاً يحبونهم ويعتبرونهم من أهل البيت. وتنهمك ربات المنازل بتحضير ألذ الأطباق تكريماً للضيوف.

أخذ المهندس والرسام جوزيف عازار بعين الاعتبار كل هذه التفاصيل. وضع على مائدة عمالقة الفن أشهى المأكولات. كما صوّرهم يتسامرون وبينهم من يغنّي وينطرب، وآخر يلقي قصيدة بالمناسبة. من ضيوفها الحاضرين وقوفاً الراحل سعيد عقل، وإلى جانبه يقف عبد الحليم كركلا حاملاً علبة الحلوى المشهورة في لبنان قديماً «البسكوت مع الراحة». فيروز الأنيقة تصغي، وصباح الحلوة تبتسم كعادتها. زياد الرحباني يدخّن السيجارة، وشوشو يتطلّع إلى المستقبل بعين ثاقبة.

في عام 2012 عندما رسم هذه اللوحة بيد أنه ترك فيها مقعداً خالياً. ويستدرك: «تركته للوقت وللزمن الذي أعثر فيهما على من يستحق من الجيل الجديد المشاركة في هذه الجلسة. وقع اختياري على جورج خباز ابن البترون وأحد نجوم الفن المشهورين في لبنان. فهو في رأيي فنان عبقري بشهادة الجميع. واستطاع إثبات مكانته مبدعاً أكثر من مرة. ومشواره مليء بالنجاحات والخبرات المتراكمة في شتّى المجالات الفنية».

استغرق جوزيف عازار نحو 12 سنة ليعثُر على الشخص المناسب في المكان المناسب. فمن من الجيل الفني الجديد سيضيفه ليلتحق بقطار رؤيته الفنية المستقبلية؟

يردّ لـ«الشرق الأوسط»: «ليس الأمر بهذه السهولة والدّليل على ذلك استغراقي 12 سنة لإضافة اسم جديد عليها. تلفتني مواهب عدة، ولكن الوقت سيغربلها ويثبت استمراريتها أو العكس».

جوردن بيترسون وأفكاره الفلسفية في لوحة (جوزيف عازار)

فكرة جوزيف عازار هذه بدأها برسمة لفيلسوف واختصاصي نفسي كندي جوردن بيترسون، «أنا من المعجبين بمؤلفاته وأحبّ الاستماع إليه في منشوراته على (إنستغرام)، أرسلت له الرسمة ولإعجابه الكبير بها ونشرها على حساباته الإلكترونية. فشكّلت نقطة الانطلاق الحقيقية لي في هذا المجال. وتوالت علي طلبات من النوع هذا من مختلف دول العالم».

التقنية التي يستخدمها الفنان اللبناني لا تعتمد على أسلوب واحد. فيجمع فيها ما بين الـ«ميكسد ميديا» و«الديجيتال» والحبر والزيت. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «لا أتقيّد بتقنية محدّدة بل أمزج ما بينها حسب رؤيتي للوحة. وعادة ما أبدأ برسمها بأناملي. ومن ثم أجري عليها التّعديلات والإضافات المطلوبة كي تولد لوحة فنية».

زيّن جوزيف عازار لوحته بخلفية فنية أيضاً تتألف من لوحات صغيرة لبيوت لبنانية.

«تصرفت فيها أكثر بخيالٍ واسعٍ لأشير إلى ضرورة الحفاظ على العمارة اللبنانية. فأثرت موضوع القواعد الجمالية للهندسة المعمارية والتنظيم المدني».

لاحقاً قد يوسّع مساحة اللوحة لتتضمّن نجوماً آخرين من بينهم الراحل ملحم بركات. ويختم لـ«الشرق الأوسط»: «لا بدّ من اكتشاف عباقرة جُدد من لبنان في المستقبل القريب. وأعتقد أني سأضيف إليها أسماءً ووجوه نجوم جددٍ يسهمون في تكملة تاريخ لبنان الفني».