الرياض تحتضن منصة دولية لتبادل الثقافات وتعزيز الدراسات الترجمية

في تعاون بين مركز الملك فيصل للبحوث و«اليونيسكو»

كرسي «اليونيسكو لترجمة الثقافات» (الشرق الأوسط)
كرسي «اليونيسكو لترجمة الثقافات» (الشرق الأوسط)
TT

الرياض تحتضن منصة دولية لتبادل الثقافات وتعزيز الدراسات الترجمية

كرسي «اليونيسكو لترجمة الثقافات» (الشرق الأوسط)
كرسي «اليونيسكو لترجمة الثقافات» (الشرق الأوسط)

تحتضن مدينة الرياض منصةً دوليةً؛ لتعزيز العمل الترجمي حول العالم، وتلبية حاجة القطاع الثقافي إلى البحوث المتخصصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية والتعليم الشامل والتنوع، وذلك من خلال «كرسي اليونيسكو لترجمة الثقافات»، الذي ينطلق (الثلاثاء) المقبل بالشراكة بين «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية»، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو).

وتنضمّ مبادرة «كرسي اليونيسكو لترجمة الثقافات»، إلى قائمة من الخطوات والمبادرات التي أطلقتها السعودية في قطاعها الثقافي المزدهر أخيراً، لتعزيز العمل الترجمي في مواكبة التقدم الحضاري للبشرية، وتزويد العاملين في القطاع بالمعارف والمعلومات الحيوية لنمو أعمالهم، وتطوير قنوات الترجمة وتعزيز دورها في التواصل بين الأمم بألسنها المختلفة، وإثراء رصيدها الثقافي والعلمي. وفي مارس (آذار) الماضي، وقَّع «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية» اتفاقية مع «اليونيسكو»، بالتعاون مع اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم في السعودية، لإنشاء «كرسي اليونيسكو لترجمة الثقافات»، الذي يسهم في تلبية الاحتياج المتزايد من البحوث المتخصصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية والتعليم الشامل والتنوع الثقافي، وستُمهد موضوعاته الطريق لأبحاث مبتكرة في ترجمة الثقافات عبر تشجيع التعاون محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً بين الباحثين في دراسات الترجمة، والدراسات الثقافية، والتراث غير المادي، والعلوم الإنسانية والتقنيات الحديثة.

ووقع اختيار فريق العمل على الدكتورة منيرة الغدير لإدارة مشروع «الكرسي»، وهي باحثة تركز إنتاجاتها على النقاشات النظرية والفلسفية حول الثقافة السعودية والعربية، وناقشت في أبحاثها الأخيرة تنوع المشهد الثقافي الجديد وجمالياته في السعودية ونقله عالميّاً.

وقد شغلت الدكتورة منيرة الغدير عدداً من المناصب الأكاديمية في جامعات مرموقة، وآخرها أستاذ كرسي في الأدب المقارن والنظرية في جامعة هارفارد، كما كانت أستاذاً زائراً في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا في جامعة كولومبيا، وقبل ذلك كانت أستاذاً مشاركاً في قسم اللغات الأفريقية وآدابها في جامعة ويسكنسن-ماديسن في أميركا.

ونشرت الغدير، كثيراً من الأبحاث المحكمة في دوريات أميركية وبريطانية، والمقالات باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى مراجعات الكتب والقصائد المترجمة لشعراء وشاعرات من السعودية، كما أنهت ترجمة مجموعة دواوين للأمير بدر بن عبد المحسن، وهي المرّة الأولى التي تُترجم فيها أعماله إلى اللغة الإنجليزية.

شارك «كرسي اليونيسكو لترجمة الثقافات» في معرض بكين الدولي للكتاب (مركز الملك فيصل للبحوث)

يستعد «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية» لتدشين «كرسي اليونيسكو لترجمة الثقافات»، في حفل يقام الثلاثاء المقبل بمدينة الرياض، وبدء أعمال «الكرسي» الذي ينطلق من إرث عربي وحضاري عريق، والسعي إلى مدّ جسور من التواصل المعرفي بين الثقافات، بالإضافة إلى بدء أعمال «مختبر ترجمة الثقافات» الذي أطلقه «الكرسي» بوصفه جزءاً من مرافقه للتركيز على الأبحاث النظرية المقارنة في ترجمة الثقافات من خلال دراستها وتحليلها مع التركيز على السعودية والعالم العربي، ورصد التفاعل الثقافي مع دول الجنوب العالمي من خلال موضوعات «الكرسي» ولغاته المتعددة.

ويشهد حفل التدشين، مشاركة واسعة من الرواد والمتخصصين من المجتمع الترجمي العربي، وتتضمن فقرات الحفل محاضرة للدكتور عبد السلام بن عبد العالي حول ترجمة الثقافة العربية إلى اللغات الأوروبية، ومحاضرة للبروفسور تشارلز فورسديك عن ترجمة الثقافات بين الماضي والحاضر والمستقبل.



الجامعات الخاصة والدولية تفرز المصريين طبقياً أم علمياً؟

الجامعة الأميركية بالقاهرة
الجامعة الأميركية بالقاهرة
TT

الجامعات الخاصة والدولية تفرز المصريين طبقياً أم علمياً؟

الجامعة الأميركية بالقاهرة
الجامعة الأميركية بالقاهرة

عبر التركيز على المظاهر المادية «والاستعراض بالسيارات الفارهة» داخل الحرم الجامعي، أبرزت الدراما المصرية، التي تسعى عادةً لمحاكاة الواقع، مفهوم الطبقية في الجامعات الحكومية خلال القرن الماضي، لكن مع انتشار الجامعات الخاصة والدولية والاهتمام بجودة التعليم خلال العقدين الماضيين، سلطت الدراما الضوء على مستوى وأماكن تعليم أبناء الطبقة الغنية، بعد عزوف الكثير منهم عن الالتحاق بالجامعات الحكومية.

وعدَّ متابعون وخبراء علم اجتماع ارتفاع أسعار مصروفات الجامعات الخاصة والدولية يكرس الفجوة الطبقية، ويفرز المصريين على أساس مادي لا تعليمي؛ حيث لا يمكن للفئة المتوسطة أو الفقيرة إلحاق أبنائهم الذين يحصلون على مجاميع أبناء الطبقة الثرية نفسها بجامعات خاصة ودولية، تصل رسوم الالتحاق السنوية ببعضها إلى مليون جنيه (الدولار الأميركي يعادل 48.5 جنيه مصري).

وتضم مصر 27 جامعة خاصة، و7 أفرع لجامعات دولية، كما يصل عدد المعاهد الخاصة فيها إلى 174 معهداً، حسب تصريحات سابقة للدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري.

واعتبر سؤال برلماني، تم توجيهه مؤخراً إلى رئيس مجلس الوزراء المصري ووزير التعليم العالي، أن «مصروفات الجامعات الخاصة في مصر هذا العام جاءت مخيبة لآمال الكثير من الطلاب وأولياء الأمور، حيث ترتفع كل عام بشكل مبالغ فيه، دون مراعاة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الجميع بلا استثناء».

تفاوت لافت بمصروفات الجامعات الخاصة في مصر (المصدر: جامعة فاروس)

ويقول ياسر يحيى، وهو ولي أمر لإحدى الطالبات لـ«الشرق الأوسط»: «ترغب ابنتي في دراسة مجال الإعلام، ومع عدم تمكنها من تحقيق المجموع الذي يؤهلها لذلك في الثانوية العامة، فكرنا في الجامعات الخاصة، وأخذنا في البحث عن خيار مناسب من حيث التكلفة، لكن المفاجأة كانت في ارتفاع مصروفات كليات الإعلام الخاصة كافة، التي تصل مصروفات بعضها إلى 250 ألف جنيه كحد أقصى، وأقلها بـ45 ألف جنيه، وجميعها يفوق إمكاناتي المادية». وتعاني مصر من موجة غلاء لافتة، بدأت مع تدهور سعر العملة المحلية أمام الدولار الأميركي.

وتُعدُّ مصروفات الجامعة الأميركية بالقاهرة الأعلى بين الجامعات الخاصة والدولية بمصر، التي تعتمد الدراسة فيها على نظام الساعات المعتمدة، ويصل معدل المصروفات الدراسية لكل ساعة معتمدة 667 دولاراً أميركياً لطلاب دراسات البكالوريوس المصريين، و735 دولاراً أميركياً لطلاب دراسات البكالوريوس الأجانب، وتتيح الجامعة للطلاب المصريين سداد المصروفات الدراسية بالدولار الأميركي أو بالجنيه المصري.

وخلال 4 سنوات هي مدة الدراسة للحصول على درجة البكالوريوس من الجامعة، يدرس الطالب ما لا يقل عن 138 ساعة معتمدة لجميع التخصصات النظرية، وكذلك ما لا يقل عن 144 ساعة معتمدة للتخصصات العملية التطبيقية، وفق ما ذكره الموقع الرسمي للجامعة على شبكة الإنترنت. وهو ما يعني أن الحد الأدنى لمصروفات العام الدراسي الواحد بالجامعة الأميركية بالقاهرة نحو مليون جنيه مصري. وهو مبلغ كبير لا تستطيع ملايين الأسر المصرية دفعه سنوياً.

حفل تخرج طلاب كلية العلاج الطبيعي جامعة القاهرة

وفي المقابل، تتفاوت أسعار رسوم الدراسة بالجامعات الحكومية لتبدأ من 500 جنيه ببعض الأقسام العربية والكليات النظرية، وتصل إلى 30 ألف جنيه في العام الدراسي ببعض الأقسام التطبيقية والبرامج التعليمية الحديثة، وفق بيانات صادرة من جامعتي القاهرة وعين شمس.

وأوضح البنك الدّولي في أحدث تقرير له عن الفقر في مصر، يعود إلى عام 2022، أن معدله ارتفع إلى 32.5 في المائة، وأشار إلى «ارتفاع التفاوتات المكانية بين المناطق الريفية والحضرية، حيث يعيش نحو 66 في المائة من الفقراء في مناطق ريفية.

وبنبرة حزينة يضيف الأب ياسر، الذي يعمل محاسباً بأحد مصانع الأدوية بمدينة العبور (35 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة): «بالتجول بين صفحات ومواقع الجامعات الخاصة، وجدنا زيادة في مصروفاتها هذا العام مقارنة بالعام الماضي بنحو 5 إلى 35 في المائة، ما يعني أن هذه الجامعات أصبحت حكراً على أبناء الأثرياء، أما الطبقات المتوسطة مثلنا فليس لأبنائنا مكان فيها؛ لأن الالتحاق بها مبني على المال وليس التفوق»، على حد تعبيره.

تضم مصر 27 جامعة خاصة تقدم برامج تعليمية متنوعة (المصدر: جامعة فاروس)

وتعد الحكومة المصرية الجامعات الخاصة والأهلية «رافداً مهماً من روافد منظومة التعليم العالي في مصر، تعمل على تخفيف الضغط عن الجامعات الحكومية، ويُمثل وجودها ضرورة لاستيعاب الطلب المُتزايد على التعليم الجامعي المصري»، حسب تصريحات سابقة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري.

ووفق الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، فإن «تكاليف الدراسة في الجامعات الخاصة تتفاوت ما بين جامعات ذات تكاليف معتدلة، تستطيع فئة كبيرة من أفراد المجتمع الالتحاق بها، وجامعات ذات تكاليف أعلى لا تقدر عليها سوى شريحة معينة من المجتمع المصري»، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط».

وهو ما يؤيده أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي في مصر، جمال حماد، قائلاً: «المصروفات الدراسية في الجامعات الخاصة في مصر مرتفعة للغاية، مما يجعلها بعيدة عن متناول غالبية الطلاب، وبالتالي فإنها تخلق نوعاً من التمييز الطبقي؛ حيث يتمكن الأغنياء فقط من الحصول على تعليم عالي الجودة».

ويضيف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أمام هذه الحالة، يكون التساؤل منطقياً من جانب البعض، عندما يرددون: ما ذنبي أنني حصلت على 80 في المائة في الثانوية العامة ولكني لا أمتلك المال لدخول جامعة خاصة؟ وهو ما يأخذنا إلى المسؤولية الاجتماعية للدولة لكونها الراعي الأساسي للتعليم، وأهمية دورها في وضع ضوابط لمراعاة العدالة الاجتماعية ومراعاة الفقراء».

وبلغ عدد الطلاب المقيدين بالتعليم العالي العام الماضي (2023 - 2024) نحو 3 ملايين و348 ألف طالب، كان نصيب الجامعات الخاصة منهم 71 ألف و811 طالباً وطالبة، وفق بيانات وزارة التعليم العالي.

الجامعة الأميركية بالقاهرة

ويرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن «الانقسامات المجتمعية في مصر تظهر بشكل كبير في الوقت الحالي، والتعليم الجامعي يعد أحد مؤشرات الفجوة الطبقية، فمن يملك المال يمكنه التعلم في مدرسة وجامعة خاصة».

ويؤكد صادق لـ«الشرق الأوسط» أن «الصراع الطبقي في مصر حالياً يظهر بين مجتمعي (مصر) و(إيجبت)، الأول يتعلم أبناؤه في الجامعات الحكومية، ويبحثون عن وضع اقتصادي ومعيشي أفضل، بينما يستطيع المجتمع الثاني دخول الجامعات الخاصة والذهاب إلى (الساحل الشمالي الشرير) للتنزه أو السفر للخارج، ومع التخرج من الجامعة يبحث عن عمل في بيئته نفسها، لأنه مؤهل لها، أما المتخرج من الجامعات الحكومية فيعاني للحصول على فرصة عمل».