شربل روحانا والثلاثي جبران مع محمود درويش يعزفون على «أوتار بعلبك»

ختام الحفل تحية لعبد الحليم كركلا

سمير روحانا خلال حفل بعلبك (المصدر منصة إكس)
سمير روحانا خلال حفل بعلبك (المصدر منصة إكس)
TT

شربل روحانا والثلاثي جبران مع محمود درويش يعزفون على «أوتار بعلبك»

سمير روحانا خلال حفل بعلبك (المصدر منصة إكس)
سمير روحانا خلال حفل بعلبك (المصدر منصة إكس)

ثلاث ساعات من المتعة الخالصة، تحاورت خلالها الآلات الموسيقية، في حفل «أوتار بعلبك»، لعبت على الأخيلة، ومدّت الجسور، وأثارت الشجن.

هي ليلة واحدة رمزية، لمهرجانات بعلبك بـ«مسرح الإيفوار» في بيروت، لكنها دسمة، بجرعات كثيفة وانخراط حار من جمهور جاء متعطشاً للفرح وللقاء كبار عازفي العود في العالم العربي، شربل روحانا وفرقته، والثلاثي جبران والعازفين المرافقين.

تحدثت رئيسة لجنة المهرجانات نايلة دو فريج بكلمة موجزة عن الأوضاع التي استوجبت نقل الحفل إلى بيروت. وشرحت أن إعداد برنامج الصيف كان قد بدأ باكراً، وتضمن تكريماً لنجم الباليه رودولف نورييف الذي رقص في بعلبك عام 1964، لكن الظروف حالت دون ذلك، «وأجّلنا الحفل الوحيد الذي قررناه بعد ذلك، إلى نهاية الصيف ريثما تهدأ الأمور، لكن إسرائيل واصلت هجماتها، ولم يعد لدينا من خيار سوى نقل الحفل إلى بيروت حفاظاً على أمن الفنانين والجمهور. فالصمت يعني الموت البطيء». وشكرت دو فريج عائلة كركلا التي استقبلت الحدث في مسرحها.

بدأ الحفل مع شربل روحانا، بطرافته ومهارته وحرفيته، عازفاً ومغنياً وملحناً ومؤلفاً للأغنيات. عزف مقطوعة «ميّاس» مع فرقته التي حضرت خماسية هذه المرة، وقد غاب عنها العازف السادس إيلي خوري، الذي كان يفترض أن يصل من فرنسا. شارك في العزف: نديم روحانا على الأكورديون، ومارك أبو نعوم وهو عازف بيانو، إضافة إلى مكرم أبو الحسن على الكونترباص، وزاد خليفة وإيلي يموني على الإيقاع.

حاول روحانا المسكون بإمتاع جمهوره، أن يرضي كل الأذواق. نوّع في المعزوفات، مزج بين مؤلفاته، ومقطوعات معروفة أعاد توزيعها. أدخل الأغنيات التي أدّاها بصوته. أسمعنا «الروزانا» الفولكورية على طريقته، وكذلك «تركني الليل وراح يرتاح، وأخذ نومي معه، وما بقي إلا أنت والوتر». وأغنية كتبها شقيقه بطرس روحانا بعنوان «سلامي معك».

أما الختام فبمثابة تحية لعبد الحليم كركلا الذي كان حاضراً الحفل، من خلال مقطوعة كان قد كتبها شربل روحانا لإحدى مسرحيات كركلا. بعنوان «كومون روتس»؛ أي «الجذور المشتركة». وقال روحانا: «إن التراث الإنساني، على الرغم من الحروب والقنابل النووية والجشع والحسد والطموح المدمر وكل أنواع الصراعات، خلق أشياء كثيرة رائعة كالطب والجراحة والفنون على أنواعها والموسيقى خصوصاً». وقال عن مقطوعة «جذور مشتركة» إنها «مزيج من موسيقى شرق أوسطية بالإضافة لمقطوعات خاصة كتبتها في تسعينات القرن الماضي ولا سيما مقطوعة (فلامنكو)، نختم بها هذه اللوحة، التي ألفتها يومها خصيصاً لفرقة عبد الحليم كركلا لعمله الرائع (الأندلس المجد الضائع)».

في القسم الثاني من الحفل، ومع إطلالة الثلاثي الفلسطيني جبران، صفق الجمهور طويلاً وبحرارة. وطلب كبير الأخوة سمير من الحضور الوقوف دقيقة صمت على أرواح الضحايا. وقبل البدء قال «أتيت من رام الله بالأمس وعائد غداً، جئت لألبي هذه الدعوة، وكنا نتمنى لو كان الحفل في بعلبك». وأضاف: «أتينا لنطمئن على لبنان، فوجدناهم يسألوننا: كيف فلسطين؟»

وتابع: «سنعزف هذه الليلة لنطمئن إلى أننا بشر، فلا تبحثوا داخلنا عن الضحية ولا عن البطل».

كما اعتاد الأخوة جبران، حضر معهم شاعر القضية الذي كان لهم معه رحلة طويلة. «هذه الليلة سنستمع كثيراً لمحمود درويش. الاسم الآخر لفلسطين، وصوت الوطن».

هكذا انطلقت المقطوعات التي تحاورت فيها أعواد الأخوة الثلاثة، الذين طارت شهرتهم في كل مكان، وجابوا بآلاتهم العالم. ها هم هنا في بيروت، لمرة جديدة، لكن الظروف تبدّلت كثيراً. «فلسطين في حال»، قال سمير: «ما أحد منا كان يتوقعه، ولا يتخيله».

الفرقة تحتفل هذه السنة بعيدها العشرين، وهي تزداد تألقاً واجتهاداً، وقد رافقها في حفل بيروت عازف إيقاع لافت، وعازف تشيللو، استطاعا مع الأعواد الثلاثة أن يحيلوا ليل الحاضرين أنساً يؤجج المشاعر، ويجنّح الأحاسيس. ويأتي صوت محمود درويش الذي رافقته الفرقة لسنوات طويلة عزفاً وهو يلقي قصائده، وكأنما شعره هو ما كان ينقص هذه المعزوفات البديعة ليجعلها شفيفة، صوفية، ترتفع بسامعها، وتذهب به أبعد مما كان يتوقع.

أجمل قصائد محمود درويش وأكثرها شهرة كانت تنبعث بين الحين والآخر، لينتهي هذا القسم من الحفل بمعزوفة صدح على خلفيتها صوت محمود درويش بنبرته التي نعرفها: «علَى هذه الأرْضِ مَا يَستَحِقُّ الحَياةْ: على هذه الأرضِ سيِّدَةُ الأُرْض، أُمُّ البدايَاتِ أُم النهَايَاتِ. كَانَت تُسَمَّى فِلسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين. سَيدَتي: أَستحِق، لأنكِ سيِّدتِي، أَسْتحِقُّ الحَيَاةْ».

وكان الختام مسكاً مع شربل روحانا والثلاثي جبران، معاً في معزوفة للأخوة بعنوان «ليتنا» تلتها أغنية لروحانا كتبها خصيصاً لهذه المناسبة، ورداً على من عاتب لجنة المهرجانات بإقامة حفلها في بيروت. والأغنية طريفة وبهيجة، راقت الجمهور الذي رددها مصفقاً: «كنّا منتمنَّى نطلع عَ بعلبك، نعزف سوا، نغنّي سوا عَ دراج بعلبك. لكن صار، صار اللي صار، رجعنا نزلنا على بيروت، وبالقلب بعلبك».


مقالات ذات صلة

محمد رمضان يُجدِّد الجدل حول «الإيحاءات الخادشة» في الأغنيات

يوميات الشرق لقطات من أغنية محمد رمضان «مش فاضي» (يوتيوب)

محمد رمضان يُجدِّد الجدل حول «الإيحاءات الخادشة» في الأغنيات

أعاد الفنان المصري محمد رمضان الجدل حول «الإيحاءات الخادشة» في الأغنيات بعد طرحه أغنية «مش فاضي» عبر قناته في «يوتيوب» ومنصّات إلكترونية خلال الأيام الماضية.

أحمد عدلي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ أعضاء فرقة «آبا» السويدية الموسيقية يصلون لحضور عرض في لندن ببريطانيا في 26 مايو 2022 (رويترز)

فرقة «آبا» تطلب من ترمب التوقف عن استخدام موسيقاها في التجمعات الانتخابية

طلب أعضاء فرقة «آبا» السويدية، أمس (الخميس)، من المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترمب، التوقف عن استخدام موسيقاهم في التجمعات الانتخابية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)

عمر خيرت يختتم «مهرجان القلعة» أمام 10 آلاف متفرج

قدّم الموسيقار المصري، بمصاحبة أوركسترا أوبرا القاهرة، بقيادة المايسترو ناير ناجي، أشهر مقطوعاته أمام 10 آلاف متفرج.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق عيد اعتبر «روكسي» مشروعاً وليس ألبوماً (حسابه على فيسبوك)

أمير عيد: الشعور المستمر بالملل مصدر إلهامي

أطلق أمير عيد «روكسي»، وهو عمل مصور يضم 5 أغنيات جديدة في تجربته الأولى بإصدار عمل منفرد بعيداً عن فريق «كايروكي».

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق من ذاكرة الروك البريطاني (رويترز)

«هدنة» نويل وليام غالاغر تُسعد مانشستر بعودة «أويسيس»

في مانشستر، مهد «أويسيس»، يُبدي محبّو الفرقة الإنجليزية غبطتهم بالإعلان عن عودة هذا التشكيل الموسيقي الشهير إلى المسرح، بعد 15 عاماً من الانفصال الفنّي.

«الشرق الأوسط» (مانشستر (بريطانيا))

رحلة الفن في السعودية... محطات وأسماء في معرض لندني

لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)
لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)
TT

رحلة الفن في السعودية... محطات وأسماء في معرض لندني

لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)
لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)

رغم قصر مدته نجح معرض «خمسين... نظرة على الفن السعودي» في جذب جمهور من المصطافين العرب والمقيمين في لندن لرؤية أعمال لفنانين سعوديين رواد لأول مرة في العاصمة البريطانية. المعرض أقيم في دار «سوذبيز» للمزادات، التي أفردت عدداً من قاعاتها لعرض نتاج عقود من الأعمال الفنية التي أبدعها رواد الفن السعودي، أمثال عبد الحليم رضوي، ومحمد السليم، وصفية بن زقر، وغيرهم كثير. وخلال الجولة على الأعمال، يتبدّى للزائر التطورات الفنية التي حدثت في المملكة منذ الستينات من القرن الماضي، التي تظهر في أساليب فنية مختلفة تُعبر ببلاغة بصرية عن تطور المجتمع والمراحل التاريخية التي مرت بها البلاد.

لوحة للفنان محمد عجم من معرض «خمسين... نظرة على الفن السعودي» (سوذبيز)

صاحب فكرة العرض هو قسورة حافظ مالك «حافظ غاليري» في جدة، وهو من أهم المشتغلين بالفن في المملكة، ومن الحريصين على إبراز أعمال رواد الفن السعودي في العصر الحديث، التي غابت عن العروض لفترة طويلة، وعادت مؤخراً لتشغل مكانها المستحق في تطور حركة الفنون البصرية في السعودية. الحديث مع قسورة حافظ يفتح لنا نوافذ الدهشة على فنانين وتيارات مختلفة ميّزت أعمال عدد ضخم من الفنانين، يختار خلال حديثه أن يضع أعمال الرواد في سرد فني تاريخي، ليكون أساساً للحركة الفنية المنتعشة حالياً في البلاد.

أتحدّث مع قسورة حافظ حول اهتمامه بصفته مقتنياً وخبيراً عن الفن السعودي الحديث، وبدايات رحلته معه. يرجع بالذاكرة لسنوات شبابه، قائلاً: «إن الأمر بدأ حين طلب منه والده، الراحل هشام حافظ، أن يختار لوحة لشرائها خلال زيارة معرض فني في عام 1995».

بداية الشغف

«كان عمري 18 عاماً، وكانت أول مرة في حياتي أدخل غاليري، هذا الطلب فرض عليَّ، على نحو غير مباشر، أن أنظر إلى الأعمال بعين ناقدة، وأعجبتني لوحة للفنان عبد الله إدريس. بعدها بفترة طلب مني الوالد أن أختار لوحة كان يريد إهداءها لصديق، فاخترت لوحة للفنان هشام بنجابي». مع الوقت زاد اهتمامه بزيارة المعارض الفنية داخل وخارج المملكة، وحاول دخول المجال بصفته فناناً؛ إذ أقام معرضين في جدة وبيروت، ولكن الشغف حوّله لدور آخر، «بعدها اكتشفت إمكانية أن يكون لي دور في هذا العالم على نحو مختلف، عبر تأسيس منصة لعرض أعمال فنانين آخرين».

لقسورة حافظ اهتمام قوي بأعمال الفن الحديث في السعودية وباللوحات على نحو خاص: «كنت أحب أعمال عبد الحليم الرضوي، ومحمد السليم، وعبد الله الشيخ، وهم فنانون أسّسوا الحركة التشكيلية في المملكة. قرأت عن أعمالهم، وتعرّفت على بعضهم».

في عام 2014، ولدت فكرة إقامة معرض لتوثيق الذكرى الـ50 لأول معرض أقامه رضوي، وكان في عام 1965. الفكرة لم تترجم لمعرض نتيجة عدد من الأسباب، ولكن الفرصة سنحت بعدها بعشر سنوات ليُقيم المعرض المنشود في العاصمة اللندنية، وليوسع دائرته، لتشمل فنانين آخرين إلى جانب رضوي. يقول إنَّ الفكرة عادت لتداعبه بعد تواصل دار «سوذبيز» معه لعرض بعض الأعمال السعودية في المزاد بلندن، وقتها اقتنص حافظ الفرصة لإقناع المسؤولين في الدار بفكرة إقامة معرض عن 50 عاماً من الفن السعودي. مع موافقة الدار، بدأت الرحلة للبحث عن الأعمال المناسبة. ولعرض 60 لوحة تواصل مع مقتنين وصالات عرض، ومع الفنانين أنفسهم أو أسرهم، وفي سباق مع الزمن استطاع حافظ في 4 أشهر الحصول على الأعمال، وبعضها على سبيل الإعارة.

قسورة حافظ (سوذبيز)

أسأله إن كان العرض يعكس جميع الفترات المهمة في الفن السعودي، يقول «لم يكن من الممكن تقديم العرض من ناحية تاريخية نظراً لقصر وقت التحضير، ولكنني نسّقت العرض بناءً على تصوري الخاص للمراحل المهمة في تطور الفنون البصرية في المملكة، وهي 3 مراحل، ويمثل كل مرحلة بعض الفنانين النشطين المؤثرين، وقد حاولت قدر الاستطاعة أن يغطي المعرض كل حقبة على نحو مقنع».

الفنانات السعوديات

أبرز المعرض حضور وتأثير الفنانات السعوديات على الحركة الفنية، فاجتمعت في القاعة الأولى 3 لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر، ومنيرة موصلي، ونبيلة البسام، لما كان لهن من دور كبير في تسجيل دور النساء في بدايات الحركة التشكيلية. ولم يتوقف العرض عند ذلك، فحرص المنسق على أن تكون هناك أعمال لفنانات من أجيال معاصرة، مثل لولوة الحمود، ومنال الضويان، وحنان باحمدان، ودانية الصالح.

عمل للفنان السعودي محمد الفرج (الشرق الأوسط)

بالنسبة إلى قسورة حافظ، فاللوحات تكتسب أهميتها من موضوعها وقوة تعبيرها، ولا يرى أن الفروق بين عطاء الرائدات والمعاصرات تكمن في الموضوعات، وإنما لأماكنهن في محطات الحركة الفنية «الموضوع يمكن النظر إليه بطريقة ثانية، مرحلة البداية من منتصف الستينات لأواخر السبعينات، هذه المرحلة التي أُرْسِيت فيها الأساسات للفنون في المملكة، الشيء المشترك بين جميع الفنانين والفنانات في هذا الجيل كان الاهتمام بتصوير البيئة المحلية، كلٌّ بأسلوبه، سواء أكان انطباعياً أم تجريدياً، في النهاية بيئة الفنان تجد نفسها في اللوحة، فهو تأسيس للهوية بشكل أو آخر، وتميزت أعمال المرحلة بهذا الأمر. قد تكون الفنانة منيرة موصلي مختلفة بعض الشيء عن بقية جيلها، فقد كانت سابقة لغيرها في مناقشتها لقضايا إنسانية، مثل موضوع المرأة، ومن جيلها تميز الفنان عبد الجبار اليحيى، الذي تغيّرت موضوعاته إلى حد بعيد بعد عام 1979، فبدأنا نشاهد لوحات له ليست جمالية أو تعبيرية، بل لوحات تناقش قضايا إنسانية، متأثراً بالأحداث التي مرت على المنطقة».

ومن الفنانين اللافتين في المعرض، ويبدو متميزاً بأسلوب بصري مختلف هو الفنان عبد الستار الموسى، يقول حافظ «هو الفنان الوحيد الذي درس الفن في موسكو في السبعينات، ويمثل حالة خاصة من الناحية البصرية».

عمل للفنان عبد الستار الموسى (الشرق الأوسط)

الفن السعودي في المزادات العالمية

بما أن المعرض يقام داخل دار مزادات، فليس بالمستغرب أن تباع بعض اللوحات من العرض، وهو ما يطرح السؤال عن حظ الفنانين الرواد في السوق الفنية، وهل تختلف أسعار لوحاتهم عن غيرهم من الفنانين المعاصرين؟

يقول المنسق إن الأعمال السعودية المعاصرة منذ أن بزغت حركتها في عام 2008 تزامناً مع معرض «إيدج أوف آرابيا» في لندن، أطلقت أسماء فنانين سعوديين في العالم، ومع جولات معارض «إيدج أوف آرابيا» بدأ العالم يتعرّف على الفن السعودي، وهو ما ترجم بعد ذلك بحضور أعمال الفنانين المعاصرين في دور المزادات العالمية.

جانب من معرض «خمسين... نظرة على الفن السعودي» ويظهر فيه أعمال للفنانين عادل قريشي وسعيد قمحاوي وناصر السالم (الشرق الأوسط)

تبع هذا الاهتمام بالفن المعاصر نهضة ثانية لأعمال الرواد في المعارض، وفي المزادات «أصبح العثور على لوحات فنانين سعوديين من الخمسينات والستينات أمراً نادراً، وإذا وجدت فهي ليست للبيع. بدأت السوق تتجاوب مع هذا الشيء. مثال في المزاد الأخير في (سوذبيز) بيعت لوحة السليم بنحو مليون جنيه إسترليني، وهو رقم قياسي بكل المقاييس، وكنت أنا جزءاً من هذه القصة، بدأ الاهتمام بالشراء أيضاً مع الإعلان عن افتتاح مجموعة كبيرة من المتاحف في المملكة، ومع الإدراك أن اللوحة ممكن أن تكون استثماراً ممتازاً، نتج عن ذلك قلة المعروض، والآن يعد العثور على لوحة لمحمد السليم (على سبيل المثال) للبيع في السعودية أمراً ليس سهلاً». يضيف قائلاً: «هناك عناصر قوية أخرى تؤثر في أسعار الأعمال الفنية، منها ثقافة واطلاع رأس المال بهذه السوق، وأيضاً هيمنة وقوة الدولة المنتجة، فهذان العنصران لهما تأثير كبير في السعر، طبعاً مع دور الفنان وقصته وقوة العمل الفني».

قصة الفن السعودي... مراحل ومحطات

نتحدث عن الفن السعودي اليوم، ولكن بداياته وقصته تستحق التوقف عندها، يروي قسورة حافظ تاريخاً مختصراً لبدايات الحركة الفنية في المملكة خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين.

يقول إن البداية الحقيقية كانت مع عبد الحليم رضوي في عام 1965، مع أن التاريخ سجّل أسماء مثل الخطاط محمد طاهر الكردي، الذي نسخ المصحف الشريف في عهد الملك عبد العزيز، وصمّم الحلية المحيطة بالحجر الأسود، وله مخطوطات معروفة. يذكر أيضاً الفنان محمد راشد الذي أقام معرضاً فنياً في ثلاثينات القرن الماضي، ولكن لم تستمر المحاولة الوحيدة وقتها، بسبب عدم وجود قبول مجتمعي لهذا النوع من التعبير البصري، وهو ما يأخذنا لعام 1964، حين أقام الفنان عبد الحليم رضوي أول معرض له بعد عودته من إيطاليا حاملاً دبلوم الفنون الجميلة، «يعد الرضوي مطلق الشرارة التي لا تزال متوهجة لليوم».

حملت عودة رضوي من إيطاليا نشاطاً في الفنون البصرية، فعيّن مديراً لمعهد التربية الفنية، الذي خرّج فنانين ومدرسين للفنون. في عام 1967، أقام الفنان محمد السليم معرضه الأول في الرياض. وتبع معرض السليم في الأهمية معرض صفية بن زقر ومنيرة موصلي في عام 1978، وهكذا تشكّلت بدايات الحركة الفنية في المملكة.

يعد حافظ مرحلة السبعينات المحطة الثانية المهمة للفن في السعودية، قائلاً: «في عام 1979 حدثت الثورة الإيرانية، وفي الوقت نفسه كانت هناك طفرة البترول، وبداية مرحلة الصحوة، في تلك الفترة ظهرت أسماء جديدة على الساحة الفنية أمثال مهدي الجريبي وشادية عالم وفيصل سمرة ومحمد الغامدي، الذين قدموا أعمالاً تختلف عن أعمال من سبقوهم من حيث الأسلوب والألوان. في أعمال الجيل الأسبق كانت الألوان حية، وتحمل روحاً منطلقة». في المرحلة التالية تبدى التغيير في الأسلوب، عاكساً الأوضاع الجارية، فلجأت اللوحات إلى التجريدية والألوان الغامقة واستخدام الرموز. تلك المرحلة استمر تأثيرها حتى منتصف التسعينات حين دخلت عناصر جديدة على الثقافة المجتمعية مع دخول الأطباق الفضائية والستالايت داخل المملكة، وانطلاق ثورة التكنولوجيا والمعلومات، واكب ذلك ظهور جيل جديد متأثر بالتكنولوجيا، وبعدها صارت أحداث سبتمبر (أيلول) كانت هناك حاجة حقيقية لأن نعرف العالم بنا في وقت ندرة المعلومات عن المملكة.

في تلك الفترة، ظهرت مبادرة «إيدج أوف آرابيا» وحملت راية الفن السعودي المعاصر وعرضته للعالم، وتبع تلك المرحلة ما يحب حافظ أن يطلق عليه «عهد الإصلاح»، في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، ويمكن اعتباره المرحلة الرابعة في مسيرة الفنون بالسعودية. فشهدت المرحلة تأسيس وزارة متخصصة للثقافة التي حققت منجزات هائلة في وقت قصير، مثل تأسيس «بينالي الدرعية» للفن المعاصر، و«بينالي الفنون الإسلامية» والإعلان عن إقامة عدد من المتاحف في المملكة إضافة لتأسيس المعهد الملكي للفنون التقليدية وغيرها.