ماريلين نعمان تجمع الآلاف في بيروت المتعالية على الخطر

استعادت مقولة لبيكاسو عن «مواجهة العدو بالفنّ» ومرَّرت رسائل

تتعامل ماريلين نعمان مع «جمهورها» بإدراك حجم المسؤولية (الشرق الأوسط)
تتعامل ماريلين نعمان مع «جمهورها» بإدراك حجم المسؤولية (الشرق الأوسط)
TT

ماريلين نعمان تجمع الآلاف في بيروت المتعالية على الخطر

تتعامل ماريلين نعمان مع «جمهورها» بإدراك حجم المسؤولية (الشرق الأوسط)
تتعامل ماريلين نعمان مع «جمهورها» بإدراك حجم المسؤولية (الشرق الأوسط)

فسَّر الحضور الهائل لحفل الشابة اللبنانية ماريلين نعمان، الزحمة الخانقة باتجاه «الفوروم دو بيروت» ليل الأحد. مقاعد عددها بالآلاف امتلأت، وحناجر تحالفت لأداء أغنياتها بصوت متّحد. بدا المشهد «غريباً». كيف لفنانة في البدايات أن تحشد هذه الضخامة؟ يأتي الجواب بأنها التركيبة. فهي صوتٌ تجتهد لصقله، واختيار أغنيات تتحلّى بالقُرب والبساطة، واقتناص ابتسامات القدر.

حناجر تحالفت لأداء أغنياتها بصوت متّحد (الشرق الأوسط)

طبعُ الفرص أن تبخَل وتصيب مُنتظريها بالخيبات. في ماريلين نعمان ميزةُ جَذْبها. شكَّل حضورها الدرامي والغنائي في مسلسل «ع أمل» (رمضان الماضي) الفرصة الكبرى. رسم منعطفَ شابة كاراكتيرها مُهيّأ للوصول، وتربتها صالحة لنموّ الخيرات. ينضج الظرف لولادة نجمة. لذا وَفَد الآلاف نحو حفل صمَدَ أمام تسلسُل إلغاء الحفلات. ردّدوا أغنياتها وباقة بالفرنسية والإنجليزية، ومن روائع زكي ناصيف وزياد الرحباني وملحم بركات...

نظرت إلى المدّ الآتي من أجلها وقالت الحقيقة: «أنتم كثيرون عليَّ... ورائعون». الاعتراف بالكثرة يُحمّلها هَمَّ الغد. يجعل سؤال «ماذا بعد؟» مُلحَّاً وقاسياً. لا تبدو ماريلين نعمان من الصنف المُستخفّ. تتعامل مع «جمهورها» بإدراك حجم المسؤولية. ولعلّها تعلم أنّ الاستمرار أصعب من النجاح، والبقاء مُعذِّب أحياناً. تجتهد لتستحقّ الضوء، وتسعى، فلا يخفُت بعد أقصى الوهج.

الممثلة والمغنّية تجاوزت شوطاً كبيراً لتحصُد الحضور الضخم (الشرق الأوسط)

هذه حفلات تُنظَّم لأسماء تحجز المقاعد بمجرّد طرح التذاكر. لكنّ الممثلة والمغنّية استطاعت تجاوُز شوط كبير لتحصُد العدد الضخم مقارنةً بسنّها ومشوارها. كان «الفوروم» الشاسع لها، فاستعدَّت. لم تأتِ بوصف الأشياء مضمونة. النجاح لن يكون يوماً جاهزاً. هو حصاد الزرع وقطاف التعب. تراءى بالعناية بما ارتدته وغنّته وتحضَّرت له. حين قالت للجمهور «أنتم كثيرون عليَّ»، أدركت في تلك اللحظة أنه لا خيار سوى مَنْح كل ما فيها لتلك الكثرة. غنَّت، وأرخت جسدها ليكون عفوياً في التفاعل مع النغمات. تحرَّرت من الجمود جرّاء الرهبة. كان المسرح لها مثل فراشة تعبُره كأنها تحلّق أمام مرآتها.

التوجُّه بكلمة إلى الحشد حَمَل شكل رسالة. فالشابة التي أطلَّت بألوان أمنيات ساندريلا ولمعان سنِّها الحالمة، اقتطفت مقولة لبيكاسو: «ليست غاية الفنّ تزيين الصالونات. إنه سلاح هجومي ودفاعي ضدّ العدو»، وشرحت العِبرة: «احملوا أسلحتكم وغنّوا معنا». أعلن التصفيق موافقةً جماعية. فالآتون يدركون أنّ الفنّ نجاة والأغنية نجدة. خدعة؟ لا بأس. في لبنان، نحتمل الأهوال بهذه الأوهام الجميلة.

لأغنيات ماريلين نعمان «طَعْم». لنقُل إنه رشّة خاصة تُطيِّب جميع الوجبات. بالبسيط والمُحمَّل بُعدَ الشعور والتجربة، تشقّ الطريق. أغنية «هيداك البرد»، مثلاً، تمسُّ شيئاً في الداخل. «في نوع برد بهالدني/ بغلغل جوات البيوت/ لو قد ما تشعّلو حطب... ». الفنانة تمنح الكلمات نَفْسَها وصدق الأنثى. يتقبّل الناس ويتفاعلون بسبب ذلك الصدق. البساطة المُعبِّرة تبقى مطلباً أكيداً رغم تقلّبات العصر. هي عكس الخاوي والمُكرَّر والمُتوقَّع بذريعة سرعة إنسان اليوم وتراجُع المعنى إلى مرتبة دنيا.

ينضج الظرف لولادة نجمة (الشرق الأوسط)

مرَّرت رسالتين بعد الأولى المباشرة المتعلِّقة بعظمة المواجهة بالفنّ: «سوق الكذابين»، أغنيتها المولودة من الغضب؛ والثانية عنوانها التعالي على الخطر، عبر أغنية غسان صليبا «غريبين وليل». قالت إنّ «سوق الكذابين» ينبغي أن تُغنَّى «اليوم أكثر من أي وقت». فالواقع اللبناني يجعلها صرخة اعتراض على المرارة: «الكذبة أرحم من الحقيقة عنّا بسوق الكذابين/ يا مية أهلا وسهلا فيكن عنّا بسوق الكذابين». وبعد غناء على وَقْع الغيتار، وما ردَّده الناس عالياً، «من بعد أمرك»، المُنتصِرة بمعانيها للمرأة وخياراتها، وأغنيات بينها «معلومات مش أكيدة» لزياد الرحباني؛ أرادت بـ«غريبين وصيف بالخطر يسهروا» الإشارة إلى بيروت. فالساهرون بالآلاف في ليلها المُهدَّد يطاردون البهجة مهما كلَّفت.

ماريلين نعمان وجوزيف عطية... النجاح قطافُ التعب (الشرق الأوسط)

أرجأت «متل الغيمة» لعلمها أنها منتَظرة جداً. ولمّا أريد للحفل وجهٌ مجبوب، حضر الفنان جوزيف عطية وشاركها نجاحها. أخبرته أنّ الغناء معه شكَّل يوماً أحد أحلامها منذ كانت صغيرةً تُشاهده في برنامج الهواة «ستار أكاديمي». ردَّ بأنه واثق من تحقُّق جميع أحلامها لأنها «فنانة صادقة». ماريلين نعمان رجاء جيل بألا يشكِّل الإحباط قدره.


مقالات ذات صلة

إنهاء أزمة منع هيفاء وهبي من التمثيل في مصر بالتصالح

يوميات الشرق الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي (فيسبوك)

إنهاء أزمة منع هيفاء وهبي من التمثيل في مصر بالتصالح

انتهت أزمة الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي مع نقابة المهن التمثيلية في مصر بالتصالح، بعد أن كانت النقابة أصدرت قراراً بوقف الترخيص لها بالتمثيل في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان المصري الراحل محمد فوزي (الشرق الأوسط)

منير محمد فوزي يتحدث عن والده «الكاره للنكد والمحب للفرح والمرح»

رغم مرور أكثر من نصف قرن على رحيل الفنان المصري محمد فوزي، فإن أفلامه وألحانه ما زالت تمثّل جزءاً أصيلاً من الحركة الفنية والموسيقية في مصر.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق عازف العود السوري سلام بشر (الشرق الأوسط)

سلام بشر يعزف مقطوعات تراثية وعالمية بمصاحبة «موسيقى الحجرة»

يمزج الفنان السوري سلام بشر بين المقطوعات الموسيقية العربية التراثية وبين الموسيقى العالمية، في حفل بـ«بيت العود العربي» في القاهرة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق يلتقط عشاق المغنية الأميركية تايلور سويفت صوراً لجدارية في ويمبلي قبل حفل جولتها الموسيقية 14 أغسطس 2024 (د.ب.أ)

من لندن... تيلور سويفت تستأنف جولتها الموسيقية بعد تهديدات إرهابية

تعود المغنية الأميركية، تيلور سويفت، لتقديم عروضها، الخميس، في العاصمة البريطانية لندن، مستأنفة أكبر جولة موسيقية على الإطلاق في العالم وسط إجراءات أمنية مشددة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق هيفاء وهبي تواجه المنع من العمل بالغناء والتمثيل في مصر (إنستغرام)

منع هيفاء وهبي من التمثيل والغناء في مصر

أصدرت نقابتا المهن التمثيلية والموسيقية المصرية قراراً بإيقاف الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي عن العمل بالغناء أو التمثيل في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مجسم أمام حديقة الحيوان في مصر يجدد الجدل بشأن «التماثيل المشوهة»

مجسم الغزالة أمام تمثال نهضة مصر يثير جدلاً بين أوساط التشكيليين المصريين (فيسبوك)
مجسم الغزالة أمام تمثال نهضة مصر يثير جدلاً بين أوساط التشكيليين المصريين (فيسبوك)
TT

مجسم أمام حديقة الحيوان في مصر يجدد الجدل بشأن «التماثيل المشوهة»

مجسم الغزالة أمام تمثال نهضة مصر يثير جدلاً بين أوساط التشكيليين المصريين (فيسبوك)
مجسم الغزالة أمام تمثال نهضة مصر يثير جدلاً بين أوساط التشكيليين المصريين (فيسبوك)

تجدّد الجدل حول التماثيل المشوهة في ميادين مصرية، بعد انتقادات وجهها تشكيليون ومتابعون على «السوشيال ميديا» لمجسم على هيئة غزالة مطلية باللون الذهبي أمام حديقة الحيوان بالجيزة، ما أثار عاصفة من الاستياء في الأوساط التشكيلية ضد الجهات التي تسعى لتجميل الميادين وتطويرها دون استشارة المتخصصين.

وكتب الفنان التشكيلي محمد عبلة على صفحته على «فيسبوك» يتساءل: «من المسؤول عن وضع مجسم الغزالة أمام تمثال نهضة مصر؟»، وطالب بتوضيح من وزارة الثقافة والسياحة بشأن ما جرى. وقال محمد عبلة لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود المجسم بجوار تمثال نهضة مصر مُسيء جداً، ويعكس نوعاً من عدم التقدير لفنان كبير هو محمود مختار، الذي يعدّ (أبو النحت) في مصر الحديثة».

وتساءل محمد عبلة: «هل يجدون صعوبة في التواصل مع نقابة التشكيليين لاستشارتها وطلب مساعدتها في تطوير وتجميل الساحة المواجهة للحديقة، لماذا الاستسهال؟! هل هناك أبسط من التواصل مع الفنانين المعنيين بالأمر؟ أم أن الأسهل شراء تماثيل جاهزة من السوق لا تصلح إلا لاحتفالات الكريسماس لوضعها في مواجهة واحد من أهم تماثيل مصر في العصر الحديث!».

مجسم الغزالة موضع الجدال أمام بوابة حديقة الحيوان (فيسبوك)

وأضاف محمد عبلة: «لو كانوا يريدون وضع غزالة أمام الحديقة فما أسهل العودة لتراث مصر من التماثيل التي تركها المصريون القدماء لغزلان وكثير من الحيوانات يمكن استنساخها، لكنه الاستسهال والاسترخاص ولا شيء آخر، وهو أمر يجب أن تتصدى له نقابة التشكيليين لمنع تكراره».

ولفت محمد عبلة إلى أن «مجسم الغزالة الموضوع أمام تمثال نهضة مصر يشكل اعتداء على قرارات حكومية موجودة بالفعل وتمنع وضع أي عمل في الميادين والساحات في كل أنحاء مصر دون موافقة وإشراف نقابة التشكيليين ووزارة الثقافة، وهما الجهتان المنوطتان بذلك».

يُذكر أن هناك أكثر من واقعة سابقة أثارت جدلاً بسبب تماثيل مشوهة وُضعت في ميادين مصرية، من بينها تمثال نفرتيتي الذي أقيم في محافظة المنيا (جنوب مصر)، وأثار عاصفة من السخرية بعد انتشار لقطات له على مواقع التواصل الاجتماعي، مما دعا المسؤولين هناك لرفعه، ووضعه في إحدى المدن التابعة للمحافظة.

عمل يمثل القائد أحمد عرابي في إحدى المحافظات (صورة أرشيفية)

وحدث تشويه لتمثال عباس محمود العقاد في محافظة أسوان (جنوب مصر)، وقد قامت نقابة الفنانين التشكيليين بجهود كبيرة لإعادته لحالته الطبيعية، وهناك تمثال أحمد عرابي الذي ظهر راكباً على صهوة «حمار»، حسب تعبير الفنان حمدي أبو المعاطي نقيب التشكيليين الأسبق، الذي قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه أثناء توليه مسؤولية النقابة في السابق: «لم يطلبوا مساعدتنا من قبل، ونفاجأ من وقت لآخر بأعمال غريبة هنا وهناك في طريق (مصر - الإسكندرية الصحراوي)، وفي المنيا، وقد ظللنا من 2015 حتى 2020 نناهض مثل هذه التماثيل، ونتحرك لإزالتها ورفع آثارها السيئة من الميادين والشوارع».

وذكر أبو المعاطي أن «رئيس الوزراء الراحل شريف إسماعيل أصدر قراراً رسمياً في 2015 بمنع أعمال التجميل في الشوارع والميادين دون الرجوع للنقابة ووزارة الثقافة، لكن لا أحد يعمل به، رغم أن هناك لجنة تشكلت برئاسة المسؤول الأول على رأس جهاز التنسيق الحضاري المهندس محمد أبو سعدة، لكن لا شيء يتم، والأمور تجري كما يريد المقاول الذي يُسند العمل له».

ويرى أبو المعاطي أن «وجود مجسم الغزالة في مواجهة تمثال نهضة مصر يشكل نوعاً من التجاهل للفن والفنانين، ويعد تجرؤاً على قيمة النحات محمود مختار وتمثاله الهام».

وشكّل النحات المصري محمود مختار تمثال «نهضة مصر» عام 1928 من حجر الغرانيت، ويعدّ رمزاً لمصر الحديثة، وأهم أعماله على الإطلاق، كما أن له دلالة خاصة في الإشارة للأحداث السياسية التي مرت بها مصر في تلك الفترة الهامة حين كانت تطالب بالاستقلال، ومُوّل صنع هذا التمثال بالاكتتاب الشعبي.

لا يوجد دور تنفيذي لنقابة التشكيليين يجعلها تقف ضد مثل هذه المجسمات المشوهة، لكن جهاز التنسيق الحضاري، حسب قول أبو المعاطي، لديه القدرة على إزالة مثل هذه الأعمال؛ استناداً لحق الضبطية القضائية التي يملكها، ويتمكن بمقتضاها من مقاومة مثل هذه التشوهات.

من جهته، قال الفنان التشكيلي سمير عبد الغني لـ«الشرق الأوسط» إن «عدم وجود مرجعية هو السبب الأساسي في كل ما يحدث من اعتداءات على الميادين وما يصيبها من تشوهات»، وأضاف: «لو كان محمود مختار لا يزال على قيد الحياة لمات كمداً من هذا الاعتداء على تمثاله الذي قضى فترة طويلة في إنجازه».