ليس الزمنُ زمنَ صناعة نجوم، بل بناءِ بشرٍ يتحصّنون بالعلم والثقافة ليصبحوا مؤثّرين فلا يكتفون بأن يكونوا فنانين. هذه هي القاعدة التي لطالما ارتكز إليها رئيس مجلس إدارة «غلافا هولدينغ» غسان شرتوني، كلّما وقّع عقد إدارة أعمال مع موهبةٍ موسيقية صاعدة.
إنها نظريّة الـ360 درجة التي يتمسّك بها شرتوني، والتي تقضي بأن يخضع الفنّانون المنضوون تحت لواء شركته لدوراتٍ في اللغات، والأداء الإعلامي، والصحة النفسية، وغيرها من التدريبات التي تسهم في «بناء الشخصية الفنية على أسس إنسانية وعلمية». إلّا أن هذه المقاربة الشاملة لا تقتصر على ذلك، بل فيها ما يشبه الاستحواذ على الفنان. مع العلم بأنّ شركتَي إدارة الأعمال «ميوزيك إز ماي لايف» والتوزيع «وتَري» المنبثقتَين عن مجموعته، تضمّان أسماء بارزة في عالم الأغنية مثل يارا، وناصيف زيتون، ورحمة رياض، والشامي، ومرتضى فتيتي، ولين حايك وغيرهم.
فنانون «براند»
يشرح شرتوني تلك النظرية بالقول: «توقيع عقد 360 درجة مع الفنان يقضي بالإنتاج له وإدارة أعماله وتنظيم علاقته بالعلامات التجاريّة. وهذا يعني أنّ للشركة حصة أساسية من مداخيل الفنان كلّها، سواء كانت تلك الواردة من الحفلات، أو الإعلانات، أو الأفلام والمسلسلات التي يشارك فيها، إضافةً إلى إيرادات الاستماع إلى أغانيه على المنصات الرقميّة».
لا يوارب شرتوني بل يقرّ: «صحيح أننا نحتكر الفنان لكنه احتكار إيجابي يخدم مصلحته ويحوّله إلى (براند) أو ماركة». يتابع موضحاً: «نحتكره وهو لا مال لديه ثم يبدأ بكسب المال. نحتكره برِضاه ونحميه بالتالي من احتمالات التدمير الذاتي. نحصّنه بفريق عمل ونسلّحه بالعلم والمعرفة. غالبيّة نجومنا العرب لم تكن نهايتهم جيّدة، لأنهم لم يتحصّنوا بالعلم وبإدارة الأعمال التي تحميهم».
قفزة رقميّة
قبل أسابيع اختارت منصة «ميوزيك بيزنس وورلدوايد» الإعلامية العالمية غسان شرتوني، كإحدى الشخصيات الرائدة في القطاع الموسيقي حول العالم. يعلّق بالقول إنّ هذه إحدى ثمار جُهدٍ متواصلٍ منذ سنوات طويلة؛ «جهدٌ بدأ في زمن لم يكن من الممكن الحديث فيه عن صناعة موسيقى، وهو مستمرّ في حقبة الأرقام والمداخيل وازدهار القطاع».
انطلقت رحلة شرتوني وشركاته مع إدارة أعمال الفنانين وتوزيع الأعمال الموسيقية ونشرها، في زمن طفرة القرصنة على شبكة الإنترنت، والتي قضت على مبيعات الكاسيت والسي دي آنذاك، مطيحةً بحقوق الفنانين وبغالبيّة شركات الإنتاج التقليديّة. «في وقتٍ فشلت غالبية الشركات في تحقيق تلك النقلة ما بين الزمن التقليدي والعصر الرقمي، حققنا القفزة»، يقول شرتوني.
النموذج السعودي
يبدو متفائلاً حيال مستقبل قطاع صناعة الموسيقى في العالم العربي، معتبراً أنّ «السنوات العشر المقبلة ستحمل أثراً إيجابياً كبيراً على اقتصاد الدول العربية، إن هي عرفت الاستفادة من هذا القطاع». ينوّه هنا بالدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في هذا المجال، قائلاً «إن ما صنعته المملكة خلال 36 شهراً من خلال رؤيتها الموسيقية، تحتاج الدول إلى 30 سنة لإنجازه»، آملاً في أن يكون هذا النموذج مُعدياً لبلدان المنطقة.
وفق شرتوني، فإنّ نقاط القوة التي يمكن أن تخدم قطاع صناعة الموسيقى العربية هي «لغتنا التي توحّدناً، ولهجاتنا العابرة لحدودنا، إضافةً إلى عددنا الكبير». يدعمها كذلك كون الشعوب العربية عاطفيّة وتحب الموسيقى.
في المقابل، ما زال يعاني هذا القطاع من نقاط ضعف كغياب الاستثمارات، والنقص في شركات الإنتاج المتخصصة، وفي القدرات البشرية المحترفة من منتجين إلى مسوّقين وسائر المِهَن المرتبطة بصناعة الموسيقى. ويأسف شرتوني هنا لأنّ «الشركات العالمية جاءت لتستثمر فينا، ونحن لم نستثمر في أنفسنا».
لكن رغم ذلك فإنّ المشهد ليس قاتماً، إذ إن إيرادات الموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفعت بنسبة 14.4 في المائة خلال 2023، متفوّقةً على النموّ العالمي بنسبة 10 في المائة. ويكشف شرتوني أن سوق الموسيقى العربية تحتل المرتبة 25 عالمياً في الوقت الحالي، متوقّعاً أن تخترق المراتب الـ10 الأولى خلال السنوات المقبلة. أما أهمّ ما سيدفع باتّجاه ذلك، وفق شرتوني، فهو ترسيخ ثقافة الاشتراك في المنصات الرقمية للبث الموسيقي؛ وهي ثقافة ما زالت غريبة على العرب الذين يتردّدون في تسديد مبلغ، ولو زهيد، مقابل الاستماع إلى الموسيقى.
أبرز قصص النجاح
بالعودة إلى قصص النجاح التي كتبتها «ميوزيك إز ماي لايف»، تبقى أبرزها الشراكة مع الفنان السوري ناصيف زيتون، والمستمرة منذ 12 سنة. كانت تجربة طليعيّة تَحوّل خلالها زيتون من فائزٍ في برنامجٍ للهواة، إلى أحد النجوم الأكثر استماعاً ومبيعاً في العالم العربي. يقول شرتوني إنّ «زيتون صار شريكنا ونفتخر به، كما أنه بات يملك شركة إنتاج خاصة به. معه خلقنا نموذجاً جديداً ونأمل في أن يُعمّم في العالم العربي».
لا تهمّ شرتوني العقود قصيرة الأمد مع الفنانين، بل يتطلّع إلى شراكاتٍ نوعيّة أساسها الاستمراريّة. والدليل على ذلك أنّ زيتون «بات يحضر اجتماعات مجلس الإدارة ويشارك في الدورات التدريبية، مع إبقاء الأولويّة للفن».
أما قصة النجاح الثانية والتي ما زال حِبرُها رطباً، فهي تلك التي تُكتب حالياً مع النجم الصاعد «الشامي». انضمّ المغنّي السوري إلى «ميوزيك إز ماي لايف» ولمح فيه شرتوني أكثر من ظاهرة عابرة، بل تجربة موسيقيّة ستمتدّ سنوات. يقول إنه لم يخترع «الشامي»، بل إن «الشاب خرج من معاناة مزدوجة هي الحرب في بلده ثمّ وفاة شقيقه الأصغر في الغربة، والمعاناة تنجب الفن».
يقول شرتوني إن الفرق بين «الشامي» وعشرات المواهب الجديدة، أنه «جادّ وعلميّ في اللون الموسيقي الذي يكتب ويلحّن ويغنّي». ويضيف: «كثيرون غيره قصدونا ورفضناهم. فمن بين كل 100 موهبة نختار واحدة للعمل معها».
شركات للفنانين
يسعى شرتوني حالياً إلى زيادة عدد شركات التسجيل الفرعيّة من 4 أو 5 إلى 20، وهو كشف أنه يعمل على إطلاق شركات رقميّة لبعض الفنانين، ما سيمكّنهم من دخول مجال التجارة الإلكترونية، وتعزيز مكانتهم في السوق الرقميّة، بالتوازي مع تحقيقهم دخلاً إضافيّاً.
أما الوعد الأكبر الذي يقطعه على نفسه، فهو نشر موسيقى شركاته على نطاق عالميّ من خلال خلق مزيدٍ من القصص الناجحة والنجوم الملهمين.