«حفلة»... فن سعودي ومجوهرات شرقية وخط عربي في لندن

تحتضنها دار سوذبيز

لوحة الفنان عبد الحليم رضوي (سوذبيز)
لوحة الفنان عبد الحليم رضوي (سوذبيز)
TT

«حفلة»... فن سعودي ومجوهرات شرقية وخط عربي في لندن

لوحة الفنان عبد الحليم رضوي (سوذبيز)
لوحة الفنان عبد الحليم رضوي (سوذبيز)

«حفلة»، عنوان مرح ومضياف، ينبئ عن لقاء يجتمع فيه أطياف من الأصدقاء، هو العنوان الذي تجمّلت به دار سوذبيز بمقرّها اللندني، انطلاقاً من المدخل للقاعات وانتهاءً بالمقهى، كل الأماكن اتّشحت بالزخارف الشرقية، وتناثرت الملصقات التي تحكي بالإنجليزية والعربية عن تعاوُن جميل بين مبدعين ومؤسسات عربية ودار المزادات العالمية.

فما هي قصة «حفلة»؟ الحدث هو نتيجة مجهودات عدد من العاملين في مجالات الفنون والمجوهرات والتصميم، من السعودية والبحرين، لعرض نماذج من الثقافة العربية الغنية، نرى من خلال جولة في الدار بعضَها، منها معرض ضخم لأعمال فنية من السعودية سنعود للحديث عنه، هناك أيضاً عرض للمجوهرات ذات الطابع الشرقي.

ولمحبي الخط العربي هناك قاعة منفصلة بها نماذج من أهم المخطوطات العربية، وبما أن العرض متشعّب، وقد يحتاج الزائر إلى التوقف قليلاً ما بين القاعات المختلفة، وجد المنظّمون فرصة لإبقائه أطولَ فترة ممكنة من خلال اجتذابه للمقهى الذي ارتدى الثوب الشرقي بدوره، من خلال ديكور لطيف مزخرف، وقائمة طعام تغلب عليها النكهات الشرقية.

خمسين... نظرة على الفن السعودي

تدور الحفلة حول معرض لخمسين عملاً تغزل منظومة الفن السعودي منذ الستينات حتى الوقت الحالي، وتأتي الأعمال في هذا المعرض المهم من جميع أنحاء المملكة، كما تشير الخبيرة كريستيز ألكساندرا روي. تتحدث روي عن دور قيّم العرض قسورة حافظ -وهو صاحب صالة فنية في جدة تحمل اسم عائلته- في جمع القطع المعروضة، بعضها استعاره من الفنان أو من عائلته، كما استقى أعمالاً من الفنانين أنفسهم، أو من مقتنين آخرين، مثل المقتنية بسمة السليمان.

سلسة من أعمال للخطاط السعودي عبد الرحمن الشاهد (سوذبيز)

يجب القول هنا إنَّ حافظ نجح في تنسيق العرض حسب الفترة الزمنية، وألقى الضوء من خلال اللوحات المختارة على فترات من الفن السعودي قد لا يعرفها الكثيرون.

وفي لقاء مع خبير الدار أشكان باغستاني، ليلةَ افتتاح العرض، أشار قسورة حافظ إلى الفترة من منتصف الستينات إلى 1979 بوصفها فترة شهدت بزوغ حركة فنية سعودية، تمثّلت في جيل الروّاد عبد الحليم رضوي ومحمد السليم ومنيرة موصلي وصفية بن زقر، وجميعهم لهم لوحات في المعرض.

الفترة الثانية من تطور الفن السعودي تزامنت مع أحداث محلية وعربية ألقت بظلالها على المجتمع السعودي، وأثّرت في الإنتاج الفني، حيث انتشر الفكر المتشدّد الرافض لأنواع الفن، من تلك المرحلة نرى أيضاً أكثر من عمل لفنانين عملوا في تلك الفترة، بعضهم لم يعرض أعماله، واكتفى ببيع بعضها على نحو خاص.

لوحة للفنان عبد الجبار اليحيى (سوذبيز)

الفترة الثالثة في التسعينات، حيث عادت بعض الحياة للحركة الفنية، وأصبحت أكثر قوةً في بداية الألفية الثانية، حيث ظهرت أصوات فنية شابة نجحت في خلق حركة فنية معاصرة، ظهرت في أعمال لفنانين أمثال: أحمد ماطر ومنال الضويان وراشد الشعشعي ومساعد الحليس ولولوة الحمود، وغيرهم من الفنانين الذين نرى بعض أعمالهم هنا أيضاً.

تأخذنا روي في جولة بين أهم الأعمال المعروضة في أكثر من قاعة، وتشير إلى أن فكرة المعرض كانت من بنات أفكار قسورة حافظ، الذي قام بجهد كبير في جمع وتنسيق الأعمال، لتبرز أهم الأسماء والاتجاهات الفنية في الفن السعودي.

وتنطلق الجولة مع جيل الروّاد، تقول روي: «نعرف أنهم سافروا لدراسة الفن في الخارج، فمنهم من سافر إلى إيطاليا، وآخرون لفرنسا ومصر والعراق، وأيضاً روسيا، مثلما في حال الفنان عبد الستار الموسى. ومع عودتهم كان من المهم أن يعثروا على الأسلوب الذي يميّزهم بصفتهم فنانين من السعودية، والوصول إلى لغة بصرية تميّزهم».

لوحة للفنان السعودي محمد السليم (سوذبيز)

وبالنظر إلى الأعمال نرى أن الفنان محمد السليم نجح في خلق أسلوب خاص به، سمّاه لاحقاً بـ«الآفاقية»، وكذلك تميّزت لوحات الفنان عبد الحليم رضوي، ونرى هنا منها لوحة نفّذها الفنان عام 1989، وتتميّز بألوانها الحية، والحركة التي تمثّل حياة المدينة.

وترى روي أن من العناصر التي ميّزت أعمال جيل الروّاد كانت تأثير المشهد الطبيعي وعناصر التراث، الظاهرة عبر النقشات والألوان مميزة. والثقافة المحلية أيضاً ظهرت حتى مع استخدام أسلوب غربي، كما يظهر في لوحة الفنان عبد الرحمن السليمان «القارئ»، التي نفّذها عام 1980، وجمع فيها بين الشخصية المحلية المتمثّلة في رجل بالرداء العربي يقرأ القرآن والأسلوب التكعيبي في الرسم.

ومن اللوحات المهمة هنا أيضاً لوحة «الزبون» للفنانة صفية بن زقر، وهي لوحة أيقونية، وربما يمكن عَدُّها أكثر لوحة معروفة في الفن السعودي، وتشير روي إلى أن اللوحة المعروضة أمامنا ليست الأصلية، بل هي نسخة تحمل توقيع الفنانة، ومن المهم ملاحظة أن لوحات الفنانات الرائدات منيرة موصلي ونبيلة البسام تُعرض بجانب لوحة صفية بن زقر، وكأنها تمثل تحية للرائدات في المملكة.

المجوهرات العالمية بلمسة شرقية

في مدخل الدار يقع مجلس أنيق لعرض المجوهرات الراقية، واستعداداً لـ«حفلة» ارتدى رداءً من النقوش العربية الملونة، وفي داخله امتزجت المجوهرات مع الأعمال الفنية المشرقية. الصالون يقدّم مجموعة من مختارات شركة «A2Z» للاستشارات الفنية، التي أسّسها مقتني الفنون المعروف عبد الرحمن الزياني.

يقول الزياني إنه أراد أن يعرض مجموعة منتقاة من المجوهرات المميّزة في صالون سوذبيز، وهو مساحة أنيقة افتُتحت حديثاً.

وبالنسبة إلى العرض والمكان يشير الزياني إلى أن العرض سيحمل إحساساً شرقياً باذخاً، فهو حريص على إضافة لوحات استشراقية من مجموعة الدار لمساحة العرض، مكملاً المشهد الشرقي بقِطع مميزة، مثل الصناديق الخشبية المزخرفة وغيرها، يقول: «أردت أن أعطي إحساساً للزائر بأنه يخطو داخل لوحة استشراقية».

جانب من عرض المجوهرات في صالون سوذبيز (الدار)

ومن القِطع التي يعرضها يشير إلى عِقد من اللؤلؤ يحمل التصميم الهندي الباذخ، ويشير إلى أن غلبة التصميمات الهندية المعروفة بالأحجار الثمينة وبالألوان، يتّسق مع الأجواء هذه الأيام، خصوصاً مع إقامة حفلات الزفاف الهندي لابن الملياردير موكيش أمباني.

وبالنسبة إلى القطع الأخرى يقول إنَّ تصميماتها تتقاطع ما بين التأثيرات الشرقية والهندية، مشيراً إلى أن المنطقة العربية ما زالت تحب وتهتم باقتناء المجوهرات الفخمة أكثر من أي مكان في العالم.

حقائب إنجليزية بطابع سعودي

تعرض الدار أيضاً مجموعة من الحقائب النسائية محدودة الإصدار، صممَتها الأميرة نورة الفيصل مستوحيةً التراث السعودي، وقد ابْتُكِرت هذه التصاميم بالتعاون مع دار آسبري الإنجليزية وعلامة «نون» التجارية الخاصة بالأميرة، لتكريم المناطق الخمس الرئيسية في المملكة، وتعرض المصمّمة تنوُّع المناطق وثراءها عبر الألوان والزخارف المميزة لكل منطقة.

حقائب إنجليزية بلمسة تراثية من السعودية (الدار)

روائع الخط العربي

في قاعة مغلقة نخطو داخل غلالة من الروحانية والإبداع الذي تخطّى القرون، فهنا مجموعة من أهم المخطوطات العربية، والنماذج لروائع الخط العربي.

مخطوطة من «المصحف الأزرق» النادرة (سوذبيز)

يصحبنا إدوارد غيبز رئيس مجلس إدارة الدار بالشرق الأوسط والهند، في جولة سريعة، منطلِقاً من أهم قطعة في المعرض، وهي مخطوطة من «المصحف الأزرق» النادر.

يقول غيبز إن القطعة «استثنائية في تصويرها لنقطةٍ في خطِّ تطوُّر فن الخط العربي، هي متفردة في أنها مكتوبة بالذهب على رقع من الجلد المصبوغ باللون الأزرق، وهي عملية مكلّفة جداً، وهو أمر يشير إلى رفعة نسب هذه القطعة».

وبالنسبة إلى القِطع الأخرى المعروضة يشير غيبز إلى أن عملية الاختيار أخذت في الاعتبار الجودة، ولكن تحديداً الخط والخصائص المميّزة للنص، وموقعها في رحلة تطوُّر فن الخط العربي على مدى 1400 عام.

ومن القطع اللافتة في المعرض مخطوطة قرآنية من الصين تتميّز باستخدام طرق الكتابة بالخط الصيني، يبرز فيها أثر الفرشاة في كتابة الأحرف «كالشَّعر الممشّط» كما يعلّق غيبز.


مقالات ذات صلة

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.