«قاع البحر» للتشكيلية اللبنانية ندى عيدو: نداء لمراجعة مشاعر دفينة

تعكس لوحاتها الزيتية عمق الداخل والإحساس الشخصي

تحمل لوحات عيدو حركة فرشاة تُشبه «قاع البحر» (الشرق الأوسط)
تحمل لوحات عيدو حركة فرشاة تُشبه «قاع البحر» (الشرق الأوسط)
TT

«قاع البحر» للتشكيلية اللبنانية ندى عيدو: نداء لمراجعة مشاعر دفينة

تحمل لوحات عيدو حركة فرشاة تُشبه «قاع البحر» (الشرق الأوسط)
تحمل لوحات عيدو حركة فرشاة تُشبه «قاع البحر» (الشرق الأوسط)

تعكس لوحات الفنانة التشكيلية اللبنانية ندى عيدو، في معرض «قاع البحر»، مشاعرها الدفينة؛ إذ تصوّرها مرآةً تتلألأ فيها أفكارٌ عميقة، فتنتابها حالة من الحلم الواقعي، وتخرجها في جرعات ملوّنة بأحاسيسها الشخصية. تتلفّت يميناً ويساراً لتبدأ رحلتها مستكشفةً أقاصي الهاوية.

يُقام المعرض في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة في بيروت. وفي صالة شاسعة تتوزّع الأعمال الـ15. فبأحجام كبيرة وجولات وصولات بفرشاة سميكة مشبَّعة بالألوان الزيتية، تنثر الفنانة موضوعاتها. ويطبع هذه الأعمال صدى عمق التجربة مُترجَمة بألوان داكنة، ومرات أخرى بالأبيض الطاغي لتولّد حالات اعتراف صريحة.

النور في اللوحات ينساب من عتمة الأعماق (الشرق الأوسط)

توضح ندى عيدو لـ«الشرق الأوسط»: «جميع لوحاتي تُحاكي مشاعري الخاصة في أعماقي. كلّ منّا يملك هذه المشاعر التي علينا محاكاتها بين وقت وآخر. نُخرج ما نخاف أن نجاهر به علناً، ونحاول من خلالها تفريغ هذا الداخل من أحمال ثقيلة».

من عناوين لوحات ندى عيدو، تستطيع تكوين فكرة عن كلّ منها: «الباطن»، و«رقصة الطحالب»، و«انعكاس الليل»، و«هاوية ليلية»، وغيرها. جميعها تستوقفك بأشكالها وألوانها المُبهمة، فتحاول إدراك هذا العالم الباطني الذي تُجاريه بفرشاتها. وقد يُخيّل إليك أنّ بعضها يعجّ بزحمة ناس تُصوّرهم على هيئة أشباح متجمّدة. فيما أخرى تجمع الأطفال والكبار في السنّ يلوّحون لك من بعيد. تفرش ندى عيدو مساحات لوحاتها الشاسعة بالحلم، فيغرق ناظرها بموجات وذبذبات تُشبه التنويم المغناطيسي. تقول: «لا بدَّ أن يشعر مُشاهدها بأنه يسبح؛ لأنها تنبع من أعماق عالم مياه البحار. في داخلنا محيطات شاسعة، كلّما تعمّقنا بها، أدركنا حقيقتنا. وأرتكز في رسوماتي على الشفافية، لأسهِّل وصول رسائلي. في داخل أعماقنا حياة وعالم آخر تماماً مثل عالم البحار. واللافت فيها أنها غير مرئية من الآخر». وتضيف: «أنْ نغطس في هذا العالم هو قصة في ذاتها، وما علينا سوى اكتشاف حناياها».

الأبيض يطغى على عدد من لوحات عيدو (الشرق الأوسط)

تتفرّج على لوحات الفنانة من دون ملل. يستلزمك الوقت لتستقي منها العبرة والرسالة: «الرسالة التي أرغب في إيصالها من خلال لوحاتي، هي أنّ أحداً لا يمكنه سبر أعماقنا. إنها مساحة حرّة وخاصة في آن معاً. ويلزمنا القرار لسبرها بدورنا».

وعن التقنية التي تستخدمها، ردَّت: «أحمل فرشاتي وأغطّسها بالألوان الزيتية، وأولّد لها مساحتها. أختار لها طرقاتها ومسارها فتتملّكني حالة استكشاف. في النهاية القرار لي؛ فأنا مَن يعرف أي طريق سأسلك».

أما الألوان، فتنتقيها وفق مزاجها: «ألوان كلّ لوحة تتحدّث عنها بأسلوب مباشر أو بالعكس. لا أخطّط في خياراتي مسبقاً، وإنما تنساب تلقائياً من فرشاتي».

النزول إلى الهوّة ليس بالأمر السهل، وفق ندى عيدو. فعندما نمارس هواية الغطس في البحار نصل إلى مستوى معيّن مسموح لنا، «لكنني، في لوحاتي، تجاوزتُ هذه الحدود لأصل إلى الأعمق. فالعالم هنا فيه كثير من الهدوء والسكينة. وكلّما غصنا فيه، اكتشفنا ذاتنا بشكل أوضح».

ندى عيدو أمام إحدى لوحاتها (الشرق الأوسط)

ترفض الفنانة عدَّ أسلوبها في الرسم من نوع الفنّ التجريدي: «لا ينتمي إليه؛ لأنّ كل لوحة تروي قصة، ويمكننا رؤية خطوطها بوضوح. فعندما نُجري هذه الرحلة في داخلنا، نكتشف بأنّ الأمر لا يقتصر على الهدوء فقط؛ فهو عالم متحرّك بشكل أو بآخر، ويولِّد الاختلاف بالمشاعر».

تتخيَّل ندى عيدو عالم أعماق البحار وتنقله إلى حالات إنسانية، فتُصوّره في إحدى لوحاتها، «شمس الليل»، على خلفية تمزج بين النور والعتمة. وفي لوحة «النور في الظل»، ينساب الأزرق بين طبقات ألوان زيتية داكنة.

وتختم متحدّثة عن تأثير فنّ الرسم عليها: «إنه علاج يشفيني من هموم الحياة. وأعدّ لحظة انتهائي من رسم لوحة إنجازاً لا يشبه غيره. أحياناً، أضطرّ إلى قَلْب معادلة كاملة للوحة ما، فألغيها لأُكوّن أخرى جديدة. هذا التجاذب بيني وبين كل لوحة متعة في ذاتها».


مقالات ذات صلة

الخيال أداةٌ معمارية... اللبناني رأفت مجذوب يبني عوالم ممكنة

يوميات الشرق الخيال أداة لبناء واقع بديل وفضاء يمكن العيش فيه (صور رأفت مجذوب)

الخيال أداةٌ معمارية... اللبناني رأفت مجذوب يبني عوالم ممكنة

يبتكر رأفت مجذوب فضاءات مادية ومُتخيَّلة تتيح للناس أن يشاركوا في نسج سردياتهم الخاصة، وتفتح المجال للغات متعدّدة كي تتجاور وتتحاور، على مستويات الفكر والمعرفة.

فاطمة عبد الله (الشارقة)
يوميات الشرق معرض «نبض المحروسة» يقدم رؤية فنية للقاهرة الآسرة في ساعات الليل (الشرق الأوسط)

«نبض المحروسة»... معرض بانورامي عن سحر ليالي القاهرة

من الطاقة المتدفقة في شرايين القاهرة، بفعل حركتها الدائبة ليلاً ونهاراً، يستمد الفنان المصري محمد عبد الجليل أفكار لوحاته.

محمد عجم (القاهرة)
يوميات الشرق رحيل الفنان عصمت داوستاشي (وزارة الثقافة المصرية)

الوسط التشكيلي المصري يودّع عصمت داوستاشي

ودَّعت الحركة التشكيلية بمصر الفنان عصمت داوستاشي، الثلاثاء، عن عمر ناهز 82 عاماً تاركاً إرثاً كبيراً من الأعمال الفنية والكتب الأدبية والمتخصصة في تاريخ الفن.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق اختير المنتخب من بين أكثر من 291 ألف طالب وطالبة تنافسوا محلياً (واس)

40 سعودياً ينافسون على جوائز «آيسف 2025» العالمية

أنهى المنتخب السعودي للعلوم والهندسة تحضيراته النهائية للمشاركة في «معرض ريجينيرون الدولي للعلوم والهندسة» (آيسف 2025)، الذي يُعدُّ أكبر محفل علمي تنافسي عالمي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق بألوان زاهية وأخرى دافئة ترسم ذكرياتها (الشرق الأوسط)

«أصداء الصيف»... لوحات تغمسك في بحر الذكريات اللبنانية

توثّق التشكيلية اللبنانية روزي دانيال لبنان بريشتها مستحضرة لحظات الفرح والحنين من قلب البحر والذكريات.

فيفيان حداد (بيروت)

جدل في مصر لقطع معاش عبد الرحمن أبو زهرة بداعي وفاته

الفنان عبد الرحمن أبو زهرة  (حساب نجله أحمد بموقع «فيسبوك»)
الفنان عبد الرحمن أبو زهرة (حساب نجله أحمد بموقع «فيسبوك»)
TT

جدل في مصر لقطع معاش عبد الرحمن أبو زهرة بداعي وفاته

الفنان عبد الرحمن أبو زهرة  (حساب نجله أحمد بموقع «فيسبوك»)
الفنان عبد الرحمن أبو زهرة (حساب نجله أحمد بموقع «فيسبوك»)

أثار قطع معاش الفنان المصري عبد الرحمن أبو زهرة جدلاً واسعاً في مصر، بعدما كتب نجله أحمد أبو زهرة عبر حسابه بموقع «فيسبوك» تفاصيل الأزمة التي بدأت بقطع معاش والده بسبب «مشكلة تقنية» بـ«التأمينات»، وفق بيان الهيئة.

وكتب نجل الفنان أن «هيئة التأمينات والمعاشات قامت بإيقاف معاش» والده نظراً لـ«وفاته»، وذلك حسبما أكدوا لمن ذهب كممثل عن الأسرة للاستفسار عن أسباب القطع؛ إذ أكدت «التأمينات» أن «الأحوال المدنية» أخطرتهم بوفاته.

وأوضح أبو زهرة أنهم «اعتادوا على مثل هذه الشائعات» التي تطلق على والدهم بين الحين والآخر، وكانت تضايقهم وتضطرهم إلى نفي ما يثار، وبمرور الوقت أصبحوا لا يهتمون بها، لكن أبو زهرة أفاد بأن خبر الوفاة هذه المرة جاء عبر مؤسسة تابعة للدولة وليست شائعة، مثلما كان يحدث من قبل.

الفنان عبد الرحمن أبو زهرة ونجله أحمد (حساب أحمد بموقع «فيسبوك»)

وأكد أحمد في منشوره أن «(التأمينات) طلبت التأكد من وجود صاحب المعاش على قيد الحياة لضمان استمرارية الصرف، وذلك عن طريق إرسال مندوب لمقابلته، أو بحضوره شخصياً»، وأوضح أن «حالته الصحية لن تسمح بذهابه لمقر الهيئة»، كما أنهم يرفضون حضور أي شخص لبيته لـ«يقتحم خصوصيته، بعد أن قرر قضاء أيامه في هدوء ومن دون ضجيج».

واستنكر نجل الفنان طريقة التعامل مع فنان معروف مثل والده، وتساءل: «ما هي طريقة التعامل مع المواطن العادي إذن؟!».

وحسب وسائل إعلامية محلية، فقد أصدرت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بياناً، أكدت خلاله أنها تابعت ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال صفحة أحمد أبو زهرة، نجل الفنان عبد الرحمن أبو زهرة، بشأن توقف صرف معاش والده.

وأوضحت الهيئة أن سبب الإيقاف كان نتيجة مشكلة تقنية، وتم تداركها على الفور، وإعادة صرف المعاش؛ إذ وجّه اللواء جمال عوض، رئيس الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، بتقديم الاعتذار الرسمي، وباقة ورد للفنان القدير، تقديراً لمكانته الفنية والإنسانية.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» نفى أحمد أبو زهرة وجود وثيقة رسمية تؤكد وفاة والده، وأوضح أن «مشكلة صرف المعاش انتهت، وتم تدارك الموقف بشكل عاجل، وإصلاح الخطأ التقني، بعد كتابة المنشور عبر حسابه مباشرة»، كما طمأن أبو زهرة جمهور والده على صحته.

الفنان عبد الرحمن أبو زهرة ونجله أحمد (حساب أحمد بموقع «فيسبوك»)

وفجّرت أزمة معاش أبو زهرة الجدل من خلال تعليقات على المنشور، وعبر مواقع «سوشيالية» عدة، أشار بعضها إلى أن الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي تقوم بإيقاف معاشات من تجاوز عمرهم 90 عاماً، بهدف التأكد من وجودهم على قيد الحياة، من خلال الحضور، أو عن طريق زيارة موظف من الهيئة لمنزله.

وشارك عبد الرحمن أبو زهرة (مواليد 1934) في عدد كبير من الأعمال الفنية في السينما والتلفزيون والإذاعة، بعد تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1958، من بينها أفلام: «أرض الخوف»، و«ديل السمكة»، و«أنت عمري»، و«الحاسة السابعة»، و«تيتة رهيبة»، و«الجزيرة»... ومسلسلات: «لن أعيش في جلباب أبي»، و«خان القناديل»، و«العمة نور»، و«أميرة في عابدين»، و«الملك فاروق»، و«الجماعة»، و«آدم»، و«الصفعة» و«ولي العهد»، و«أستاذ ورئيس قسم»، وغيرها. في حين شهد مسلسل «موضوع عائلي» آخر مشاركاته الفنية. كما قام أبو زهرة بـ«الدوبلاج» لشخصيات كرتونية عدة، من بينها «الأسد سكار» في فيلم «الأسد الملك».