رحيل بسّام شبارو بعد مغامرة نصف قرن في الطباعة والنشر

مؤسس «الدار العربية للعلوم» و«نيل وفرات»

بسام شبارو (موقع الدار العربية للعلوم ناشرون)
بسام شبارو (موقع الدار العربية للعلوم ناشرون)
TT

رحيل بسّام شبارو بعد مغامرة نصف قرن في الطباعة والنشر

بسام شبارو (موقع الدار العربية للعلوم ناشرون)
بسام شبارو (موقع الدار العربية للعلوم ناشرون)

غادرنا بسّام شبارو، رئيس مجلس إدارة «الدار العربية للعلوم - ناشرون»، أحد أكثر الناشرين حيوية وإنتاجاً في لبنان، والعصامي الذي لم ينطلق من إرث، ولم يتكئ على رصيد في عالم الكتب. كانت بالنسبة له «مطبعة المتوسط» التي بدأ العمل بها عام 1973 هي النواة الأولى، لكن الرجل مع إخوته الأربعة عماد، وغسان، وجهاد، وبشار، وقاد المركب باعتباره أكبرهم سناً، لم يتوقف هنا. فقد أسس «مركز أبجد غرافيكس» عام 1979 المتخصص في التصميم والإخراج.

وتُحسب لبسام شبارو شجاعته وإقدامه، في أثناء الحرب اللبنانية، حيث لم يتوقف عن إطلاق المشاريع الطموحة، فأسس «الدار العربية للعلوم» عام 1986. وإن كانت البداية متواضعة، فإن هذه الدار أصدرت إلى اليوم ما يربو على 6 آلاف كتاب. وهو رقم مهول، خصوصاً أن نصفها مترجم عن لغات أجنبية.

فقد كان الهاجس منذ البداية نقل العلوم، ثم كانت الدار من أوائل المهتمين بنقل المعارف التكنولوجية، والتواصل مع شركات وازنة، فتعاونت مع «مايكروسوفت برس»، و«سيبكس»، و«أدوبي برس»، وغيرها من دور النشر في مختلف أنحاء العالم. وبناء على اتفاقات ثنائية، قامت «الدار العربية للعلوم - ناشرون» بترجمة ونشر أهم وأحدث الكتب العلمية التي تصدر عن هذه الدور، في مجال الكمبيوتر والإنترنت والبرمجة، والعلوم الطبيعية والاختراعات العلمية، والإدارة والمهارات الإدارية، والصحة والرشاقة والعناية بالطفل والأسرة، والناشئة، والسفر والرحلات، والرياضة، ومواضيع أخرى عديدة.

ولم تكن الدار سبّاقة إلى نشر وترجمة الكتب التكنولوجية والعلمية فقط، بل بحدسه أحسّ بسام شبارو بأن المستقبل سيكون صينياً، فكان من أوائل الناشرين العرب الذين عنوا بالنقل عن الصينية، قبل أكثر من عشرين عاماً. ومن أواخر مشاريعه استثمار، عام 2015، في شركة شقيقة للترجمة (من الصينية إلى العربية) تدعى «مأمون»، ومقرها بكين.

ولم تنسَ الصين له الفضل، فمنحته جائزة الكتاب الخاصة بها، تكريماً لجهوده في نقل الكتب الصينية إلى العربية، وتوثيق العُرى بين الثقافتين.

بسام شبارو كانت له رؤية بانورامية واضحة. فلإنجاز هذا الكمّ من الترجمات، عمل على إنشاء مركز التعريب والبرمجة عام 1992 المتخصص في التعريب، وتطوير البرامج والمنشورات الإلكترونية.

ولا بد من الاعتراف للحاج بسام، كما يناديه محبوه، بجهده المتواصل الذي لم ينقطع إلى فترة وجيزة قبيل وفاته، حيث ألزمه المرض الفراش. فقد عرف أنه حاضر أبداً في معارض الكتب، وموجود أبداً في «معرض الشارقة للكتاب»، كما تميز بلطفه، وعلاقاته الودية الدافئة، مع الناشرين والمثقفين العرب. فقد أسس مع شقيقه بشار، الأمين العام لـ«اتحاد الناشرين العرب»، «دار ثقافة للنشر والتوزيع»، وهي شركة نشر إماراتية لخدمة الكتاب. وفي عام 2013، افتتح فرعاً لـ«الدار العربية للعلوم» في الرياض بالمملكة العربية السعودية.

الشقيقان جهاد وبسام شبارو مع دان براون في معرض الشارقة للكتاب وعن دارهما صدرت الترجمة العربية لروايته شيفرة دافنشي (موقع الدار العربية للعلوم ناشرون)

ولد بسّام شبارو عام 1943 في بيروت، وتخرج في قسم إدارة الأعمال، بالجامعة الأمريكية. صاحب مبادرات عدة للنشر وطباعة الكتب في لبنان والدول العربية.

ولعل واحداً من أهم المشاريع الناجحة التي أطلقها بسّام شبارو، وكان ذلك عام 1998، هي مكتبة «نيل وفرات» الإلكترونية، التي أصبحت لها فروع في كثير من الدول العربية، وتبيع الكتب ورقية ورقمية عبر الإنترنت.

يعرض موقع «نيل وفرات» على رواده أكثر من 800 ألف كتاب ورقي و23 ألف كتاب إلكتروني من مختلف دور النشر العربيّة. قام بالجهد الرئيسي الابن صلاح الدين شبارو. بدأ المشروع بمكتب صغير في «الدار العربية للعلوم»، لكن نجاحه فاق التوقعات، وأصبحت له فروع في سوريا والأردن ومصر والسعودية والإمارات، مع مواكبة التطور التكنولوجي، ومراعاة ضرورة سرعة التوصيل.

حياة الكاتب والناشر بسّام شبارو، كما كل أبناء جيله، اخترقتها الحروب والأزمات، وهو من جانبه قرر أن يواجه بدلاً من أن يستسلم.

في فترة الوباء، يوم كان أهل بيروت كلٌّ يختبئ في منزله، كان الحاج بسام يمارس رياضة المشي، ويتوجه إلى مكتبه ليشرف على العمل. أخبرنا يومها أن «الدار العربية للعلوم» لم تتوقف عن إصدار كتاب كل يوم حتى في «عزّ» الأزمة.

وحين كنا نسأله عن أكثر ما يؤرقه، كان يقول: «القرصنة. لا شيء أخطر من القرصنة على الناشر. فقد انخفض المبيع في المكتبات بسبب الأزمات والسرقات، إلى ما يوازي 80 في المائة».

ومع ذلك كان بسام شبارو، رجل المشاريع المتواصلة، والرؤية الواسعة. وحين سئل ذات مرة، كيف بدأ الترجمة عن الصينية؟ وكيف كان يختار الكتاب المناسب في لغة لا يجيدها؟ أجاب: «بعد كل هذا العمر في المهنة، بات يكفيني أن أشتمّ الكتاب لأعرف إن كان مناسباً للنشر».


مقالات ذات صلة

«النقد الثقافي»... البحث عن سلطة النص

كتب «النقد الثقافي»... البحث عن سلطة النص

«النقد الثقافي»... البحث عن سلطة النص

ينتمي كتاب «النقد الثقافي: نحو منهجية التحليل الثقافي للأدب»، للناقد والأكاديمي المصري الدكتور محمد إبراهيم عبد العال، منذ عنوانه، إلى حقل النقد الثقافي.

عمر شهريار
كتب «جزء ناقص من الحكاية»... مقاربة زمن اللقطة روائيّاً

«جزء ناقص من الحكاية»... مقاربة زمن اللقطة روائيّاً

في روايتها «جزء ناقص من الحكاية» تسير الكاتبة والروائية المصرية رشا عدلي على تخوم الذاكرة والتاريخ والفن البصري

منى أبو النصر (القاهرة)
كتب سلمان زين الدين يقرأ «أسئلة الرواية السعودية»

سلمان زين الدين يقرأ «أسئلة الرواية السعودية»

يرصد الشاعر والناقد اللبناني سلمان زين الدين في كتابه «أسئلة الرواية السعودية» تحولات المشهد الروائي السعودي

«الشرق الأوسط» (بيروت)
كتب الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق بعيد فوزها بجائزة بوكر الأدبية الدولية (إ.ب.أ)

الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الأدبية العالمية

عن مجموعتها القصصية «هارت لامب» (مصباح القلب) التي تتناول الحياة اليومية لنساء مسلمات في جنوب الهند.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون مصطفى الضبع

مصطفى الضبع: كثير من النقاد يفتقر إلى الذائقة والعمق

يصف الناقد الأكاديمي د.مصطفي الضبع في هذا الحوار المشهد الأدبي بأنه «كارثي» وبتعبير أخف «ليس بخير» ويعزو ذلك إلى غياب المشروع النقدي المنتظم والمتابع لحركة الإبداع و يرى أن كثيراً من النقاد يفتقرون إلى الذائقة السليمة والعمق

عمر شهريار (القاهرة)

دواء بشري يعزز إنتاج بيض الدواجن

دواء «الميتفورمين» أثبت أنه يُطيل فترة إنتاج البيض لدى الدجاج (جامعة ولاية بنسلفانيا)
دواء «الميتفورمين» أثبت أنه يُطيل فترة إنتاج البيض لدى الدجاج (جامعة ولاية بنسلفانيا)
TT

دواء بشري يعزز إنتاج بيض الدواجن

دواء «الميتفورمين» أثبت أنه يُطيل فترة إنتاج البيض لدى الدجاج (جامعة ولاية بنسلفانيا)
دواء «الميتفورمين» أثبت أنه يُطيل فترة إنتاج البيض لدى الدجاج (جامعة ولاية بنسلفانيا)

كشف باحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية عن أن دواء «الميتفورمين»، المستخدم على نطاق واسع لعلاج مرض السكري من النوع الثاني ومتلازمة تكيّس المبايض لدى النساء، يمكن أن يساعد دجاج «الأمهات» على وضع عدد أكبر من البيض، والحفاظ على خصوبته لفترة أطول مع التقدم في العمر.

وأوضح الباحثون أن هذا الاكتشاف قد يُحدث نقلة نوعية في صناعة الدواجن وإنتاج الغذاء، ونُشرت النتائج، الأربعاء، بدورية «Biology of Reproduction».

ويُقصد بدجاج «الأمهات» ذلك النوع المستخدم لإنتاج البيض المُخصب الذي يُفقس لاحقاً ليُصبح دجاج تسمين، أي الدجاج الذي يُربّى من أجل لحمه.

وقد خضع هذا النوع من الدواجن لسنوات من التهجين الانتقائي، بهدف إنتاج نسل ينمو بسرعة ويصل إلى الوزن التسويقي في وقت قياسي، لتلبية الطلب العالمي المتزايد على اللحوم البيضاء.

لكن هذا التحسين في صفات النمو جاء على حساب الخصوبة؛ إذ ينخفض إنتاج دجاج الأمهات من البيض بشكل كبير مع التقدم في العمر، ما يُقلّص فترة استخدامه في المزارع ويُشكّل تحدياً اقتصادياً لمربّي الدواجن.

وبيّن الباحثون أن هذا التراجع في الخصوبة يشبه إلى حد كبير ما يحدث في حالة متلازمة تكيس المبايض لدى النساء، وهي حالة تؤثر على وظيفة المبيض والخصوبة، وتُعد من أكثر الاضطرابات الهرمونية شيوعاً لدى النساء وتُعد أحد الأسباب الرئيسية للعقم، وفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة.

نتائج واعدة

ويُستخدم دواء «الميتفورمين» أحياناً لعلاج هذه الحالة، من خلال تحسين حساسية الجسم للأنسولين، وتقليل مستويات الهرمونات الزائدة، وتنظيم الدورة الشهرية، مما يُسهم في تعزيز الخصوبة.

وخلال الدراسة، أعطى الباحثون مجموعة من دجاج الأمهات جرعة صغيرة من «الميتفورمين» يومياً لمدة 40 أسبوعاً.

وجاءت النتائج لافتة؛ إذ أنتجت هذه الدجاجات عدداً أكبر من البيض المخصب، واحتفظت بكمية أقل من الدهون في الجسم، كما تحسّنت مستويات الهرمونات التناسلية لديها مقارنة بالدجاج الذي لم يتلقَّ العلاج.

ولفهم التأثيرات الداخلية للدواء بدقة، ركّزت الدراسة على تأثير «الميتفورمين» في كبد الدجاج، المسؤول عن إنتاج مكونات صفار البيض، باستخدام تحاليل جينية متقدمة.

ووجد الباحثون أن الدواء يُنشّط جينات تحسّن إنتاج البروتينات وتوازن السكر، ويثبط أخرى مسؤولة عن تراكم الدهون، وهي آلية مشابهة لعمله في الإنسان.

كما أظهرت النتائج أن «الميتفورمين» يُستقلب سريعاً في جسم الدجاج، مما يجعله آمناً ولا يؤثر على سلامة البيض أو اللحوم، ويساعد الدواء دجاج الأمهات على مواصلة إنتاج البيض بعد العمر المعتاد.

ويرى الفريق البحثي أن لهذا الاكتشاف فوائد كبيرة لصناعة الدواجن؛ إذ يمكن أن يُقلل من معدل استبدال الطيور، ويزيد من كفاءة الإنتاج، وذلك باستخدام دواء منخفض التكلفة وآمن، ولا يُشكّل خطراً على سلامة الغذاء، بفضل سرعة استقلابه في جسم الدجاج.