هيام أبو شديد لـ«الشرق الأوسط»: كنتُ مرآة نساء أقمن في الشرنقة

عادت إلى المسرح اللبناني بعد 36 عاماً على الفراق

تصف العودة إلى المسرح بعد 36 عاماً بـ«الشعور الخاص جداً» (صور هيام أبو شديد)
تصف العودة إلى المسرح بعد 36 عاماً بـ«الشعور الخاص جداً» (صور هيام أبو شديد)
TT

هيام أبو شديد لـ«الشرق الأوسط»: كنتُ مرآة نساء أقمن في الشرنقة

تصف العودة إلى المسرح بعد 36 عاماً بـ«الشعور الخاص جداً» (صور هيام أبو شديد)
تصف العودة إلى المسرح بعد 36 عاماً بـ«الشعور الخاص جداً» (صور هيام أبو شديد)

امتلأت الممثلة اللبنانية هيام أبو شديد بالتأثُّر حين اتصل بها المخرج والكاتب كريم شبلي لتؤدّي شخصية «تانيا» في مسرحية «معمول». فرّقتهما المسافات؛ هو في أميركا وهي في كندا، فبدَّدت التكنولوجيا هَمَّ الجغرافيا. قرأت الدور وتكثّفت اجتماعات «زووم»، قبل حضورها إلى بيروت للوقوف على مسرحها بعد غياب 36 عاماً. «الشعور خاصٌ جداً»، تحاول وصفه لـ«الشرق الأوسط». أن تقرأ سيناريو مجدداً. أن تُواجه الجمهور لليالٍ بلا استراحة. «شعورٌ لا يُشبه ما تمنحه السينما والتلفزيون للممثل. الخطأ ممنوع وإعادة المشهد غير واردة»، تقول مَن أخافتها اللحظة الأولى كما قد تخيف مياه باردة السبَّاح لمجرّد لقائهما، فتحدُث الألفة بعد دقائق.

سيرة من ذهب (صور هيام أبو شديد)

تُشبه شخصيتها أدواراً تؤدّيها نساء شرقيات في يومياتهنّ، تتعلّق بتهميش النفس لإرضاء الآخرين: «إحداهنّ بكت وهي تُخبرني عن تماهيها معها. جدّات وأمّهات تشكّل هذه الشخصية المُراعية للمجتمع وثرثراته، مرآتهنّ. قدَّمتُ دور امرأة تنسى فرحها وأحاسيسها، ببَذْل حياتها لسواها. هذا أيضاً حِمْلٌ على الأبناء. في الدور، تبيَّنت شكوى الابنة من تملُّك الأم ودورانها فقط حولها. هذا الثقل قلَّم جناحيها وصعَّب العيش».

يُعبّر وجه هيام أبو شديد عن ذروة إسكات المشاعر وإخماد جمرها. فهو بانكماشه وتجهّمه واستعداده للارتباك، يُخبر عن مكنونات الداخل وخفايا الروح الباردة. عنه تقول: «أدّيتُ دور أنثى تقيم في شرنقة وتظنّ أنها الحياة. تُمضي العمر في الخوف مما قيل وسيُقال. من المتربّصين بالآخرين والمنشغلين بتحرّكاتهم. بإدراكها فداحة ما ارتكبتْ، أعادتْ حساباتها».

وهي أمٌ، فضَّلت العائلة على المهنة، فاستقالت لسنوات من الأضواء. لم يكن ذلك عقاباً، ولا ضريبة، بل «ترتيب أولويات». كانت أمام «الدور الأعظم، وقد أدّيتُه بكُلّي»، تقول مَن أعادها تقديم البرامج إلى الجمهور بعد الأمومة. «هنا، أستطيع التحكُّم بالوقت. التمثيل يفلتُ من اليد، فلا مجال لضبط أوقاته. هذا قاسٍ على أمٍ تُقرّر رَفْع أولادها إلى المرتبة الأولى. شبُّوا وأصبحت لهم أشكال حياة. لذا عدت».

تؤدّي شخصية «تانيا» في مسرحية «معمول» (صور هيام أبو شديد)

تذكُر أنها تزوّجت والمعارك الأهلية تشتعل، وأنجبت ونارها لم تهمد: «ربّيتُهم في الملاجئ، وفيها أنجزوا فروضهم المدرسية. قاسية الذكريات تحت القصف. أحمل صور تلك الأيام المُرَّة. ولمّا هاجر أولادي إلى كندا قبل 10 سنوات، نادتني طريقي إليهم، فلحقتُ بهم قبل نحو عامين. غادرتُ لبنان إلى حيث يقيمون. أردتُ اختبار المواطنة الحقّة، ولستُ نادمة. بعد الرحيل، توطّدت علاقة معمَّقة معهم. لم تعد تقتصر على زيارة سريعة يمنحونني فيها بعض الوقت وسط زحمة الأصدقاء والمناسبات. الآن، نتناول الطعام معاً، ونذهب في مشوار عائلي للتخييم ومراكمة الذكريات».

تعلَم أنّ تقدُّم المرأة في السنّ يُحيلها على التقاعُد بذريعة أنّ الكاميرا تفضّل النضارة. وتروي أنها طُلبت لتعليم المسرح في كندا، فسألت إنْ كانت سنّها تنفع لذلك، أم لا. ردَّت مسؤولة الموارد البشرية: «سيرتكِ الذاتية من ذهب». سمعتْ هناك ما لا تسمعه هنا. ففي بلاد حقوق الإنسان يُخشى أن يُفهم أي رهان على السنّ عنصرية. الكفاءة معيار عادل. مسيرتها في الإعلام والتمثيل والكتابة، اختزلتها جملة مؤثّرة شكَّلت الإنصاف.

تُشبه شخصيتها أدواراً تؤدّيها نساء شرقيات في يومياتهنّ (صور هيام أبو شديد)

أصابت حيرةٌ صنّاع مسرحية «معمول»: «أنلغي العرض أمام جراح بيروت بعد استهدافها الأخير، أو نُعلن الفنّ فعل مقاومة؟». فوجئوا بامتلاء المقاعد، فشكروا الحضور. درَّبت التجارب هيام أبو شديد على إفلات ما ليس في المتناول، «وإن كان الوطن». أحياناً هو حيث أمان المرء والإحساس بجدواه. درّبتها أيضاً على الفصل بين المسائل: «أكون كلّي في لبنان طوال زيارته، وكلّي في كندا حين أعود إليها. المعذَّبون هم مَن يضعون قدماً هنا وأخرى هناك. كففتُ عن المقارنة لإدراكي أنها مؤذية. أعيش بكلّي في الأماكن كما أفعل في الأدوار ومع أولادي».

ولو امتلكتْ سُلطة لدافعتْ عنه بما تستطيع؛ «بأسناني وجوارحي»، لكنها لا تجيد سوى «تصحيح صورة الشرق الأوسط المشوَّهة وأوطاننا النازفة، بشرح حقيقة التاريخ وإظهار غنى الثقافات للغرب». تصل عروض مسرحية «معمول» إلى نهايتها في 11 أغسطس (آب) الحالي، فتغادر لبنان في الـ12. الرحيل وظيفة يُرغَم المرء على امتهانها حين تنمو غصة الروح وتُمعن في التمدُّد.

من مشاركتها بمسلسل كندي باللغة الفرنسية (صور هيام أبو شديد)

هل غادرت الدراما أسوةً بفراق لبنان؟ تجيب «لا». تستعدّ للفرص بعد مشاركتها أخيراً بمسلسل كندي باللغة الفرنسية: «اسمه (أوتيل بيروت)، أؤدّي فيه دور امرأة قضى ابنها بحادث في لبنان، فتغادر إلى مونتريال للإقامة لدى شقيقها. العمل يحاكي حقبة الثمانينات، ويُبيّن آلام التكيُّف وسط اختلاف الثقافات. الغربة صعبة، ولا نجاة من خوضها».


مقالات ذات صلة

«عالأربعين»... ضحك موجع من قلب الخيبة

يوميات الشرق تناغم ملحوظ حضر بين بطلتي العمل (الشرق الأوسط)

«عالأربعين»... ضحك موجع من قلب الخيبة

بعد غياب عن المسرح دام أكثر من 15 عاماً، تعود الممثلة ميراي بانوسيان في مسرحية «عالأربعين» على خشبة مونو في بيروت، لتشكّل ثنائياً منسجماً مع جوزيان بولس.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لقطة من مسرحية «إسكندرية 73» (الشرق الأوسط)

«إسكندرية 73»... مسرحية تستوحي الجوانب الخفية لـ«عروس المتوسط»

العرض المسرحي يلقي الضوء على تاريخ المدينة في الفترة من حرب 1967 وحتى عام 1973 عبر 9 مشاهد تجمع بين الواقع والخيال؛ وذلك من خلال مجموعة أحداث حقيقية.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق أبطال مسرحية «غسق» على الخشبة (مكتب إعلام المسرحية)

«غسق» تحطّ رحالها في بيروت بعد جولة أوروبية

تُعرض على خشبة «مسرح المدينة» مسرحية «غسق» للمخرجة كريستيل خضر، وقد اقتبستها عن «الساعون إلى العرش» للكاتب النرويجي الشهير هنريك إبسن.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق أحد العروض النوعية في المنصورة (هيئة قصور الثقافة)

«أحدب نوتردام» و«محاكمة تاجر البندقية» في عروض مسرحية بمصر

انطلقت عروض متنوعة مستوحاة من المسرح والأدب العالميين مثل «أحدب نوتردام»، و«محاكمة تاجر البندقية»، الثلاثاء، على مسارح قصور الثقافة في شرق الدلتا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أبدعت كارول سماحة في غنائها ورقصها وتمثيلها (فريق عمل المسرحية)

كارول سماحة في «كلو مسموح» فازت بالتحدي الأصعب

«كلو مسموح» عرض مسرحي غنائي لبناني مميز، تألقت فيه كارول سماحة رغم حزنها على وفاة زوجها، وسط إشادة جماهيرية بإطلالتها بإعادة ناجحة لمسرحية عالمية بروح لبنانية.

سوسن الأبطح (بيروت)

للمرة الأولى... اكتشاف فيروس غرب النيل في بعوض المملكة المتحدة

تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ (رويترز)
تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ (رويترز)
TT

للمرة الأولى... اكتشاف فيروس غرب النيل في بعوض المملكة المتحدة

تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ (رويترز)
تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ (رويترز)

أفادت وكالة الأمن الصحي البريطانية باكتشاف فيروس غرب النيل لأول مرة، في المادة الوراثية للبعوض الذي جُمِع في بريطانيا، وفق تقرير لصحيفة «الغارديان».

وقيّدت الوكالة خطر الفيروس على عامة الناس بأنه «منخفض جداً»، وأكدت عدم وجود دليل على انتقاله إلى البشر أو توطنه.

يأتي اكتشاف الفيروس في البعوض الذي جُمِع في نوتنغهامشاير عقب تحذيرات من أن الحدود الجغرافية للأمراض الخطيرة المنقولة بالنواقل، بما في ذلك فيروس غرب النيل وحمى الضنك والحمى الصفراء، تتجه شمالاً بثبات بسبب تغير المناخ.

وقال الدكتور أران فولي، عالم الفيروسات المنقولة بالأشجار في وكالة صحة الحيوان والنبات (APHA) ورئيس برنامج المراقبة الذي أجرى اختبارات على البعوض: «يُعد اكتشاف فيروس غرب النيل في المملكة المتحدة جزءاً من مشهد أوسع نطاقاً متغيراً؛ حيث تنتشر الأمراض التي ينقلها البعوض إلى مناطق جديدة في أعقاب تغير المناخ».

ويُوجد فيروس غرب النيل عادة في الطيور، وينتقل عادة عبر بعوض الزاعجة المصرية، الذي يُفضل لدغ الطيور، ولكنه في حالات نادرة يُمكن أن ينقل الفيروس إلى البشر أو الخيول.

ومعظم حالات العدوى البشرية لا تظهر عليها أعراض؛ حيث يُصاب واحد من كل 5 أشخاص تقريباً بالحمى والصداع وآلام الجسم وأعراض أخرى تشبه أعراض الإنفلونزا، بينما تُصاب نسبة ضئيلة جداً بأمراض عصبية حادة مثل التهاب الدماغ أو التهاب السحايا.

وبعوض الزاعجة المكسيكية (Aedes vexans) موطنه الأصلي المملكة المتحدة، ورغم ندرته، فإن أعداده قد تتزايد بشكل كبير في الصيف في مناطق الأنهار المغمورة.

ولكي يصبح المرض متوطناً، يُعد المناخ عاملاً حاسماً، لأن الفيروس يتكاثر بسرعة أكبر بكثير في درجات الحرارة المرتفعة. عند درجة حرارة 15 درجة مئوية، يستغرق الفيروس عدة أشهر - وهي مدة أطول من متوسط ​​عمر البعوض - ليصل إلى الحد الأقصى للعدوى.

وعند درجة حرارة 30 درجة مئوية، تستغرق العملية نفسها من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، ما يعني أن الفيروس يمكن أن يتجذر في مجموعات البعوض.

وتم الكشف عن الفيروس من خلال برنامج الرادار المنقول بالنواقل (الكشف عن الفيروسات المفصلية والاستجابة لها في الوقت الفعلي) التابع لوكالة الصحة الحيوانية الأميركية (APHA) في بعوض الزاعجة الذي جمعته هيئة الصحة الحيوانية في المملكة المتحدة (UKHSA) من الأراضي الرطبة على نهر إيدل بالقرب من غامستون في نوتنغهامشاير، في يوليو (تموز) 2023.

ووُزّع البعوض في 10 مجموعات للاختبار، وتم تحديد أجزاء من المادة الوراثية لفيروس غرب النيل في مجموعتين. وكانت نتائج المجموعات الـ198 الأخرى سلبية. ويُعد هذا أول دليل على اكتشاف فيروس غرب النيل في بعوضة في المملكة المتحدة.

ويُعد فيروس غرب النيل مستوطناً في مناطق مختلفة حول العالم، بما في ذلك جنوب أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية وأستراليا.

وقد اتسع النطاق الجغرافي لفيروس غرب النيل في السنوات الأخيرة ليشمل مناطق أكثر شمالاً وغرباً من أوروبا القارية مع ازدياد وتيرة فصول الصيف الطويلة والحارة.

ولم تُكتشف أي حالات إصابة بفيروس غرب النيل لدى البشر أو الخيول في المملكة المتحدة حتى الآن، ولا يوجد دليل يشير إلى استمرار انتشار الفيروس بين الطيور أو البعوض.

ويجري تعزيز أنشطة مراقبة الأمراض ومكافحتها في ضوء هذه النتائج، وقد صدرت نصائح لمقدمي الرعاية الصحية لإجراء فحص للمرضى المصابين بالتهاب الدماغ مجهول السبب كإجراء احترازي.

وفي هذا المجال، قالت الدكتورة ميرا تشاند، نائبة مدير هيئة الخدمات الصحية في المملكة المتحدة لشؤون صحة السفر والأمراض الحيوانية المنشأ والالتهابات الناشئة والجهاز التنفسي والسل: «على الرغم من أن هذا هو أول اكتشاف لفيروس غرب النيل لدى البعوض في المملكة المتحدة حتى الآن، فإنه ليس مفاجئاً؛ حيث إن الفيروس منتشر بالفعل في أوروبا.

ويُقدر خطره على عامة الناس حالياً بأنه منخفض جداً».

وأوضح بول هانتر، أستاذ الطب في جامعة إيست أنجليا، أنه «من المرجح ألا يكون الخطر المباشر كبيراً على صحة الإنسان. ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة وطول فصل الصيف، سيتحرك الحد الشمالي لفيروس غرب النيل شمالاً، ومن المرجح أن نبدأ في رؤية حالات عدوى متوطنة، بداية في جنوب البلاد».