«منطقة الفاو الأثرية» كنز الحضارات القديمة إلى واجهة العالم الثقافية

ثامن المواقع السعودية في قائمة التراث العالمي

عُثر في المكان على عدد من التماثيل البرونزية وشواهد قبور منحوتة بخط المسند الجنوبي (واس)
عُثر في المكان على عدد من التماثيل البرونزية وشواهد قبور منحوتة بخط المسند الجنوبي (واس)
TT

«منطقة الفاو الأثرية» كنز الحضارات القديمة إلى واجهة العالم الثقافية

عُثر في المكان على عدد من التماثيل البرونزية وشواهد قبور منحوتة بخط المسند الجنوبي (واس)
عُثر في المكان على عدد من التماثيل البرونزية وشواهد قبور منحوتة بخط المسند الجنوبي (واس)

الزمان القرن الثالث قبل الميلاد، المكان على حافة الربع الخالي، منطقة ناهضة بأسواقها التي يعلو منها دويّ المتسوقين وضجيج الحركة الذي يخترق سكون الصحراء التي تحيط بالمكان وتلفه بنعومة، مدينة حيوية تضجّ بالحياة وعامرة بالمساكن والحوانيت التي تعرض بضائع التجار والمسافرين بينها وبين الممالك المختلفة في الجزيرة العربية.

«فجوة في جبل»، هو الوصف التضاريسي لما تُسمى «الفاو» وهي المنطقة التاريخية التي تربعت على طريق التجارة القديمة، التي كانت تُعرف بطريق نجران-الجرفاء، وتربط جنوب شبه الجزيرة العربية بشمالها الشرقي، وفيها تلتقي قوافل التجار، للاستراحة والاتجار بالبضائع القادمة عبر القوافل من ممالك سبأ، ومعين، وقتبان، وحضرموت، وحمير إلى نجران، ومنها إلى قرية الفاو، ثم إلى الأفلاج، فاليمامة، ثم تتجه شرقاً إلى الخليج وشمالاً إلى وادي الرافدين وبلاد الشام.

كانت هذه المكانة الأثيرة للمنطقة، بطابعها التجاري وكونها نقطة التقاء مهمة وحيوية بين الممالك والحواضر المنتشرة في الجزيرة العربية، مؤهلاً لتطور الفاو من محطة مرور قوافل صغيرة إلى مركز تجاري وديني وحضري مهم في وسط الجزيرة العربية، وقد اتخذها ملوك كندة العربية عاصمة لملكهم لـ8 قرون، منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن الرابع للميلاد، قبل أن يغادروها ويتخذوا من شمال الجزيرة العربية مركزاً لحكمهم. وقد تتبّع القدْرُ الميسورُ من الحفريات الأثرية التي اكتُشفت، مسيرةَ تطور المدينة، وطرفاً من سيرتها، حيث صمدت في وجه الهجمات والاعتداءات المختلفة من محيطها الذي يتذبذب بين الضعف والقوة، لا سيما في أواخر القرن الثاني الميلادي.

كانت مدينة حيوية تضجّ بالحياة وعامرة بالمساكن والحوانيت التي تعرض بضائع التجار والمسافرين منها وإليها (واس)

أقدم اكتشاف أثري عربي في السعودية

وهبت قرية الفاو، سرّها لعالم الآثار والمؤرخ السعودي عبد الرحمن الأنصاري، الذي توفي في مارس (آذار) 2023 بعد أن قضى أكثر من عقدين في البحث والتنقيب بهذه المنطقة، حيث قاد أستاذ الآثار في جامعة الملك سعود بالرياض، فريقاً من الباحثين لإجراء أعمال التنقيب في منطقة الفاو جنوب الجزيرة العربية، بين عامَي 1972 و1995.

وتمكّن الأنصاري وفريقه من إعادة اكتشاف منطقة الفاو الأثرية، وأشرف على أعمال التنقيب فيها طوال المدة التي تزيد على عقدين، بعد أن ارتفعت التوقعات بشأن ما يختزنه المكان من ثروة آثارية، تنبأت بها الزيارات الاستكشافية التي قام بها عديد من علماء الآثار الأجانب، وبعض العاملين في شركة «أرامكو السعودية»، منذ الأربعينات، قبل أن ينبري لها الأنصاري وفريقه، للبدء في عمل تاريخي رصين أسفر عن استكشاف ما يعدّ من أهم المواقع الأثرية في شبه الجزيرة العربية، ويمثّل تجسيداً متكاملاً للمدن العربية قبل الإسلام.

كانت المنطقة نقطة التقاء مهمة وحيوية بين الممالك والحواضر المنتشرة في الجزيرة العربية (واس)

ثلاث حضارات متعاقبة

واصلت السعودية جهود استكشاف الموقع الأثري، وأسفرت تلك الجهود عن مكتشفات أثرية تروي قصص 3 حضارات تعاقبت في منطقة الفاو، وكانت المنطقة السكنية التي تضمّ منازل وساحات وشوارع وسوقاً، وبقايا المواضع التي تُخزّن فيها الحبوب وأفران الخبز، والمنطقة المقدسة المكونة من معابد ومقابر، من أوائل ما اكتُشف في المكان، بالإضافة إلى النقوش التي تنتشر في عدد من الواجهات ضمن نطاق القرية، مثل تلك التي تظهر في شرق المدينة، حيث يستقر جبل كبير يزخر بكهوف ونقوش صخرية، وبقايا معبد بُني من الحجارة، وما تبقى من مائدة لتقديم القرابين، بجانب عديد من النقوش التعبدية المنتشرة في المكان.

كما عُثر في الموقع على عدد من التماثيل البرونزية والنماذج، وشواهد قبور منحوتة بخط المسند الجنوبي، وضريح الملك معاوية المبني على شكل هرم مدرج صغير، وأضرحة النبلاء وعلية القوم. وفي 27 يوليو (تموز) 2022 أعلنت هيئة التراث السعودية نجاح فريق علمي سعودي وخبراء دوليين في التوصل إلى كشف جديد عن منطقة لمزاولة شعائر العبادة لسكان منطقة الفاو في الواجهة الصخرية لأطراف جبال طويق المعروفة باسم «خشم قرية» إلى الشرق من موقع الفاو الأثري.

تتبّع القدْرُ الميسورُ من الحفريات الأثرية التي اكتُشفت مسيرةَ تطور المدينة وطرفاً من سيرتها (واس)

إلى واجهة العالم الثقافية

في أقل من عام من انضمام محمية «عروق بني معارض» إلى «قائمة اليونيسكو للتراث العالمي»، نجحت السعودية في تسجيل الواجهة الثقافية لمنطقة الفاو الأثرية في القائمة الدولية، لتصبح ثامن موقع سعودي ينضم إلى القائمة اعترافاً بقيمته الاستثنائية بوصفه جوهرةً حضاريةً وآثاريةً ثمينةً.

وتعكس هذه الوتيرة المتسارعة لتسجيل المواقع الأثرية، ما تتمتع به السعودية من حيوية في تحقيق خطوات مهمة في القطاع الثقافي، منذ أطلقت «رؤية 2030» عوامل العمل على أسس جديدة. وفتحت هذه الاكتشافات في إطار الرؤية، أبواب المملكة على العالم، ورحّبت بالزوار من شتى بقاع الأرض، بوصفها وجهةً سياحيةً عالميةً؛ للوقوف من كثب على ما أنجزته البلاد من مبادرات في مجالات الآثار، والثقافة، والتعليم والفنون؛ للحفاظ على تراث المملكة الغني وجمالها الطبيعي، انطلاقاً من موقعها الجغرافي المتميز في قلب العالمَين العربي والإسلامي.


مقالات ذات صلة

منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف بالسعودية لأول مرة خارج «يونيدو»

الاقتصاد صورة للاجتماعات خلال النسخة السابقة من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) في فيينا (يونيدو)

منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف بالسعودية لأول مرة خارج «يونيدو»

تنظّم وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، النسخة الثانية من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد إحدى محطات «ساسكو» في السعودية (الشركة)

أرباح «ساسكو السعودية» لخدمات السيارات ترتفع 15 % بالربع الثاني

ارتفعت أرباح «الشركة السعودية لخدمات السيارات والمعدات» (ساسكو) بنسبة 15 % إلى 12.9 مليون ريال في حين بلغت إيراداتها 2.5 مليار ريال

«الشرق الأوسط» (الرياض )
الخليج المهندس أحمد العوهلي عقد سلسلة من اللقاءات الجانبية على هامش معرض فارنبرة الدولي للطيران (واس)

معرض الطيران العالمي... «الصناعات العسكرية» السعودية تعرض فرص الاستثمار وجهود التنظيم

يشهد قطاع الصناعات العسكرية بالسعودية خطوات متسارعة على صعيد تطوير وتوطين القطاع وتعزيز فرص الاستثمار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)

عمر خيرت: مشاركتي في «ليلة الأحلام» جعلتني أستعيد ذكريات عزيزة على قلبي

صعدت آمال ماهر إلى المسرح، وافتتحت عرضها بأغنيتها الشهيرة «اللي قادرة» بمشاركة عمر خيرت على البيانو، ثم تتابعت الأغاني بتألُّق صوتها وموسيقى الموسيقار المصري.

أسماء الغابري (جدة) نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق قرية «الفاو» ثامن المواقع التراثية السعودية على قائمة «اليونسكو» (واس)

السعودية تحقّق هدف 2030 بتسجيل 8 مواقع تراثية بـ«اليونسكو»

نجحت السعودية في تحقيق مستهدف «رؤية 2030» بتسجيل 8 مواقع تراثية على قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي، بعد إدراج منطقة «الفاو» الأثرية، السبت.

جبير الأنصاري (الرياض)

نداء أخير للبريطانيين لإحصاء عدد الفراشات مع أزمة المناخ

فراشة تستريح على زهرة بلاك بيري (شاترستوك)
فراشة تستريح على زهرة بلاك بيري (شاترستوك)
TT

نداء أخير للبريطانيين لإحصاء عدد الفراشات مع أزمة المناخ

فراشة تستريح على زهرة بلاك بيري (شاترستوك)
فراشة تستريح على زهرة بلاك بيري (شاترستوك)

لم يتبق سوى أسبوع واحد فقط على نهاية موسم إحصاء عدد الفراشات، إذ يحذر الخبراء من أنها باتت تهاجر شمالاً بشكل أكبر بسبب تغير المناخ. ويعد موسم إحصاء تعداد الفراشات الكبير حدثاً سنوياً تقوده مؤسسة «الحفاظ على الفراشات» الخيرية للحياة البرية. ولا يتبقى أمام المشاركين سوى أسبوع واحد فقط للمشاركة، حيث ينتهي موسم الرصد في 4 أغسطس (آب).

وتطلب الفعالية من المشاركين قضاء 15 دقيقة في منطقة مشمسة، وتسجيل أعداد وأنواع الفراشات التي يرونها، إذ حدد الباحثون تغييرات في طريقة هجرتها عبر البلاد.

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور دان هوير من مؤسسة «الحفاظ على الفراشات» في تصريح لشبكة «سكاي نيوز» البريطانية: «الفراشات حساسة جداً فهي تحب الحرارة».

وأضاف هوير: «تحتاج يرقات هذه الفراشات إلى نباتات غذائية معينة لتتغذى عليها، كما تحتاج أيضاً إلى درجات حرارة مناسبة لإكمال دورة حياتها، ومن المؤكد أن الاتجاهات تتغير مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، إذ تصبح المزيد من الأماكن مناسبة لبعض أنواع الفراشات بشكل أكبر كلما اتجهت شمالاً مقارنة بحياتها السابقة».

وتابع: «ولذا؛ فإن أنواع مثل الفراشة الزرقاء المقدسة، وتلك التي تشبه علامة الفاصلة، وفراشة الطاووس، أصبح رصدها في أسكتلندا أسهل بكثير الآن مما كانت عليه في السابق».

وقد تراجعت أعداد نحو 80 في المائة من أنواع الفراشات الموجودة في المملكة المتحدة منذ سبعينات القرن الماضي، وأوضح الدكتور هوير: «هذا يخبرنا شيئاً عما يحدث في البيئة».

وذكر: «يتعلق الأمر بتغير المناخ، وبفقدان الموائل بسبب التنمية واستخدام المبيدات الحشرية، ولكن إذا حصلنا على هذه الإحصاءات، فإن ذلك يساعدنا أيضاً في معرفة كيفية إصلاح هذا الخلل ومعرفة سبل تحقيق التعافي للطبيعة للوصول لمستقبل أكثر إشراقاً».

يذكر أنه في العام الماضي تم إجراء أكثر من 135 عملية إحصاء أعداد في جميع أنحاء المملكة المتحدة، إذ أمضى المتطوعون ما يقرب من 4 أعوام في الرصد.

وأفاد روبرت ونيل بأنهما شاركا من قبل في إحصاء أعداد الفراشات عدة مرات، لكن هذا الموسم كان أقل نجاحاً من المواسم الأخرى.