المايسترا مارانا سعد تقود الموسيقى نحو الحبّ الأعظم

أمسية في «اللبنانية - الأميركية» بجبيل تشاء الشفاء واللملمة

أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل (الشرق الأوسط)
أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل (الشرق الأوسط)
TT

المايسترا مارانا سعد تقود الموسيقى نحو الحبّ الأعظم

أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل (الشرق الأوسط)
أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل (الشرق الأوسط)

تتّخذ الأماكنَ شاباتٌ يرتدين فساتين ملوَّنة بالأخضر الداكن، وشَعرهنّ يتطاير بهواء هبَّ في جبيل أضعاف هبوبه في بيروت، حيث يعتاد ممارسة الخجل. جوقة «عشتار» وأوركسترا فرقة «فيلوكاليا» بقيادة الأخت مارانا سعد، ارتقاءٌ إنساني بالموسيقى. شكّلت الاحتفالات المستمرّة في مئوية «الجامعة اللبنانية - الأميركية» فرصة لمتعة الإصغاء إلى النغم في المدينة المُجاورة للبحر وقلعتها التاريخية. وسط الهواء المُطعَّم بالبرودة، أقيمت أمسية تُحيل الروح على السموّ.

أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل وإتاحة المناجاة. اصطفَّ الكورال، وتأكّد العازفون من اتّخاذ آلاتهم وضعيتها المريحة. تلاعبت الأضواء بالجدران في الباحة الكبرى، مضيفة إليها ألواناً وحده الليل يسمح برؤية جمالها الكلّي، على عكس مكيدة الشمس المتفوّقة ببسْط ضوئها دون سواه. في هذا الجوّ الشاعري، حلَّت سكينة أرغمت أصوات المتحدّثين على الانخفاض تماشياً مع الصمت الساطع. عزفت الأوركسترا باقتها من عبقريات الرحابنة، وأشعار جبران خليل جبران ونزار قباني، وجماليات الأغنية الأجنبية المُحاكية للقيم.

جوقة «عشتار» وأوركسترا «فيلوكاليا» ارتقاءٌ إنساني بالموسيقى (الشرق الأوسط)

يحلو للمرء أحياناً ألا يبالي بمقعده فيتنازل عنه مُسلِّماً نفسه للصخب. ويحلو له أيضاً أن يشهد على ابتهاج روحه وسط استراحة اليدين وكل ما يُكمِل الهيصة. في حفل مارانا سعد، يحدُث التسليم للحبّ. ليس بهيئته المُتدَاولة، بل بكينونته. بالعظمة الكامنة في نبضه وجوهره وسُلطته على العناصر. تطلّ بثوب الرهبنة الأسود وقلب أبيض يسهُل استقاء بياضه من شغف فَهْم النغمة وإدراكها بالعمق الصافي.

الأصوات التي غنَّت أبهرت، واعدة بطموح كبير، وإن كانت أقلّ شهرة ممن يُعرَفون. نحو 15 حنجرة علَت بطبقاتها وأمتعت بالموهبة، مُذكّرة بأنّ الفرص أحياناً تمعن القسوة حين لا تُعطَى بإنصاف لمَن يستحقها.

تحرّكت عصا المايسترا ضابطة النغمات والحريصة على عدم إفلات نوتة من سكّتها، وكان لها ما أرادت. قُدِّم الحفل بعد تحضير كامل استعداداً لصفر خطأ. يتذكّر الهواء أننا في أواخر يوليو (تموز) وعليه الإذعان لواقع اللهب، ثم ينتفض مُطالباً بدوره، فيُنعش ويُفرح؛ بينما صوت ربيكا يوسف المُتقِن أدواته يغنّي لفيروز من كلمات الأخوين وألحانهما، «احكيلي عن بلدي احكيلي، يا نسيم لمارق عالشجر مقابيلي»... لقاء النسائم.

الأضواء تضيف الألوان إلى الجدران في الباحة الكبرى (الشرق الأوسط)

أُريد من الأمسية إعلاء الحبّ. العالم يقسو والقلوب تسودّ، وتُصوَّر المحبة على هيئة ضعف. حضرت مارانا سعد وكل مغنٍّ وموسيقي ليقولوا العكس. يستطيع الحبّ الشفاء والترميم واللملمة. بإمكانه أن يمنح اليباس حياة. تجلّت الذورة في «أومن»، تحفة الأخوين بصوت فيروز. غنّتها ربيكا يوسف كما يُوجِّه محتاج صلاة إلى الله. وقد تُرفَق بغصّة مخبّأة ودمعة تتوارى لئلا تبوح بكلّ شيء. «أومن أنْ في صمتِ الكون المقفلِ، مَن يصغي لي/ إني إذ ترنو عيناي للسماء، تصفو الأضواء، تعلو الألحان، كلّي إيمان». مناجاة بهذا النُبل تُحِدث في النفوس وَقْع العذوبة.

الجميع يُصغي سارحاً في اللحظة الخاصة. التأمُّل في الوجوه يُظهر شرودها أمام ما يجري. يقلُّ اليوم اعتماد خيارات مُشابهة لما تريده مارانا سعد والجوقة من الفنّ. يندُر مَن يراه حرّية روح وعناقاً لغيمات. والأخت ابنة جبيل، تُدرك هيبتها التاريخية، فاختارت للأمسية الجودة: تراث وموشّحات وفيروزيات حلوة. كانت «من عزّ النوم بتسرقني»، من كتابة الأخوين وألحان فيلمون وهبي، وردة الأمسية. كيف يعقل للكلام التحلّي بجناحَي ملائكة، فيحلّق ويحلّق نحو الارتفاع الأنيق؟ «مشلوحة على بحر النسيان/ فارقني النوم وكل شي كان/ وجّك ما كان يفارقني/ وجرِّب اسبح ويغرّقني...». الكلمة أعماق.

متعة الإصغاء إلى النغم في جبيل المُجاورة للبحر (الشرق الأوسط)

بين القصيدة وأغنيات لبنان، وقفت 3 أيقونات أميركية وإنجليزية تحية للأمل والغفران والمساواة. وكما سُرَّ الحضور بـ«دبكة لبنان» للأخوين، و«أهلا بهالطلّة» لزكي ناصيف، و«بصباح الألف الثالث» لمنصور الرحباني بتوزيع أسامة الرحباني، و«هيلا يا واسع» للأخوين، و«قلعة كبيرة»، شِعر موريس عواد ولحن وليد غلمية، و«ألحان القرية»، شِعر إلياس أبو شبكة وموسيقى إياد كنعان، و«نشيد الحبّ»، شِعر جبران خليل جبران ولحن جوزيف خليفة، مُبلّلة جميعها بالموشّح الأندلسي «بالذي أسكر»، و«مخمّس مردود» للأخوين، سُرُّوا أيضاً بثلاثية «You raise me up» و«March with me» و«Amazing grace». شكّلت تمجيداً لروح العدل الإنساني الهائمة في الكون الشاسع واستحالة انطفائها رغم المحاولات.

الختام لبيروت. أيقونة نزار قباني بلحن جمال سلامة وصوت ماجدة الرومي، أدّتها هيفاء النور يغيايان بذروة العطاء. «نعترفُ الآن/ بأنّا لم ننصفكِ ولم نرحمكِ/ بأنّا لم نفهمكِ ولم نعذركِ/ وأهديناكِ مكان الوردة سكيناً»... قبل صرخة الحرّية: «قومي يا بيروت قومي/ قومي إكراماً للإنسان». كُرِّمت الروح بهذا المستوى.


مقالات ذات صلة

«القاهرة السينمائي» يدعم صناع الأفلام بالتدريبات

يوميات الشرق مهرجان القاهرة السينمائي لتنظيم ورش على هامش دورته الـ45 (القاهرة السينمائي)

«القاهرة السينمائي» يدعم صناع الأفلام بالتدريبات

أعلن «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عن تنظيم مجموعة متخصصة من الورش لصنّاع الأفلام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق رياض في المؤتمر الصحافي للمهرجان (إدارة المهرجان)

«القومي للمسرح» يمنح أولوية لتكريم الفنانين على قيد الحياة

دافع الفنان المصري محمد رياض، رئيس المهرجان القومي للمسرح عن قرارته التي أحدثت جدلاً في الأوساط المسرحية ومن بينها أسماء المكرمين في الدورة الـ17 من المهرجان.

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حمزة نمرة يفتتح ليالي «مهرجان الصيف» بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)

نجوم الموسيقى والطرب لإحياء ليالي «مهرجان الصيف» بالإسكندرية

تستعد مكتبة الإسكندرية لاستقبال نجوم الموسيقى والطرب لإحياء ليالي «مهرجان الصيف الدولي» بالإسكندرية في دورته الـ21 المقرر إقامتها من 1 إلى 31 أغسطس (آب) المقبل

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جوزيف عطية يؤدي «ولا غلطة» مع نور حلو (الشرق الأوسط)

جوزيف عطية يحيي ليلة فنية تعبق بنبض الشباب

أعادت حفلات مهرجانات «أعياد بيروت» الحياة إلى قلب المدينة بعد غياب. ويقول أمين أبي ياغي، أحد منظميها إنه يُعدّها نموذجاً عن مقاومة فنية تفرض نفسها على الساحة.

فيفيان حداد (بيروت)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

 الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)
الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)
TT

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

 الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)
الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

وتحية منها لمنطقة الجنوب، تُخصّص في 27 يوليو (تموز) الحالي محاضرة بيئية تتناول آثار القنابل الفوسفورية التي استهدفتها. وتستضيف، بالمناسبة، مزارعين من بلدة كفركلا ممن خسروا مزروعاتهم. ومع علماء بيئيين وخبراء بالفوسفور، ستتناول المحاضرة الحلول، فيبحث اللقاء في الأضرار التي لحقت بالجنوب، ويستكشف إمكان التعافي البيئي من أثر هذه القنابل.

مصنع الحرير يستضيف العروض السينمائية (مهرجانات ريف)

ينطلق المهرجان في 26 الحالي ويستمر حتى 28 منه، فتُعقد لقاءات في مصنع الحرير، وهو مَعْلم أثري قديم في القبيات رُمم مؤخراً، وتُقدِّم نسخة هذا العام مجموعة أنشطة محورها البيئة والسينما والفنّ.

يُعدّ مشروع «التنوُّع البيولوجي والسينما» جديد المهرجان، فيقدّم أفلاماً وثائقية قصيرة حول التنوُّع البيولوجي في لبنان؛ وهو نُفِّذ في الأشهر الماضية مع «بيت الفنان» في بلدة حمانا، ويشارك فيه عددٌ من المخرجين الصاعدين بتقديمهم 8 أفلام بيئية.

توضح إحدى منظِّمات المهرجان، المخرجة إليان الراهب، لـ«الشرق الأوسط»: «تحت هذا العنوان، اجتمع مخرجون مع علماء بيئيين، ووقفوا على أهم مشكلات لبنان. أما الأفلام المعروضة، فتتناول موضوعات بيئية مختلفة، وهي نتاج جولاتهم في عدد من المناطق».

بالفعل، تطلّ الأفلام الـ8 على موضوعات المياه والفطريات والنباتات وشجر اللزاب وغيرها. وبينها ما يحاكي حيوانات الغابات في لبنان الآيلة إلى الانقراض، من بينها الضبع.

ومن الموضوعات الجاذبة التي يتناولها أحد الأفلام الوثائقية؛ ورد الساحل والشجر الغازي. تتابع الراهب: «وتتناول الأفلام المحميات وموضوعات الزراعة والأسمدة، منها ما يتطرّق إلى وردة المنتور الساحلية. فهذه الوردة التي تغنَّت بها فيروز، أصبحت نادرة زراعتها. كما نعرّج على زراعة الشجر الغازي، فهو يفرز مواد سامّة ومضرّة للطبيعة عامة».

أسوة بكل عام، يتضمّن البرنامج مسابقة للأفلام القصيرة المُشاركة، وفي ختام أيامه، يعلن عن الفائزين. «تشارك فيها بلدان عدّة، من بينها إيطاليا وفرنسا وسوريا وتونس»، تؤكد الراهب.

ومن ناحية ثانية، يُخصّص الحدث عروضاً سينمائية لأفلام طويلة، فتضيف: «سلسلة أفلام طويلة صنّاعها من بلدان مختلفة ستُعرض في المهرجان؛ منها (وداعاً جوليا)، هو إنتاج سوداني - مصري، حصد جوائز عدّة، وفيلم (شجرة جهنم) يتحدّث عن جنوب لبنان لهادي رياشي ورائد زينو. وكذلك فيلم للروائي والمخرج الفلسطيني ميشال خليفي عنوانه (حكاية الجواهر الثلاث)، من بطولة الفنان محمد بكري». يتناول العمل قصة «يوسف» الذي يعيش وسط ظروف صعبة في غزة ويحلم بالسفر. يهرب إلى القرى الريفية المحيطة بالقطاع، ليلتقي بفتاة غجرية خلال مطاردته فراشة. تتوثّق العلاقة ويقرّر الزواج منها. لكنّها تشترط عليه إيجاد الجواهر الثلاث المفقودة من القلادة التي أتى بها جدّها لجدّتها، من أميركا الجنوبية. تُعلّق الراهب: «جميع الأفلام تحاكي التنوُّع البيولوجي والبشري، من بينها ما نشهده في الأرياف خصوصاً».

ومن بين المعروض، فيلم مُخصَّص للأطفال. تقول المخرجة اللبنانية: «نتعمَّد دائماً في فعالياتنا تخصيص أفلام تخاطبهم. وهذه السنة اخترنا (اللغز - mystere)، وهو إنتاج فرنسي يعود إلى عام 2019، من إخراج دنيز إمبرت».

نشاطات بيئية مختلفة تواكب الفعاليات في نسختها السادسة (مهرجانات ريف)

وتُقام خلال المهرجان لقاءات خالية من النفايات، ومسابقة جَمْع البلاستيك وورشة إعادة التدوير. ومن النشاطات، رحلات سير في منطقة عكار، يُشارك فيها أولاد تزوّدوا العام الماضي بمعلومات عن التنوُّع البيولوجي، فيكونون تقريباً الدليل السياحي الذي يرافق مجموعات هواة المشي. ومن بين هذه الرحلات، واحدة في منطقة منجز بعكار قرب النهر، إضافة إلى 3 نزهات أخرى في بلدة القموعة، بمشاركة خبير الطيور شادي سعد.

وتحت عنوان «سفراء الريف»، تُعقَد لقاءات مع الأولاد ومتخصّصين في البيئة، يشارك فيها هذا العام المهندس البيئي زياد أبي شاكر، والخبير البيئي أنطوان الضاهر، والاختصاصي الزراعي مارك بيروتي.

يختتم المهرجان فعالياته بأمسية فنّية مع الفلسطينية سلوى جرادات، الباحثة الموسيقية من رام الله، فتقدّم أغنيات الجدّات وأغنيات اليوم من تراثية ومعاصرة.