«ماماو»... وراء جيمس ديفيد فانس جدّةٌ عظيمة

فيلمٌ على «نتفليكس» يروي سيرة نائب ترمب ويعود للصدارة بعد سنوات من النسيان

جيمس ديفيد فانس وجدّته «ماماو» في لقطة من فيلم Hillbilly Elegy (نتفليكس)
جيمس ديفيد فانس وجدّته «ماماو» في لقطة من فيلم Hillbilly Elegy (نتفليكس)
TT

«ماماو»... وراء جيمس ديفيد فانس جدّةٌ عظيمة

جيمس ديفيد فانس وجدّته «ماماو» في لقطة من فيلم Hillbilly Elegy (نتفليكس)
جيمس ديفيد فانس وجدّته «ماماو» في لقطة من فيلم Hillbilly Elegy (نتفليكس)

لم تأتِ نجوميّة جيمس ديفيد فانس على الطبق الفضّي الذي قدّمه له دونالد ترمب، عندما اختاره نائباً له في السباق الرئاسيّ الأميركيّ. فانس، المعروف بـ«جي دي»، نجمٌ على رفوف المكتبات والشاشات منذ عام 2016.

كان في الـ32 من عمره عندما نشر سيرته الذاتيّة، التي تصدّرت المبيعات وألهمت المخرج والمنتج الأميركي رون هاوارد فحوّل الكتاب إلى فيلم عُرض عام 2020. تحت عنوان «Hillbilly Elegy» (مرثيّة هيلبيلي)، أطلّ فانس على الأميركيين الذين تبنّوا قصته؛ فهي تحمل الكثير من عناصر «الحلم الأميركي» أو American Dream.

ساعِدان غسلا الصحون

إنه الشابّ المتحدّر من منطقة جبليّة منسيّة في ولاية كنتاكي والطالع من بلدة ميدلتاون المحرومة في ولاية أوهايو، ومن عائلةٍ فقيرة أضناها الإدمان على المخدّرات. حفر طريق مجده بساعدَيه اللذَين غسلا الصحون في المطاعم، وبطموحه الذي أخذه للخدمة العسكريّة في العراق في صفوف «المارينز»، وكذلك بالإلهام الذي بثّته فيه جدّته أو «ماماو».

تحبّ الشاشة هذا الصنف من الأبطال، الذي يصارع القدَر، ويُثبت أنّ طفلاً محروماً ومعنَّفاً وآتياً من بين الأقلّيّات، يمكن أن يصبح سيناتوراً وربّما نائباً لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، وهو لم يبلغ الـ40 بعد.

«جي دي» فانس مستعداً لانضمامه إلى «المارينز» (نتفليكس)

مشاهَدات 1000 %

ما إن أعلن ترمب تسميته فانس نائباً له، حتى اشتعلت أرقام مُشاهدات الفيلم الذي تبثّه «نتفليكس» وتضاعفت بنسبة 1000 في المائة. فخلال ساعات، دخل «Hillbilly Elegy» قائمة الأفلام الأكثر مشاهدةً على المنصّة، بعد أن كان واحداً من الأعمال المَنسيّة في مكتبة «نتفليكس» الضخمة. مع العلم بأنّ عرضَه الأوّل قبل 4 سنوات، واجهَ انتقاداتٍ كثيرة ولم يحقّق نجاحاً في دور السينما. لكن يبدو أنّ موعد القطاف قد حان بالنسبة إلى «نتفليكس»، التي كانت قد خصّت الفيلم بميزانيّة إنتاجيّة قَدرُها 45 مليون دولار.

الكلّ راغبٌ بمعرفة المزيد عن «جي دي» فانس وعن حكايته غير التقليديّة، حتى وإن لم يقدّم الفيلم بنيةً متماسكة ولا حبكةً جذّابة. لا تضيء القصة على اهتماماته السياسية ولا على فترة خدمته العسكريّة، إلّا أنها تركّز على طفولته ومراهقته. يسير ذلك بالتوازي مع الحقبة التي كان في خلالها طالباً يتخصّص في الحقوق في جامعة «يال»، ويحاول اختراق المجتمع الرأسمالي بحثاً لنفسه عن مكانة مرموقة.

فانس (الممثل أوين أستالوز) ووالدته بيفرلي (إيمي آدامز) في مشهد من الفيلم (نتفليكس)

في ظلّ أمٍ مدمنة

يتقدّم الفيلم على وقع الرجعات الزمنيّة أو «الفلاش باك»، مشرّحاً الماضي القاسي الذي اختبره فانس. يتحصّن بأداءٍ مميّز لكلٍ من غلين كلوز بدور جدّته «بوني» التي يناديها «ماماو»، وإيمي آدامز بشخصية «بيفرلي» والدته. أما فانس، فقد أدّى دوره غابرييل باسو شاباً وأوين أستالوز في مرحلة المراهقة.

حملت بيفرلي فانس بجيمس وبشقيقته ليندسي في سنٍ صغيرة. لا يذكر الفيلم شيئاً عن الوالد الذي انفصل عن الوالدة حينما كان فانس في سنواته الأولى. أخذ اسمَه عن أمّه وكبر وسط عائلتها، أما هي فلم تتقبّل يوماً أنّ حملها المبكر حرمَها التقدّم والنجاح. عاش «جي دي» في ظلّ والدةٍ مصابة بالاضطرابات النفسيّة ومدمنة على المخدّرات. وممّا أغرقها أكثر في دوّامة الإدمان، عملها ممرّضة في مستشفى، حيث اعتادت سرقة الأدوية المهدّئة للاستعمال الشخصيّ.

قدّمت الممثلتان غلين كلوز وإيمي آدامز أداءً مميّزاً في دورَي الجدّة والأمّ (نتفليكس)

فانس المعنَّف

يعود الفيلم في الذاكرة إلى لحظاتٍ حرجة في سيرة فانس، كذلك اليوم الذي عرّضت فيه الأم حياتها وحياة ابنها للخطر خلال قيادتها الهستيريّة للسيارة، ثمّ أبرحته ضرباً فلجأ إلى منزل أشخاصٍ غرباء هرباً من عنفها. ولم تكن تلك المرة الوحيدة التي تتحطّم فيها صورة الأمّ في نظر فانس. فمن بين أقسى الصدمات التي تعرّض لها طفلاً، مشاهدتُه إيّاها مثيرةً جلبة في الشارع بعد أن قطعت شرايين يدها محاولةً الانتحار. عانى بصمت ونضج قبل الأوان، محاولاً تفهُّم والدته والتعاطف معها.

وإذا كان «جي دي» بطل الحكاية، فإنّ «ماماو» هي وَقودها. لطالما هرعت الجدّة لإنقاذه. رغم قسوتها، ولسانها السليط، وماضيها الذي لم يخلُ هو الآخر من العنف إلى جانب زوجها المدمن على الكحول، فهي كانت الحضن الأوحد الذي استقبل الحفيد جيمس. يمكن القول إنّ «ماماو» صنعت من جيمس ديفيد فانس ما هو عليه اليوم.

صورة حقيقية تجمع جيمس ديفيد فانس بجدّته بوني (إنستغرام)

دروس «ماماو»

عندما تزوّجت بيفرلي مرةً ثانية وأخذته معها للإقامة في منزل زوجها، دخل «جي دي» في دوّامة عادات المراهَقة السيّئة، متأثّراً بمجموعة من الأصدقاء ذوي السلوك المنحرف. انعكس ذلك تراجعاً في أدائه المدرسيّ ما اضطرّ «ماماو» للتدخّل. غادرت سرير المستشفى وهي بعدُ مريضة، لتتوجّه فوراً إلى منزل زوج ابنتها وتسحب حفيدها عنوةً من هناك.

في بيت «ماماو» وعلى يدها، تعلّم فانس الكفاح. «عندما أغادر هذه الدنيا، مَن سيعتني بالعائلة من بَعدي؟»، قالت له. لكن ليس ذلك فقط ما ألهمَه. ففي تلك الآونة، عاش الشابّ اليافع وجدّته وسط فقرٍ مدقع حرمَهما حتى الطعام. كانت تلك الظروف الصعبة كافية لإشعال الطموح في قلب جيمس، إذ دخل قاصراً مجال العمل من باب وظائف متواضعة كغسل الصحون، وترتيب الرفوف في متاجر صغيرة. كل ذلك بالتزامن مع مثابرته على الدراسة والحصول على درجات عالية.

فانس مع والدته وشقيقته في أحد مشاهد الفيلم (نتفليكس)

«مرّتَين احتجتُ إلى مَن ينتشلُني، وقد فعلت ماماو ذلك. في المرة الأولى، عندما أنقذتني. وفي الثانية، عندما علّمتني أنّ جذورنا هي ما نحن عليه، لكننا نختار يومياً مَن نريد أن نصبح». لقد اختار فانس فعلاً مَن يريد أن يكون، فقرّر الخروج من صدمات الطفولة بقوّة المثابرة. ثم تحرّرَ من القيود المعنويّة التي فرضتها عليه أمّه. حتى آخر لحظات الفيلم، ظهرت بيفرلي غارقةً في إدمانها. من جديد وقف ابنُها إلى جانبها وساندَها مادياً وعاطفياً، لكن هذه المرة لم يسمح لها بأن تحدّد مصيره. أوصد الباب على الماضي الأليم واتّجه صوب قصة نجاحه.


مقالات ذات صلة

«كوفيد-19» يفاقم عزلة بايدن وسط تصاعد الدعوات لانسحابه من السباق الرئاسي

الولايات المتحدة​ أكد البيت الأبيض إصابة جو بايدن بفيروس «كورونا» الأربعاء (رويترز)

«كوفيد-19» يفاقم عزلة بايدن وسط تصاعد الدعوات لانسحابه من السباق الرئاسي

تزايدت الضغوط على الرئيس الأميركي جو بايدن للانسحاب من السباق الرئاسي، بعد إصابته بفيروس «كورونا» خلال رحلته إلى لاس فيغاس.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (أ.ب)

أوباما يقول لحلفاء بايدن إنه بحاجة لإعادة النظر في ترشحه لفترة ثانية

ذكرت صحيفة واشنطن بوست اليوم الخميس أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أبلغ حلفاء الرئيس جو بايدن أن طريقه للفوز في الانتخابات المقبلة تضاءل بشكل كبير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق مشهد من مسلسل «ذا بويز» (برايم فيديو)

محاولة اغتيال ترمب تلقي بظلالها على مسلسل أميركي

تأتي المرحلة الأخيرة من الموسم الرابع لمسلسل «ذا بويز» (الفتيان)، مع تحذير بعد محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، السبت الماضي، في بنسلفانيا. …

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس السيناتور جاي دي فانس يتحدث في المؤتمر الوطني الجمهوري في ميلووكي (أ.ب) play-circle 00:44

فانس يَعِد بمساعدة ترمب على استعادة «الحلم الأميركي»

قبل السيناتور جاي دي فانس رسمياً ترشيح الرئيس السابق دونالد ترمب له لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات المقبلة، ووعد باستعادة «الحلم الأميركي» الذي بدده السياسيون.

علي بردى (ميلووكي (ويسكونسن): علي بردى)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث في فعالية في لاس فيغاس (رويترز)

بايدن يستغل إصابته بـ«كوفيد» لينتقد ماسك وترمب

استغل الرئيس الأميركي جو بايدن إصابته بفيروس «كورونا» للمز الملياردير إيلون ماسك والمرشح الجمهوري دونالد ترمب.


تدريبات الصحة العقلية تحسن أداء المديرين

يهدف التدريب لتزويد المديرين بالمهارات اللازمة لدعم الصحة العقلية للأشخاص الذين يديرونهم (جامعة نوتنغهام )
يهدف التدريب لتزويد المديرين بالمهارات اللازمة لدعم الصحة العقلية للأشخاص الذين يديرونهم (جامعة نوتنغهام )
TT

تدريبات الصحة العقلية تحسن أداء المديرين

يهدف التدريب لتزويد المديرين بالمهارات اللازمة لدعم الصحة العقلية للأشخاص الذين يديرونهم (جامعة نوتنغهام )
يهدف التدريب لتزويد المديرين بالمهارات اللازمة لدعم الصحة العقلية للأشخاص الذين يديرونهم (جامعة نوتنغهام )

«يرتبط التدريب على الصحة العقلية للمديرين التنفيذيين ارتباطاً وثيقاً بأداء أفضل للأعمال داخل مؤسساتهم، كما يمكن أن يوفر للشركات أموالاً كبيرة بدلاً من الأيام المرضية الضائعة التي يقوم بها الموظفون كل عام»، وفقاً لنتائج دراسة جديدة أجراها مجموعة من الخبراء في جامعة نوتنغهام الإنجليزية.

وأظهرت الدراسة، التي نُشرت الخميس، في دورية «بلوس وان» (PLOS ONE)، وجود ارتباط قوي بين تدريبات الصحة العقلية للمديرين التنفيذيين وتحسين عمليات التوظيف للموظفين والعمال وتحسين القدرة على الاحتفاظ بهم، ورفع مستوى أداء الوحدات المسؤولة عن خدمة العملاء، وانخفاض مستويات الغياب نتيجة الإصابة بأمراض الصحة العقلية على المدى الطويل.

وقاد الدراسة البروفسور هولي بليك من كلية العلوم الصحية بجامعة نوتنغهام في إنجلترا والدكتورة جولييت هاسارد من جامعة كوينز بلفاست في آيرلندا الشمالية.

قال بليك: «إن اعتلال الصحة العقلية مكلف للمؤسسات نتيجة الغياب بسبب المرض وتراجع الإنتاجية».

وأضاف في بيان صحافي صادر الخميس: «هذه هي الدراسة الأولى التي تظهر أن تدريب المديرين التنفيذيين في هذا المجال يرتبط بنتائج أعمال أفضل. وهي نتيجة مهمة تعزز الحجة التجارية التي تفسر لماذا يجب على أصحاب العمل الاستثمار في تدريبات الصحة العقلية داخل مؤسساتهم».

في المملكة المتحدة، يواجه واحد من كل ستة عمال تحديات تتعلق بهذا الأمر؛ حيث تعزى 12.7 في المائة من جميع الإجازات المرضية إلى اعتلال الصحة العقلية. ووفق الدراسة «تبلغ التكلفة التقديرية لضعف الصحة العقلية للموظفين في بريطانيا أكثر من 50 مليار جنيه إسترليني سنوياً».

وتستكشف الأبحاث الجارية حالياً حول هذا الأمر ما إذا كان هذا التدريب يزيد من معرفة المديرين ويعزز مهاراتهم وثقتهم لدعم موظفيهم ويفيد الموظفين كذلك.

ولاستكشاف الفوائد، قامت مجموعة من الباحثين بتحليل بيانات مسح أخذت من عدة آلاف من الشركات في إنجلترا، تم جمعها بين عامي 2020 و2023 من قبل مركز أبحاث المؤسسات في كلية وارويك للأعمال كجزء من برنامج أكبر للبحث حول الصحة العقلية والإنتاجية في مكان العمل.

ويوصي الباحثون مختلف المؤسسات بتوفير التدريب في مجال الصحة العقلية للمديرين التنفيذيين ووضع السياسات التي توضح دورهم في دعم الصحة العقلية للموظفين.

كما أوضح الباحثون الحاجة إلى مزيد من البحث في هذا المجال، بما في ذلك النظر في أساليب مختلفة لتقديم هذا التدريب.

وهو ما علقت عليه الدكتورة جولييت هاسارد، من كلية كوينز للأعمال بجامعة كوينز بلفاست، والمؤلفة المشاركة في الدراسة بقولها: «إن تشجيع أصحاب العمل على الاستثمار في الصحة العقلية للموظفين قد يكون أمراً صعباً، ولكنه يرتبط بنتائج أعمال أفضل، وسيساعد في تسليط الضوء على القيمة الاستراتيجية لهذا النهج».