​معرض «قطرات الندى» لسيتا مانوكيان: رحلة نحو الأفق الأبيض

اللوحات محاكاة لحقيقة أنّ جميع الأشياء مصيرها التبخُّر

​معرض «قطرات الندى» لسيتا مانوكيان: رحلة نحو الأفق الأبيض
TT

​معرض «قطرات الندى» لسيتا مانوكيان: رحلة نحو الأفق الأبيض

​معرض «قطرات الندى» لسيتا مانوكيان: رحلة نحو الأفق الأبيض

كانت اللبنانية سيتا مانوكيان لا تزال في سنّ الـ20 عندما راودها هذا السؤال: ماذا يوجد وراء الأفق؟ تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنتُ أطرحه في كل مرّة أجلس أمام البحر». وجدت جواباً للغز عبر ريشة تزهو بألوان الأمل. وفي معرضها «قطرات الندى»، تُصوِّر الأفق بمساحة بيضاء واسعة تُشكّل خلفية للوحاتها.

لم تضع عناوين لأعمالها المعروضة في غاليري «مرفأ» بمنطقة الصيفي في بيروت. توضح: «يمكن لأي زائر تسميتها على طريقته. لكنني أفتح صفحات أي كتاب، وأضع إصبعي على أي كلمة يقع عليها، فيولد اسم اللوحة في كل مرّة بقالب جديد».

لوحة «وردة الرجاء» في معرض «قطرات الندى» بغاليري «مرفأ» (الشرق الأوسط)

لوحات بالأكليريك تتناول موضوعات مستوحاة من الطبيعة، والطفولة، والحبّ، والحياة، وتركيبة الإنسان؛ تحضر في المعرض، فلماذا أطلقت عليه «قطرات الندى»؟ تردّ: «لأنَّ قطرة الندى تُشكل واحدة من جماليات الحياة. لكنها أسوة بغيرها لا تلبث أن تتبخّر. كل شيء في حياتنا آيل إلى زوال، حتى الإنسان نفسه».

«الاستيعاب» فلسفة بسيطة وسهلة تعتمدها سيتا مانوكيان في لوحاتها. وعبر الأفق الذي تترجمه بمساحات بيضاء، تحضُر أفكارها، وتغلب على جميعها نفحة فرح ونضارة. فريشتها علّمتها كيف تتجاوز الصعاب في حياتها: «مررتُ بكآبة عارمة في العشرينات من عمري. رأيتُ كل شيء من منظار قاتم. بعدها تعرّضتُ إلى موقف روحاني قَلَبَ معايير تفكيري. فصارت الألوان ملجأي ومصدر إلهامي».

في كل لوحة، نخوض رحلة حبّ. فتفيض رسماتها بجرعات عاطفة تغمر مُشاهدها تلقائياً. حتى الأحجار البيضاء التي تستخدمها تُعمّرها بأسلوب ينضح بالأمل، فتعكس حالة من الطمأنينة والسلام تزوّدك بها مانوكيان بفنّ تشكيلي مُتقن.

لوحة «العطاء» لسيتا مانوكيان (الشرق الأوسط)

تموّجات تجريدية تواكبها رسوم طفولية وأخرى فلسفية، تُلوّن لوحاتها وتستخلص منها عبرة. في إحداها، جعلت للتناقض جمالية رسمتها بالأحمر والأسود. كما تشير في أخرى إلى أهمية العطاء، مستثمرة حركات يدين مفتوحتين وعكسهما. وردة شديدة الجمال تسبح في فضاء مشبَّع بالرجاء تتصدَّر المعرض، ويتداعى إلى سمعك بأنها بيعت منذ لحظة الافتتاح.

تُكمل مشوارَك مع لوحات تُقولبها دوائر الحياة مثل تفاحة عملاقة. أما نقطة الندى، فترسمها مانوكيان بشكل انسيابي يبرز حركتها العفوية. أطياف أشخاص من دون وجوه رسمتها في مجموعات بألوان زاهية. الزهري كما الأزرق والأخضر والأصفر والأحمر والبرتقالي؛ ألوان تُقدّم رقصات ريشة.

سيتا مانوكيان، من سكان لوس أنجليس، شاءت إقامة هذا المعرض في وطنها الأم لاشتياقها إليه: «دعيني أتحدّث إليك بالعربية، فأنا أفتقدها هناك. أحبُّ لبنان كثيراً، وهو يسكن قلبي».

تقول إنَّ هدفها منه التخفيف من هموم اللبناني، فعندما يزوره يشعر بالتخلُّص منها للحظات. تتابع: «لطالما حدّثتُ نفسي بأنني أرغبُ في الذهاب إلى أبعد من أفق الحياة والموت. وفي رؤية جاءتني مثل حلم اليقظة، أدركتُ أنّ ما بعد هذا العالم يسوده الأبيض رمز السلام».

تُحمِّل لوحاتها رسائل الحياة الزاهية (الشرق الأوسط)

على الورق و«التوال»، تضع تقنيتها بألوان الأكليريك: «أحياناً هي رسوم تجريدية، ومرات روحانية تحاكي الصفاء عند ناظرها. برسومي، أطالب الناس بالركون إلى ألوان الحياة. لا أحبّ الألوان الترابية، بل التي تُحيي عندنا الحبّ بجميع أشكاله».

سبق أن أقامت معارض حول العالم، بينها في أميركا وكندا والخليج العربي. بعض أعمالها تتزيّن بها متاحف عدة، منها «متحف سرسق» في بيروت، و«المتحف الوطني» في أرمينيا، وكذلك في «متحف سان لازار» بمدينة البندقية الإيطالية، وفي دير «ميكيتاريست» بفيينا.

لم تتردّد سيتا مانوكيان أمام نداء وطنها الأم لتقيم على أرضه معرضها. تُعلّق: «قرّرتُ القيام بهذه الخطوة رغم كل شيء. أهملتُ الأخبار التي تتوقَّع اندلاع الحرب. حسمتُ أمري وقطعتُ المحيطات لأشارك اللبنانيين مخاوفهم على طريقتي».


مقالات ذات صلة

ألفا مخطوطة نادرة تعكس الإرث العلمي والتاريخي في «معرض المخطوطات السعودي»

يوميات الشرق الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان أمام صف من المخطوطات النادرة (وزارة الثقافة)

ألفا مخطوطة نادرة تعكس الإرث العلمي والتاريخي في «معرض المخطوطات السعودي»

في «معرض المخطوطات السعودي» يجد الزائر نفسه محاطاً بتراث ثقافي وحضاري يعكس قروناً من المعرفة والتطور الإنساني.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق «لما اكتمل القمر» للفنان السعودي زمان جاسم (واس)

معرض فنيّ مفتوح في محطات قطار الرياض

كشف برنامج «الرياض آرت» عن احتضان محطات قطار الرياض 4 أعمال فنية مميزة أبدعها فنانون محليون ودوليون، بهدف إثراء المساحات والأماكن العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق كوريتا تعلق لوحاتها (أرشيف مركز كوريتا للفنون)

معرض الراهبة الأميركية كوريتا يضيء باريس بثورة البهجة

إنها المرة الأولى التي تستضيف فيها العاصمة الفرنسية معرضاً لراهبة أميركية يرى النقاد أنها حققت، من خلال لوحاتها، ثورة من البهجة وراء أسوار الأديرة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الذكاء الاصطناعي في معرض بمتحف الكاريكاتير (إدارة المتحف)

مجدي يعقوب والذكاء الاصطناعي في متحف الكاريكاتير المصري

اختتم متحف الكاريكاتير بقرية تونس في الفيوم (100 كيلو جنوب القاهرة) المسابقة السنوية الدولية الرابعة للكاريكاتير، تحت عنوان: «كاريكاتونس».

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق عمل الفنانة عزة القبيسي (بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر)

بينالي أبو ظبي... التوقيع بالفن على المساحات العامة

أطلقت أبوظبي النسخة الافتتاحية من بينالي أبوظبي للفن العام، وتستمر حتى 30 أبريل (نيسان) المقبل.

عبير مشخص (أبوظبي)

التعليم في سن الرابعة يعزز اكتساب لغة ثانية

تعليم ما قبل المدرسة يُشكل مرحلة حاسمة في حياة الأطفال (جامعة مونتريال)
تعليم ما قبل المدرسة يُشكل مرحلة حاسمة في حياة الأطفال (جامعة مونتريال)
TT

التعليم في سن الرابعة يعزز اكتساب لغة ثانية

تعليم ما قبل المدرسة يُشكل مرحلة حاسمة في حياة الأطفال (جامعة مونتريال)
تعليم ما قبل المدرسة يُشكل مرحلة حاسمة في حياة الأطفال (جامعة مونتريال)

أظهرت دراسة كندية أن التعليم بسن الرابعة، من خلال الالتحاق برياض الأطفال، له تأثير كبير في تعزيز اكتساب الأطفال للغة ثانية.

وأوضح باحثو جامعة «مونتريال» في الدراسة التي نشرت نتائجها يوم الجمعة، بدورية «JAMA Pediatrics» أن التعليم في هذه السن يُسهم بشكل كبير في تسهيل تعلم اللغات الأجنبية. وخلال الدراسة، استهدف الفريق تقييم تأثير خدمات التعليم في مرحلة ما قبل المدرسة على تطوير مهارات اللغة لدى الأطفال الذين يتعلمون لغة ثانية أو ثالثة، بجانب لغتهم الأم، ومقارنة تطورهم اللغوي والاجتماعي والعاطفي مع الأطفال الذين يتحدثون الفرنسية بوصفها لغة أم.

وأظهرت الدراسة أن تعلم لغة أجنبية مثل الفرنسية مع الحفاظ على مهارات اللغة الأم ليس بالأمر السهل. وبناءً على ذلك، يواجه الأطفال صعوبات في التعلم والتواصل في مرحلة رياض الأطفال، ما قد يؤثر سلباً على مسارهم التعليمي. وشملت الدراسة 71 ألفاً و589 طفلاً في مقاطعة كيبيك الفرنسية، وكان من بينهم 4360 طفلاً من عائلات تتحدث لغة غير الفرنسية بوصفها لغة أم.

ووجد الباحثون أن خدمات التعليم ما قبل المدرسة تسهم بشكل كبير في سد الفجوة بين الأطفال الذين يتحدثون الفرنسية بوصفها لغة أم، وأولئك الذين يتعلمونها بوصفها لغة ثانية أو حتى ثالثة. كما وجدوا أن 14 في المائة من الأطفال الذين يتعلمون الفرنسية بوصفها لغة ثانية لم يلتحقوا بالحضانة قبل بدء المدرسة، مقابل 6 في المائة فقط من الأطفال الذين كانت الفرنسية هي لغتهم الأم.

وأظهرت النتائج أن الأطفال الذين التحقوا برياض الأطفال أو الحضانة في سن الرابعة أظهروا تحسناً ملحوظاً في مهاراتهم المعرفية والاجتماعية والعاطفية، بالإضافة لقدرتهم على التواصل بشكل أفضل مقارنة بالأطفال الذين لم يلتحقوا بهذه الخدمات.

وأشار الفريق إلى أن الفترة من سن سنة إلى 5 سنوات تعتبر حاسمة في اكتساب اللغة، وتطوير المهارات الأساسية التي يحتاجها الطفل في مراحل حياته اللاحقة، حيث يكون الدماغ في طور النمو والتطور السريع، مما يسهل على الطفل تعلم لغات جديدة وفهمها.

وأضاف الباحثون أن نتائج هذه الدراسة تسلط الضوء على دور التعليم ما قبل المدرسة في تحسين فرص تعلم الأطفال الذين يتعلمون الفرنسية بوصفها لغة ثانية أو ثالثة، ما يسهم في تسهيل اندماجهم الأكاديمي والاجتماعي في المستقبل.

ونوه الفريق بأن هذه النتائج تبرز الحاجة الملحة لتعزيز الوصول إلى خدمات التعليم ما قبل المدرسة للأطفال الذين يتحدثون لغة غير اللغة الرسمية للدولة، بهدف تقليل الفجوات التعليمية والاجتماعية، خصوصاً في المناطق التي تعاني من نقص في هذه الخدمات.

يُشار إلى أن تعليم ما قبل المدرسة يُمثل مرحلة حاسمة في حياة الأطفال، حيث يسهم بشكل كبير في تطوير مهاراتهم الأساسية التي تدعم مسيرتهم التعليمية في المستقبل.