المخرج بيار خضرا لـ«الشرق الأوسط»: أسلوب السهل الممتنع هو الأصعب

عمله المصور «تعا نقعد» لنجوى كرم أثار الجدل

أجواء الكليب تعود بنا إلى حقبة الأبيض والأسود (بيار خضرا)
أجواء الكليب تعود بنا إلى حقبة الأبيض والأسود (بيار خضرا)
TT

المخرج بيار خضرا لـ«الشرق الأوسط»: أسلوب السهل الممتنع هو الأصعب

أجواء الكليب تعود بنا إلى حقبة الأبيض والأسود (بيار خضرا)
أجواء الكليب تعود بنا إلى حقبة الأبيض والأسود (بيار خضرا)

نبضٌ إخراجيّ مختلف يتمثل في مشهدية بصرية تخرج عن المألوف يترجمها بيار خضرا في أغنية «تعا نقعد» للفنانة نجوى كرم، التي تتضمّن نقلة نوعية جمع فيها المخرج خضرا ما بين المتعارف عليه والاحترافية. تخيّل ورسم ونفّذ الفكرة واضعاً نجوى كرم أمام تحدٍّ صعب. تردّدت صاحبة لقب «شمس الأغنية اللبنانية» بداية؛ ومن ثم اقتنعت برؤية خضرا. فطبيعة الأغنية تستأهل منها التغيير عطفاً على كلامها ولحنها.

وأدرك بيار خضرا حدوده في التحليق بخياله؛ وكما يذكر لـ«الشرق الأوسط» كان عليه الحفاظ على مكانة نجوى الفنية، من ناحية أخرى رغب في أن يخرجها من القالب الكلاسيكي. ويضيف: «لا شك أن نجمة بمكانة نجوى كرم وتاريخها الغني سيجد أي مخرج غيري صعوبة في نقلها من ضفة إلى أخرى. والأهم عندي كان عدم مقاربة المبتذل. ولأن قالب الأغنية يتحمّل هذا التغيير في وجهة المشهدية عامة أقدمت على الخطوة».

إطلالة مختلفة لنجوى كرم في كليب «تعا نقعد» (بيار خضرا)

في كليب «تعا نقعد» تطل نجوى كرم في إطار فني شبابي ينبض بالفرح، ويطعّمه خضرا بحركة كاميرا راقصة لا يملّ منها. ولأنه صاحب خلفية معروفة في فن الـ«كوريغرافيا» (مصمم رقص)، عرف كيف يسخّر هذا الفن في خدمة العمل.

منذ المشهد الأول في الكليب تصل مشاهده طاقة إيجابية مشبّعة بصورة حلوة.

نجوى كرم بالأبيض ترتاح على كرسي بحر فخم تنطلق الأغنية. واختار خضرا حركة راقصة بالرأس كي تسوده. نراها مع مجموعة فتيات بالأبيض والأسود تتناغم مع موسيقى الأغنية، فتدفع لا شعورياً مشاهدها إلى التفاعل مع الأغنية بالطريقة نفسها. فلماذا اختصر خضرا رقصة كرم بهذه الحركة؟ يرد: «في رأيي، السهل الممتنع من أصعب أساليب الفن. عندما استمعت للأغنية وأنا أقود سيارتي رحت أحرّك رأسي مع إيقاعاتها. هي حركة بسيطة لا تحتاج إلى وضعها في إطار فلسفي. كنت أريدها حركة سهلة يستطيع أيّ شخص القيام بها. من هنا ولدت الفكرة وقد طعّمتها بمشهدية استوحيتها من الستينات. رقصت معي الكاميرا وبرز التجديد الذي رغبت في أن تلجه نجوى كرم».

اضطر خضرا لتنفيذ فكرته إلى أن يعمّر لها ديكورات خاصة بها. اختار موقع التصوير في بلدة الدامور الساحلية. وبحث عن كراسي ومظلات شمس ترتبط ارتباطاً مباشراً بحقبة الستينات. وقد نُفّذت بشغل يدوي لتذكّرنا بزمن الأبيض والأسود. إكسسوارات وقعدات جانبية ومشهدية تعبق بموسم الصيف تسود الكليب. ونجوى ترقص بخفرٍ وبخفةِ ظل في آن. وتتساءل عمّا إذا هي من يتمايل بخصره أو أن الكاميرا تقوم بذلك. ويوضح خضرا: «أتمتع بعلاقة خاصة مع الموسيقى، وتشكّل عنصراً أساسياً في حياتي، وبصفتي راقصاً، أو مصممَ لوحات راقصة، ومخرجاً، تُعدّ الموسيقى ملهمتي، وكنت أستمع إليها لأترجمها حركات، أمّا اليوم فصرت أفضّلها مشهدية بصرية أستمتع برؤيتها. وفي الوقت نفسه أحب أن أبرز قدراتي التصويرية. وأحقق هذه التحولات بين مشهد وآخر. قد يخيّل لمتابع الكليب بأنه عمل سهل المنال. ولكن العكس صحيح لأن كل ثانية وكادر منه يستغرقان كثيراً لتنفيذهما. فيخرجان عفويين وقريبين إلى القلب في آن».

من كواليس تصوير كليب «تعا نقعد» (بيار خضرا)

سبق لخضرا أن قدم كليبات مصورة لفنانين آخرين. وفي واحد للسيلاوي (الفي) صنع ما يشبه فيلماً سينمائياً قصيراً. لم تغب عنه لوحات تعبيرية، ولكن هذه المرة لجأ إلى مشهد قتال بين جماعة. ويعلّق: «كان تحدياً حقيقياً، ولو لم يحضر هذا المشهد في النص لكنت جعلت الكاميرا ترقص وحدها».

بكاميرا سينمائية وعدسات عالية التقنية نفّذ بيار خضرا كليب «تعا نقعد». فلاقى ملاحظات سلبية وإيجابية. أصابت بغالبيتها نجوى كرم فما تعليقه على الموضوع؟ يرد: «كنت أفضّل النقد البنّاء بدل رمي بالانتقادات السخيفة. فنجوى كرم نجمة لامعة وتتمتع بتاريخ فنيّ غني. كما أنها بهذه الأغنية لم تخرج عن سياق ما سبقها إليه نجوم كبار. فالسيدة فيروز غنت (مش كاين هيك تكون)، وصباح أدّت مجموعة أغنيات من هذا النوع. فالفنان يحتاج بين وقت وآخر إلى كلام يخاطب فيه جمهوره عن قرب. والأمر ليس مشروطاً دائماً بأغنية ترتكز على الشعر. لقد عدّه البعض لا يليق بفنانة بحجم نجوى، كما صوّبوا سهامهم على جمالها وشبابها الدائمين. يضحكني هذا الأمر في بلادنا. فإذا حافظت المغنية العالمية (جي لو) على شكلها الخارجي يثنون عليها. ولكن في عالمنا العربي تتغير المعادلة».

الجدل الذي أُثير حول الكليب يُعدّه بيار خضرا عنصر نجاحٍ من نوع آخر. ويعلّق: «لطالما بحثت عمّا ينقصني بعد رحلة تجارب متراكمة. وبعد فن الكوريغرافيا شعرت بأن لدي قدرات أكبر. المجال الفني بحد ذاته كان ينقصه شيء ما. فحاولت سدّ ثغراته برؤية إخراجية جديدة».

أما مشواره، فيرغب في أن يأخذه نحو السينما. «أعتقد أن أيّ مخرج تبقى الشاشة الذهبية هدفه الأكبر. وحتى لو وصلت إلى هناك فسأبقى أصنع كليبات غنائية، ولكن بعدد أقل. فعلاقتي مع الموسيقى ستستمر ولو خضت مرحلة انتقالية». ويختم خضرا معداً كليب «تعا نقعد» أضاف كثيراً إلى مشواره.


مقالات ذات صلة

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

يوميات الشرق مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

أغنية «الحق ما بموت» التي لحّنها هشام بولس وكتبها سمير نخلة وغناها جوزيف عطية نجحت في الامتحان. وهي اليوم تعدّ من ريبرتوار الأغاني الوطنية الأشهر في لبنان.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جدران الجبل الجليدي حاصرت صغار البطاريق (غيتي)

صغار البطريق تنجو بأعجوبة من جبل جليدي شارد

شكّلت جدران الجبل الجليدي الضخمة حاجزاً، كما لو كانت باباً فاصلاً، بين مستعمرة خليج هالي والبحر، مما جعل صغار البطاريق مُحاصَرة في الداخل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق منظر جوي يُظهر قصراً من القصرين المغطيين بالغرافيتي (غيتي)

إغلاق فيلا «هوليوود هيلز» المغطاة بالغرافيتي

اعتُقل شخصان يوم الأربعاء فيما يتعلق بالتخريب في فيلا «هوليوود هيلز» المهجورة التي يملكها ابن مالك مشارك في نادي فيلادلفيا فيليز.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق للصدمة أشكال عدّة (مواقع التواصل)

ثعبان عملاق يُنغّص على بريطانية استمتاعها باحتساء القهوة

أُصيبت بريطانية بصدمة كبيرة بعد اكتشافها ثعباناً من فصيلة الأصلة العاصرة، طوله 5.5 قدم (1.6 متر) مختبئاً في حديقة منزلها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «جاك سبارو» في المستشفى (إ.ب.أ)

«القرصان» جوني ديب يُفاجئ أطفالاً في مستشفى إسباني

فاجأ الممثل جوني ديب النزلاء في جناح علاج الأطفال بأحد المستشفيات الإسبانية، وهو يرتدي ملابس شخصية «جاك سبارو» من سلسلة الأفلام الشهيرة «قراصنة الكاريبي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)

أراجوز «مُعدّل» ينشر بهجة في شوارع مصرية

عبد التواب يقدم أحد عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)
عبد التواب يقدم أحد عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)
TT

أراجوز «مُعدّل» ينشر بهجة في شوارع مصرية

عبد التواب يقدم أحد عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)
عبد التواب يقدم أحد عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)

منذ أواخر عام 2018 وبعد إدراجه ضمن قوائم «اليونيسكو» للتراث العالمي غير المادي، الذي يحتاج للصون العاجل، صار هَمّ فناني الأراجوز المصري العمل على إعادته للشوارع والحدائق والميادين بوصفها حاضنة عُروضه الأساسية والبيئة الطبيعية التي يمكنه أن ينشط فيها بعروض مبهجة للأطفال، تزيل عنه بعضاً من أخلاقه القديمة التي كان معروفاً بها. فقد كان، مثل قول الفنان ناصر عبد التواب المشرف على عروض الأراجوز الأسبوعية في المركز القومي لثقافة الطفل، «عدوانياً، وسليط اللسان، وهي قيم ليست تربوية ارتبطت به لدى فناني العرائس القدامى، وكان يجب أن نطوّر رسالته، ونغيّر من طبيعته، ونقدمه في صورة جديدة، تتلافى هذه الخصال دون أن يتخلى الأراجوز عن صناعة البهجة وإضحاك الأطفال».

ويضيف عبد التواب، وهو مخرج مسرح عرائس ولاعب أراجوز، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ عام 2007 وأنا أقدّم عروضاً عرائسية في الحديقة الثقافية للأطفال بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة، كما دربت ابتداء من عام 2019 أكثر من 60 من الكوادر على تحريك العرائس، وقدّمت على مدار أعوام عروضاً كثيرة منها (أحلام العصافير)، و(قسم وأرزاق)، فضلاً عن حفلات عديدة لفن الأراجوز، تختلف عن (النمر التراثية)، وتقوم أساساً على الارتجال».

أطفال مصريون يشاهدون عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)

ولفت عبد التواب إلى أن العروض التراثية مثل «الأراجوز والبربري»، و«الأراجوز والشحات»، وغيرهما، تتضمن أفكار «عنف وتنمر» لا تصلح للأطفال. «وكانت لدينا وقفة كي يقوم الأراجوز بدوره التقويمي للسلوك، وغيّرنا شكله، من رجل كبير لديه شارب، إلى أراجوز طفل يتعلم منه الأطفال. كنا نريد ونحن نسعى لترسيخ الدور التربوي لفن العرائس أن نجعل الطفل لا يتعدى حدوده ويتجرأ على الكبار، ويقوم بتصحيح سلوكهم، كان هدفنا المحافظة على قيمة الكبير في نظر الأطفال»، وفق قوله.

ويضيف عبد التواب: «كان التغيير في هيئة الأراجوز من رجل كبير يرتسم على وجهه شارب، إلى طفل صغير، هو الأنسب ليكون أكثر قرباً للأطفال».

وركزت عروض الأراجوز التي قدّمها عبد التواب وزملاؤه في شوارع عدد من محافظات مصر في الجنوب والشمال بدءاً من الجيزة وبني سويف والمنيا وأسيوط وقنا وسوهاج ومطروح... على فكرة الانتماء، وأهمية الوقت، واحترام الكبير، وقيمة الاعتذار، والبعد عن العنف، وتقوم على التفاعل مع الأطفال بعيداً عن فكرة التلقين، وشارك فيها فنانون جدد كانوا نتاج برنامج تدريبي اعتمده المركز القومي لثقافة الطفل منذ 6 سنوات للمحافظة على فن الأراجوز من الاندثار.

الفنان ناصر عبد التواب وزملاؤه يقدمون عروض العرائس للأطفال (الشرق الأوسط)

ويقدم فنانو الأراجوز عدداً من العروض في حدائق وشوارع القاهرة يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، ويوم 28 من كل شهر، فضلاً عن العروض التي تُقدّم في ملتقى الأراجوز السنوي 28 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، بمناسبة وضع الأراجوز على قائمة «اليونيسكو» بوصفه تراثاً أولى بالحماية، وعنصراً من مكونات الثقافة المصرية.

قصة تسجيل الأراجوز ضمن التراث المصري في «اليونيسكو» يحكيها الباحث أحمد عبد العليم مدير مركز ثقافة الطفل المُشرف على عروض فن العرائس، مشيراً إلى أن «لجنة مصرية قامت بجهود كبيرة في مواجهة الرغبة التركية لتسجيلها ضمن تراثها، ونجح كل من نبيل بهجت ونهلة إمام وأحمد مرسي، في إقناع المنظمة الدولية بأحقية مصر في ذلك».

ويضيف عبد العليم لـ«الشرق الأوسط»: «تلقفنا قرار (اليونيسكو) وبدأنا في عمل برنامج عاجل لحماية فن الأراجوز والعرائس التقليدية، وجمعنا كل الفنانين أصحاب الشأن، كانوا لا يزيدون عن 7، وكان لا بد من تدريب أجيال جديدة من أجل وراثته وتطويره، كان ذلك في الملتقى الأول عام 2018، ورعته وزيرة الثقافة وقتها الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم».

أحد عروض الأراجوز في شوارع مصر (الشرق الأوسط)

وقال عبد العليم: «كان الملتقى (أشبه بالمولد)، ويحمل ملامح المناخ نفسه الذي نشأ فيه الأراجوز، بعروض احتضنتها الشوارع»، لافتاً إلى أن «فن الأراجوز يحتاج إلى ممارسة يومية ليتمكن الفنان من إجادته، ويجب أن يُقبل عليه بمحبة وشغف ليواصل العمل فيه، والآن لدينا أكثر من 25 فناناً عرائسياً قديراً. أما الباقون، ويزيد عددهم عن 40 فناناً، فيقومون بدور (الملاغي)، وهو عنصر مهم في العروض الأراجوزية التي يقدمها المركز وتحمل رسالة وقيماً إنسانية».

ويُقبل على عروض حديقة السيدة زينب جمهور كبير من الأُسر المصرية تأتي بأطفالها لمشاهدتها والاستمتاع بها، ومنهم والد الطفل يوسف أحمد الذي قال إنه «يحب هو وأبناؤه الأراجوز، وصوته الجميل، ولا يتوقف عن الضحك من مواقفه، وألعابه وأغنياته».