سيلين ديون... متيبّسة وجاحظة العينين أمام الكاميرا

خيانة الصوت والجسد في وثائقيّ مبلّل بدموع الفنانة العالمية

الفنانة الكندية سيلين ديون خلال إحدى نوبات «متلازمة الشخص المتيبّس»... (أمازون برايم)
الفنانة الكندية سيلين ديون خلال إحدى نوبات «متلازمة الشخص المتيبّس»... (أمازون برايم)
TT

سيلين ديون... متيبّسة وجاحظة العينين أمام الكاميرا

الفنانة الكندية سيلين ديون خلال إحدى نوبات «متلازمة الشخص المتيبّس»... (أمازون برايم)
الفنانة الكندية سيلين ديون خلال إحدى نوبات «متلازمة الشخص المتيبّس»... (أمازون برايم)

ليس من السهل على أسطورة مثل سيلين ديون أن تظهر أمام الكاميرا متيبّسة الأطراف جاحظة العينَين، قابعةً تحت وطأة إحدى نوبات مرضها النادر. لكنّ النجمة الكنديّة العالميّة ارتضت أن تكشف عن الآلام والهشاشة والانكسار على الملأ، أمام عيون الملايين، على منصة «أمازون برايم» في وثائقيّ بعنوان «I Am: Celine Dion (أنا: سيلين ديون)».

يتفرّد الوثائقي؛ الذي أخرجته إيرين تايلور وانطلق عرضه قبل يومين، بمعاينةٍ عن قُرب لجلجلة ديون مع «متلازمة الشخص المتيبّس». تُرافقها الكاميرا في جلسات إعادة التأهيل الفيزيائيّ، وتوثّق تفاصيل النوبات؛ بما يتخلّلها من أنين، وتَجمُّد مفاجئ لأعضاء الجسد، وارتجاف في الفم، وغيبوبة مخيفة، وتدخّل للفريق الطبّي المُسعف، ونقلٍ على الحمّالة إلى المستشفى.

يحذّر الوثائقي في بدايته من قساوة المقاطع المرتبطة بوضع ديون الصحّي، إلا إنّها تقتصر على مشهدَين في مطلع الفيلم وفي ختامه. في المقابل، تُفرَد المساحة الكبرى للمعاناة النفسية ولدموع الفنانة.

إنه تلفزيون الواقع بأصدق حلّة. يتابع المُشاهد كواليس يوميات ديون من دون تجميل ولا إعادة تمثيل. بوجهٍ أرهقه المرض وهجرته المساحيق، تُطلّ محبوبة الجماهير لتتحدّث بعفويّة وحرقة عمّا قاسته خلال السنوات الثلاث الماضية؛ وما زالت، منذ تشخيصها بالمتلازمة النادرة.

يدخل فريق التصوير إلى كل حجرة في المنزل، حيث ألقى المرض بظلاله الكثيفة. هنا تتكدّس «حناجير الأدوية» التي تقرّ ديون بأنها تتناول كمياتٍ هائلة منها يومياً للتخفيف من أوجاعها، إلى درجة أنها كادت تدمنها. وهناك زاويةٌ معتمة تقبع فيها كلّما شعرت بأنها لا تقوى على الحراك؛ أين هي من أضواء المسارح التي يستعيدها الوثائقيّ بكثافة من خلال مقاطع أرشيفيّة من الحفلات والاستعراضات.

ملصق وثائقي «أنا: سيلين ديون»... (أمازون برايم)

«أحلم بأن أصير نجمة عالميّة وبأن أغنّي طيلة حياتي»، عبارة بريئة تُطلقها سيلين ديون المراهِقة في بداية الفيلم. أغنية تلو أغنية، يصير الحلم واقعاً، لكنّ المرض يأتي ليبتر الإنجاز. تكشف ديون: «قبل 17 عاماً بدأت تصيبني تشنّجات في الحبال الصوتيّة. لاحقاً؛ أي في السنوات التي سبقت التشخيص، اضطررنا إلى إلغاء بعض العروض. لكن لم أعد أستطيع أن أكذب على الجمهور».

تعترف بشكلٍ غير مباشر بأنها حمّلت صوتها أكثر من طاقته. أرهقته وها هو يخونها. يعود الوثائقي إلى عام 2021 ليوضح أنه، وبعد إصدار ديون 27 ألبوماً وبيعها 250 مليون أسطوانة وفوزها بعدد من جوائز الـ«غرامي» والـ«أوسكار» على مدى مسيرتها الغنائية، وجدت نفسها مرغمة على إلغاء عرضها الضخم المنتظر في لاس فيغاس.

كانت تلك بداية الكابوس. لكنّ ديون امرأة قويّة، ورثت الصلابة عن والدتها تيريز التي كانت تعجن الطحين بالماء وقِطَع الجزر لتُطعم أولادها عندما تكون الثلّاجة فارغة. تتحصّن الفنانة كذلك بأبنائها الثلاثة. غالباً ما يظهرون معها في الوثائقيّ، لا سيّما الصغيرَين بينهم؛ إدي ونيلسون. تُجنّبهما تراجيديا الألم فتلهو معهما وتمازحهما وتهتمّ بهما، حتى إنهما يتولّيان تصويرها ومحاورتها في جزءٍ من الوثائقي.

قد تكون المَشاهد المُستقاة من أرشيف سيلين ديون زائدة على حدّها، وكأنّ المُخرجة تملأ الوقت بكثيرٍ من المقاطع الغنائية. غير أنّ ثنائية الماضي والحاضر مؤثّرة، لناحية المقارنة بين أمس ديون المجيد، واللحظة الحاليّة التي أرغمتها على الجلوس في الظلّ، بعيداً عن أكثر ما تحبّ؛ الميكروفون وخشبة المسرح والجمهور. عن الألم الأكبر تتحدّث: «لا زلتُ غير قادرة على استعمال صوتي». وبين دمعتَين تضيف: «الموسيقى... أفتقدها كثيراً. والناس... أشتاق إليهم». تقول حكمة سيلين ديون إنّ «الصعوبة ليست في تقديم عرض موسيقيّ؛ إنّما في إلغائه».

تذكّر المقاطع الغنائية المُستعادة من أبرز حفلات ديون حول العالم، لا سيّما باريس وطوكيو ولاس فيغاس، بالطاقة الهائلة التي حملتها حنجرتها. عن ذاك الصوت الثمين تقول إنه هو الذي قاد الطريق، وهو الذي قرر مصير حياتها وليست هي من فعلت. تقول ذلك وهي مدركة أنها فقدته؛ على الأقلّ مؤقّتاً. أضاعت البوصلة ونور الدرب، مما يبرّر حتماً الخيبة المرتسمة على ملامحها.

ديون مع مخرجة الوثائقي إيرين تايلور خلال عرضه الأول قبل أيام في نيويورك (أ.ب)

ولعلّ أقوى لحظات الوثائقيّ هي تلك التي تقدّم فيها ديون البرهان الحسّيّ على ما فعل المرض بصوتها. تغنّي فلا تستطيع. يخرج الصوت غريباً. لا تعرفه؛ بل تُنكره. هو صوتٌ مجروحٌ ومكسور، لا يشبه في شيء طبقاتها العالية التي عرفها الناس بها. تنهار باكيةً عندما تصغي إلى نفسها: «من الصعب جداً عليّ أن أسمع ذلك، وأن أُسمعكم إيّاه. لا أريد أن يسمعني الناس هكذا». لكنها تفعل، ويُحسَب لها كل هذا الصدق والجرأة والتصالح مع الضعف البشريّ.

ثمّ تصدح: «My Heart Will Go On» ضمن مشهد مُستعاد من إحدى الحفلات. وكما تقول أغنية فيلم «تيتانيك» الشهيرة، فإنّ قلب سيلين ديون يواصل الخفقان ويسير بها إلى الأمام. متطلّعةً إلى الشفاء؛ تواظب على جلسات العلاج. وبخُطىً متردّدة؛ إنما إيجابية، تعود إلى الاستوديو لتضع صوتها على أغانٍ جديدة. لا يحصل ذلك من دون صعوباتٍ وخيباتٍ ودموع بسبب التحوّلات التي ألمّت بصوتها. لكنها تحاول؛ «لا زلتُ أرى نفسي أرقص وأغنّي. دائماً أجد خططاً بديلة. إذا لم أتمكّن من الركض؛ فسأمشي، وإن لم أستطع المشي؛ فسأحبو. لكن لن أتوقّف».

سيلين ديون: «إن لم أستطع المشي فسأحبو... لكن لن أتوقّف»... (أمازون برايم)

على وتر الماضي يلعب الوثائقي بقوّة. يعود بالمشاهدين إلى طفولة ديون في قريتها الكنديّة المثلجة، مغنيةً في زفاف شقيقها وهي في الخامسة. صغيرةً، تتوسّط العائلة ذات الأبناء الـ14؛ يرقصون ويغنّون. كان المال قليلاً، لكنّ الموسيقى أغنَتهم.

من الأرشيف كذلك، يطلّ رينيه أنجليل، زوجها الراحل وحبّ حياتها. كما يتفرّد العمل التلفزيوني بلقطات حصريّة من ولادة أبنائها ولحظات طفولتهم.

ولأنّ أحلام سيلين لم تتيبّس، فهي تشبّه نفسها بشجرة التفّاح التي ما زالت قادرة على العطاء، ما دام ثمّة جمهور ينتظر ثمارها.


مقالات ذات صلة

غرانثام تحتفل بمئوية «المرأة الحديدية»... مارغريت ثاتشر تعود

يوميات الشرق الأقوى بعد الملكة (غيتي)

غرانثام تحتفل بمئوية «المرأة الحديدية»... مارغريت ثاتشر تعود

تستعدُّ مدينة غرانثام، مسقط «المرأة الحديدية»، رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة مارغريت ثاتشر، لإقامة مهرجان يمتدّ لأسبوع احتفالاً بالذكرى المئوية لميلادها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فشلٌ دراسيّ ونجاحٌ عالميّ... عباقرة ونجوم لم يحملوا شهادات جامعية

فشلٌ دراسيّ ونجاحٌ عالميّ... عباقرة ونجوم لم يحملوا شهادات جامعية

فشلوا في الدراسة لكنهم حققوا نجاحاً باهراً في المهنة والحياة وأصبح نهجُ بعضهم مدرسة بحدّ ذاته

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الوصول لا يستحق منالَه إلا حين يُدفَع ثمنه بالتعب والوجع (حساب مكسيم شعيا الشخصي)

مكسيم شعيا... في شقاء القمم يعرف الإنسان نفسه

كلما غاصت قدما مكسيم شعيا في متر من الثلج، تذكّر أنَّ الوصول لا يستحق منالَه إلا حين يُدفَع ثمنه بالتعب والعرق والوجع. فالرحلات الشاقة وحدها تهبُ المرء ما يبقى.

فاطمة عبد الله (بيروت)
أوروبا هتلر خلال عرض عسكري في روما عام 1941 (أرشيفية - رويترز)

ملفات المخابرات السوفياتية تكشف لأول مرة اللحظات الأخيرة من حياة هتلر

يصادف يوم 30 أبريل مرور 80 عاماً بالضبط على وفاة صاحب أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وفق دوائر الفاتيكان تضمّ مكتبة البابا فرنسيس الموسيقية أكثر من 2000 أسطوانة (موقع الفاتيكان)

عاشق الموسيقى والأدب والسينما والكرة... البابا فرنسيس متعدّد الهوايات

لن يذكر التاريخ البابا فرنسيس أنه رسول محبة وأخوّة فحسب، بل أيضاً موسوعة متعدّدة الاهتمامات الثقافية؛ من الموسيقى إلى الأدب وليس انتهاءً بالسينما.

كريستين حبيب (بيروت)

جدل في مصر لقطع معاش عبد الرحمن أبو زهرة بداعي وفاته

الفنان عبد الرحمن أبو زهرة  (حساب نجله أحمد بموقع «فيسبوك»)
الفنان عبد الرحمن أبو زهرة (حساب نجله أحمد بموقع «فيسبوك»)
TT

جدل في مصر لقطع معاش عبد الرحمن أبو زهرة بداعي وفاته

الفنان عبد الرحمن أبو زهرة  (حساب نجله أحمد بموقع «فيسبوك»)
الفنان عبد الرحمن أبو زهرة (حساب نجله أحمد بموقع «فيسبوك»)

أثار قطع معاش الفنان المصري عبد الرحمن أبو زهرة جدلاً واسعاً في مصر، بعدما كتب نجله أحمد أبو زهرة عبر حسابه بموقع «فيسبوك» تفاصيل الأزمة التي بدأت بقطع معاش والده بسبب «مشكلة تقنية» بـ«التأمينات»، وفق بيان الهيئة.

وكتب نجل الفنان أن «هيئة التأمينات والمعاشات قامت بإيقاف معاش» والده نظراً لـ«وفاته»، وذلك حسبما أكدوا لمن ذهب كممثل عن الأسرة للاستفسار عن أسباب القطع؛ إذ أكدت «التأمينات» أن «الأحوال المدنية» أخطرتهم بوفاته.

وأوضح أبو زهرة أنهم «اعتادوا على مثل هذه الشائعات» التي تطلق على والدهم بين الحين والآخر، وكانت تضايقهم وتضطرهم إلى نفي ما يثار، وبمرور الوقت أصبحوا لا يهتمون بها، لكن أبو زهرة أفاد بأن خبر الوفاة هذه المرة جاء عبر مؤسسة تابعة للدولة وليست شائعة، مثلما كان يحدث من قبل.

الفنان عبد الرحمن أبو زهرة ونجله أحمد (حساب أحمد بموقع «فيسبوك»)

وأكد أحمد في منشوره أن «(التأمينات) طلبت التأكد من وجود صاحب المعاش على قيد الحياة لضمان استمرارية الصرف، وذلك عن طريق إرسال مندوب لمقابلته، أو بحضوره شخصياً»، وأوضح أن «حالته الصحية لن تسمح بذهابه لمقر الهيئة»، كما أنهم يرفضون حضور أي شخص لبيته لـ«يقتحم خصوصيته، بعد أن قرر قضاء أيامه في هدوء ومن دون ضجيج».

واستنكر نجل الفنان طريقة التعامل مع فنان معروف مثل والده، وتساءل: «ما هي طريقة التعامل مع المواطن العادي إذن؟!».

وحسب وسائل إعلامية محلية، فقد أصدرت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بياناً، أكدت خلاله أنها تابعت ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال صفحة أحمد أبو زهرة، نجل الفنان عبد الرحمن أبو زهرة، بشأن توقف صرف معاش والده.

وأوضحت الهيئة أن سبب الإيقاف كان نتيجة مشكلة تقنية، وتم تداركها على الفور، وإعادة صرف المعاش؛ إذ وجّه اللواء جمال عوض، رئيس الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، بتقديم الاعتذار الرسمي، وباقة ورد للفنان القدير، تقديراً لمكانته الفنية والإنسانية.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» نفى أحمد أبو زهرة وجود وثيقة رسمية تؤكد وفاة والده، وأوضح أن «مشكلة صرف المعاش انتهت، وتم تدارك الموقف بشكل عاجل، وإصلاح الخطأ التقني، بعد كتابة المنشور عبر حسابه مباشرة»، كما طمأن أبو زهرة جمهور والده على صحته.

الفنان عبد الرحمن أبو زهرة ونجله أحمد (حساب أحمد بموقع «فيسبوك»)

وفجّرت أزمة معاش أبو زهرة الجدل من خلال تعليقات على المنشور، وعبر مواقع «سوشيالية» عدة، أشار بعضها إلى أن الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي تقوم بإيقاف معاشات من تجاوز عمرهم 90 عاماً، بهدف التأكد من وجودهم على قيد الحياة، من خلال الحضور، أو عن طريق زيارة موظف من الهيئة لمنزله.

وشارك عبد الرحمن أبو زهرة (مواليد 1934) في عدد كبير من الأعمال الفنية في السينما والتلفزيون والإذاعة، بعد تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1958، من بينها أفلام: «أرض الخوف»، و«ديل السمكة»، و«أنت عمري»، و«الحاسة السابعة»، و«تيتة رهيبة»، و«الجزيرة»... ومسلسلات: «لن أعيش في جلباب أبي»، و«خان القناديل»، و«العمة نور»، و«أميرة في عابدين»، و«الملك فاروق»، و«الجماعة»، و«آدم»، و«الصفعة» و«ولي العهد»، و«أستاذ ورئيس قسم»، وغيرها. في حين شهد مسلسل «موضوع عائلي» آخر مشاركاته الفنية. كما قام أبو زهرة بـ«الدوبلاج» لشخصيات كرتونية عدة، من بينها «الأسد سكار» في فيلم «الأسد الملك».