سرقة السيارات... «أزمة وطنية» تستفحل في كندا

بهدف تهريبها إلى أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط

كشف مكتب التأمين الكندي عن أهم 7 نقاط ساخنة في كندا لسرقة السيارات (إ بي سي)
كشف مكتب التأمين الكندي عن أهم 7 نقاط ساخنة في كندا لسرقة السيارات (إ بي سي)
TT

سرقة السيارات... «أزمة وطنية» تستفحل في كندا

كشف مكتب التأمين الكندي عن أهم 7 نقاط ساخنة في كندا لسرقة السيارات (إ بي سي)
كشف مكتب التأمين الكندي عن أهم 7 نقاط ساخنة في كندا لسرقة السيارات (إ بي سي)

يواجه أصحاب السيارات في كندا زيادة كبيرة تشهدها البلاد أخيراً في سرقة السيارات، بهدف تهريبها إلى الخارج، في «أزمة وطنية» يشكّل ميناء مونتريال محوراً مركزياً فيها، وتثير قلقاً واسعاً لدى شركات التأمين.

وفي هذه المدينة الأكبر بمقاطعة كيبيك، سُرقت سيارة زاكاري سيسيلياني، من دون أي أثر كسر وخلع. ويقول سيسيلياني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «اعتدتُ على ركن سيارتي في المكان نفسه؛ لكنها اختفت في أحد الأيام». وقد أوضحت له الشرطة أن العملية نُفّذت بلا شك باستخدام جهاز إلكتروني يسمح باعتراض تردد المفتاح. مذَّاك، أصبح لدى زاكاري سيسيلياني سيارة جديدة من نوع «مازدا 3»؛ لكنه قرر حمايتها باستخدام أداة تتبع.

ويوضح: «أخبرتنا شركة التأمين التي تعاقدنا معها أن سعر عقد التأمين سيرتفع بشكل كبير، إذا لم يكن لدينا جهاز تعقب في السيارة». زاكاري سيسيلياني ليس حالة معزولة على الإطلاق؛ إذ تشهد المدن الكبرى في شرق كندا ارتفاعاً كبيراً في عدد عمليات سرقة السيارات منذ أشهر، بهدف تهريبها إلى أفريقيا أو آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط؛ حيث تباع في «السوق السوداء».

وتُظهر أحدث أرقام الشرطة أن المدينتين الأكثر تضرراً من هذه المشكلة هما مونتريال وتورونتو؛ حيث زادت السرقات بنسبة 150 في المائة خلال السنوات الست الماضية. ومن عام 2021 إلى عام 2023، ارتفع عدد سرقات السيارات بنسبة 58 في المائة في كيبيك، و48 في المائة في أونتاريو، المقاطعتان الأكثر سكاناً في البلاد.

وقال مفتش المباحث في شرطة مقاطعة أونتاريو، سكوت ويد، إن «التكنولوجيا تسهّل حياة السائقين؛ لكنها تجعل سرقة المركبات أسهل أيضاً».

ويرى الخبراء أن هذه الزيادة الكبيرة في السرقات نتيجة مباشرة لجائحة «كوفيد»، إذ أدت القيود التي رافقت هذه المرحلة إلى الحد من القدرة الإنتاجية لشركات تصنيع السيارات.

ومع انهيار سلاسل التوريد على نطاق عالمي: «كان العرض في أدنى مستوياته» بينما كان هناك «طلب مرتفع للغاية»، كما أوضح يانيك ديماريه، من شرطة مدينة مونتريال. وأثار هذا الوضع شهيّة عصابات الجريمة المنظمة، إذ «شجعّها على الانطلاق لتزويد الأسواق الخارجية»، حسب سكوت ويد.

وفي عام 2023، ارتفع عدد المجموعات المرتبطة بالجريمة المنظمة المسؤولة عن سرقة السيارات بنسبة 62 في المائة، مقارنة بالعام السابق، حسب الشرطة الاتحادية.

وبات مكتب التأمين الكندي يصنّف هذه المشكلة «أزمة وطنية». وقد دفعت شركات التأمين على السيارات الخاصة في كندا 1.5 مليار دولار كندي (1.09 مليار دولار أميركي) في مطالبات مرتبطة بتعويضات عن سرقة سيارات في عام 2023، بزيادة نسبتها 254 في المائة، مقارنة بعام 2018. ويقول يانيك ديماريه إن معظم «المركبات المسروقة في كندا تُنقل إلى مونتريال ومينائها الذي يتمتع بموقع استراتيجي».

ويوضح مدير جمعية حماية سائقي السيارات، جورج إيني، أن «مونتريال تشكّل نقطة تجميع» للسيارات المسروقة. هذا الميناء الواقع على نهر سان لوران المطل على ساحل المحيط الأطلسي، يربط الشرق الكندي والقلب الصناعي لأميركا الشمالية بأكثر من 140 دولة. وتمرّ عبره أكثر من مليون حاوية كل عام.

وتوضح المديرة الإقليمية لكيبيك في وكالة خدمات الحدود الكندية، آني بوسيجور، أن «التحدي يكمن في اعتراض نسبة صغيرة من البضائع غير المشروعة، من دون الإضرار باقتصادنا، من خلال إبطاء سلاسة العمليات التجارية».

ووعدت حكومة جاستن ترودو التي نظمت قمة وطنية حول هذا الموضوع قبل بضعة أسابيع، بحظر استيراد أجهزة القرصنة هذه. كما أعلن عن تشديد العقوبات على سارقي السيارات، وتوفير مزيد من الموارد لوكالة الحدود.

في هذه الأثناء، في تورونتو كما في مونتريال، تتكاثر المجموعات على شبكات التواصل الاجتماعي لمساعدة بعضها بعضاً، ورصد السيارات المسروقة.

لكن في التعليقات، يدعو كُثر سيئي الحظ الذين تعرّضوا لسرقة سياراتهم إلى عدم تعليق آمال كثيرة؛ لأن سياراتهم ربما تكون بالفعل في حاوية متجهة إلى الخارج.


مقالات ذات صلة

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

يوميات الشرق مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

أغنية «الحق ما بموت» التي لحّنها هشام بولس وكتبها سمير نخلة وغناها جوزيف عطية نجحت في الامتحان. وهي اليوم تعدّ من ريبرتوار الأغاني الوطنية الأشهر في لبنان.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جدران الجبل الجليدي حاصرت صغار البطاريق (غيتي)

صغار البطريق تنجو بأعجوبة من جبل جليدي شارد

شكّلت جدران الجبل الجليدي الضخمة حاجزاً، كما لو كانت باباً فاصلاً، بين مستعمرة خليج هالي والبحر، مما جعل صغار البطاريق مُحاصَرة في الداخل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق منظر جوي يُظهر قصراً من القصرين المغطيين بالغرافيتي (غيتي)

إغلاق فيلا «هوليوود هيلز» المغطاة بالغرافيتي

اعتُقل شخصان يوم الأربعاء فيما يتعلق بالتخريب في فيلا «هوليوود هيلز» المهجورة التي يملكها ابن مالك مشارك في نادي فيلادلفيا فيليز.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق للصدمة أشكال عدّة (مواقع التواصل)

ثعبان عملاق يُنغّص على بريطانية استمتاعها باحتساء القهوة

أُصيبت بريطانية بصدمة كبيرة بعد اكتشافها ثعباناً من فصيلة الأصلة العاصرة، طوله 5.5 قدم (1.6 متر) مختبئاً في حديقة منزلها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «جاك سبارو» في المستشفى (إ.ب.أ)

«القرصان» جوني ديب يُفاجئ أطفالاً في مستشفى إسباني

فاجأ الممثل جوني ديب النزلاء في جناح علاج الأطفال بأحد المستشفيات الإسبانية، وهو يرتدي ملابس شخصية «جاك سبارو» من سلسلة الأفلام الشهيرة «قراصنة الكاريبي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)

أسماء المدير: «كذب أبيض» فتح أمامي أبواب السينما العالمية

أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)
أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)
TT

أسماء المدير: «كذب أبيض» فتح أمامي أبواب السينما العالمية

أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)
أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)

قالت المخرجة المغربية أسماء المدير، إن رحلتها من أجل الحصول على تمويل لفيلمها «كذب أبيض» لم تكن سهلة، بل عاشت معاناة على مدى 10 سنوات معه، بيد أن هذا لم يُزعزع ثقتها أبداً، مؤكدةً في حوار مع «الشرق الأوسط» أنها شَرَعت في العمل على فيلم جديد، وتعكف حالياً على كتابة عملٍ روائيٍّ طويل مُستمَداً من الواقع.

وأشارت أسماء المدير إلى أنها لا تضع نفسها تحت ضغوط النجاح، وليس بالضرورة أن يحظى فيلمها المقبل بقدر نجاح «كذب أبيض»، وأن هذا حدث مع كبار مخرِجي السينما في العالم.

وحرصت المخرجة الشابة على حضور المهرجان الدولي لفيلم المرأة الذي يُقام بمدينتها «سلا» بالمغرب، وقد استقبلها الجمهور بحفاوة، وأقام المهرجان حواراً معها بحضور المخرجين الشباب، وطلبة مدارس السينما.

ووضع فيلم «كذب أبيض» أسماء المدير في مكانة سينمائية جيدة، بعدما طافت معه على مدى عام في مهرجانات عدة، حاصداً جوائز كثيرة، فما وقْعُ ذلك كله عليها؟

تجيب أسماء المدير: «لم أتغيّر، لكن مسيرتي المهنية تغيّرت، فقد تحقّق جزء كبير من أحلامي السينمائية، من بينها وصول الفيلم لمهرجان (كان) وفوزه بجائزتين، وتمثيله لبلادي بالأوسكار، وقد حقّقت ما أردته من أن يكون إنتاجاً عربياً خالصاً، من المغرب والسعودية وقطر، كما نجاحه بوصفه أول فيلمٍ مغربي يحصل على الجائزة الكبرى في مهرجان (مراكش)، وترشّحي لجائزة (الروح المستقلة) مع سينمائيين كبار، على غرار مارتن سكورسيزي، وجوستين تريت؛ مخرجة فيلم (تشريح سقوط)، لا شك أن (كذب أبيض) فتح أمامي أبواب السينما العالمية».

لقطة من فيلم «كذب أبيض» (إدارة مهرجان «سلا»)

لم يكن نجاح الفيلم لحظياً، فالنجاح في رأي أسماء مجموعة من المحطات عبر الزمن، وسنوات تتخلّلها مراحل سقوط ونهوض، تُعِدّ نفسها كما لو كانت في سفر ووصلت إلى المحطة التي تبغيها، مثلما تقول: «قد يجعلني ذلك لا أشعر بنشوة النجاح سوى مع مرور الوقت، حين ألتقي بصُنّاع أفلام كبار يقولون لي: لقد نجحت».

هل يكون النجاح الباهر عائقاً أمام تجربتها السينمائية المقبلة، ومتى تبدأها؟

تجيب أسماء، ذات الـ34 عاماً، قائلة: لقد «بدأتها بالفعل، أعمل على فكرة فيلم روائي مرتبط بقصة حقيقية، ولكن بطريقتي، وأحاول أن أستمد أفلامي من الواقع، ولا أضع نفسي تحت ضغوط النجاح، وليس بالضرورة أن يكون العمل المقبل بنجاح (كذب أبيض)، نعم سأشتغل عليه بالجدية نفسها، لكنني لا أتحكم في النجاح، فقد لا يعجب الجمهور مثلاً، وليس معنى ذلك أنني فشلت، بل عليّ أن أُجرّب شكلاً آخر، ومَن يخشى التجربة يفتح لنفسه باب الفشل».

وتضيف موضّحةً: «مُخرِجون كبار حدث معهم هذا، ومنهم المخرج الإيراني عباس كياروستامي الذي قدّم أفلاماً قوية، ومن ثمّ قدّم فيلماً لم يكتب عنه ناقد واحد، حتى المخرج يوسف شاهين تعجبني بعض أفلامه، وبعضها ليس على المستوى نفسه، وأذكر حين زارنا المخرج محمد خان خلال دراستنا السينما، قال إنه يصنع أفلامه كما يريدها، وهذا كل شيء، لذا أقرأ النقد وأدَعُه جانباً، فقد انتهى الفيلم بالنسبة لي».

تأثّرت أسماء المدير بمخرجين مغاربة كبار، ومن بينهم حكيم بلعباس في كل أفلامه، ومحمد المعنوني بفيلمه «الحال»، وفوزي بن سعيدي في «ألف شهر».

المخرجة المغربية أسماء المدير (إدارة مهرجان سلا)

عاشت أسماء المدير رحلة معاناة تَعُدُّها رحلة صحية، قائلة: «عانيت مع الفيلم 10 سنوات، كبرت خلالها معه سعياً وراء الإنتاج الذي حلمت به في كل تفاصيله، المونتاج والإخراج والكتابة، وقد بدأته في 2016، وفي عام 2020 وصلنا لآخر محطة تصوير، وخلال عامَي 21 و22 كان المونتاج، ليصدر الفيلم في 2023، قبل ذلك عشت مراحل من الفشل والنجاح، كنت أقدّم ملف الفيلم لصناديق دعم فترفضه، لكنني كنت واثقة أنني أصنع فيلماً حقيقياً، فلم يتزعزع إيماني به، ولم أستسلِم لثقة اكتسبتها، فأنا لا أعرف شيئاً آخر سوى السينما، هي شغفي ودراستي ومهنتي، ومجالي الذي اخترته وتخصصت فيه، وصارت الهواية مهنة، وعندي دائماً نظرة بعيدة أتجاوز بها العراقيل، وأتطلّع لما بعد».

تنظر لما مرّت به بشكل إيجابي، قائلة: «أرى أن هذه الرحلة تجربة صحية، فلو حصلت على دعم كبير في البداية كنت سأجد صعوبة في تحقيق ما وصلت إليه في النهاية، بالنسبة لي هي أشياء صحية لأي مبتدئ، وأغلب صُنّاع الأفلام يواجهون ذلك في البداية».

وتنحاز المخرجة المغربية للأفلام الوثائقية، مؤكّدة: «إنه مجال خصب، وبه حرية أكبر وأشكال كثيرة ممكن تجريبها، الأفلام الروائية أحياناً تكون متشابهة، ومنذ زمن لم نشاهد تجارب مبهرة تخرج عن المألوف، لكن الوثائقي لا يزال خصباً».

فرحتها الكبيرة حين تُوِّج فيلمها بالجائزة الكبرى في «مراكش» (إدارة مهرجان سلا)

لحظات سعادة عاشتها أسماء المدير مع الفيلم في مدن عدة، لكن أسعدها يوم عُرض في مهرجان «مراكش»، تقول: «أجمل ما سمعت عن الفيلم كان في مراكش أيضاً، الجمهور المغربي كان رائعاً في استقباله للفيلم، وقد حظي بنجاح أسعدني، كما عُرض في مهرجان (البحر الأحمر السينمائي)، والآن هناك موزّع سينمائي في مصر يتفاوض على عرضه بالقاهرة مع الجهات التي تملك حقوق توزيعه».