الرسّام سيمون صفير لـ«الشرق الأوسط»: أنشد العدالة بتشرُّب روح الطبيعة

خربشة الجدران سبقت إنجاز «المعزوفة اللونية» ليحلو العالم

الجمال بوصفه مُغلِّب الخير على الشرّ (صور الفنان)
الجمال بوصفه مُغلِّب الخير على الشرّ (صور الفنان)
TT

الرسّام سيمون صفير لـ«الشرق الأوسط»: أنشد العدالة بتشرُّب روح الطبيعة

الجمال بوصفه مُغلِّب الخير على الشرّ (صور الفنان)
الجمال بوصفه مُغلِّب الخير على الشرّ (صور الفنان)

في حصّة الكتابة الإنشائية، طلب الأستاذ من التلميذ سيمون صفير تخيُّل المستقبل. ما المهنة التي ستتّخذها؟ فرأى نفسه رسّاماً. خربش على جدران الصفّ، ولم يُتح لدفتر النجاة من ألوانه. كما يدبدب الطفل ثم يثبّت القدمين قبل المُطاحشة واكتشاف القدرات، خطَّ مشواره. تخصُّصه في هندسة الديكور لظنٍّ بأنّ «الفنّ لا يُطعم خبزاً»، لم يحرف مسار الشغف.

تفتّحت عينا سيمون صفير على الجمال في الزوايا (صور الفنان)

أدهشته الطبيعة، وظلَّت، طوال عقود. كانت أيام حرب، والجبهات تُحدِث الفظائع، فأبعد والد الرسّام اللبناني سيمون صفير العائلة من بيروت إلى الجبل. يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ العلاقة مع العصافير والفراشات وُلدت منذ الطفولة: «حدَثَ التفاعل مع عناصر الوجود باكراً. الهواء والماء والتراب والنار شكَّلت وعيي الأول».

تأكّد الميل الفنّي لسبب آخر: خالُه من الأسماء المعروفة، ترك متحفاً بإرثه في منطقة شتورة البقاعية. «تأثّرتُ بإميل حنّوش منذ الصغر، وزيّنتْ غرفة نومي لوحات مشاهير الفنّ اللبناني. تفتّحت عيناي على فنانين يأتون للزيارة، وعلى الجمال في الزوايا».

ظلَّت الطبيعة تدهش سيمون صفير طوال عقود (صور الفنان)

يستعيد ما تُملأ به الإسفنجة، لشرح التأثُر: «إن شُرِّبتْ خلّاً تمتصّه، وكذلك إن شُرِّبت العطر». صَقَل المناخات الفنّية بالتنشئة الأكاديمية، ولما اشتدَّ عوده، عرض لوحاته فردياً وجماعياً. يتحدّث عن قدرة الشمعة إلغاء الظلمة حين تشاء الاشتعال. الفنّ شمعة الأيام المريرة، يشدّه إلى الضوء، كما تشدّ نقطة بيضاء في المساحة السوداء، العين نحوها، وتُرغمها على إهمال الأسود وقهره بإحداث التشتُّت عنه، فيغدو هشاً أمام الأمل.

مجموعة لوحات تُحاكي الطبيعة، مُلهِمته، تصبح مُنجَزة بانتظار العرض. تتحالف لمجاراة نظرته إلى الجمال بوصفه «مُغلِّب الخير على الشرّ». ينظر إليها فيلمح العدالة: «هذه مَهمّتنا، وليست فحسب مَهمّة القضاة تحت قوس المحكمة. تتجسّد الفنون أمام محكمة الضمير. بإمكان الكاريكاتور مثلاً أن يقول ما لا يقوله نصّ. أرسم لأضيف إلى البشرية أشكال الإنصاف المفقود».

حدَثَ التفاعل بين سيمون صفير وعناصر الوجود باكراً (صور الفنان)

بدأ بالرسم التصويري، وأحدَثَ التطوُّر والاطّلاع على المدارس الفنّية تكوين شخصيته واكتشاف ذاته، فتعلَّم أهمية الشمولية، فلا يقتصر فنّه على أسلوب، ولا يُحصَر بمدرسة: «الفنّ حركات تتفاعل لإحداث مسار التطوّر. ذلك لا ينفصل عن التكنولوجيا والتقنيات الجديدة». برأيه، «على الفنان الاستفادة منها وعدم البقاء على الهامش. التطوُّر ضروري، فمَن يعْلَق في مرحلة وأسلوب، كمَن يقيم في ثلاجة ويجمَد».

مجموعة لوحات تُحاكي الطبيعة مُنجَزة بانتظار العرض (صور الفنان)

تمنحه الأرض «مزيداً من الحواس»، فيشعر بأنه «خارج المكان والزمان». يراقب حركة يده، تركيز عينيه، ونشاط دماغه على إيقاع الجسد؛ بينما يرسم. يخوض التجربة آخذاً بتحدّي الوقت. يذكُر لوحات أنجزها بإطار «سمبوزيوم» أو مسابقة فنّية، فوظَّف القدرة لإتماها ضمن شرط الزمن. وإن كان سيمون صفير متذوّقاً للموسيقى، ولا يجيدها باعترافه، فإنه في لوحاته يصنع «معزوفة لونية». تركيبة التناغُم والشغف والخبرة تُولّد محاكاة لعظمة الطبيعة. يقول: «أحياناً تأمرني اللوحة بالتوقّف عن إضافة لمسة أخرى. تشعُر بالشبع، فأسمعها تنادي (أبعِد يدك عني!). الأمر أشبه بكوب بلغ السائل ذروته، ولن ينفع معه مزيد من السّكْب. هنا الفنّ يتكثّف ويكتفي».

تتجسّد الفنون أمام محكمة الضمير (صور الفنان)

كلما حلَّ همود أو طالت استراحة، يذكُر ما قاله له منصور الرحباني؛ «الكسل دافع لانطلاقة جديدة»: «أرسمُ بزخم أو أتوقّف؛ لكنه ليس وقتاً ضائعاً. إنه تراكُم الأفكار في رأسي، ورَسْمها في داخلي تمهيد لتنفيذها». مسألة التنفيذ رهينة الوقت، فتفرض الإضاءة على قيمته: «وإلا نشُفَت الألوان قبل إنجاز اللوحة. اكتمال الملمس وتكوُّن التأثير يشترطان عدم تباطؤ الأداة. الرسم حالة من تحدّي المادة والظروف وتطويع الزمن».

تمازُج اللون بفعل «الضربة الواحدة» بالنسبة إلى سيمون صفير «لا يتكرّر». لمرّات يشعر الرسّام اللبناني بأنّ «ثمة لمسات لا تُعاد، ولا تُمس، خشية عدم حدوثها مجدداً بالقيمة نفسها. كما لا تُشبه بصمةٌ، أخرى؛ كذلك التمازج اللوني. يمكن التعديل حوله، أو بمحاذاته، لكنّ اكتماله يحدُث لمرّة».

وكما قدَّم والدا شوبان ابنَهما للبشرية، يقول إنّ اللوحة تخرج منه ولا تعود ملكه حين تُشترى. يرى في كل إنسان موهبة من الخالق، لكنَّ بعضاً يصقُل وبعضاً يُهمِل: «ربة المنزل تطهو بحُب، وهذه موهبة. والطفل يتفتّح على الخارج فيُعطى معجونة لينحت وألواناً ليرسم. ولا ضرورة لتحلّي الأم بصوت فيروز لتُهدهد لصغارها. روح الفنّ عطاءاتُ الله لكونٍ أجمل».


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق العمر الطويل خلفه حكاية (غيتي)

ما سرّ عيش أقدم شجرة صنوبر في العالم لـ4800 سنة؟

تحتضن ولاية كاليفورنيا الأميركية أقدم شجرة صنوبر مخروطية، يبلغ عمرها أكثر من 4800 عام، وتُعرَف باسم «ميثوسيلا».

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
يوميات الشرق السعودية تواصل جهودها المكثّفة للحفاظ على الفهد الصياد من خلال توظيف البحث العلمي (الشرق الأوسط)

«الحياة الفطرية السعودية» تعلن ولادة 4 أشبال للفهد الصياد

أعلنت السعودية إحراز تقدم في برنامج إعادة توطين الفهد، بولادة أربعة أشبال من الفهد الصياد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مصيدة جمع الحشرات (جامعة إكستر)

17 مليون حشرة تطير سنوياً عبر ممر ضيّق بين فرنسا وإسبانيا

أكثر من 17 مليون حشرة تطير سنوياً عبر منطقة بويرتو دي بوجارويلو، البالغ عرضها 30 متراً على الحدود بين فرنسا وإسبانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة لافتة تشير إلى الحذر من درجات الحرارة القياسية في «وادي الموت» (أرشيفية- رويترز)

ماذا تعرف عن «وادي الموت» المكان الأكثر سخونة على كوكب الأرض؟

تنتشر الشقوق وتقترب الحياة من حافة الخطر... ماذا تعرف عن «وادي الموت»؟

يسرا سلامة (القاهرة)

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
TT

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)

تسعى عائلة امرأة اختُطفت وقُتلت في مزرعة، إلى شراء الأرض للتنقيب عن جثتها بعد 55 عاماً من مقتلها.

يُذكر أنه لم يجرِ العثور على جثة موريال ماكاي منذ مقتلها عام 1969 في مزرعة ستوكينغ، بالقرب من منطقة بيشوبس ستورتفورد، في هيرتفوردشاير، وفق «بي بي سي» البريطانية.

وأنفقت شرطة العاصمة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث، التي استمرت لمدة ثمانية أيام في الموقع، خلال يوليو (تموز) الماضي، لكن الجهود لم تسفر عن شيء، في النهاية.

وقال مارك داير، وهو حفيد السيدة ماكاي، إنه مستعد لدفع أكثر من مليون جنيه إسترليني لشراء ما وصفه بأنه «أكثر مكان شرير على وجه الأرض».

واعترف داير بأن ذلك سيكون «أمراً صعباً» من الناحية العاطفية، لكنه قال إنه قد يكون ضرورياً للوصول إلى نهاية القصة.

وجَرَت عمليات التنقيب، في يوليو، بعد أن قدّم آخِر القتلة الباقين على قيد الحياة، والذي يعيش الآن في ترينيداد، معلومات عن مكان دفن السيدة ماكاي المزعوم، غير أن السلطات لم تسمح لنظام الدين حسين بالعودة إلى المملكة المتحدة، للمساعدة في عملية البحث، وهو ما عدَّته عائلة الضحية يشكل عائقاً أمام جهود البحث.

وفي تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، قال إيان ماكاي، ابن الضحية: «يعتمد كل ذلك على رغبة مالك المزرعة في البيع»، مضيفاً أن «شراء مزرعة روكس فارم سيكون استجابة عاطفية تسمح للعائلة بالمساعدة في البحث بشكل صحيح، على أمل الوصول إلى الجثة، وإنهاء القصة».

وجرى الاتصال بأصحاب المزرعة، للتعليق.

وقال داير إنه إذا اشترت عائلته المزرعة في المستقبل، فإن الملكية ستكون «انتقالية» فقط، موضحاً أنهم سيشترونه، وسيستأجرون متخصصين لإجراء تنقيب عن جثة السيدة ماكاي، ثم يقومون ببيع المزرعة مرة أخرى. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1970، حُكم على نظام الدين وشقيقه آرثر حسين بالسجن المؤبد؛ للاختطاف واحتجاز السيدة ماكاي، التي كانت تبلغ من العمر 55 عاماً آنذاك، مقابل الحصول على فدية بقيمة مليون جنيه إسترليني، قبل قتلها.

وكانت ماكاي قد تعرضت للاختطاف بالخطأ، في 29 ديسمبر (كانون الأول) 1969، حيث اعتقد الشقيقان أنها زوجة رجل الأعمال الكبير، وقطب الإعلام روبرت مردوخ.

وفي وقت سابق من هذا العام، سافر ابن الضحية إلى ترينيداد برفقة شقيقته ديان، وأوضح لهم نظام الدين حينها خريطة المكان الذي دُفن فيه جثة والدتهما.