نكهات الشوكولاته قد تشكل خطراً صحياً

عُثر على معدلات عالية من مركبات كيميائية ضارة في بعض أنواع المخبوزات (أنسبيلاش)
عُثر على معدلات عالية من مركبات كيميائية ضارة في بعض أنواع المخبوزات (أنسبيلاش)
TT

نكهات الشوكولاته قد تشكل خطراً صحياً

عُثر على معدلات عالية من مركبات كيميائية ضارة في بعض أنواع المخبوزات (أنسبيلاش)
عُثر على معدلات عالية من مركبات كيميائية ضارة في بعض أنواع المخبوزات (أنسبيلاش)

ما الذي يجعل طعم الشوكولاته ورائحتها لذيذين جداً هكذا؟ الكيمياء بالطبع! تعمل مجموعة متنوعة من المركبات الكيميائية معاً لتكوين تلك الرائحة الجذابة (النكهات)، ولكن هذه النكهات قد تحمل، في الوقت ذاته، بعض الآثار الصحية الضارة في حال ارتفعت معدلاتها في أي وجبة غذائية تضاف إليها.

وتحذر نتائج دراسة جديدة نشرت (الأربعاء) في دورية «جورنال أوف أجريكليتشر أند فوود كيمستري» التي تعنى بالأبحاث الزراعية والكيمياء الغذائية، من ذلك، وأن العديد من تلك المركبات المعروفة بـ(الكربونيل) ظهرت في الشوكولاته بتركيزات منخفضة وآمنة، كما عثر باحثو الدراسة على معدلات أعلى منها في بعض أنواع الحلويات المخبوزة.

وأظهرت النتائج أن هذه الفئة من المركبات شديدة التفاعل، ومن المحتمل أن تكون سامة للجينات، وقادرة على التسبب في تلف الحمض النووي داخل خلايا الجسم عند استهلاكها، ما قد تنجم عنه أضرار صحية بالغة، وهو ما دعا الاتحاد الأوروبي إلى حظر بعضها.

ولفهم كيفية تشكل تلك المركبات في الأطعمة بشكل أفضل، وما إذا كانت موجودة بمستويات يمكن أن تشكل مشكلة صحية أم لا، قام ألكسندر دوسارت وزملاؤه من «الجامعة الكاثوليكية في لوفان» في بلجيكا، باختبار الشوكولاته وغيرها من الحلويات لعشرة أنواع مختلفة من تلك المركبات الكيميائية.

ويقول دوسارت: «توفر هذه الدراسة رؤى حول مسارات تكوين تلك المركبات أثناء عملية صنع الشوكولاته، مما يساعد على تحديد العوامل الرئيسية التي تسهم في وجودها في الشوكولاته والمنتجات الغذائية الأخرى»، مشدداً على أهمية مراقبة المواد المنكهة التي تضاف إلى الأغذية لأغراض الصحة العامة.

ووفق الدراسة فإنه عندما يتم صنع تلك المنتجات، يتم تحميص حبوب الكاكاو للمساعدة في تألق نكهات الشوكولاته. وخلال هذه العملية، ومع درجات الحرارة العالية يتم تكوين مركبات كيميائية جديدة مثل «كربونات ألفا وبيتا غير المشبعة».

وابتكر فريق الدراسة الشوكولاته الخاصة به، ووجد أن كربونات ألفا وبيتا غير المشبعة تتشكل أثناء التحميص بعد إضافة زبدة الكاكاو؛ ومع ذلك، ظلت تركيزاتها منخفضة جداً بحيث لا تشكل أي مخاوف صحية من استهلاك الشوكولاته. ولكن عندما قام الباحثون بفحص 22 حلوى متاحة وشائعة تجارياً، بما في ذلك منتجات الكريب والفطائر والكعك والبسكويت، مع أو من دون الشوكولاته، وجدوا تركيزات أقل لتسعة من أصل 10 مركبات مقارنة بتلك المنتجات بعد إضافة الشوكولاته.

ووفق الدراسة، ظهر الكربونيل المتبقي - السام للجينات - بتركيزات أعلى بكثير في عينات الكريب والكعك، حيث وصلت إلى 4.3 ملليغرام لكل كيلوغرام، مقارنة بالحد الموصى به وهو 0.15 ميكروغرام فقط للشخص الواحد يومياً، وعليه فإن استهلاك هذه الحلويات يمكن أن يتجاوز كثيراً هذا الحد.

يقول الباحثون إن هذا العمل يساعد على فهم أفضل لمصدر هذه الكربونيلات في الشوكولاته ويسلط الضوء على أهمية مراقبة عمليات إضافة النكهات إلى الطعام وإبقاء المستهلكين على اطلاع بذلك.

ويوصي دوسارت بإجراء المزيد من الأبحاث ووضع اللوائح المطلوبة بشأن الحد الأقصى المسموح به لتلك المركبات، مشدداً على ضرورة تجنب تناول الكثير من الأطعمة فائقة المعالجة لصالح الأطعمة غير المصنعة مثل الفواكه والخضار والحبوب واللحوم والبيض والمكسرات، على أن يكون ذلك ضمن نظام غذائي متوازن ومتنوع، مع ضرورة ممارسة النشاط البدني.

وفيما يتعلق بأي خطوات أخرى سيتخذها هو وفريقه، أكد على أنه سيتم إرسال النتائج إلى «الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA)، وهي وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي تعمل بمثابة المشورة العلمية لمديري المخاطر. وأضاف أنه «بالتوازي مع ذلك، ستستمر أبحاثنا لفهم العوامل الرئيسية لتخليق تلك المركبات الضارة بشكل أفضل، وكيفية الحد من وجودها في المنتجات الغذائية».


مقالات ذات صلة

صحتك استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

حذرت دراسة جديدة من الاستخدام الزائد لمنتجات العناية الشخصية مثل المكياج وخيط تنظيف الأسنان وصبغة الشعر بين النساء الحوامل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صورة توضيحية تُظهر ورماً في المخ (أرشيفية)

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

يفترض الباحثون أن شبكة الذكاء الاصطناعي التي تم تدريبها على اكتشاف الحيوانات المتخفية يمكن إعادة توظيفها بشكل فعال للكشف عن أورام المخ من صور الرنين المغناطيسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك شخص يُجري فحصاً لداء السكري (رويترز)

مرض السكري قد يسرّع من انكماش المخ

كشفت دراسة جديدة أن مرض السكري من النوع الثاني قد يؤدي إلى انكماش المخ بشكل سريع مع التقدم في العمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.