تساؤلات بشأن قدرة البنية البحثية العربية على التنبؤ بالكوارث المناخية

دمار هائل في مدينة درنة الليبية بسبب الفيضانات (أ.ف.ب)
دمار هائل في مدينة درنة الليبية بسبب الفيضانات (أ.ف.ب)
TT

تساؤلات بشأن قدرة البنية البحثية العربية على التنبؤ بالكوارث المناخية

دمار هائل في مدينة درنة الليبية بسبب الفيضانات (أ.ف.ب)
دمار هائل في مدينة درنة الليبية بسبب الفيضانات (أ.ف.ب)

أثارت الكوارث المناخية التي ضربت عدداً من البلدان العربية في الآونة الأخيرة تساؤلات بشأن قدرة البنية البحثية العربية على التنبؤ بهذه الكوارث.

ووُصفت عاصفة الإمارات التي وقعت في شهر أبريل (نيسان) الماضي بأنها «الأقوى في تاريخ منطقة الخليج العربي».

ويعود تواتر الأحداث المناخية العنيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى حدوث تغيرات عميقة في الدورة الهيدرولوجية على مستوى العالم، وفق ألبرت فان دايك، أستاذ الهيدرولوجي في الجامعة الوطنية الأسترالية، الذي يوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه التغيرات نتجت عنها ارتفاعات مضطردة في درجة حرارة الهواء وارتفاع مستويات الرطوبة، فضلاً عن الجفاف والأمطار الفجائية».

وتعد معرفة التوقيت المناسب لاحتماليات زيادة فرص حدوث الفيضانات أمراً مهماً للغاية من أجل اتخاذ إجراءات تحدّ من تقليل الخسائر، بحسب محمد عبد الغني، الباحث في الجيومورفولوجيا المناخية بجامعة ليدز البريطانية. يقول عبد الغني لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدي إلى زيادة احتمال حدوث عواصف قوية وأعاصير مدارية وشبه مدارية، ما يعرض المنشآت المدنية للخطر، ويهدد بحدوث خسائر كبيرة في الأرواح».

وتقدر قيمة الأضرار المادية المحددة لجميع موانئ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (100 ميناء) بنحو 67 مليون دولار أميركي سنوياً، بسبب الحوادث المناخية العنيفة، وفق دراسة نشرت في يناير (كانون الثاني) عام 2023 بمجلة «Communications Earth & Environment».

الإمارات ليست استثناء

في شهر أبريل (نيسان) الماضي، شهدت الإمارات هطول أكبر كميات أمطار خلال الأعوام الـ75 الماضية، وشهدت منطقة «خطم الشكلة» بإمارة العين وحدها هطول 254.8 مليمتر من الأمطار في أقل من 24 ساعة، بحسب المركز الوطني للأرصاد في الإمارات.

أمطار غزيرة شهدتها دبي في شهر أبريل الماضي (أ.ف.ب)

لكن عاصفة الإمارات لم تكن بداية الأحداث المناخية والكوارث الطبيعية الخطيرة في المنطقة العربية خلال العامين الماضيين؛ ففي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2021، تعرضت سواحل سلطنة عمان المطلة على بحر العرب - وهو جزء من المحيط الهندي - لإعصار مدمر (الإعصار شاهين) تسبب في كثير من الأضرار للبنى التحتية والرقعة الزراعية والمنازل، كما قطع أبراج الاتصالات، ما عظَّم من الخسائر الاقتصادية والأضرار المادية التي نتجت عن ذلك الإعصار.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2023، تعرض إقليم شمال شرقي ليبيا لعاصفة خلّفت نحو 5 آلاف قتيل وآلاف المصابين، بحسب تقرير لـ«المنظمة الدولية للهجرة»، نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بالإضافة إلى تدمير مدينة درنة التي ابتلع البحر نحو ثلثها، بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة في انهيار سدين، ما أدى إلى تدفق مزيد من المياه إلى المناطق المغمورة بالفعل بمياه البحر.

لكن رغم التبعات الكارثية للحدث، يرفض عبد الغني «المبالغة» في وصف الحدث، إذ يعتقد أن ليبيا تعرضت لما يعرف بـ«العواصف شبه الاستوائية»، وأنه لا يمكن وصف الحدث بأنه إعصار: «ما هي إلا عاصفة شبه استوائية بدليل وجود منخفض شبه صحراوي على السواحل الليبية، جزء من هذا المنخفض متعمق فوق سطح البحر المتوسط، والجزء الآخر منه فوق الصحراء الليبية، ويسير من الغرب للشرق بشكل شبه منتظم».

رجال إنقاذ بالقرب من جثث ضحايا لقوا حتفهم بعد فيضانات درنة (إ.ب.أ)

ويشدد عبد الغني على أن «الأعاصير تتكون فوق أسطح المحيطات إذا توافرت لها ظروف وشروط جوية ودرجات حرارة تؤهل تكونها وتعمقها فوق مسطحات المحيطات، ويؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تضخيم تواتر موجات البحر القصوى، عن طريق رفع خط الساحل الأساسي».

وبحسب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن الظواهر المتطرفة، فإنه بات من الواضح أن التغير المناخي أثّر بشكل ملحوظ على كثير من المتغيرات المرتبطة بالمياه، مثل هطول الأمطار ونشاط الرياح الشديدة، وهي ظواهر ترفع من شدة وسرعة وتيرة حدوث الفيضانات.

البنية البحثية

ورغم تعرض المنطقة العربية للمخاطر البيئية، سواء السيول أو الأمطار الفجائية الشديدة أو الأعاصير والعواصف ونوبات الجفاف والحرارة الشديدة، فإن البنية التحتية البحثية في البلدان العربية لا تزال عاجزة عن سد الفجوات في الدراسات التنبؤية المتعلقة بالمناخ والأرصاد الجوية التي تعتمد بالأساس على الأقمار الاصطناعية المملوكة لدول غربية، وفق باحثين، من بينهم أحمد قناوي، أستاذ الجغرافيا المناخية المساعد، في جامعة المنصورة (دلتا مصر).

يقول قناوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «تخلو المنطقة العربية من الأقمار الاصطناعية المخصصة للرصد الجوي، باستثناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) في السعودية، لكن تصدر النماذج المناخية المختصة بالمنطقة غالباً عن جهات بحثية غربية أو اليابان».

ونوّه إلى أنه «حتى هذا النموذج الاستثناء الذي طوّره باحثو (كاوست) والذي تبلغ دقته المكانية من 1 إلى 5 كيلومترات لا يغطي كامل المنطقة العربية، وإنما يركز على المحافظات السعودية فقط».

مشيراً إلى أن «هذا النوع من النماذج المناخية يحتاج أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة، في الوقت الذي لا تسمح فيه البنية التحتية البحثية في معظم الجامعات العربية باستخدام هذه التكنولوجيا».

دمار هائل في مدينة درنة الليبية بسبب الفيضانات (أ.ف.ب)

لكن رغم أهمية النماذج المناخية، فإنه «لا يمكن الاعتماد عليها في رصد هذه الأحداث، لأنها تقدم تنبؤات لفترات زمنية طويلة ومتوسطات عامة، ولا توفر تنبؤات دقيقة على مستويات يومية، ومن ثم يكون البديل هو الاعتماد على الأقمار الاصطناعية المختصة بأغراض الرصد الجوي، التي توفر بيانات على مدى زمني قدره أيام، حيث تعتمد أنظمة الإنذار المبكر العربية على هذه الأقمار الاصطناعية الغربية». بحسب قناوي.

وسيؤدي تطوير البنية التحتية البحثية في المنطقة، من خلال الأقمار الاصطناعية المتخصصة والمراكز البحثية وأنظمة الرصد المبكر، إلى تحسين مستوى الاستجابة مع الكوارث، وتجنب أكبر قدر ممكن من تأثيراتها السلبية، وفق أستاذ الجغرافيا المناخية المساعد بجامعة المنصورة المصرية.


مقالات ذات صلة

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

بيئة الأمواج تتكسر على ساحل بلدة سانشا مع اقتراب الإعصار جايمي في نينغدي بمقاطعة فوجيان - الصين - 25 يوليو 2024 (رويترز)

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

قال علماء في بحث نُشر اليوم الجمعة إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضاً اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
بيئة غوتيريش يحذر من أن البشرية ضحية وباء الحرارة الشديدة (أ.ف.ب)

غوتيريش يحذر من أن البشرية ضحية «وباء من الحرارة الشديدة»

حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم الخميس من أن البشرية ضحية «وباء من الحرارة الشديدة»، داعياً إلى اتخاذ إجراءات للحد من تأثيرات موجات الحر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
بيئة الميكروبات الموجودة داخل لحاء الأشجار أو في الخشب نفسه تزيل غاز الميثان وكذلك ثاني أكسيد الكربون (أ.ف.ب)

دراسة: لحاء الشجر يمكنه إزالة غاز الميثان من الغلاف الجوي

وجدت دراسة حديثة أن لحاء الأشجار يمكن أن يزيل غاز الميثان من الغلاف الجوي، مما يوفر فائدة إضافية في معالجة تغيُّر المناخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة مارة يحملون مظلات يسيرون تحت أشعة الشمس القوية في معبد سينسوجي حيث أصدرت الحكومة اليابانية تنبيهات من ضربة شمس في 39 محافظة من محافظات البلاد البالغ عددها 47 محافظة... الصورة في طوكيو، اليابان 22 يوليو 2024 (رويترز)

21 يوليو هو اليوم الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم

أظهرت بيانات أولية نشرها الثلاثاء مرصد كوبرنيكوس المناخي الأوروبي أن يوم 21 يوليو (تموز) كان اليوم الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مصر تستبعد حدوث تسونامي (الإدارة المركزية للسياحة والمصايف)

معهد الفلك المصري يحسم الجدل بشأن «تسونامي المتوسط»

حسم معهد الفلك المصري الجدل بشأن الإشاعات التي جرى تداولها حول «تسونامي المتوسط» مع تكرار ظاهرة انحسار المياه على شواطئ عدة بالبحر المتوسط.

أحمد عدلي (القاهرة)

رغم المرض... سيليون ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
TT

رغم المرض... سيليون ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح النسخة الـ33 من الألعاب الأولمبية في باريس، مساء الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

وأدت المغنية الكندية، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، أغنية «L'hymne a l'amour» («نشيد الحب») لإديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل.

ونجحت الفنانة الكندية رغم أزمتها الصحية الأخيرة في مواصلة شغفها كمغنية عالمية، كما أثارث النجمة البالغة من العمر 56 عاماً ضجة كبيرة بين معجبيها في عاصمة الأنوار هذا الأسبوع الحالي، حيث شوهدت محاطة بمعجبيها.

وتعاني ديون بسبب هذا المرض النادر، الذي يسبب لها صعوبات في المشي، كما يمنعها من استعمال أوتارها الصوتية بالطريقة التي ترغبها لأداء أغانيها.

ولم يشهد الحفل التاريخي في باريس عودة ديون للغناء المباشر على المسرح فقط، بل شمل أيضاً أداءها باللغة الفرنسية تكريماً لمضيفي الأولمبياد.

وهذه ليست أول مرة تحيي فيها سيلين ديون حفل افتتاح الأولمبياد، إذ أحيته من قبل في عام 1996، حيث أقيم في أتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية.

وترقبت الجماهير الحاضرة في باريس ظهور ديون، الذي جاء عقب أشهر عصيبة لها، حين ظهر مقطع فيديو لها وهي تصارع المرض.

وأثار المشهد القاسي تعاطف عدد كبير من جمهورها في جميع أنحاء المعمورة، الذين عبّروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حزنهم، وفي الوقت ذاته إعجابهم بجرأة سيلين ديون وقدرتها على مشاركة تلك المشاهد مع العالم.

وترتبط المغنية بعلاقة خاصة مع فرنسا، حيث حققت نجومية كبيرة مع ألبومها «دو» («D'eux») سنة 1995، والذي تحمل أغنياته توقيع المغني والمؤلف الموسيقي الفرنسي جان جاك غولدمان.

وفي عام 1997، حظيت ديون بنجاح عالمي كبير بفضل أغنية «My Heart will go on» («ماي هارت ويل غو أون»)، في إطار الموسيقى التصويرية لفيلم «تايتانيك» لجيمس كامرون.