نقاد مصريون يدعون طهران للرد «فنياً» على «الحشاشين» بدلاً من الحظر

مخرج إيراني لـ«الشرق الأوسط»: قرارهم كان متوقعاً... ويرغبون في أن يكونوا هم الرّواة

صحف إيرانية هاجمت «الحشاشين» على مدى الشهر الماضي
صحف إيرانية هاجمت «الحشاشين» على مدى الشهر الماضي
TT

نقاد مصريون يدعون طهران للرد «فنياً» على «الحشاشين» بدلاً من الحظر

صحف إيرانية هاجمت «الحشاشين» على مدى الشهر الماضي
صحف إيرانية هاجمت «الحشاشين» على مدى الشهر الماضي

بعد هجوم إعلامي شرس دام أسابيع، حظرت إيران بثّ المسلسل التلفزيوني المصري «الحشاشين» المستوحى من تاريخ طائفة من العصور الوسطى، مندّدة بـ«تشويهات» تاريخية، وفق ما ذكرت وسائل إعلام رسمية الأحد.

يستوحي المسلسل أحداثه من قصة حسن بن الصباح، وهو من مواليد بلاد فارس، ومؤسس طائفة الحشاشين التي نفّذ أعضاؤها اغتيالات في القرنين الحادي عشر والثاني عشر. وتعد فرقة «الحشاشين» من فروع الإسماعيلية النزارية.

بدورها، قالت وكالة «إيسنا» الحكومية إن المسلسل هو «مثال» على «تحريف الحقيقة وتزييفها».

وأثار القرار الإيراني بحظر بث مسلسل «الحشاشين» المصري على «جميع المنصات المحلية» ردود فعل مختلفة في الأوساط الفنية المصرية، خصوصاً بعدما عدّت طهران المسلسل الذي بُثّ في 30 حلقة خلال شهر مارس (آذار) في الموسم الرمضاني الماضي، يحتوي على «تشويهات تاريخية عديدة، ويبدو أنه أنتج بنهج سياسي متحيز»، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن المسؤول في التلفزيون مهدي سيفي، الأحد.

«حمل (الحشاشين) وجهة نظر مؤلفه ومخرجه»، وفق علا الشافعي الناقدة الفنية ورئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، التي تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الرد على الفن يكون بالفن من خلال تقديم رواية أخرى يرى أصحابها أنّها الأصح والأدق وتعبر عن موقفهم».

وبرّرت السلطات الإيرانية قرار الحجب لكون المسلسل «يقدم صورة زائفة عن الإيرانيين»، ونقلت الوكالة الإيرانية عن خبراء قولهم إنه يسعى إلى ربط الإيرانيين بـ«مولد الإرهاب».

كريم عبد العزيز في مشهد من المسلسل (الشركة المنتجة)

وكان مخرج المسلسل بيتر ميمي قد نشر تدوينة عبر حسابه على «فيسبوك» بعد عرض الحلقات الأولى منه، أكد فيها أنه «من وحي التاريخ وليس وثيقة تاريخية»، لافتاً إلى «عدم وجود كتاب اتفق حول حسن الصباح لقيام المغول بحرق قلعته وكتبه وأفكاره».

وعَدّ الناقد الفني المصري طارق الشناوي أن «المسلسل حمل جانباً كبيراً من الخيال لخدمة الدراما إلا أن صناعه يستحقون التحية، لكون العمل أغضب الإيرانيين والجماعات الإسلامية المتطرفة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه نجح في تحقيق اختراق للجانب الفكري وهو أحد الأدوار الرئيسية للدراما.

وتدعم علا الشافعي هذا الرأي، مؤكدة أن «كاتب المسلسل قدّم من خلال روايات مختلفة رؤية درامية لتجربته الفنية ليس لها أي بعدٍ سياسي، مما جعله يحظى بنسب مشاهدة مرتفعة ليس فقط في مصر والعالم العربي ولكن أيضاً في الداخل الإيراني، الأمر الذي يمكن رصده من خلال الانقسام في الآراء داخل إيران حول المسلسل الذي برز عبر مواقع التواصل الاجتماعي».

ويعد «الحشاشين» من أضخم الأعمال الدرامية التي أنتجتها مصر خلال الموسم الرمضاني الماضي، وبدأ تصويره في دول عدّة قبل أكثر من عام، وهو من تأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج بيتر ميمي، وبطولة كريم عبد العزيز، بمشاركة فتحي عبد الوهاب، وأحمد عيد، وميرنا نور الدين، وإسلام جمال، ونيقولا معوض.

وتلفت علا الشافعي إلى «افتقاد إيران حرية الإبداع الفني بوجود وقائع عدة لسجن ومنع مخرجين من إكمال أعمالهم الفنية التي تحمل رؤية مختلفة لوجهة النظر الرسمية»، مبينة أن «العمل قدّم دراما تاريخية بها مساحات للحذف والإضافة، وخلق شخصيات لم تكن موجودة من الأساس، وهو الأمر الذي أكّده صناع المسلسل».

كريم عبد العزيز والمخرج بيتر ميمي في كواليس التصوير (الشركة المنتجة)

ويتفق الشناوي والشافعي على انعدام تأثير قرار الحظر في الداخل الإيراني لعدة أسباب من بينها، «ما حققه من نسب مشاهدة بالفعل، ومناقشات منذ بداية عرضه، مروراً بإمكانية مشاهدته عبر نوافذ عدة»، مؤكدين أن «الحجب والحظر لا يصلحان في الوقت الحالي، ولن ينجحا في منع الجمهور من مشاهدة أي عمل فني».

إخراج جيد

قال مخرج الأفلام الوثائقية (م. ف) (45 عاماً)، الذي يقيم في طهران، إن «المسلسل جيّد من الناحية السينمائية، ومقبولٌ فنّياً، وتصويره جيد للغاية، والديكور والموسيقي مناسبان، وتمثيل الممثلين رائع جداً، كما أن الشخصيات الرئيسية وتصميم الأزياء ليست بعيدة عن السياق، لذلك يحصل المسلسل على درجة ناجحٍ بشكل عام. هو مسلسل لافت رغم بعده كلّ البعد عن المسلسلات العالمية المصنفة درجة أولى».

وتابع: «يتقدّم مخرج المسلسل في القصة بشكل جيد، ويختار نهاية مناسبة لكلّ مشهد، تُشجّع المشاهد على متابعته للنهاية». وأضاف أنّ «السيناريو كُتب ليسرد قصتين متوازيتين، واحدة عن حسن الصباح، والثانية قصة عشق فرعية تضيف جاذبية على القصة».

التحديات التاريخية

وفيما يتعلق بمحتوى المسلسل، يقول المخرج: «هذا النوع من المسلسلات لا يلتزم بالضرورة بالحقائق التاريخية، ويمكن للخبراء التاريخيين التعليق على ذلك».

وعزا التعليقات الحادة في وسائل إعلام إيرانية، إلى «تحريف الحقائق التاريخية، الذي تسبب في رفض المسلسل الذي يتناول شخصية إيرانية، أو يتناول أجواء إيران وما يدور فيها من قصص على الأقل. لم تكن وسائل الإعلام الإيرانية تهتم بأي انتقاد خارجي أو حديث يطال بلادها والشّعب، ومن المهم القول إنّ أي طريقة كان سيتّبعها المخرج ستُرفض، ولن يقبلها الإيرانيون ويرغبون دائماً في أن يكونوا هم الرّواة».

ويقول المخرج الوثائقي إنه على خلاف ردود وسائل الإعلام الإيرانية فإن «محبي السينما وأشخاصاً عاديين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يصنّفون المسلسل على أنه جيد ومثير للاهتمام».

وختم المخرج موضحاً أن منع «الحشاشين» في إيران «كان متوقعاً، والمسلسل قابل للتأويل، لأنه يتحدث عن موضوع قريب من هذا الواقع الذي يمرّ بالشرق الأوسط حالياً، وردود الفعل هذه لم تظهر في إيران فحسب، بل في بعض الدول العربية».


مقالات ذات صلة

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مسلسل «6 شهور»   (حساب Watch IT على «فيسبوك»)

«6 شهور»... دراما تعكس معاناة حديثي التخرّج في مصر

يعكس المسلسل المصري «6 شهور» معاناة الشباب حديثي التخرج في مصر عبر دراما اجتماعية تعتمد على الوجوه الشابة، وتحاول أن ترسم الطريق إلى تحقيق الأحلام.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».