الدراما في رمضان والسينما خلال العيد… ماذا عن بقية العام؟

«مواسم الفن» مقابل «أشهر الجفاف»

ياسر جلال في مسلسل «جودر» خلال الموسم الدرامي الرمضاني الماضي (الشركة المنتجة)
ياسر جلال في مسلسل «جودر» خلال الموسم الدرامي الرمضاني الماضي (الشركة المنتجة)
TT

الدراما في رمضان والسينما خلال العيد… ماذا عن بقية العام؟

ياسر جلال في مسلسل «جودر» خلال الموسم الدرامي الرمضاني الماضي (الشركة المنتجة)
ياسر جلال في مسلسل «جودر» خلال الموسم الدرامي الرمضاني الماضي (الشركة المنتجة)

بينما يستحوذ موسم دراما رمضان على عرض معظم الأعمال الدرامية خلال العام في مصر، تتمتع مواسم بعينها كذلك بنصيب الأسد في العرض السينمائي، خصوصاً في الأعياد والإجازة الصيفية، وفق نقاد، ما يطرح تساؤلاً: ماذا عن بقية العام؟ هل تعاني بقية شهور السنة من حالة أشبه بـ«الجفاف الفني»؟

الزخم الكبير الذي شهده الموسم الرمضاني المنقضي العام الحالي، متمثلاً في عرض نحو 35 مسلسلاً مصرياً بين طويل (30 حلقة)، وقصير (15 حلقة)، يؤكد هذه الظاهرة، فلا يتجاوز عدد الأعمال الدرامية الذي يُعرض على مدار العام بعيداً عن الموسم، أصابع اليدين، وفق نقاد.

ويرجع الناقد الفني المصري طارق الشناوي هذا التباين إلى أن «النسبة الكبرى من الإعلانات تكون خلال الموسم الرمضاني»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «اتفاقيات المنتجين مع وكالات وشركات الإعلانات خلال الموسم الرمضاني كانت تصل إلى 60 في المائة من إجمالي الإعلانات على مدى العام، وربما تراجعت في السنوات الأخيرة إلى 40 في المائة، لكنها تبقى النسبة الكبرى».

بوستر «الحشاشين» الذي عرض الموسم الدرامي الرمضاني الماضي (الشركة المنتجة)

ويرفض الشناوي وصف باقي أشهر السنة بـ«الجفاف الفني»، مشيراً إلى أعمال درامية تُعرض خارج الموسم ( Of season)، تحقّق نجاحاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة رغم قلتها، خصوصاً على المنصات، التي ازدهرت بعد أزمة كورونا.

ووفق الناقد أحمد سعد الدين، فإن «عدد الأعمال الدرامية خارج الموسم يُعدّ قليلاً للغاية رغم زيادتها خلال الأعوام الماضية بسبب المنصات، إذ تعتمد على نجوم ليسوا بقوة نجوم دراما رمضان».

ودخلت المنصات الرقمية المنافسة مع الفضائيات على نسب الإعلانات والاشتراكات بناءً على جذب المحتوى الدرامي، حيث عُرض قرابة 13 مسلسلاً مصرياً على المنصات.

هشام ماجد وهنا الزاهد في فيلم «فاصل من اللحظات اللذيذة» في عيد الفطر (الشركة المنتجة)

في حين عدّ الناقد الفني المصري محمد رفعت، أن الدراما لم تعد مقتصرة على الموسم الرمضاني، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى «دور المنصات الرقمية الكبير في دعم ما اصطلح على تسميته (Of season) حيث تُعرض مسلسلات جيدة على مدار العام، وتحقق نسب مشاهدة عالية لأنها تعالج موضوعات اجتماعية وإنسانية مهمة».

الأمر نفسه ينطبق على مواسم العرض السينمائي، التي تقتصر على أوقات بعينها وتتركز في الأعياد، وإن كان موسم عيد الفطر الحالي شهد تراجعاً في عرض الأفلام في مصر، حيث عُرضت 4 أفلام فقط هي «شقو» و«فاصل من اللحظات اللذيذة» و«عالماشي» و«أسود ملون».

ويعزو سعد الدين تراجع أعداد الأفلام السينمائية في الفترة الأخيرة سواء في موسمي عيد الفطر أو رأس السنة أو خارج المواسم إلى «سيطرة القضية الفلسطينية على الاهتمام»، وقال إن «أحداث فلسطين ضربت الموسم السينمائي في (رأس السنة)، ومن ثَمّ جاء رمضان حيث يتوقف الإنتاج السينمائي، وجاء موسم عيد الفطر ليضم 4 أفلام فقط وهو عدد قليل جداً».

وتوقع سعد الدين أن يكون «الموسم السينمائي في عيد الأضحى هو الأقوى لمواكبته الموسم الصيفي، ومعظم المنتجين ينتظرونه ليحظوا بفرصة لعرض أفلامهم لفترة تمتد نحو 4 أشهر».

علي ربيع في فيلم «عالماشي» خلال عيد الفطر (الشركة المنتجة)

وحققت السينما المصرية العام الماضي طفرة في الإنتاج بعدد 67 فيلماً بلغت إيراداتها 660 مليون جنيه وقتها (الدولار يعادل 48.3 جنيه) وفق إحصاءات لغرفة صناعة السينما، في حين حققت في عام 2022 نحو 500 مليون جنيه إيرادات لعدد 24 فيلماً.

ويرى الشناوي أن «السينما من المفترض أن تعمل على مدار العام، لكن منذ الستينات ارتبطت بمواسم، خصوصاً موسم الأعياد وتحديداً عيد الفطر، ولانشغال الجمهور في دراما رمضان تختفي السينما تماماً، وبعد شهر من الغياب يكون هناك إقبال كبير عليها».

ولفت إلى أن «فترات السبعينات والثمانينات والتسعينات كانت تشهد صراعاً شديداً ومعارك بين نجوم مثل عادل إمام وأحمد زكي ونادية الجندي ونبيلة عبيد للاستحواذ على مواسم الأعياد».

وعن الجفاف السينمائي خارج المواسم المعتادة يقول الشناوي: «هناك بعض الأفلام التي قد تجد فرصة للنجاح، فهناك مثلاً فيلم (إسماعيلية رايح جاي) الذي عُرض في 25 أغسطس (آب) 1997 وحقق طفرة في السينما على مستوى الإيرادات والشهرة والانتشار، بل اخترع موسماً هو الموسم الصيفي، وفي الشهور الأخيرة فيلم (الحريفة) مثلاً لم ينزل في موسم ولم يكن متوقعاً له شيء، لكنه حقق رقماً خرافياً بالنسبة لتكلفة الفيلم، ما يعني أن الأفلام التي تُعرض خارج الموسم على قلّتها قد يكون لها حظ وافر في النجاح ولو على شكل طفرات».

فيما يُعِدّ الناقد محمد رفعت أن «السينما لم تعد مرتبطة بمواسم محدّدة لطرح الأفلام، فقد أصبحنا نشاهد أفلاماً جديدة على مدار السنة من دون الارتباط بموسم محدد أو وقت معين، خصوصاً مع فتح أسواق جديدة للفيلم المصري، وعرض الأفلام المصرية الجديدة متزامنة في العديد من العواصم العربية».


مقالات ذات صلة

علي كاكولي لـ«الشرق الأوسط»: دوري في «فعل ماضي» مستفز

يوميات الشرق شخصية (برّاك) التي يقدمها كاكولي في المسلسل مليئة بالعقد النفسية (إنستغرام الفنان)

علي كاكولي لـ«الشرق الأوسط»: دوري في «فعل ماضي» مستفز

المسلسل الذي بدأ عرضه الخميس الماضي على منصة «شاهد»، يُظهر أنه لا هروب من الماضي؛ إذ تحاول هند تجاوز الليالي الحمراء التي شكّلت ماضيها.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق مشهد يُشارك فيه فغالي ضمن مسلسل «البيت الملعون» (صور الفنان)

عماد فغالي لـ«الشرق الأوسط»: لم أحقّق طموحي الكبير في عالم التمثيل

يتساءل اللبناني عماد فغالي، أسوةً بغيره من الممثلين، عن الخطوة التالية بعد تقديم عمل. من هذا المنطلق، يختار أعماله بدقة، ولا يكرّر أدواره باحثاً عن التجديد.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق أحمد حاتم في لقطة من مسلسل «عمر أفندي» (صفحة شاهد بـ«فيسبوك»)

«عمر أفندي»... دراما مصرية تستدعي الماضي

حظيت الحلقة الأولى من المسلسل المصري «عمر أفندي» بتفاعل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدرت «الترند» صباح الاثنين على «غوغل».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق أطلقت علامة تجارية لتصميم الأزياء خاصة بها (صور باتريسيا داغر)

باتريسيا داغر لـ«الشرق الأوسط»: أرفضُ كوميديا لا تفي موضوعاتها بالمستوى

بالنسبة إلى الممثلة اللبنانية باتريسيا داغر، الأفضل أن تجتهد وتحفر في الصخر على أن تزحف وتقرع الأبواب من دون جدوى.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق هند وإياد في مشهد يؤكد تباعدهما (شاهد)

نهاية مفتوحة لـ«مفترق طرق» تُمهد لموسم ثانٍ

أثارت نهاية حلقات مسلسل «مفترق طرق» ردود أفعال متباينة من جمهور «السوشيال ميديا» في مصر، حيث وصفها البعض بأنها «صادمة».

انتصار دردير (القاهرة )

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».