«الأسواق الشعبية» في السعودية... وجهة رمضانية ومقصد للصناعات اليدوية والتقليدية

حافظت كثير من الأسواق على مواعيدها ومواقعها وتقاليدها معاً رغم مرور عقود من السنوات (واس)
حافظت كثير من الأسواق على مواعيدها ومواقعها وتقاليدها معاً رغم مرور عقود من السنوات (واس)
TT

«الأسواق الشعبية» في السعودية... وجهة رمضانية ومقصد للصناعات اليدوية والتقليدية

حافظت كثير من الأسواق على مواعيدها ومواقعها وتقاليدها معاً رغم مرور عقود من السنوات (واس)
حافظت كثير من الأسواق على مواعيدها ومواقعها وتقاليدها معاً رغم مرور عقود من السنوات (واس)

في عصر كل يوم من شهر رمضان، يتدفق المتسوقون إلى الأسواق الشعبية في السعودية، بين متبضّع وباحث عن نوادر المصنوعات والمنتجات التقليدية، وبين متتبع لروح المكان، حيث تحتفظ الأسواق الشعبية بطبيعتها وتفاصيلها الأثيرة، ولا تزال مجموعة من الأسواق العتيقة قائمةً لم تهدأ أو يخمد صوت البيع والشراء في أروقتها منذ عقود.

كانت الأسواق محلاً لاجتماع الناس ولعبت أدواراً مهمة إلى جانب دورها الاقتصادي والتجاري وتأمين حاجات القرى والبلدات التي تقع في محيط كل سوق (واس)

في الأسواق الشعبية، لا يزال صوت الباعة والمتجولين يصدح بين أركانها، التي تتزيّن بالمعروضات والمنتجات التقليدية والصناعات اليدوية، فهي نشاط تجاري وثقافي واجتماعي لم يهدأ، يجد فيه الناس في كل يوم رمضاني فرصة نادرة للإطلالة منه إلى تاريخ حيّ، تحتفظ صناعاته وزواياه بحكايات من الماضي.

في عصر كل يوم من رمضان يتدفق المتسوقون إلى إحدى الأسواق الشعبية بين متبضّع وباحث عن نوادر المصنوعات والمنتجات التقليدية (واس)

أسواق عمرها قرون

في نجران وعسير وجازان وحائل والأحساء، وغيرها من مدن ومناطق السعودية، لا يزال دويّ الأسواق الشعبية عالياً لم يهدأ، وهي وجهة مفضّلة للناس والزوار في رمضان، ومقصد مهم للبضائع التقليدية والصناعات اليدوية النادرة التي لا تجدها في مكان آخر. ففي جنوب السعودية، حافظت مجموعة كبيرة من الأسواق على مواعيدها ومواقعها وتقاليدها، ومن أبرزها «سوق الثلاثاء» في أبها، واحدة من أقدم الأسواق الشعبية، التي انطلقت قبل أكثر من 100 عام، وتحديداً عام 1902م (1320هـ)، وأسبق منها «سوق السبت» بمحافظة بلجرشي التابعة لمنطقة الباحة التي تعود لنحو 5 قرون في تاريخها العريض، وتحفظ المرويات الشفهية والمكتوبة الشحيحة بشأنها قصصاً وحكايات من تراث هذه السوق. وفي منطقة حائل شمال السعودية، احتضنت «سوق برزان» الشعبية مسيرة طويلة وتاريخاً عريقاً عمره أكثر من 100 عام، وقريبة منها «سوق الخميس» الشعبية التي نهضت في موقع حيوي بمحافظة الدرب في منطقة جازان، منذ أكثر من 150 عاماً، ولا تزال أركانها وأروقتها تزدهر بالصناعات التقليدية وحركة البيع والشراء فيها.

كانت الأسواق تقام في موقع مميز ومفيد لدى كل مجتمع وقرية وكانت تسمى بأسماء الأماكن حيث تنهض على ثراها أو بأيام الأسبوع (واس)

الأسواق مكون في بناء المجتمع

وكانت الأسواق مكاناً لاجتماع الناس، ولعبت أدواراً مهمة إلى جانب دورها الاقتصادي والتجاري في تأمين حاجات القرى والبلدات التي تقع في محيط كل سوق، ومن ذلك أدوارها الإعلامية والتعليمية والسياسية، وتنظيم حياة الناس، وتعاهد أحوالهم، وسنّ ما يساعد على تيسير حياتهم واستقرارهم. وكانت الأسواق تقام في موقع مميز ومفيد لدى كل مجتمع وقرية، وتسمى بأسماء الأماكن التي تنهض على ثراها، أو بأيام الأسبوع التي تقام فيها؛ بغرض تنظيمها وترتيبها على نحو يفيد الباعة والمتسوقين، وكانت بعض الأسواق تختص ببعض البضائع الفريدة، وذلك تبعاً لاحتكار أحد الباعة أو على ما جرت عليه العادة، إذ اتفقت عادات الناس على ما يضمن استقرارهم ويؤمن احتياجاتهم. يحكي خليل بن عبد الرحمن، أحد المتتبعين للتاريخ الاجتماعي والمترددين على الأسواق الشعبية في تهامة عسير لعقود ودون انقطاع، عن تطور تجربة الأسواق الشعبية مع مرور الزمن، وأن كثيراً من مناطق المملكة احتفظت بهذا البازار الشعبي بوصفه تقليداً تجارياً. ويذكر أن قوة هذه الأسواق في طبيعة ونوعية البضائع التي تُطرح فيها، بحيث لا يمكن أن تجد هذه البضائع في مكان آخر؛ لأن غالبيتها تُصنَع بطريقة يدوية وتقليدية. ويشدد على أن البضائع الأكثر جودة، وما تحظى بطلب عالٍ، هي التي تُصنَع وتُجهّز بالطريقة التقليدية بحذافيرها الدقيقة.

قوة الأسواق الشعبية في طبيعة ونوعية البضائع التي تُطرح فيها وتُصنع بطريقة تقليدية بحيث لا يمكن أن تجدها في مكان آخر (واس)

ويكشف خليل عن البُعد الاجتماعي للأسواق الشعبية في رمضان، حيث تتحول مواعيد بعض الأسواق إلى عقب صلاة العصر، حيث يتدفق المتبضعون للحصول على الوجبات الشعبية التي تُزيّن السفرة الرمضانية. يضيف: «هناك كثير من المواطنين المستقرّين في المدن السعودية الكبرى، يعودون في شهر رمضان إلى بلداتهم ومدنهم الصغيرة، وتعدّ هذه الأسواق بالنسبة إليهم متنفساً ووجهةً مفضلةً خلال عصر كل يوم في رمضان، يصطحبون أبناءهم للوقوف من كثب على شاهد تاريخي يحتفظ بحكاية المكان الذي وُلدوا فيه وترعرعوا بين تفاصيله، وفي السوق هناك وجوه من المألوف رؤيتها منذ 30 وربما 40 عاماً، وهم باعة تخصّصوا في بضائع معينة، كانت تؤمّن لقمة عيشهم، وأصبح هؤلاء الباعة مع الوقت بمثابة عائلة واحدة، يعرفون بعضهم بعضاً، ويسألون إذا تخلّف أحدهم، ويتعاضدون إذا ألمّت بأحدهم معاناة، فهذه الأسواق ليست مجمعات تجارية دون روح، بل هي جزء من تكوين مجتمع القرى الذي نما وتطور على حافة سوق أو وادٍ أو حقل، هذه طبيعتنا وهذه حكاياتنا الفريدة».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

جهاز منزلي لقياس التوتر

التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)
التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)
TT

جهاز منزلي لقياس التوتر

التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)
التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)

طوّر باحثون من الصين والمملكة المتحدة جهازاً جديداً، للكشف عن مستويات التوتر في الدم من المنزل، وأوضح الباحثون، أن الجهاز يمكن أن يسهم في تحسين دقة وسهولة قياس مستويات التوتر، ما يجعل من الممكن مراقبة الصحة النفسية والتعامل مع التوتر بشكل أفضل، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Talent».

ويشكّل التوتر جزءاً من حياتنا اليومية، بدءاً من متطلّبات العمل المستمرة، وصولاً إلى ضغوط الحياة اليومية، مثل توصيل الأطفال إلى المدرسة، ويمكن لتجاهُل مستويات التوتر المرتفعة أن يؤدي لمشاكل صحية ونفسية خطيرة، مثل الاكتئاب ومرض ألزهايمر، ولرصد هذه الحالة ابتكر فريق البحث الجهاز الذي يمكنه قياس مستويات هرمون الكورتيزول، وهو مؤشر حيوي للتوتر في الدم بدقة.

ويُعَد الكورتيزول من أهم الهرمونات التي تعكس مستويات التوتر، ومن ثم فإن قياسه بدقة يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في تشخيص التوتر. ويستخدم الجهاز الجديد جزيئات نانوية من أكسيد الإيريديوم، وهي جزيئات صغيرة جداً تعمل على تحسين فاعلية الجهاز، وهذه الجزيئات تغطي الأقطاب الكهربائية في الجهاز.

وأكسيد الإيريديوم مركب كيميائي يستخدم في الإلكترونيات والمحفزات الكيميائية بفضل استقراره وحساسيته العالية، ويُعدّ مثالياً لتحسين أداء أجهزة قياس الكورتيزول بفضل فاعليته في ظروف متنوعة.

ويقيس الجهاز مستويات الكورتيزول من خلال وضع عينة من الدم على الجهاز، حيث يتفاعل الكورتيزول مع الأقطاب الكهربائية المُعدّلة بالجزيئات النانوية من أكسيد الإيريديوم.

ويولد التفاعل بين الكورتيزول والجزيئات النانوية إشارات كهربائية، وهذه الإشارات تُترجَم إلى قراءة لمستويات الكورتيزول في العينة، كما يقيس الجهاز التغيرات في الإشارات الكهربائية بدقة لتحديد كمية الكورتيزول.

ووجد الباحثون أن الجهاز قادر على قياس مستويات الكورتيزول بدقة حتى عندما تكون الكميات منخفضة جداً، ما يجعله مناسباً لاستخدامه في المنزل، ويتفوق الجهاز الجديد على الأجهزة المماثلة الحالية التي غالباً ما تكون أقل حساسية ولا يمكنها قياس الكورتيزول بكفاءة في التركيزات المنخفضة.

كما يستطيع الجهاز تمييز الكورتيزول عن هرمونات مشابهة مثل التستوستيرون والبروجيستيرون، بفضل التحسينات في الأقطاب الكهربائية، بينما تواجه الأجهزة الحالية صعوبة في هذا التمييز، ما قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة.

وقال الباحث الرئيسي للدراسة بجامعة شيان جياوتونغ - ليفربول في الصين، الدكتور تشيوشن دونغ: «هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها أكسيد الإيريديوم بهذه الطريقة، حيث أنتجنا جهازاً بسيطاً وقليل التكلفة لقياس الكورتيزول».

وأضاف عبر موقع «يوريك أليرت» أن الجهاز يمكنه الكشف عن جزيئات الكورتيزول بتركيز أقل بمقدار 3000 مرة من النطاق الطبيعي في الدم.

وأشار الباحثون إلى أن هذا التقدم في التكنولوجيا يعزّز الآمال في إمكانية إجراء اختبارات التوتر في المنزل بطريقة دقيقة وسهلة، ما قد يُحدِث ثورة في كيفية إدارة مستويات التوتر بشكل يومي.