«أحياء مكة العتيقة» تلاحم وتراحم في رمضان

صورة معبرة عن تلاحم وتراحم مجتمع مكة المكرمة خلال ليالي شهر رمضان الكريم (تصوير: عمار الأمير)
صورة معبرة عن تلاحم وتراحم مجتمع مكة المكرمة خلال ليالي شهر رمضان الكريم (تصوير: عمار الأمير)
TT

«أحياء مكة العتيقة» تلاحم وتراحم في رمضان

صورة معبرة عن تلاحم وتراحم مجتمع مكة المكرمة خلال ليالي شهر رمضان الكريم (تصوير: عمار الأمير)
صورة معبرة عن تلاحم وتراحم مجتمع مكة المكرمة خلال ليالي شهر رمضان الكريم (تصوير: عمار الأمير)

تزدهر الذكريات، وتلتئم الاجتماعات، وتتزين الشوارع، وتفوح المباخر من داخل أحياء وحارات مكة العتيقة، في صورة تُعبر عن مدى التلاحم الذي يسود المجتمع المكي خلال ليالي الشهر الكريم، ومع تدفق ملايين المسلمين من ضيوف الرحمن لأداء العمرة في رمضان، وقضاء الوقت في رحاب البيت العتيق، يقضي أهالي مكة تجربة اجتماعية فريدة مع الأجواء الرمضانية الثرية بالقرب من الحرم المكي الشريف خلال الشهر الفضيل.

امتياز رمضاني خاص لأهالي مكة وقضاء الشهر بالقرب من أطهر البقاع وأطيبها فوق الأرض (تصوير: عبد الرحمن السهلي)

الذكريات عامرة لأجيال من ساكني الأحياء المكية العتيقة، إذ تجمع بين الألعاب الشعبية التي كانت وسيلة فرح يتيمة ووحيدة، وسُفر إفطار رمضانية محفوفة بالمودة والكرم والجود والعطاء، بعضها لم ينقطع منذ أعوام عن استقبال المحتاجين وغيرهم على الموائد التي أصبحت علامة بارزة في تاريخ المكان، وسمر الدكّات التي تولد فيها الحكايات، وعادات مكية تبدأ مع تزيين الشوارع احتفالاً بحلول الشهر الكريم وسروراً بلياليه التي تعمرها الصلوات والدعوات، إلى تبخير الموائد بالبخور التي تعبق في فضاء الحارات وتعطر الحياة.

تحتفظ بعض الحارات العتيقة والأحياء المكية التي اختلطت ذاكرتها الاجتماعية بعبق رمضان بتقاليدها في كل موسم (تصوير: عمار الأمير)

سفر رمضانية عمرها عقود

وتحتفظ بعض الحارات العتيقة والأحياء المكية التي اختلطت ذاكرتها الاجتماعية بعبق رمضان، ببعض تقاليدها في كل موسم رمضاني، يحكي هادي العمري صاحب الثلاثين ربيعاً، والذي يسكن حياً يبعد كيلومترات قليلة عن الحرم المكي، أنه تعوّد في كل عام أن يشارك في هذه التظاهرة التطوعية والاجتماعية الأثيرة لكل أبناء جيله، ويضيف: «وفق ما أذكر، لم تنقطع هذه السفرة عن أي رمضان سوى عامين تقريباً بسبب (جائحة كورونا) التي أطبق صمتها في كل مكان، لكنها عادت بعد الجائحة، وأصبح الأحبة يجتمعون من كل الأجيال لاستعادة شريط الذكريات، فهناك أحباب انقطعوا عن الحي بسبب العمل في مناطق أخرى، ولا تتيسر رؤيتهم إلا على سفرة رمضان في كل عام».

عند مطلع الشهر تتزين حارات وأحياء مكة المكرمة بالإضاءات المعلقة والأعمدة التي تشع بالألوان لاستقبال رمضان (تصوير: عبد الرحمن السهلي)

تقاليد مكّية وأجواء رمضانية

وفي مطلع الشهر، تتزين حارات وأحياء مكة المكرمة، بالإضاءات المعلقة والأعمدة التي تشع بالألوان لاستقبال شهر رمضان، استشعاراً لروحانياته، ويبدأ ضجيج الشوارع المحبب إلى النفس، لا سيما في أوقات الذروة، وتحظى الأحياء القريبة من الحرم المكي بصدى صوت الصلوات والأذان الذي يصدح في الفضاء، ويبث الطمأنينة في النفوس والأحياء. وفي ليالي الشهر الكريم، ترتدي حارات وأحياء مكة حلة جديدة، حيث تنتشر بسطات بيع المأكولات التقليدية والحلويات الشعبية والمشروبات التي أضحت معروفة ومألوفة ومرتبطة بقضاء أوقات السمر، مثل مشروب «السوبيا» بنوعيها الأحمر والأبيض المصنوعة من منقوع الشعير، وبعضها من كسر الخبز الجاف، واشتهرت بذلك محلات «عم سعيد خضري» منذ أكثر من 50 عاماً في مكة المكرمة.

تزخر أحياء مكة العتيقة بالتراث الذي اختلطت تفاصيله بذكريات ساكنيها وزوارها عبر العصور (تصوير: عبد الرحمن السهلي)

ويحكي أحمد حويان، الذي شهد سبعين موسماً لشهر رمضان في أحياء مكة وحاراتها، عن البعد الاجتماعي لرمضان، حيث يقول إن كثيراً من ملامح الحياة التقليدية تغيرت، وبقي رمضان ببهائه وروحه التي يبثها في النفوس حاضراً لا يتزعزع، مضيفاً: «مكة هي قبلة المسلمين، ومهجة قلوب أهلها، تنثر عبيرها في كل مكان، ونحن لنا امتياز رمضاني خاص، حيث نعيشه بالقرب من أطهر البقاع وأطيبها فوق الأرض، وفي رمضان لنا ذكريات لا تُمحى، لقد تربّت كل الأجيال في مدرسة هذا الشهر، تعلمنا المودة والتراحم، وصلة الرحم والعطف على المساكين، والجود والبشاشة في ظل هذا الشهر الفضيل، وفوق ثرى هذه الأرض الطيبة المباركة». وعن ضيوف الرحمن، ممن ينزلون في فنادق داخل أحياء مكة العتيقة، يقول حوبان: «عندما نشاهد وصولهم خلال هذه الأيام الفضيلة نشعر تلقائياً بأنهم جيران وأهل، ونفرح حين نشاهدهم يسيرون في الشوارع والحارات إلى المساجد، تضج قلوبنا فرحاً ونحن نرى اجتماعهم في أمن وأمان وضمان في السعودية قِبلة المسلمين».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.