مأكولات رمضان التقليدية تتحدى الأزمة المعيشية في ليبيا

طاه يقوم بإعداد السفنز وهو خبز مقلي يمكن تقديمه عادياً أو مع البيض (أ.ف.ب)
طاه يقوم بإعداد السفنز وهو خبز مقلي يمكن تقديمه عادياً أو مع البيض (أ.ف.ب)
TT

مأكولات رمضان التقليدية تتحدى الأزمة المعيشية في ليبيا

طاه يقوم بإعداد السفنز وهو خبز مقلي يمكن تقديمه عادياً أو مع البيض (أ.ف.ب)
طاه يقوم بإعداد السفنز وهو خبز مقلي يمكن تقديمه عادياً أو مع البيض (أ.ف.ب)

في إطار حملة تضامن تُسلّط الضوء على طبق ليبي تقليدي، خلال شهر رمضان الكريم، يتطوع نحو ثلاثين شخصاً من سكان تاجوراء؛ إحدى الضواحي في شرق العاصمة الليبية، يومياً للطهي وتقديم نحو ثلاثمائة وجبة للإفطار.

يوحّد رجال من مختلف الأعمار جهودهم من أجل تحضير البازين؛ وهي من المخبوزات الليبية المصنوعة من الشعير، والتي تُقدَّم مع الحساء، بوصفها جزءاً من حملة تجمع بين التعاضد الاجتماعي وتقاليد الطهي لتوزيع وجبات مجانية على الصائمين، خلال الشهر الفضيل، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويشبه البازين العصيدة من دقيق الذرة «polenta» الإيطالية، أو وجبة فوفو «fufu» المشهورة في غرب أفريقيا، وهو طبق أمازيغي في الأصل يُعد وجبة عائلية كلاسيكية من إقليم طرابلس «تريبوليتانيا»، المنطقة الشمالية الغربية التاريخية من ليبيا.

كما يشكّل البازين رمزاً للمشاركة لدى الليبيين، وعادة ما يجري تناوله باليد من طبق مشترك يجلس حوله الضيوف على الأرض.

متطوعون يقدمون للناس الطبق الليبي التقليدي «البازين» المكون من عجينة الشعير في مدينة تاجوراء (أ.ف.ب)

يقول سالم عمران، وهو أحد الطهاة المشاركين في المبادرة: «كان هذا الطبق مقتصراً على المنازل»، حيث كانت تعدّه النساء ويُقدمنه «للأقارب والجيران». ويوضح الرجل، البالغ 60 عاماً، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن نقدم هذه الوجبات لكل من يقصدنا».

وبجانبه، يدور رجال في مجموعات ثلاثية حول قِدر كبيرة، وفي أيديهم عِصيّ طويلة يخلطون فيها دقيق الشعير بالماء المغلي المملّح.

وبعد طهيها لمدة ساعة على الأقل، تُعجن العجينة الساخنة، وتُقسّم إلى قطع صغيرة، فتُحوّل بدورها إلى أشكال مخروطية شبيهة بالقباب، ثم توضع في وعاء مع يخنة الفول والطماطم والبهارات.

وتغيب اللحوم، التي كانت عنصراً ضرورياً في هذه الوصفة، عن هذا الصنف الغذائي حالياً بسبب ارتفاع أسعارها. لكن المتطوعين يتكيفون مع الوضع.

ويقول عصام الطيب (57 عاماً)، وهو من سكان تاجوراء جاء للمساعدة في المبادرة: «انتقلنا من قِدر إلى وعاء، ثم من وعاء إلى اثنين، وبتنا نقدم حالياً ما بين 300 و400 وجبة يومياً».

- «الحياة صعبة» - في العاصمة طرابلس، على بُعد نحو 22 كيلومتراً، نوع آخر من المعجنات المقلية يحتل حيزاً واسعاً على المائدة الرمضانية: السفنز، وهو أشبه بكعكة «دونات» مقلية طرية مصنوعة من العجين المخمر، عادة ما تكون محشوة بالبيض أو مغمّسة في العسل.

متطوعون يطبخون معاً أجزاء من الطبق الليبي التقليدي «البازين» (أ.ف.ب)

وبعدما كان من الأطعمة الرخيصة نسبياً التي تباع للمارّة في الشوارع، بات السفنز ترفاً لليبيين كثيرين بسبب الغلاء المعيشي. ولا تزال ليبيا تكافح من أجل التعافي من سنوات الحرب التي أعقبت مقتل القذافي في عام 2011. كما أن البلاد منقسمة بين إدارتين متنافستين في طرابلس بالغرب، وبنغازي في الشرق.

ورغم امتلاكها أكبر احتياطات نفطية في أفريقيا، واحتياطات وفيرة من الغاز الطبيعي، أدى عدم الاستقرار المستمر إلى تقويض الاقتصاد، وأثّر بشكل كبير على مستوى المعيشة في ليبيا.

ويقول محمد صابر، الذي يدير متجراً للسفنز على مشارف طرابلس، إن الزبائن «يشترون في حدود إمكانياتهم»، مضيفاً: «اليوم، يبلغ سعر علبة البيض 20 ديناراً (نحو 4 دولارات)، ما رفع سعر سفنز البيض إلى 3.5 دينار»، بعدما كان لا يتخطى بضعة قروش.

ويوضح صابر، وهو تونسي يتقن اللهجة الليبية بعدما عاش وعمل لفترة طويلة في ليبيا، أن «الحياة صعبة لليبيين الآن». وكان باعة سفنز مثل صابر يأتون تقليدياً من تونس المجاورة؛ موطن كعكة بمبالوني الشهيرة، لكن في السنوات الأخيرة أصبحوا نادرين في ليبيا، غير أنهم بدأوا العودة، رغم المنافسة من بائعي البرغر والشاورما، لأولئك الذين يستطيعون تكبّد تكاليفها.

ويصطف الزبائن من مختلف الأعمار أمام متجر صابر الصغير. ويقول محمد البوشي، وهو زبون يبلغ 69 عاماً، مازحاً: «الرائحة طيبة جداً»، «لكن لأكنْ صادقاً معك، فهذا ليس مثالياً للصحة».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)
جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)
TT

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)
جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)

يناقش منتدى المرأة العالمي دبي 2024، الذي ينطلق اليوم في دبي، محاور رئيسية ذات أبعاد استراتيجية تتعلق بدور المرأة العالمي، كما يبحث اقتصاد المستقبل، والمسؤوليات المشتركة، والتكنولوجيا المؤثرة، وذلك خلال فعاليات المنتدى الذي تقام على مدى يومي 26 و27 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.

ويسعى المنتدى إلى معالجة قضايا المرأة في ضوء التحديات العالمية المعاصرة، مع التركيز على تعزيز دورها شريكاً رئيسياً في تحقيق التنمية المستدامة، حيث يسلط الحدث الضوء على دور المرأة في قيادة التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، ومواجهة التغير المناخي، إلى جانب تعزيز المساواة بين الجنسين وبناء الشراكات الدولية.

منصة استراتيجية لتمكين المرأة عالمياً

وأكدت منى المري، رئيسة مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمؤسسة دبي للمرأة، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المنتدى يسعى لإيجاد حلول للقضايا والتحديات التي تواجه المرأة على المستوى العالمي.

وأوضحت المرّي أن المنتدى يبحث قضايا المرأة الملحّة ذات العلاقة بالتحديات العالمية الماثلة، وقالت: «المنتدى يهدف إلى إلقاء الضوء على تلك القضايا بطرق متعددة، تأسيساً على ناقشه في دورتيه السابقتين، وما يطرحه في دورته الثالثة من محاور ذات أبعاد استراتيجية».

وأضافت: «في قلب النقاشات، تتجلى الأدوار الرائدة التي تلعبها المرأة في مختلف المجالات الحيوية، سواء من خلال تبوئها لمناصب صنع القرار، أو من خلال ممارستها التأثير الفعال في مجالات بارزة مثل قيادة التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والتصدي للتغير المناخي، والسعي نحو تحقيق الأمن والسلام والازدهار العالمي». ووفقاً لها، فإن إسهام المرأة في رسم معالم المسؤوليات العالمية، يجعلها شريكاً أساسياً في تشكيل مستقبل الشعوب وصياغة سياسات التنمية المستدامة.

وأشادت المري بجهود ومبادرات حرم الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين ورئيسة مؤسسة دبي للمرأة، التي عززت حضور المرأة في المناصب القيادية وزادت من تأثيرها في المجالات الحيوية.

اقتصاد المستقبل والتكنولوجيا المؤثرة

ولفتت المرّي إلى أن المنتدى يولي اهتماماً خاصاً للتعاون والشراكات الدولية؛ كونها تعد حجر الزاوية في استراتيجية التوازن بين الجنسين في دولة الإمارات، وأوضحت: «تحقيق أي تقدم ملموس في هذا المجال، سواء على الصعيدين الإقليمي أو العالمي، يتطلب مواصلة الجهود وتطوير شراكات متينة توفّر المنصة الضرورية للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الخامس الذي يُركز على تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات».

ويتناول المنتدى دور المرأة في صياغة اقتصاد المستقبل عبر استعراض تجارب رائدة ومناقشة قضايا ملحة مثل الابتكار وريادة الأعمال. كما يركز على التكنولوجيا بوصفها عنصراً أساسياً لتحقيق التغيير، مع تسليط الضوء على أهمية تمكين المرأة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.

وأضافت المري أن المنتدى سيبرز مساهمة المرأة في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي وتحقيق الأمن الغذائي والسلام العالمي، وقالت: «إشراك المرأة في صياغة السياسات العالمية يُعد خطوة محورية نحو بناء مجتمعات أكثر استدامة وعدلاً».

كما ركزت المري على أهمية الشراكات الدولية بوصفها ركيزة لتحقيق التوازن بين الجنسين، مشيرة إلى إطلاق مبادرات نوعية خلال المنتدى، أبرزها توقيع مجلس الإمارات مبادرة للتوازن بين الجنسين مع عدد من مؤسسات القطاع الخاص لتعزيز نسبة النساء في المناصب القيادية إلى 30 في المائة بحلول عام 2025، وأوضحت: «تحقيق تقدم ملموس في المساواة بين الجنسين يتطلب تضافر الجهود بين الحكومات والقطاع الخاص عبر شراكات مستدامة».

منى المري رئيسة مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمؤسسة دبي للمرأة

مشاركات ملهمة

وبحسب المعلومات الصادرة، فإن المنتدى يجمع نخبة من القيادات وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم، من بينهم أكثر من 25 وزيراً ووزيرة وشخصيات بارزة تشمل: الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون بدبي، التي ستناقش رؤيتها لدبلوماسية الثقافة، وأمينة إردوغان، حرم الرئيس التركي، التي ستشارك في جلسات تسلط الضوء على تمكين المرأة عالمياً، بالإضافة إلى سعيدة ميرضيائيفا، مساعدة رئيس أوزبكستان، وآصفة بوتو زرداري، السيدة الأولى في باكستان، وإليزا ريد، السيدة الأولى السابقة لآيسلندا، وإيرين فيلين، ممثل الناتو الخاص للمرأة والسلام والأمن.

كما تشارك شخصيات ملهمة من القطاع الخاص مثل كاميل فاسكيز، محامية النجم العالمي جوني ديب، وأشواريا راي، نجمة السينما العالمية.

التمكين

وفقاً لمنى المرّي، فإن تنظيم مؤسسة دبي للمرأة لهذا المنتدى العالمي الذي يجمع نخبة من القيادات الحكومية والمنظمات والهيئات الدولية والخبراء وأصحاب التجارب المُلهِمة من حول العالم، يؤكد التزام الإمارات بتمكين المرأة وريادتها في تعزيز الوعي بالقضايا والتحديات القائمة على الساحة العالمية.

وقالت: «دبي، بحضورها الدولي، تواصل تعزيز مكانتها مركزاً عالمياً للحوار والتنمية، حيث يقدم المنتدى فرصة لبناء شراكات استراتيجية تدعم تمكين المرأة عالمياً، وتسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة».