السواك عبادة دينية و«سلعة» لا تندثر

مكة المكرمة أكبر أسواقه ورمضان أفضل مواسمه

الحرمان المكي والمدني تعد أكبر أسواق السواك على الإطلاق وتزيد خلال رمضان (واس)
الحرمان المكي والمدني تعد أكبر أسواق السواك على الإطلاق وتزيد خلال رمضان (واس)
TT

السواك عبادة دينية و«سلعة» لا تندثر

الحرمان المكي والمدني تعد أكبر أسواق السواك على الإطلاق وتزيد خلال رمضان (واس)
الحرمان المكي والمدني تعد أكبر أسواق السواك على الإطلاق وتزيد خلال رمضان (واس)

حافظ السواك، وهو عود الأراك الذي درج المسلمون على استخدامه لطهارة الفم، على حضوره في الأسواق بوصفه سلعة غير قابلة للاندثار، ولم تخبُ أسواقه التي ارتبطت عادةً بباحات المساجد والأسواق التقليدية، وبالمواسم الدينية الأسبوعية والسنوية، حيث اعتاد الزبائن عقِب كل صلاة جمعة وفي رمضان وصلاة الأعياد أن يرافقهم عود الأراك، تحرياً للمثوبة والأجر وطهارة ونظافة للفم.

ويزيد الإقبال على الألياف الكثيفة والناعمة التي تشبه فرشاة الأسنان، التي تستخرج من جذور شجرة الأراك، في شهر رمضان، فهي رفيق مفضل لدى الصائمين في نهاره والقائمين في لياليه، ويتم استخدامه بعد قطع رأس المسواك، وإزالة القشرة الخارجيّة، ثم ترطيبه قليلاً. وقالت مجموعة من باعة السواك، بعضهم قضى عقوداً في هذا المجال، إن عود الأراك لم ينقطع الطلب عليه ولو لليلة واحدة، بل تزيد خلال المواسم، وفي الأماكن الحيوية مثل الحرمين المكي والمدني، التي تعد أكبر أسواقه على الإطلاق، وقد تصل مبيعاته الأسبوعية بين مائة إلى مائتي ألف ريال، لا سيما خلال إجازة نهاية الأسبوع، وفي يوم الجمعة بالتحديد، حيث تكتظ المساجد عموماً، ويغصّ الحرم المكي بضيوف الرحمن، الذين يفضلون شراء كميات كبيرة منه أثناء خروجهم من المسجد، فمنهم من يبيعها ومنهم من يهديها للأهل والأصحاب.

عود الأراك لم تنقطع أسواقه لليلة واحدة تزيد خلال المواسم وفي المساجد خلال رمضان (واس)

تفاوت في الأحجام والمواسم

وفي رمضان، تتضاعف أسعار المساويك، تبعاً لتزايد الإقبال عليها، لا سيما في قطاع البيع بالجملة، ويتأهب المتخصصون في استخراج جذور شجر الأراك من مظانها بمناطق جنوب السعودية، على تلبية الطلب المتزايد، وتمويل بقية مدن المملكة التي تكتظ مساجدها بالمصلين خلال ليالي الشهر بأعواد السواك، وترتفع ربطة السواك في شهر رمضان حسب أصحاب المهنة، من نحو 100 ريال في الأوقات العادية من العام، إلى 300 ريال تقريباً للنوعيات ذات الجودة العالية، التي تستخرج من بعض المحافظات الجنوبية التي عرفت بجودة السواك فيها، بينما تتراوح أسعار المساويك الصغيرة والمتوسطة ما بين ريالين إلى 5 ريالات، والأعواد الطويلة من 8 ريالات إلى 15 ريالاً. ويتأثر السعر بنوع السواك، بين الذكر أو الأنثى، أو النوع المعروف بالحنش الذي يزرع ويجلب للأسواق من أودية منطقة جازان، وتكون بعض الأنواع طويلة وقد تصل إلى أكثر من 10 سنتيمترات، وتتميز بجودة عالية، ويفضل المستخدمون تقطيع أوصالها إلى أجزاء لاستخدامه تباعاً.

ألياف كثيفة وناعمة تشبه فرشاة الأسنان تستخرج من جذور شجرة الأراك (واس)

ويتوفر شجر «الأراك» في المناطق الجبلية وبطون الأودية، وهي شجرة دائمة الخضرة، وكثيفة الأوراق والأغصان، ولها رائحة زكية، وتعد مناطق جنوب السعودية، على امتداد تهامة وصولاً إلى منطقة جازان من أكثر المناطق التي ينتشر فيها شجر الأراك، وتعد أهم مصادر تمويل الأسواق المحلية في جدة ومكة والمدينة وبقية مناطق المملكة. وقال أحمد زياد وهو خبير سعودي قضى ثلاثة عقود في بيع المساويك وتزويد زبائنه بكميات كبيرة، لا سيما خلال مواسم رمضان والحج، أن السواك الجيد يكون مستخرجاً من جذور شجرة أراك يتراوح عمرها بين عام ونصف إلى 3 أعوام، ويرتفع بالمقابل سعره في الأسواق، وهو الأمر الذي يدركه البائع النزيه، والزبون الخبير بأنواع المساويك وأحوالها. ويشير زياد إلى أن السواك الليّن، الذي ينضح حرارة، ويكون غضاً يتفصّد منه الماء، يرتفع ثمنه، وتجد بعض البائعين يحتفظ به لإعطاء الخاصة من زبائنه، سيما إذا كان صاحب بسطة معروفة ومألوفة ومستقراً في إحدى الأسواق المشهورة في جدة أو مكة أو الرياض.

في رمضان تتضاعف أسعار المساويك تبعاً لتزايد الإقبال عليها سيما في قطاع البيع بالجملة ويتأهب الباعة لاستخراج جذور شجر الأراك من مظانها (واس)

تقاليد حفظ المساويك

وفي شارع إبراهيم الخليل بمكة المكرمة، تمتد سلسلة طويلة من باعة المساويك، يفترشون أعواد المساويك التي تتفاوت في أطوالها وأحجامها، وبعضها يوضع في أكياس لحفظها، وهي تلك الأجدد والأكثر طراوة، ويقول البائع محمد الزبيدي القادم من محافظة القنفذة، التي تعد واحدة من أهم مناطق انتشار شجر الأراك، إن وضع المساويك في أقمشة من الخيش المبلل بالماء يبقيها نضرة لفترة أطول ويحميها من الجفاف، لكن إبقاءها معرضة للماء فترة طويلة يفسدها ويعرضها للتلف.

أسعار المسواك تتفاوت حسب حداثة استخراج العود وحجمه ونوعيته ومقدار المشقة في الوصول إليه (واس)

وعقب كل صلاة، ينهمر المصلون في الحرم المكي على بسطات المساويك، يقول الزبيدي: «لا يمكن إحصاء تكاليف ولا حجم المبيعات، لأن بيع المساويك حافظ على طريقته التقليدية في البيع والتداول»، وقدّر أن المبيعات تتجاوز أسبوعياً 100 ألف ريال في الحرم المكي، لا سيما خلال مواسم نهاية الأسبوع والمواسم السنوية في رمضان والحج، على الأقل بالنسبة لمجموعة باعة المساويك في الحرم المكي، وبالقياس إلى معدل بيع البسطة الواحدة، مشيراً إلى أن أسعاره تتفاوت حسب حداثة استخراج العود، وحجمه، ونوعيته، وشدة تجذره في الأرض، ومقدار المشقة في الوصول إليه، لمسافات تمتد إلى مترين في أصل الشجرة، لافتاً إلى أن الوصول إليه يكون متيسراً عند نزول الأمطار، ومتعذراً عند شحّ الأمطار.

وقال الزبيدي إن الباعة يختلفون، بعضهم يتجشّم الوصول إلى مناطق انتشار شجر الأراك، وينتزع جذورها ويعد المساويك ويجمعها بنفسه، ثم يعرضها في بسطته، وآخرون يتواصلون بشكل يومي مع أشخاص يزودونهم بالمساويك من مظانها المحتملة وأماكن توفرها، ثم يقدمونها لزبائنهم في رمضان وغيره من مواسم الإقبال على المساجد والأسواق.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
TT

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

بعيداً عن التكلس السياسي الذي تعانيه ليبيا، انطلق في العاصمة طرابلس مهرجان للفيلم الأوروبي تحت إشراف بعثة الاتحاد الأوروبي إلى البلاد، بالتعاون مع الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، في خطوة تستهدف توسيع الشراكة الثقافية وكسر حاجز الانقسام، من خلال تجميع الليبيين بالثقافة والفن.

وتشارك في النسخة الأولى من المهرجان، التي انطلق الأحد، 5 سفارات أوروبية عاملة في ليبيا، بأعمال يتم عرضها للجمهور مجاناً لمدة 5 أيام، تنتهي الخميس المقبل. وعبّر سفير بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن سعادته لافتتاح أول مهرجان سينمائي ليبي - أوروبي في طرابلس، إلى جانب الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، وسفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومالطا وإسبانيا. وعدّ هذا الحدث «علامة فارقة في الشراكة الثقافية بين ليبيا والاتحاد».

ويعرض مساء اليوم (الاثنين) فيلم «راعي البقر من الحجر الجيري» المقدم من سفارة مالطا، بقاعة الهيئة العامة للسينما والمسرح في شارع الزاوية بطرابلس، التي دعت الجمهور للاستمتاع بمشاهدته.

البوستر الترويجي لفيلم «فتاة عادت» الإيطالي (إدارة المرجان)

وبجانب الفيلم المالطي، فإن العروض المفتوحة للجمهور تتضمن، وفق ما أعلنت إدارة المهرجان، ورئيس بعثة الاتحاد، «طفلة عادت» من إيطاليا، و«قصر الحمراء على المحك»، إسباني، ويعرض الثلاثاء، ثم «كليو» (ألمانيا) الذي يعرض للجمهور الأربعاء، على أن يختتم المهرجان بفيلم «عاصفة» الفرنسي.

ولوحظ أن الدول المشاركة في المهرجان حرصت على تروّج الأعمال المشاركة، من هذا المنطلق دعا المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية في ليبيا الجمهور الليبي لحضور الفيلم الفرنسي الذي أخرجه كريستيان دوغواي، وقالا في رسالة للجمهور الليبي: «نحن في انتظاركم لتشاركونا هذه اللحظة السينمائية الاستثنائية».

جانب من افتتاح مهرجان الفيلم الأوروبي في طرابلس (البعثة الأوروبية إلى ليبيا)

وكان رئيس هيئة السينما والمسرح والفنون، عبد الباسط بوقندة، عدّ مبادرة الاتحاد لإقامة المهرجان «خطوة إيجابية في مسار الشراكة بين ليبيا، متمثلة في هيئة السينما والمسرح والفنون، والاتحاد الأوروبي والدول الخمس المشاركة».

وأضاف بوقندة، في كلمة الافتتاح، الذي بدأ الأحد بعرض الأفلام، أن المناسبة «تفتح آفاقاً واسعة في مجالات السينما كواحدة من أهم أنواع التواصل بين الشعوب ومرآة عاكسة لكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية التي تسهم بفاعلية في توعية الناس، وتدفع بهم تجاه الارتقاء والإحساس بالمسؤولية».

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي (السفارة الفرنسية لدى ليبيا)

وخلال مراسم الافتتاح، عُرض فيلم «شظية» الليبي الذي أنتج في الثمانينات، من تأليف الأديب الليبي المعروف إبراهيم الكوني، ويحكي قصة معاناة الليبيين مع الألغام التي زرعت في صحراء ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها كثير من المواطنين في مدن ومناطق مختلفة من البلاد.

وبجانب العروض السينمائية في ليبيا، تُجمّع الفنون في ليبيا عادةً من فرقت بينهم السياسة، ويحشد المسرح على خشبته ممثلين من أنحاء البلاد، كانت قد باعدت بينهم الآيديولوجيات في زمن ما، يحكون جميعاً أوجاعهم عبر نصوص ولوحات إبداعية، ويفتحون نوافذ جديدة للتلاقي والحوار بعيداً عن النزاع والانقسام السياسي.

وسبق أن تعطلت الحركة الفنية المسرحية في ليبيا، مُتأثرة بالفوضى الأمنية التي شهدتها ليبيا عقب اندلاع ثورة «17 فبراير» التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. لكن مع الاستقرار النسبي الذي تشهده ليبيا يظل الرهان على الفن في اختبار الانقسام السياسي، الذي ضرب البلاد، لتوحيد الليبيين.